أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
2839
التاريخ: 2-03-2015
2039
التاريخ: 2-03-2015
10340
التاريخ: 2-03-2015
1483
|
هو أنبه تلاميذ الكسائي بعد الفراء(1)، ويظهر أنه كان يتصدر للتدريس والإملاء على الطلاب كما كان يؤدب بعض أبناء الأثرياء وذوي الجاه، ففي أخباره أن الرخجي كان يجري عليه في كل شهر عشرة دنانير، وأن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب القائم على شرطة بغداد في عهد المأمون لزمه وقرأ النحو عليه. وما زال مشغولا بالتأديب والتعليم حتى توفي سنة 209 للهجرة. ونراه يعنى بالتصنيف في النحو، فيؤلف فيه ثلاثة كتب هي: الحدود والمختصر والقياس.
ويقول مترجموه: "له في النحو مقالة تعزى إليه". ومن يرجع إلى كتب النحاة يجد له آراء كثيرة تدور فيها، وهي لا تفصله عن مدرسته الكوفية، بل تجعله منميا لها، باعثا على نشاطها. وهو فيها تارة يتفق مع أستاذه، وتارة يعدل في آرائه، وكثيرا ما ينفرد بآراء يختص بها وحده. فمما اتفق فيه مع أستاذه القول بأن الفاعل قد يحذف على نحو ما يلقانا في باب التنازع في مثل: "قام وقعد علي" ففي رأيهما أن لفظة علي فاعل للفعل الثاني وأن الفعل الأول حذف فاعله، حتى لا يكون هناك إضمار قبل ذكر الفاعل. ويتضح ذلك أكثر في حالتي التثنية والجمع، فمذهب سيبويه فيهما أن يقال في التثنية: "ضرباني وضربت الزيدَينِ", وفي الجمع: "ضربوني وضربت الزيدِينَ" أما في مذهب الكسائي وهشام, فيقال في التثنية: "ضربني وضربت الزيدَين" وفي الجمع :
ص188
"ضربني وضربت الزيدِين" فتوحَّد الفعل الأول معهما؛ لخلوه من الضمير(2). ومما اتفقا فيه أيضا إعمال اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي في المفعول به مثل: "علي ناظمٌ قصيدتَهُ أمس"(3). واتفقا في أن الفعل اللازم إذا بني للمجهول مثل "مُرَّ بِهِ" كان نائب الفاعل ليس الجار والمجرور كما يذهب جمهور النحاة، وإنما ضمير المجهول؛ لأنه يعود إما على المصدر أو الوقت أو المكان، مما يعمل فيه الفعل عادة(4) وكذلك اتفقا في أن الماضي المجرد من قَدِ الواقعة جملته خبرا لإن يصح دخول لام الابتداء عليه مثل: "إن محمدا لقام" على إضمار قد، ومنع ذلك الجمهور(5). وذهب الأخفش إلى أن صيغة التعجب تصاغ من العاهات فيقال: "ما أعوره", وقاس على ذلك الكسائي -وتبعه هشام- صياغته من الألوان مثل: "ما أحمره", و"ما أبيضه", و"ما أسوده", و"ما أخضره"(6).
ومما وافق فيه أستاذه مع شيء من التعديل تقدم المفعول به على المبتدأ في مثل: "زيدا أخوه ضارب", و"زيدا أخوه ضرب", فقد كان الكسائي يجيز الصورة الأولى ولا يجيز الصورة الثانية، وأجازهما معا هشام(7). وكان يجيز مع أستاذه الفصل بين إذن والمضارع المنصوب بها بمعموله مطلقا، غير أن الكسائي كان يرجح النصب، أما هو فكان يرجح الرفع(8). وصورنا فيما أسلفنا خلافه مع أستاذه في وقوع الجملة الطلبية صلة، وقد خالفه في طائفة من الآراء، فمن ذلك ذهاب الكسائي -كما مر بنا- إلى أن الأسماء الخمسة معربة من مكانين بالحركات والحروف معا، بينما ذهب هشام إلى أن الأحرف: الواو والألف والياء هي الإعراب, وأنها نابت عن الحركات(9) ومر بنا أن الكسائي كان يجوز الفصل بين لن والمضارع الناصبة له بالقسم ومعمول الفعل مطلقا، وخالفه في ذلك هشام آخذا بوجهة نظر البصريين(10) . وكان الكسائي يرى رفع لفظة اليوم في مثل: "اليومُ الأحد" وجوز هشام في كلمة "اليوم" النصب على الظرفية ؛ لأنها
ص189
حينئذ بمعنى الآن(11). وله آراء كثيرة انفرد بها ودارت في كتب النحاة، من ذلك أنه كان يرى -كما مر بنا في غير هذا الموضع- أن عامل الرفع في الفاعل هو الإسناد أي: إسناد الفعل له، وذهب إلى أن العامل في المفعول به هو الفاعل، فمثل: قرأت الكتاب، العامل في الكتاب النصب هو التاء. وزعم في مثل: "ظننت زيدا قائما" أن التاء نصبت زيدا، أما "قائما" فنصبها الظن(12). وكان يذهب إلى أن المعتل حين يُجمع جمع مؤنث سالما مثل عِدة وعِدات وثُبَة وثبات ينصب بالفتحة مستدلا على ذلك بحكايته عن العرب "سمعت لغاتَهم" بالنصب(13) وجاء عن