أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2016
7259
التاريخ: 17-3-2016
8479
التاريخ: 14-3-2016
4362
التاريخ: 2-5-2017
23707
|
يرتب عقد التأمين التزامات يتعين على المؤمن له القيام بها وقد حصرتها المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات فيما يلي:
- التصريح عند اكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف؛
- التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه؛
- دفع الأقساط في مواعيدها؛
- احترام التزامات وقواعد النظافة والأمن؛
- إخطار المؤمن بوقوع الخطر عند تحققه.
وسنتعرض بالتفصيل لهذه الالتزامات وجزاءات الإخلال بها:
أولا: التصريح عند اكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف
أن الخطر عنصر جوهري في عقد التأمين وله دور هام يتحكم في تحديد المؤمن لموقفه من التأمين على الخطر، فعلى أساس حقيقة الخطر يقبل المؤمن التأمين عليه أو يرفضه، وإذا قبله فإن حقيقة الخطر ودرجة جسامته لها تأثير مباشر على تحديد قيمة القسط الذي يجب على المؤمن له دفعه. ونظرا لأهمية هذا الالتزام ندرس أولا طبيعة هذه البيانات ثم جزاء الإخلال بهذا الالتزام(1).
1- طبيعة البيانات:
وفي هذا الشأن تنص المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات المذكورة آنفا في فقرتها الأولى على أنه: "يلزم المؤمن له بالتصريح عند اكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف المعروفة لديه ضمن استمارة أسئلة تسمح للمؤمن بتقدير الأخطار التي يتكفل بها". فالمؤمن يستطيع أن يعرف جانبا من حقيقة الخطر بطرقه ووسائله الخاصة باللجوء إلى الخبرات مثلا، فيقف على بعض البيانات ويلم ببعض الظروف، غير أن معلوماته تكون قاصرة غالبا، خاصة إذا تعلق الأمر بجانب من حقيقة الخطر لا يعلمه إلا المؤمن له كإظهار العيوب الخفية للشيء المؤمن عليه أو الإدلاء بالأمراض الوراثية للمؤمن على حياته مثلا(2). ومن المعلوم أن طلب التأمين يأتي في شكل استمارة أسئلة يجيب المؤمن له عليها، وعلى ضوء هذه الإجابة يستطيع المؤمن قبول أو رفض تغطية الخطر المطلوب التأمين عليه. وزيادة على ذلك يجب على المؤمن له أن يقدم للمؤمن كل البيانات المتعلقة بالخطر وظروفه حتى لو لم تتضمنها الأسئلة الموجهة إليه شفاهة أو كتابة، فتعمد الكتمان يكون في حكم البيانات الكاذبة أو الناقصة. فإذا تعلق التأمين بشيء يؤمن عليه من التلف والهلاك مثلا، يجب على المؤمن له تحديد طبيعة هذا الشيء والمواد المتكون منها والمكان الموضوع فيه، ويحدد بدقة قيمته وأصل ملكيته وكيفية اكتساب المؤمن له لهذا الشيء وغيرها... ويضيف المؤمن له لكل هذه البيانات معلومات أخرى متعلقة به وبحالته المادية، فلو كان معسرا وصرح انه موسر كان هذا بيانا خاطئا لو علمه المؤمن لما أقدم على إبرام العقد(3). ونفس الالتزام بالتصريح يترتب على عاتق المؤمن له في مجال التأمينات الجوية والبحرية على حد سواء، طبقا لما تقضي به المادتان 152 و 108 من الأمر المتعلق بالتأمينات والتي تنص في فقرتها الأولى: "يترتب على المؤمن له أن يقدم تصريحا صحيحا بجميع الظروف التي عرفها وتسمح للمؤمن بتقدير الخطر"، وعموما يقسم الفقه(4) الظروف التي تؤثر في الخطر وتدخل بذلك في نطاق التزام المؤمن له إلى ظروف شخصية وظروف موضوعية: فالظروف الموضوعية هي تلك التي تتعلق بموضوع الخطر وتؤثر على درجة احتماله أو درجة جسامته وهذا يؤثر بالتبعية على قيمة القسط، وهي تختلف حسب نوع التأمين، ففي التأمين على المسؤولية عن الحوادث السيارات مثلا، ينصب البيان على نوع السيارة وسنة صنعها والاستعمال الذي خصصت له ومهنة المؤمن له... أما الظروف الشخصية فتتعلق بشخص المؤمن له وتصرفاته العامة وسلوكه بصفة خاصة في مجال التأمين وغيرها، مما يؤثر في موقف المؤمن بالقبول أو بالرفض ومن أمثلتها سبق الحكم على المؤمن له بعقوبة مدنية أو جنائية ونوع الجريمة أو الحوادث السابقة في التأمين من المسؤولية. فإذا كان البيان ليس من شأنه أن يغير من محل الخطر و لا أن ينتقص من تقدير المؤمن لجسامة الخطر فإن المؤمن له لا يكون ملزما بتقديمه ولو طلبه المؤمن، فإذا عقد المؤمن له عقد التأمين باسم تجاري غير موجود لكنه تعود اتخاذه عن حسن نية ولم يؤثر ذلك في تقدير جسامة الخطر، لم يكن لذلك أثر في صحة عقد التأمين(5).
2- جزاء الإخلال بالتزام التصريح:
يميز المشرع الجزائري في هذا الصدد بين حالتين: حالة عدم التصريح بالبيانات المطلوبة أو بتصريح مخالف للحقيقة بحسن نية، وحالة عدم الإدلاء بسوء نية المؤمن له:
أ- حالة حسن النية:
لا يلتزم المؤمن له بإعلان ظرف أو بيان ما، إلا إذا كان يعلمه، فإذا كان يجهله فإنه يعفى من الالتزام بإعلانه(6)، فلا يمكن إلزامه بتقديم بيانات لا يعلمها. ولا يشترط في المؤمن له العلم الفعلي بهذه الظروف، بل يكفي أن يكون باستطاعته أن يعلم بها ببذل عناية الرجل العادي، فإذا لم يعلم بها رغم ذلك كان حسن نية.
فلو أعملنا القواعد العامة، يحق للمؤمن طلب إبطال العقد للغلط إذا أثبت أنه وقع في غلط جوهري، وأنه لو كان عالما بالبيان الذي صرح به المؤمن له لما أقدم على التعاقد. إلا أن المشرع الجزائري ميز لحل هذه المسألة بين حالة ما إذا اكتشف المؤمن الحقيقة قبل تحقق الخطر، وحالة ما إذا اكتشفها بعد التحقق(7):
أ-1/ اكتشاف المؤمن للحقيقة قبل تحقق الخطر:
تنص المادة 19 في فقرتها الأولى على أنه: "إذا تحقق المؤمن قبل وقوع الحادث أن المؤمن له أغفل شيئا أو صرح تصريحا غير صحيح، يمكن الإبقاء على العقد مقابل قسط أعلى يقبله المؤمن له أو فسخ العقد إذا رفض هذا الأخير دفع تلك الزيادة". وما يستشف من نص هذه المادة أنه للمؤمن -إذا اكتشف أن البيانات التي قدمها المؤمن له ناقصة أو غير صحيحة- أن يطلب زيادة القسط إلى الحد الذي يتناسب مع الخطر مقدرا حسب البيانات الحقيقة. ويجب أن يتم هذا الاقتراح خلال 15 يوما تسري من يوم علمه بالحقيقة. والمؤمن له حر في قبول أو رفض الاستمرار في التأمين بالشروط الجديدة. ففي حالة رفضه كان للمؤمن طلب فسخ العقد، ويتعين عليه حينها أن يرد للمؤمن له الأقساط التي دفعها والتي تغطي المدة الباقية من التأمين التي لا يسري فيها العقد. وفسخ العقد لا يسري بأثر رجعي، ونتيجة ذلك أن المؤمن يحتفظ بالأقساط التي تغطي الفترة السابقة للفسخ(8).
أ-2/ اكتشاف المؤمن للحقيقة بعد تحقق الخطر:
تقضي نفس المادة السابقة في فقرتها الرابعة أنه: "إذا تحقق المؤمن بعد وقوع الحادث أن المؤمن له أغفل شيئا أو صرح تصريحا غير صحيح يخفض التعويض في حدود الأقساط المدفوعة منسوبة للأقساط المستحقة فعلا مقابل الأخطار المعينة مع تعديل العقد بالنسبة للمستقبل". ومفاد ذلك أنه إذا لم يكشف المؤمن الحقيقة إلا بعد تحقق الخطر، فلا يستطيع التمسك بفسخ العقد لأن الخطر تحقق ووجب عليه بذلك تنفيذ التزامه بتغطيته. لكن يمكن اللجوء إلى حل آخر، بأن يخفض مبلغ التأمين بحيث يتناسب مع الأقساط التي دفعت فعلا، ولا يدخل في الحساب تفاقم الخطر ما دامت الأقساط المستحقة عن هذا التفاقم لم تدفع(9) مع تعديل العقد للمدة الباقية لسريانه. فيغطي المؤمن الخطر وفقا للبيانات التي كان على علم قبل تحقق الخطر وليس للبيانات الصحيحة والجديدة. وتطبق لحساب ذلك قاعدة النسبية، فيكون التعويض معادلا لقيمة الضرر في القسط المدفوع على القسط المستحق كما يلي:
التعويض = قيمة الضرر X القسط المدفوع / القسط المستحق
وبعبارة أدق بضرب القسط المدفوع في المبلغ المضمون -وهو مبلغ التأمين- ويقسم الناتج على القسط الحقيقي فيساوي ذلك قيمة التعويض المخفض ولتوضيح ذلك ندرج المثال التالي:
نفرض أن القسط المدفوع في الأول = 400 د.ج ثم تبين أن القسط الحقيقي = 500 د.ج والمبلغ المضمون= 200.000 د.ج، باستخدام القاعدة الثلاثية نتحصل على مبلغ التعويض 400 X 200.00 / 500 = 160.000 د.ج(10). وفي العقود التي يحدد فيها حساب الأقساط على أساس الأجر أو عدد الأشخاص أو عدد الأشياء، لا يكون للمؤمن إلا القسط المغفل واستعمال ما ينقص من أقساط إذا كان المؤمن له قد أغفل شيئا أو ارتكب خطأ عن حسن نية في التصريحات المتعلقة بذلك.
ب- حالة سوء النية:
وتجد هذه الحالة حكمها القانوني في المادة 21 من الأمر المتعلق بالتأمينات وحسبها: "كل كتمان أو تصريح كاذب متعمد من المؤمن له قصد تضليل المؤمن في تقدير الخطر ينجر عنه إبطال العقد ..."، ويعرف الكتمان بأنه: الإغفال المتعمد من المؤمن له للتصريح بأي فعل من شأنه أن يغير رأي المؤمن في الخطر. وعلى المؤمن إثبات سوء النية المؤمن له، بإثباته إغفاله المتعمد لبيان، أو تقديمه لتصريح كاذب أو معلومات خاطئة يكون من شأنها التأثير على تقدير المخاطر المؤمن منها، والجزاء المترتب عن هذا الكتمان أو التصريح الكاذب هو بطلان عقد التأمين. فإذا عدنا إلى القواعد العامة، نجد أنها تقرر في حالة البطلان إرجاع الطرفين إلى ما كانا عليه قبل إبرام العقد، في حين انه يوجد حكم خاص بعقد التأمين تضمنه المادة 21/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات وفحواه أن التزام المؤمن بالتعويض ينقضي بالبطلان. لكن تعويضا له عن الضرر الذي أصابه بسبب الكتمان أو التصريح الكاذب، تبقى الأقساط المدفوعة، والأقساط التي لم تدفع وحان أجل استحقاقها حقا مكتسبا للمؤمن إلى يوم تقرير البطلان. فإذا كان قد دفع للمؤمن له مبالغ معينة على سبيل التعويض فله أن يطالبه بردها جزاء للغش وسوء النية(11). اي يترتب عن سوء نية المؤمن له إبطال العقد أولا، وإبقاء الأقساط المدفوعة عن المدة الباقية حقا مكتسبا للمؤمن، مع حرمان المؤمن له من مبلغ التأمين إذا تحقق الخطر. وثانيا استرداد المبالغ التي يكون المؤمن له قد قبضها كتعويضات مع إلزامه بدفع تعويض عن الضرر اللاحق بالمؤمن(12). وفي العقود التي يكون محلها خطر متغير، ويحدد فيها حساب الأقساط على أساس الأجر أو عدد الأشخاص أو عدد الأشياء، يمكن للمؤمن استرجاع التعويضات إذا كان الإغفال أو الخطأ ذا صيغة احتيالية بحكم طبيعته أو أهميته أو تكراره، فيطالب المؤمن بتحصيل القسط المغفل، كما له أن يطالب المؤمن له بتعويض لإصلاح الضرر، لا يتعدى نسبة 20% من القسط المغفل. ويتولى القضاء تحديد هذا الضرر وتقديره(13). وتجدر الإشارة إلى انه يوجد حكم خاص أوردته المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات والتي تحيل بدورها إلى المادة 88 من نفس الأمر، وهو أنه يبطل أي عقد من عقود التأمين لحالة الحياة أو لحالة الوفاة إذا وقع خطأ في سن المؤمن له وكانت السن الحقيقية خارجة عن الحدود التي رسمها المؤمن لإبرام العقد. فالخطأ في السن يؤدي إلى بطلان العقد إذا تحقق المؤمن منه -سواء كان ذلك قبل وقوع الوفاق أو بعده- من أن السن الحقيقية للمؤمن له تجاوز السن المحددة في وثيقة التأمين وهي السن التي لا يقبل المؤمن إبرام عقد التأمين فيما يجاوزها(*). ويلاحظ في هذه الحالة، كميزة خاصة بها، أنه يستوي كون المؤمن له حسن النية، أي يجهل سنه الحقيقي، أو كونه سيء النية فأخفى سنه وصرح تصريحا كاذبا. كما أن أثر البطلان المقرر لعقد التأمين في هذه الحالة يختلف عن سابقة، حيث أن المادة 88 من الأمر المتعلق بالتأمينات تقضي بأن البطلان ها هنا ينتج آثاره المعروفة في القواعد العامة بإرجاع الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فيرد المؤمن للمؤمن له الأقساط التي دفعها قبل العقد لكن لا يستحق المستفيد مبلغ التأمين إذا ظهرت الحقيقة بعد تحقق الخطر أي حدوث الوفاة(14). ونفس الأحكام تسري على التأمينات الجوية حسب المادة 152 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
ثانيا: التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه
1- مفهوم تفاقم الخطر وتغيره
يقصد بتفاقم الخطر طروء بعض الظروف بعد إبرام عقد التأمين وأثناء سريانه، تؤدى إما إلى زيادة نسبة احتمال وقوع الخطر، وإما إلى زيادة درجة جسامته بحيث يترتب على ذلك أن يظهر الخطر على حالة لو كانت موجودة وقت إبرام العقد لامتنع المؤمن عن التعاقد أو لما تعاقد إلا نظير مقابل أكبر(15). ويعرفه القضاء الفرنسي بأنه: "زيادة احتمال وقوع الأخطار إلى درجة أنه لو علم بها المؤمن لما تعاقد إلا مقابل قسط أعلى أو حسب شروط تختلف عن تلك التي تعاقد بها". فيحدث غالبا أن تنشأ بعد إبرام العقد ظروف تغير أو تزيد في الخطر المؤمن منه، ويترتب على ازدياد فرص تحقق أو تفاقم الخسائر الناتجة عن تحققه أن يصبح التزام المؤمن بالضمان أشد عبئا وأثقل وطأة. ومن أمثلة الظروف التي تؤدي إلى زيادة نسبة احتمال تحقق الخطر وتؤثر بالتالي على معدل القسط: وضع مواد متفجرة، أو بناء محطة بنزين بجوار منزل مؤمن عليه ضد الحريق، أو مثلا في التأمين على حوادث السيارات استعمال سيارة لنقل الأشخاص أو البضائع بعد أن تكون مخصصة للاستعمال الخاص. ومن الظروف التي تؤدي إلى تفاقم الخطر في التأمين ضد الإصابات أن يغير المؤمن له مهنته التي أبرم التأمين على أساسها إلى مهنة أشد خطرا منها(16). ففي كل هذه الحالات وغيرها، يجب أن يخطر المؤمن له المؤمن بهذه الظروف ليعيد النظر في العقد على أساس المعطيات والمعلومات المستجدة(17) لذا يجب على المؤمن له القيام بالتزام الإدلاء والتصريح بجميع البيانات والظروف التي من شأنها