العرب: "كلمته فاه إلى فيَّ" ومر بنا أن سيبويه كان يعرب كلمة "فاه إلى في" حالا على تقدير: مشافهة، وأعربها الأخفش منصوبة بتقدير "من" أي: على نزع الخافض، وأعربها الكوفيون مفعولا به على تقدير: "جاعلا فاه إلى في". وذهب الجمهور إلى أنه لا يقاس على هذا التركيب, فلا يقال: "كلمته وجهه إلى وجهي, ولا عينه إلى عيني"، وذهب هشام إلى القياس عليه، فأجاز مثل: "ماشيته قدمه إلى قدمي، وجاوزته بيته إلى بيتي، وناضلته قوسه عن قوسي" ونحو ذلك(14). وكان يذهب مذهب قطرب في أن واو العطف تفيد الترتيب في مثل: قام زيد وعمرو(15). ومعروف أن الجمهور كان يعرب: "لا أبالك" على أن أبا اسم مضاف إلى الضمير المجرور باللام, واللام زائدة لا اعتداد بها, والخبر محذوف. وذهب هشام في إعرابها إلى أن الجار والمجرور صفة لأب والخبر محذوف(16). وكان يجيز أن يقال: "زيد وحده" لسماع ذلك عن العرب، وكان يعرب "وحده" على أنه منصوب انتصاب الظرف مثل عنده، وزعم في مثل "جاء زيد وحده" أن وحده ليست حالا كما ذهب سيبويه مؤولا لها بكلمة "منفردا", إنما هي منصوبة على الظرفية(17) . وذهب إلى أن الفاء العاطفة قد تستعمل بمعنى إلى، مستدلا بقول امرئ القيس:
ص190
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهو إبعاد في الفهم والتقدير(18). وعلى شاكلته ذهابه إلى أن كيف قد تأتي حرف عطف، وأنشد على ذلك قول بعض الشعراء:
إذا قل مال المرء لانت قناته ... وهان على الأدنى فكيفَ الأباعد
وهو خطأ واضح لاقترانها -كما قال ابن هشام- بالفاء، وقد خرجها على مضاف محذوف، تقديره: فيكف حال الأباعد. ويمكن أن يكون جر الأباعد ضرورة شعرية, وأن البيت من قصيدة مكسورة الدال(19). وله من هذا القبيل آراء يغرب فيها إغرابا بعيدا، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن الفاعل ونائب الفاعل قد يكونان جملة مثل: "يعجبني تقوم"، والجمهور يؤول ما قد يظن فيه ذلك من صور الكلام(20) وكان يذهب في مثل: "مؤدبني" إلى أن النون فيها تنوين لا نون، حتى يفسح لإعمال اسم الفاعل في الياء النصب، ورد ذلك ابن هشام بأنها لو كانت تنوينا لما دخلت على اسم الفاعل الألف واللام في مثل: "الموافيني" من قول الشاعر:
وليس الموافيني ليُرْفَدَ(21) خائبا(22)
ومن ذلك أن البصريين وجمهور النحاة كانوا لا يجيزون الجمع بين الفاعل والمفعول في نعت واحد، فلا يقال: "ضرب زيد عمرا الظريفان" وجوز ذلك هشام مع اختيار الرفع(23).
وكان يذهب إلى أن الواو العاطفة للجمل تغني غناء الضمير في الربط بين المبتدأ وخبره, فيقال مثلا: "زيد جاءت هند وأكرمها" ومنع ذلك الجمهور؛ لأنه لم يرد به سماع, ولأن الواو إنما تكون للجمع في المفردات لا في الجمل بدليل جواز "هذان: قائم وقاعد" دون: "هذان يقوم ويقعد"(24).
ولعل في كل ما أسلفنا ما يوضح نشاط هشام في درس النحو على ضوء الأشعة التي سالت من آراء الكسائي وأصوله التي وضعها لنحاة الكوفة من بعده، وقد مضى في إثره يُكثر من الاتساع في الرواية والقياس والخلاف على البصريين والنفوذ إلى آراء جديدة، يداخلها كثير من البعد والإغراب.
ص191
___________________
(1) انظر في ترجمة هشام: الفهرست ص110 ، ومعجم الأدباء 19/ 292، ونزهة الألباء ص164، وابن خلكان، وإنباه الرواة 3/ 364، ونكت الهميان للصفدي ص305، وبغية الوعاة للسيوطي ص409.
(2) الهمع 1/ 109, وابن يعيش 1/ 77، والمغني ص673.
(3) المغني ص770 .
(4) الهمع 1/ 164.
(5) المغني ص202.
(6) الهمع 2/ 166.
(7) الهمع 1/ 102.
(8) المغني ص16.
(9) الهمع 1/ 38.
(10) الهمع 2/ 4.
(11) الرضي على الكافية 1/ 383.
(12) الإنصاف: المسألة رقم11, والهمع 1/ 165.
(13) الهمع 1/ 22.
(14) الهمع 1/ 237, والرضي على الكافية 1/ 186.
(15) المغني ص392, والهمع 2/ 129.
(16) الهمع 1/ 145.
(17) الهمع 1/ 240 .
(18) الرضي 2/ 340 .
(19) المغني ص227، والهمع 2/ 138.
(20) المغني ص448، 478.
(21) يرفد: يعطى.
(22) المغني ص381، 716.
(23) الرضي 1/ 290 .
(24) المغني ص55، والهمع 1/ 98.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|