الـتأثير في قبول أو رفض المؤمن الاستمرار في التأمين بشروط جديدة أو بالشروط الأصـلية. ويكون ملزما ومطالبا بإعلام المؤمن بالحالات الخاصة الواردة في الوثيقة، وكل استعمال مغاير لما نص عليه في الوثيقة يجب على المؤمن له التصريح به. يكثر عمليا أن تكون هذه الحالات والظروف محددة من طرف المؤمن، فمن مصلحته أن يعين بدقة ووضوح ضمن شروط خاصة مكملة للشروط العامة لوثيقة التأمين، الخطر وحالات تفاقمه. فلا يعتبر تفاقما بعدئذ إلا الحالات المذكورة في الوثيقة ولا يضمن المؤمن ما عدا ذلك(18). وبإلقاء نظرة على التشريعات المقارنة، نجد أن القضاء الفرنسي لا يعد التكرار غير العادي للخطر تفاقما في الخطر ومثاله زيادة حمولة الشاحنة المؤمن عليها. بينما يعد تفاقما في الخطر زيادة نشاط ثانوي لمهنة المؤمن له المبينة في العقد أو قيامه بمهام لا تدخل ضمن أعماله أو لا تكون مؤهلا لها(19). ويبقى الالتزام بالتصريح بتفاقم الخطر قائما في حق المؤمن له، سواء حدث التغيير أو التفاقم بإرادة المؤمن، أو نتج عن حادث أجنبي، وسواء كان هذا التغيير دائما أو عرضيا. إذ يجب في كل هذه الحالات على حد سواء التصريح بكل الظروف والبيانات التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الخطر. أما إذا لم يكن من شأن الظروف أن تزيد في الخطر على الوجه الذي يؤثر في موقف المؤمن من إبرام عقد التأمين وفي تقديره لقيمة القسط على النحو الذي تقدم، فلا يعقد بها ولا يلتزم المؤمن له بالإخطار عنها(20). ومن جانب آخر نجد أن موقف القضاء الفرنسي متشدد في بعض المجالات وبصورة خاصة في التأمين على حوادث المرور، فيعتبر أي إضافات في السيارة أو الشاحنة محل التأمين كإضافة مقطورة إليها أو استبدالها أو استعمالها في غير محلها مثلا تفاقما، ويجب التصريح بذلك مسبقا و إلا سقط الحق في الضمان .
2- آجال التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه:
يجد الالتزام بالتصريح بتغير الخطر أو تفاقمه أساسه القانوني في المادة 15/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات و المادة 108 من نفس الأمر فيما يتعلق بالتأمينات البحرية. ونظر لأهمية هذا التزام فقد ربطه المشرع بآجال قانونية يجب على المؤمن له احترامها وميز في هذا الصدد بين حالتين:
أ- إذا حدث التغير في الخطر لسبب أجنبي:
قد يعرف الخطر المؤمن منه تغيرا أو تفاقما ويكون ذلك خارج إرادة المؤمن له أو فعله، بل يرجع إلى سبب أجنبي لا يد للمؤمن له فيه، ويدخل في مفهوم السبب الأجنبي فعل الغير، وفي هذه الحالة على المؤمن له أن يصرح به للمؤمن في أجل 07 أيام تسري ابتداء من يوم إطلاع المؤمن له على تغيير أو تفاقم الخطر. لكن تورد نفس المادة استثناءا على هذا الأجل في حالة وجود قوة قاهرة أو ظروف طارئة، أين تمتد الآجال إلى ما بعد زوال هذه الحالة الطارئة التي حالت دون قيام المؤمن له بهذا الالتزام. وتجدر الإشارة على أن المقصود بأجل سبعة أيام هو أيام العمل فقط، دون عطل نهاية الأسبوع أو العطل الدينية والوطنية الأخرى.
كما يمكن تمديد الأجل إلى أكثر من ذلك باتفاق الطرفين إذا كان ذلك في صالح المؤمن له(21).
ب- إذا حدث تغير في الخطر بإرادة المؤمن له:
وفي هذه الحالة يتعين على المؤمن له أن يصرح مسبقا للمؤمن بتغير الخطر أو بتفاقمه أي قبل القيام بإحداث الظروف المؤدية إلى زيادة الخطر ما دامت صادرة عن إرادته(22). ومثال ذلك أن يغير المؤمن له مهنته إلى عمل آخر أكثر خطورة يعرضه أكثر للوفاة أو يقوم بتمارين رياضية قاسية، فيتسبب في تفاقم الخطر، فيجب عليه إعلام المؤمن له بذلك مسبقا. وفي كلتا الحالتين السابقتين، وسواء تفاقم الخطر وتغير بإرادة المؤمن له أو سبب أجنبي عنه، فإنه يجب عليه تقديم تصريح بذلك في رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام(23). وبالموازاة مع ذلك تقضي المادة 152 من الأمر المتعلق بالتأمينات بتطبيق نفس أحكام الآجال الخاصة بتصريح المؤمن له وذلك مجال التأمين الجوي، في حين تطبق أحكام المادة 108/3 في تأمين البضائع المنقولة جوا(*).
3- أثار التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه:
إذا وفى المؤمن له بهذا الالتزام ترتب على ذلك إبقاء الخطر المؤمن منه مغطى بالتأمين إلى أن يبين المؤمن موقفه فيما جد من الظروف(24)، ولهذا الأخير أن يقترح معدلا جديدا للقسط في أجل أقصاه 30 يوما يسري من يوم علمه بتغير الخطر أو تفاقمه، وهذا الميعاد من النظام العام لا يمكن للطرفين الاتفاق على خلافه. فإذا انقضت هذه المدة دون أن يقترح معدلا جديدا للقسط وجب عليه ضمان تفاقم الخطر دون أن يلزم المؤمن له بدفع أية زيادة في القسط. أما في حالة ما إذا اقترح المؤمن معدلا جديدا للقسط خلال المدة القانونية اللازمة، نشأ التزام على المؤمن له بدفع الزيادة المقترحة خلال أجل 30 يوما تسري من تاريخ استلام المؤمن له اقتراح المؤمن بهذه الزيادة. وللمؤمن له الحرية في قبول اقتراح المؤمن أو رفضه، وفي حال القبول يجب تحرير ملحق يتضمن تعديل معدل القسط ويضاف إلى وثيقة التأمين(25). وأما في حالة رفض المؤمن له الاستمرار في العقد بالمعدل الجديد للقسط، أو انقضاء الأجل دون أن يبين موقفه، جاز للمؤمن -وطبقا للقواعد العامة- أن يفسخ العقد، بل له حتى أن يطلب من المؤمن له تعويضا عن الضرر الذي قد لحقه بسبب الفسخ إذا كان تفاقم الخطر راجعا إلى إرادة المؤمن له أو نشأ عن فعله(26). وليس للفسخ أثر رجعي لأن عقد التأمين من عقود المدة، ويترتب على ذلك أن ينقضي التزام المؤمن بالـضمان وكذا التزام المؤمن له بدفع الأقساط من وقت إنهاء العقد، ولكنه يلتزم برد الأقساط المقابلة للفترة اللاحقة لإنهاء العقد، والتي كان المؤمن له قد دفعها مقدما، لأن دفع هذا الجزء من الأقساط يصبح بدون سبب بعد انقضاء التزام المؤمن بالضمان(27). كما للمؤمن -من باب المجاملة وتسهيل المعاملات- ألا يفسخ العقد، فيستمر التأمين بالشروط الأصلية أي بمعدل القسط الأصلي، ويتم هذا صراحة أو ضمنيا بسكوت المؤمن بعد علمه بتفاقم الخطر أو بعد اقتراحه معدلا جديدا للقسط ورفض المؤمن له الزيادة المقترحة. وقد يحدث أن يزول تفاقم الخطر فيعود إلى أصله، سواء كان راجعا إلى إرادة أو فعل المؤمن له أو إلى سبب أجنبي، وفي هذه الحالة وما دام سبب زيادة القسط قد زال يستطيع المؤمن له أن يطلب تخفيض القسط إلى حد الذي يتناسب مع الخطر،ويستفيد من هذا الحق ابتداء من يوم إعلام المؤمن بزوال التفاقم(28). هذا ويترتب عن عدم القيام بالتزام التصريح بتغير الخطر وتفاقمه نفس الجزاء الذي يترتب عن عدم القيام بالتزام التصريح بالبيانات اللازمة أو تقديم بيانات غير صحيحة عند اكتتاب العقد، ويميز المشرع فيه كذلك بين حالة حسن النية وسوء النية قبل وقوع الخطر أو بعد حدوثه وذلك بالرجوع إلى أحكام المادتين 19 و 21 من الأمر المتعلق بالتأمينات مع إعمالهما في مجال التأمينات البرية والجوية على حد سواء(29).
ثالثا: الالتزام بدفع القسط (30).
فالقسط - هو المقابل الذي يدفعه المؤمن له بغرض الحصول على تغطية الخطر المؤمن منه، ويسمى هذا المقابل "قسطا" إذا كان المؤمن شركة تأمين ويسمى "اشتراكا" إذا كان المؤمن جمعية تأمين تبادلية. وينبغي أن ندرس الآن التزام المؤمن له بدفع هذا القسط من خلال العناصر التالية:
1- المدين بدفع القسط:
الأصل أن المدين بدفع القسط هو المؤمن له الذي وقعت وثيقة التأمين باسمه، حتى لو كان عقد التأمين قد أبرم بواسطة وكيل عنه وهذا الالتزام ينتقل إلى الخلف العام أو الخلف الخاص للمؤمن إذا توفر سبب لهذا الانتقال، فإذا توفي المؤمن له فإن ورثته، وهم خلفه العام، يلتزمون بالوفاء بالأقساط التي حلت وقت الوفاة ولم تكن قد دفعت طبقا لمبدأ "لا تركة إلا بعد سداد الديون". كما يلتزم الورثة الذين انتقلت إليهم الحقوق والالتزامات المترتبة عن عقد التأمين بدفع الأقساط المستقبلية. وإذا تصرف المؤمن له في الشيء المؤمن عليه بالبيع مثلا فإن عقد التأمين ينتقل -فيما ينشئه من حقوق والتزامات خاصة بالشيء المؤمن عليه- إلى الخلف الخاص الذي يصبح هو المدين بدفع القسط من تاريخ التصرف(31). وعادة يكون المستفيد من التأمين هو المؤمن له، ويمكن أن يكون شخصا آخر، مثل التأمين على الحياة لحالة الوفاة أين يمكن أن يحل المستفيد محل المؤمن له في الوفاء لأنه يعتبر صاحب مصلحة في الوفاء. وحسب نص المادة 83 من الأمر المتعلق بالتأمينات فإنه يمكن لأي شخص له مصلحة في إبقاء التأمين أن يحل محل مكتتب التأمين في دفع الأقساط، وفي هذا إعمال للقواعد العامة المنصوص عليها في المادة 258 من القانون المدني التي تقول بصحة الوفاء من المدين أو من نائبه أو من أي شخص له مصلحة في الوفاء، ويجوز للغير أن يقوم بوفاء القسط وفقا للقواعد العامة المقررة في وفاء الغير للدين ثم يكون لهذا الغير الرجوع على المدين بما وفاه(32).
2- كيفية دفع القسط:
يتبين من نص المادة 619 من القانون المدني أن المشرع يقصد بالقسط مبلغا نقديا حسبما يستشف من عبارة " أو أية دفعة مالية أخرى"، ولا يقوم مقام الدفعة النقدية القيام أو الامتناع عن القيام بعمل ما، فالمؤمن له يوفي بالقسط نقدا، ويجوز أن يتم الوفاء بواسطة سند تجاري كالشيك مثلا، ولكن في هذه الحالة لا يعتبر الوفاء قد تم إلا إذا تسلم المؤمن القيمة الثابتة في السند ويتسلمها نقدا. ومن الطرق الأخرى في الوفاء: المقاصة، إذ يمكن أن يتم الوفاء بالقسط بإجراء المقاصة بين المبلغ المستحق على المؤمن له والمبلغ المستحق له تجاه المؤمن، لأن الوفاءان يكونان بهذا الشكل من جنس واحد حسبما تشترطه المادة 297 من القانون المدني في أن يكون كل منهما دينا ثابتا وخاليا من النزاع .
وتجري المقاصة في حدود الأقل من الدينين(33) ويحدث ذلك مثلا في حالة تحقق الخطر فيصبح مبلغ الـتأمين مستحق الأداء في الوقت الذي كانت هناك أقساط مستحقة للمؤمن ولم يكن المؤمن له قد دفعها بعد، فهنا يجوز للمؤمن إعمالا للمقاصة القانونية أن يخصم من مبلغ التأمين مقدار الأقساط المستحقة، لكن هذا يفترض أن مبلغ التأمين قد يحدد بصورة لا تجعله محلا للنزاع وإلا لا يجوز إعمال المقاصة.
3- زمان دفع القسط وإثباته:
طبقا للقواعد العامة في الوفاء يتم تنفيذ الوفاء بالقسط فور إبرام العقد أي بمجرد ترتب هذا الالتزام في ذمة المؤمن له، غير أنه يوجد حكم خاص أوردته المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات وخرجت به عن هذه القواعد العامة بنصها على أن المؤمن له يدفع القسط أو الاشتراك في الفترات المتفق عليها، ونستخلص من ذلك أنه لابد أن يتفق الأطراف على زمن الوفاء بالقسط. ويقع عادة أن يتم تنفيذ هذا الالتزام على شكل أقساط تدفع بداية كل سنة أو نصف سنة أو حسبما يتفق عليه على شكل دورات معينة، وفي هذه الحالة يسمى "القسط الدوري" يدفعه مكتتب التأمين كلما حل أجل الاستحقاق طوال المدة المحددة في العقد. كما قد يشترط المؤمن على المؤمن له أن يدفع القسط دفعة واحدة ومقدما، حتى يتمكن من مواجهة التعويضات التي قد يلتزم بها خلال فترة معينة، أو قد يختار المؤمن له نفسه هذا النوع من الدفع حتى يتحصل على ضمان في الحال ليسمى القسط في هذه الحالة " القسط الوحيد"، وهو المبلغ الذي يجب على مكتتب التأمين أداءه دفعة واحدة عند اكتتاب عقد التأمين قصد التحرر من التزامه والحصول على ضمان(34)، ومهما كانت كيفية دفع المؤمن له للقسط، سواء أداه دفعة واحدة أو على عدة دفعات متتالية، فإنه يتسلم مقابل ذلك مخالصة يستطيع أن يثبت بها تنفيذه لالتزامه، إذا كانت قيمة هذه الأقساط تتجاوز100.000 د.ج طبقا لما تنص عليه القواعد العامة في الإثبات، ويجوز فيما دون هذه القيمة إثبات الدفع بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن(35).
4- مكان دفع القسط:
حسبما تقضيه القواعد العامة إذا لم يحدد بالعقد مكان الوفاء بالقسط، فإن هذا الوفاء يكون في موطن المؤمن له ويترتب على ذلك أن القسط يكون مطلوبا بمعنى أن المؤمن يسعى إلى المؤمن له لتحصيل القسط(36).ولما لم يوجد نص في الأمر المتعلق بالتأمينات يقضي بوجوب أن يقع الوفاء بالقسط في مكان معين، نطبق هذه القواعد العامة(37)، ليكون الوفاء بالقسط في موطن المؤمن له، لكونه هو المدين بالوفاء، أو في المكان الذي يوجد فيه مركز مؤسسته إن كان التأمين يتعلق بهذه المؤسسة. لكن هذه القاعدة ليست من النظام العام ويجوز للمتعاقدين للاتفاق على خلافها. غير أنه جرت العادة لدى شركات التأمين على تضمين وثائق التأمين شرطا يقضي بوجوب الوفاء بالقسط في مقر الشركة، ليكون الموطن التأميني للمؤمن له هو الموطن المذكور في وثيقة التأمين أو الموطن الأخير الذي صرح به إن وقع فيه تغيير، وعند دفع الأقساط في موطن شركة التأمين فإن المؤمن له يحملها إليها وفي هذا خلاف لمبدأ أن "الدين يطلب و لا يحمل". وفي جميع الأحوال يجوز للطرفين الاتفاق على أي مكان آخر يتم فيه الدفع(38).
5- تقدير القسط(39):
إن تقدير القسط الواجب الدفع -سواء تعلق الأمر بالقسط الوحيد أو القسط الدوري- عملية لا تخلو من الصعوبة والتعقيد، لأن عملية التأمين تختلف عن أية عملية تجارية أخرى، لذا فإن شركات التأمين تأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل عند تقديرها لأقساط التأمين. ففي التأمين على الحياة مثلا، تأخذ بعين الاعتبار سن المؤمن له وحالته الصحية الحالية والسابقة، والمهن التي مارسها في حياته وما إلى ذلك. ويجب عليها في كل حالة أن تراعي عدم استغلال المؤمن له، ولتحقيق هذا الغرض تعهد مهمة تحديد القسط أو الأسس التي يقوم عليها هذا التقدير إلى جهاز مختص مهمته تحديد التعريفات التي يحدد بواسطتها القسط. وقد اهتم المشرع الجزائري بهذا الجانب حيث نص في المادة 231 من الأمر المتعلق بالتأمينات، على إحداث جهاز متخصص في مجال التعريفات(*) لدى الوزير المكلف بالمالية ويقوم هذا الجهاز بإعداد مشاريع التعريفات ودراسة تعريفات التأمين السارية المفعول، ويكلف هذا الجهاز بإبداء الرأي حول أي نزاع يتعلق بتعريفات التأمين إلى أن تبت فيه إدارة الرقابة. وتبين المادة التي تليها العناصر التي تحدد على أساسها تعريفة الخطر وهي: نوعية الخطر، ودرجة احتمال وقوعه، ونفقات الاكتتاب، ونفقات تسيير الخطر، وأي عنصر تقني آخر يتعلق بالتعريفة الخاصة بكل عملية من عمليات التأمين. فيجب على شركات التأمين أن تراعى في تحديدها للقسط الذي يلتزم المؤمن له بدفعه جميع هذه العناصر. وإذا حددت تعريفات معينة يجب أن تبلغ مشاريع هذه التعريفات إلى إدارة الرقابة قبل الشروع في تطبيقها، ويكون لها حينئذ أن تعدلها في أي وقت بعد أخذ رأي الجهاز المتخصص في مجال التعريفات، وهذا إذا تعلق الأمر بالتأمينات غير الإلزامية(40).
أما في مجال التأمينات الإلزامية فإدارة الرقابة هي التي تحدد تعريفات التأمين أو المقاييس الخاصة بها وهذا باقتراح من الجهاز المتخصص في ميدان التعريفة بعد أخذ رأي المجلس الوطني للتأمينات(41). وفي حالة اعتراض المؤمن له على التعريفة، يخطر إدارة الرقابة التي تقوم بإقرار التعريفة الواجب تطبيقها بعد استشارة الهيئة المكلفة بالتعريفة حسبما تقتضيه المادة 201/1 من الأمر المتعلق بالتأمينات. وسواء تعلق الأمر بالتأمينات الإلزامية أو غير الإلزامية فإن المؤمن له يدفع ما يسمى "القسط الجرد" أو "القسط التجاري" وهو حسب المادة 80 من الأمر المتعلق بالتأمينات: "القسط الصافي المطابق لتكلفة الخطر مضافا إليه نفقات التسيير الواقعة على عاتق المؤمن". والقسط الصافي أو القسط الفني، الذي تبدأ شركة التأمين أولا في تحديده، يشمل تكاليف العملية التأمينية فقط فهو يمثل القيمة الحالية لالتزامات المؤمن يوم التعاقد. وهو تكلفة الخطر، أي نوعه ودرجة احتمال وقوعه. وبإضافة النفقات نحصل على قسط الجرد أو ما يسمى "القسط التجاري"، وهي النفقات الواقعة على عاتق المؤمن وتشمل نفقات الاكتتاب ونفقات إبرام عقد التأمين، وتشمل أيضا نفقات تسيير الخطر. ونفقات متابعة الخطر بمعرفة تغيره نقصا أو زيادة ويشمل أيضا كل النفقات الأخرى التي يضطر المؤمن إلى اللجوء إليها من أجل تغطية الخطر كالمصروفات الإدارية من مرتبات وأجور العمال ومصروفات الإنارة والمياه وإيجار المباني ونفقات الإعلانات بالصحف والإذاعة والتلفزيون وغيرها من النفقات الأخرى. وكل هذه الاعتبارات تؤخذ في الحسبان عند تقدير القسط النهائي الذي يدفعه المؤمن له، وإذا تغير الخطر نقصا أو زيادة وجب إعادة تقدير القسط على أساس ما طرأ من ظروف جديدة (42).
6- آثار عدم الوفاء بالالتزام بدفع القسط:
يترتب على الإخلال بالالتزام بدفع القسط جزاء نصت عليه المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات ويتفرع إلى نوعين: وقف الضمان والفسخ، ولكن قبل ترتيب الجزاء يجب على المؤمن أن يقوم بإجراءات إلزامية، ونتطرق فيما يلي إلى هذه الإجراءات ثم إلى الجزاء المترتب على الإخلال بدفع القسط.
أ- التذكير و الإعذار بدفع القسط:
الإعذار شرط ضروري لإعمال جزاء وقف الضمان، والحكمة في ذلك تتمثل في أمرين: الأول أنه بالإعذار يثبت على وجه قاطع تقصير المؤمن له في دفع القسط، والثاني أن الإعذار ينبه المؤمن له إلى خطورة عدم دفع القسط الذي يؤدي بعد مرور مهلة معينة إلى وقف ضمان المؤمن. وتظهر أهمية الإعذار من ناحية أخرى في حالة ما إذا كان القسط واجب الدفع في موطن المؤمن، فلو لم يكن الإعذار شرطا لتوقيع الجزاء على المؤمن له لكان من حق شركة التأمين أن تعتبر عدم الوفاء بالقسط في الميعاد المحدد تقصيرا من جانب المؤمن له، وبالتالي يجوز لها وقف الضمان مما يمثل مفاجأة للمؤمن له ينبغي لمواجهتها إعذاره بوجوب دفع القسط (43). وتقضي المادة 16/1 بأنه: "يلزم المؤمن بتذكير المؤمن له بتاريخ استحقاق القسط قبل شهر على الأقل مع تعيين المبلغ الواجب دفعه و أجل الدفع". أي حتى إذا كان المؤمن له يعلم مسبقا -أي وقت إبرام العقد- المواعيد التي يجب أن يدفع فيها القسط، إلا أن المشرع أوجب على المؤمن أن يذكره بموعد دفع كل قسط، وأن يقوم بهذا التذكير لمدة شهر على الأقل قبل حلول الأجل، وهذه المدة تتناسب مع ما يجري في عمليات التأمين، لأنه نادرا ما تسدد الأقساط على مدة تقل عن سنة، وهي مدة تناسب شركات التأمين، لأن الأقساط التي تتقاضاها على هذا الشكل تمكنها من تغطية بعض نفقات عملياتها. ولأن المدة طويلة، فمن المحتمل جداً أن ينسى المؤمن له أجل استحقاق القسط. ومن أجل ذلك ألزم المشرع المؤمن أن يذكره به، و يذكره أيضا بالمبلغ المستحق، هذا إذا تعلق الأمر بالوثائق الطويلة المدى أو المتجددة ضمنيا مثل تأمينات الأشخاص، أما إذا تعلق الأمر بوثائق ذات الأجل البات فإن المؤمن لا يلتزم بهذه الإجراءات وإنما تطبق في هذه الحالة أحكام المادة 17من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تقضي أنه: "في العقود ذات الأجل البات لا تسري أثار الضمان إلا على الساعة الصفر من اليوم الموالي لدفع القسط...". وإذا تلقى المؤمن له هذا التذكير و جب عليه أن يوفي بدفع القسط خلال مدة 15 يوم على أكثر تقدير، و يسري هذا الأجل إبتداءا من تاريخ القسط و ليس من تاريخ وصول التذكير حسب نص المادة 16/2 من الأمر المتعلق بالتأمينات(*). فإذا انقضى هذا الأجل و لم يوف المؤمن بالتزامه وجب على المؤمن أن يعذره بدفع القسط بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالاستلام، ويرسل الإعذار إلى آخر موطن للمؤمن له شريطة أن يكون معلوما للمؤمن، و إلا جاز الإعذار في الموطن المبين في وثيقة التأمين(44). و يكون المؤمن هنا أيضا مقيدا بأجل 30 يوما تسري ابتداء من انقضاء أجل 15 يوما المحددة للتذكير في المادة 16/2 و المادة 16/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
ب- جزاء عدم الوفاء بالقسط(45):
يجب التمييز في هذه الحالة بين التأمين على الأشخاص و التأمين على الأضرار
ب-1/ في التأمين على الأضرار:
يكون أمام المؤمن أن يلجأ إلى وقف الضمان أولا ثم إلى فسخ العقد على النحو الموالي:
ب-1-1/ وقف الضمان:
ويعتبر أول جزاء يطبق على المؤمن له بسبب إخلاله بالتزامه بدفع القسط، فإذا تحقق الخطر في فترة التوقف فلا يستفيد المؤمن له من الضمان ولا يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين ويسري توقف الضمان ابتداء من انقضاء أجل 30 التي يتم فيها الإخطار بالوفاء. ووقف الضمان لا يتطلب من المؤمن القيام بأي إخطار أو إشعار أخر، وهو جزاء ينتهي بدفع القسط المطلوب والمتأخر، والذي إذا دفعه المؤمن له عاد الضمان إلى السريان تلقائيا ودون حاجة إلى تحرير ملحق بذلك تعديلا للعقد، ولكن لا يعود الضمان من وقت الوفاء بالقسط بل تستأنف أثار العقد ابتداء من الساعة الثانية عشر من اليوم الموالي لدفع القسط المتأخر(46)، فإذا تحقق الخطر قبل هذه الساعة لم يكن المؤمن ملزما بالضمان، و قد تقرر هذا تجنبا لالتباس الأمر حول الوقت الذي وقع فيه الوفاء بالقسط و الوقت الذي تحقق فيه الخطر. و يستبعد المادة 51 من الأمر المتعلق بالتأمينات من هذا الحكم التأمين من هلاك الحيوانات، أين لا يعود سريان مفعول الضمان بعد وقوفه بسبب عدم دفع الأقساط إلا بعد 05 أيام من دفع جميع الأقساط المستحقة، وقد تقرر هذا الحكم تجنبا لكل احتيال من طرف المؤمن له ذلك أنه إذا وقع الهلاك في فترة توقف الضمان لا يكون المؤمن ملزما بدفع مبلغ التأمين.
ب-1-2/ فسخ العقد:
للمؤمن الحق في فسخ عقد التأمين بعد انقضاء 10 أيام من وقف الضمان، و يحق للمؤمن أيضا أن يبقي العقد على حاله إن أراد ذلك، لكن الضمان يبقى موقوفا طالما لم يدفع المؤمن له الأقساط المتأخرة، لكن إذا قرر المؤمن فسخ العقد فإن عقد التأمين ينقضي بهذا الفسخ ويعود إلى السريان حتى اقتراح المؤمن له دفع الأقساط المتأخرة، ويجب على المؤمن أن يبلغ الفسخ للمؤمن له بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام و يسري الفسخ من وقت إرسال هذه الرسالة. والفسخ إذا لجأ إليه المؤمن فإنه لا يعفي المؤمن له من الأقساط المتبقية والمطابقة للفترة التي سرى فيها الضمان، إذ تبقى هذه الأقساط دينا في ذمة المؤمن له، وللمؤمن زيادة على المطالبة بها أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب فسخ العقد(*).
ب-2/ في التأمين على الأشخاص:
في هذا المجال من التأمين، وبصورة خاصة في التأمين على الحياة لا يمكن للمؤمن أن يلزم المؤمن له بدفع الأقساط، أي بتنفيذ التزامه تنفيذا عينيا عن طريق رفع دعوى(47)، وللمؤمن -بعد تذكير المؤمن له بموعد استحقاق القسط وبعد إخطاره بدفع القسط- الحق فيما يلي(48):
- فسخ العقد إذا تعلق الأمر بتأمين وقتي لحالة الوفاة إذا لم يدفع المؤمن له القسط المستحق عن السنتين الأولتين من التأمين؛
- تخفيض أثار العقد في جميع الحالات الأخرى، و لكن يشترط في هذه الحالة أن تكون الأقساط المستحقة عن السنتين الأولتين مدفوعة(49).
رابعا: الالتزام باحترام التعهدات و قواعد النظافة والأمن
نصت المادة 15/4 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه: "يلتزم المؤمن له باحترام الالتزامات التي اتفق عليها مع المؤمن وتلك التي يفرضها التشريع الجاري به العمل لاسيما في ميدان النظافة والأمن لاتقاء الأضرار و/أو تحديد مداها".
ويرمي هذا النص إلى أنه -وإلى جانب الالتزامات التي ينشئها قانون عقد التأمين- يمكن أن ينشأ عن هذا العقد وبمقتضى الاتفاق التزامات أخرى على عاتق المؤمن له تختلف باختلاف طبيعة التأمين، و تتمثل في غالب الأحيان في اتخاذ التدابير اللازمة من أجل التقليل من عواقب الخطر عند حدوثه، أو من أجل اتخاذ الحيطة اللازمة والحماية الكافية لدفع هذا الخطر. ولتوضيح ذلك نضرب مثالا في التأمين على الحريق أين يمكن أن يشترط المؤمن على المؤمن له أن يضع المواد سريعة الالتهاب في مكان منعزل بعيدا عن مكان وجود منقولات ذات أهمية خاصة وقيمة عالية، أو أن يشترط عليه وضع أجهزة الإطفاء في أماكن معينة من المصنع المؤمن عليه. وكذلك في التأمين من السرقة يمكن للمؤمن اشتراط اتقاء الخطر بوضع إنذارات صوتية أو أبواب مصفحة مثلا. كما يلتزم المؤمن له أيضا باحترام الالتزامات الأخرى التي يفرضها التشريع الخاص والتي يكون من شأنها اتقاء الأخطار أو تقليل الأضرار الناتجة عنها إلى أدنى حد ممكن(50). وقد حوت المادة السالفة عدت التزامات من هذا القبيل، منها الالتزام باحترام قواعد النظافة والأمن التي تخضع لها خاصة المؤسسات بمقتضى القوانين الصادرة في هذا الشأن، كاحترام شروط الوقاية من حوادث العمل والأمراض المهنية، والسهر على أمن وسلامة المستهلك باحترام قواعد الإنتاج والتصنيع والتسويق، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية البيئة وما إلى ذلك. وسواء تعلق الأمر بالالتزامات التي تعهد بها المؤمن بمقتضى العقد، أو تلك التي يفرضها تشريع خاص، فإنه يترتب على الإخلال بها أنه ينتج للمؤمن الحق في التعويض في حدود الضرر الفعلي الذي لحقه إذا تولد على الإخلال بهذا الالتزام نتائج ساهمت في وقوع الأضرار أو في اتساع مداها(51)، هذا عن الجزاء القانوني. ويوجد إلى جانبه جزاء اتفاقي يمكن أن يورده الطرفان في العقد، ويتمثل في سقوط حق المؤمن له في التعويض إذا لم يحترم الالتزامات التي عهد بها بمقتضى اتفاق خاص، و هو شرط تلجأ إليه شركات التأمين من أجل دفع المؤمن له إلى اتخاذ الحذر الكافي و الالتزام بتنفيذ تعهداته. وتنص المادة 622 من القانون المدني -على سبيل الحصر لا المثال-على بطلان بعض الشروط التي تقضي بسقوط الحق في التعويض، كالشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له في التعويض بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات. وتبيح بصفة ضمنية في نفس الوقت اشتراط سقوط الحق في الحالات الأخرى التي لم ينص عليها القانون، وأجاز المشرع بصريح المادة 15/4 من الأمر المتعلق بالتأمينات للأطراف الاتفاق على هذا النوع من الشروط(52). وسقوط الحق لا يفترض، و لا يكون صحيحا إلا إذا نص عليه العقد صراحة وكان محددا وواردا بصفة واضحة وبارزة في وثيقة التأمين، لذا يبطل كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر إذا كان متعلقا بحالة من الحالات التي تؤدي إلى البطلان أو إلى سقوط الحق(53). وإذا توفرت شروط سقوط الحق، و لم يكن باطلا بنص القانون، فإنه ينتج أثره إذا أخل المؤمن له بالتزاماته التي تعهد بها وسقط حقه في التعويض ما لم يثبت أن هذا الإخلال راجع إلى قوة قاهرة(54). وسقوط الحق لا يكون نافذا في حق المؤمن له المكتتب للتأمين فحسب، بل ينفذ حتى في حق المستفيد الذي اشترط التأمين لمصلحته، لكنه لا يسري في حق المضرور في التأمين من المسؤولية لأنه يستطيع الرجوع بالدعوى المباشرة على المؤمن حتى ولو تحقق سبب سقوط الحق المنصوص عليه في عقد التأمين. كما لا يكون سقوط الحق نافذا في حق الدائنين الذين اكتسبوا حق رهن أو حق امتياز على الشيء المؤمن عليه، فهم يملكون حق الرجوع على المؤمن بالتعويض في حالة هلاك الشيء بالدعوى المباشرة حتى لو تحقق لسبب سقوط الحق في التعويض(55). ففي حالة المضرور، كما في حالة الدائن المرتهن أو الممتاز، يبقى المؤمن رغم اشتراط الحق بمقتضى اتفاق خاص ملتزما قبل هؤلاء بدفع التعويض، فيمثل ذلك ضمانا بالنسبة لهم. ويكون له بعد ذلك أن يرجع على المؤمن له بالمبلغ الذي دفعه للمضرور أو الدائن. وإذا سقط حق المؤمن له في التعويض فإن هذا السقوط لا يكون سببا لانقضاء عقد التأمين، فيبقى هذا العقد ساريا ويحتفظ المؤمن بالأقساط التي قبضها ويبقى المؤمن له ملزما بالأقساط التي تستحق مستقبلا، ولا يسقط حق المؤمن له إلا فيما يخص الحادث المعني بهذا السقوط، كما يستحق التعويض عن جميع الحوادث التي لا يمسها هذا الشرط. ويتعين التفرقة بين سقوط الحق ووقف الضمان: فالسقوط هو جزاء لإخلال المؤمن له بالتزاماته المترتبة عن وقوع الكارثة، أي أننا لا نكون بصدد الحديث عن السقوط إلا بعد تحقق الخطر، في حين أن وقف الضمان يبدأ في النفاذ قبل وقوعها، وسقوط الحق يحرم المؤمن له من مبلغ التأمين بصفة نهائية، أما في الوقف فإنه يحرم من الضمان بصفة مؤقتة لأن تأثيره على العقد يمكن علاجه إذا دفعت الأقساط المستحقة قبل وقوع الكارثة(56). وسقوط الحق لا يعتبر شرطا جزائيا، لأن الشرط الجزائي هو تقدير اتفاقي للتعويض عن الضرر الذي يصيب أحد الطرفين بسبب عدم تنفيذ الطرف الأخر لالتزاماته، أما سقوط الحق فهو جزاء شبيه بالبطلان و يختص به عقد التامين دون غيره، ولا يعتبر نتيجة لتحقيق المسؤولية التقصيرية للمؤمن له، لأن الحق يسقط سواء نتج عن الإخلال بالالتزام ضرر بالمؤمن أو لم ينتج أي ضرر، كما لا يعتبر سقوط الحق استبعادا للخطر لأن عدم ضمان الخطر المستبعد لا يترتب على الإخلال بتنفيذ التزام ما(57).
خامسا: الالتزام بإخطار المؤمن بوقوع الخطر
إذا تحقق الخطر المؤمن منه -وهو ما يطلق عليه في لغة التأمين: وقوع الكارثة- يرتب ذلك على المؤمن تنفيذ الالتزام بدفع مبلغ التأمين أي بالتعويض عن الأضرار التي لحقت المؤمن له بتحقق الخطر(58). فمهما كان نوع الخطر المنصوص عليه في العقد، يلتزم المؤمن له بتبليغ المؤمن بوقوعه و يجب أن يتأكد من الوقوع الفعلي للخطر، ومثال ذلك أن يكون الخطر المؤمن منه هو المسؤولية عن حوادث المرور، فإن الخطر لا يتحقق هنا بمجرد إلحاق الضرر بالغير من جراء وقوع حادث مرور، بل لا يتحقق إلا بمطالبة المضرور المؤمن له بالتعويض عن الأضرار التي لحقته سواء كانت مطالبة ودية أو قضائية، وقد نصت على هذا الالتزام المادة 15/5 من الأمر المتعلق بالتأمينات، التي توجب على المؤمن له أن يبلغ المؤمن بكل حادث يوجب الضمان. وفي الخطوات التالية نستعرض مضمون وشكل هذا الالتزام ثم مواعيده وأخيرا جزاء الإخلال به.
1- شكل الإخطار و محتواه:
لم تبين المادة 15/5 من الأمر المتعلق بالتأمينات الشكل الذي يجب أن يرد عليه الإخطار، ومعنى ذلك أنه لا يشترط في الإخطار شكل معين، فيمكن أن يكون برسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام كدليل إثبات قوي لحصول التبليغ، كما يمكن أن يتم برسالة عادية أو شفاهة أو بأي طريق أخر يتفق عليه الطرفان، وفي كل الحالات يقع عبء إثبات حصول التبليغ على عاتق المؤمن له(59). هذا كأصل عام، و مع هذا فإن الإخطار يقع على عاتق الخلف العام للمؤمن له بعد وفاته أو خلفه الخاص الذي انتقلت إليه ملكية الشيء المؤمن عليه، وللمستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، لأن له مصلحة ظاهرة في أن يبادر بالإخطار توقيا لتمسك المؤمن بسقوط الحق في التأمين الذي يحتج به على المؤمن له ذاته وعلى المستفيد(60). يوجه الإخطار في كل الأحوال إلى المؤمن في مركز أعماله أو إلى مندوب التأمين الذي أبرم العقد مع المؤمن له أو لكل ذي صفة في تمثيل المؤمن (61). أما فيما يخص محتوى الإخطار فقد بينته المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تنص: "...وعليه أن يزوده بجميع الإيضاحات الصحيحة التي تتصل بهذا الحادث وبمداه كما يزوده بكل الوثائق الضرورية التي يطلبها منه المؤمن". فيجب أن يحتوي الإخطار على جميع البيانات التي علم بها المؤمن له وقت تحقق الخطر، كوقت وقوع الحادث وأسبابه، والنتائج الأولية التي نجمت عنه، وكل البيانات الأخرى التي تفيد المؤمن في تقديره للأضرار. ويتحدد محتوى الإخطار بالنظر إلى المهلة التي تعطى للمؤمن له للقيام بهذا الالتزام و الغرض منه، و لما كان يجب عليه القيام بالإخطار خلال مدة قصيرة من وقوع الخطر فإنه لا يطالب إلا بتقديم البيانات الأساسية التي استطاع الوقوف عليها خلال هذه المدة والتي تفيد المؤمن في المحافظة على حقوقه(62)، أي لا يشترط أن يقدم بيانات مفصلة لكل الظروف و الأضرار التي تسبب فيها الخطر، بل يكفي أن يقدم بيانات مختصرة عنه. ويجب أن يرفق بالإخطار جميع الوثائق والمستندات التي تثبت وقوع الخطر وتؤكد البيانات المقدمة. وقد جرى العرف التأميني على أن يضع المؤمن في متناول المؤمن له استمارة تحتوي على بيانات وأسئلة، ويكتفي المؤمن له بملء الفراغ أو الإجابة على الأسئلة الواردة في هذه الاستمارة. وبهذه الطريقة يتحصل المؤمن على كل المعلومات التي يرغب فيها عن الأخطار المؤمن عليها أو عن الظروف المحيطة بها و كل ما يراه المؤمن مناسبا له لتحديد التعويض(63).
2- مواعيد الإخطار:
تختلف المواعيد التي حددتها المادة 15/5 من الأمر المتعلق بالتأمينات باختلاف مجالات التأمين، فهناك ميعاد عام لكل أنواع التأمين، و ترد عليه استثناءات أوردها المشرع في نفس المادة:
أ- الميعاد العام للإخطار:
وهو محدد بنص المادة السابقة في قولها: "يلتزم المؤمن له بتبليغ المؤمن عن كل حادث ينجر عنه الضمان بمجرد اطلاعه عليه و في أجل 07 أيام إلا في الحالة الطارئة أو القوة القاهرة". أي يكون -كقاعدة عامة- أجل الإخطار 07 أيام ولا يجوز للمؤمن أن يشترط تقصير هذا الميعاد لأنه من النظام العام، و تقصير الميعاد يتنافى مع مصلحة المؤمن له، لكن يجوز الاتفاق على إطالته لأنها دوما في مصلحة المؤمن له(*).
ويسري ميعاد 07 أيام من يوم علم المؤمن له أو المستفيد بوقوع الخطر، أي بمجرد اطلاعه على الخطر الذي تحقق -حسب نص المادة السابقة- فلا يكفي تحقق الخطر بل يشترط أيضا أن يكون المؤمن على علم به و يعلم خاصة بأن الخطر الذي وقع يستوجب الضمان. ويتسع هذا الميعاد بقيام الحالة الطارئة أو القوة القاهرة فإذا حال ذلك دون تمكن المؤمن له من أداء واجبه بالإخطار امتد الأجل إلى ما بعد زوال هذا المانع.
ب- الاستثناءات:
لا يطبق أجل 07 أيام على التأمين من السرقة والبرد وهلاك الماشية، والتي قصر فيها المشرع الميعاد على النحو الأتي:
- ثلاثة (03) أيام في التأمين من السرقة؛
- أربعة (04) أيام في التأمين من البرد؛
- أربعة و عشرون (24) ساعة في التأمين من هلاك الماشية.
وتسري الآجال عن كل هذه الأنواع ابتداء من يوم العلم بتحقق الخطر(*) وتمتد المدة بسبب الحالة الطارئة أو القوة القاهرة إلى ما بعد زوالها مثلما هو الحال للميعاد العام للإخطار.
3- الجزاء المترتب على إخلال المؤمن له بالتزام الإخطار:
تنص المادة 22 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه: "إذا خالف المؤمن له الالتزام المنصوص عليه في الفقرتين 4 و 5 من المادة 15 أعلاه وترتبت عن هذه المخالفة نتائج ساهمت في وقوع الأضرار أو في اتساع مداها جاز للمؤمن تخفيض التعويض في حدود الضرر الفعلي الذي لحق به".
فإذا أخل المؤمن له بالتزامه بالإخطار كان مسؤولا مسؤولية تعاقدية، وعلى هذا الأساس يجوز للمؤمن أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب الإخلال بالالتزام، و يتمثل هذا التعويض في: تخفيض مبلغ التأمين بقدر ما أصاب المؤمن من ضرر بسبب عدم الإخطار. وقد يكون الجزاء المترتب على عدم الإخطار بتحقق الخطر سقوط حق المؤمن له في الضمان وفي التعويض عن الضرر المتحقق(64)، هذا إذا ورد في وثيقة التأمين شرط يقضي بذلك. وبما أنه يمكن للطرفين تمديد مدة الإخطار المنصوص عليها قانونا، يمكن تبعا لذلك ترتيب جزاء على مخالفة هذه الآجال بإدراج شرط في عقد التأمين يبين ويحدد هذا الجزاء مع مراعاة نص المادة 622 من القانون المدني(65). وفي التشريعات المقارنة، فإننا لا نجد في التقنين المدني المصري مثلا نصا يحدد جزاء إخلال المؤمن له بالتزام الإخطار بوقوع الخطر، لذا يرجع في هذا الشأن إلى القواعد العامة في المسؤولية العقدية ونفس الوضع في القانون المدني الكويتي و البلجيكي، في حين نص القانون السويسري صراحة على جواز طلب فسخ العقد.
_________________
(1): د عبد الرزاق بن خروف، التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري، الجزء الأول: التأمينات البرية، طبعة 2002ص 121 وما يليها؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام عقد التأمين، توزيع دار الكتاب الحديث، الطبعة الثالثة، 1991ص 200.
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 122؛
(4): السنهوري 1169 / أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 203؛
(5): عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع، المجلد الثاني: عقد التأمين والمقامرة والرهان والمرتب مدى الحياة، طبعة 2004، دار النهضة العربية ص 1168؛
(6): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 206.
(7): المادة 19 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(8) و(9): د. عبد الرزاق بن خروف ص 124.
(10) و: جديدي معراج، مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري، د م ج ص72 وص 73 على التوالي؛
(11) و: د. عبد الرزاق بن خروف ص 126.
(12): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين ص72 وص 73 على التوالي؛
(13) : د. عبد الرزاق بن خروف ص 126.
(*): وتوضح المادة 75 حالة وقوع خطأ في سن المؤمن له دون أن تتجاوز السن المحددة في وثيقة التأمين ولم تؤد إلى بطلان العقد: فإذا كان القسط المدفوع أكثر من القسط المستحق يرجع المؤمن ما زاد عليه دون فائدة، أما إذا كان القسط المدفوع أقل من القسط المستحق، فإن مبلغ التأمين يخفض إلى الحد الذي يتناسب مع السن الحقيقية للمؤمن له ومع الأقساط المقبوضة فعلا؛
(14): المادة 89 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(15): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 212؛
(16): السنهوري 1175؛
(17): المادة 15/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
(18) و(19): د. عبد الرزاق بن خروف ص 128 وص 129 على التوالي؛
(20) السنهوري ص 1176.
(21): د. عبد الرزاق بن خروف ص 130؛
(22): المادة 15/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(23): نفس المادة السابقة/ السنهوري 1179/ شرف الدين ص224؛
(*): وتقضي بوجوب التصريح في أجل 10 أيام من اطلاع المؤمن له على أي تفاقم للخطر المضمون؛
(24): المادة 18 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(25): المادة 09 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(26): د. عبد الرزاق بن خروف ص 132/ عبد الحي حجازي ص 112.
(27): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 227، وقد يتفق على احتفاظ المؤمن بالأقساط اللاحقة على سبيل التعويض عن الضرر الذي لحقه من الفسخ؛
(28): المادة 8 الفقرة الأخيرة من الأمر المتعلق بالتأمينات، ويطبق نفس الحكم على التأمينات الجوية، لكن بالنسبة للتأمينات البحرية لم تبين الآثار التي تترتب على التصريح بتفاقم الخطر في حين بين الجزاء المترتب على عدم التصريح؛
(29): د. عبد الرزاق بن خروف ص 133؛
(30) و(31): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 150 وص227.
(32): المادة 259 من القانون المدني؛
(33): المادة 300 من القانون المدني؛
(34): المادة 79 من الأمر المتعلق بالتأمينات/ بن خروف 135.
(35): السنهوري ص 1208؛
(36): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 273؛
(37): المادة 282/2 من القانون المدني؛
(38): السنهوري ص 1206/ د. عبد الرزاق بن خروف ص 136/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين 273؛
(39): د. عبد الرزاق بن خروف 137؛
(*): وتقضي نفس المادة أنه يحدد تشكيل هذا الجهاز وسيره عن طريق التنظيم.
(40): المادة 234 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(41): المادة 234 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(42): د. عبد الرزاق بن خروف ص 138.
(43): عبد الحي حجازي، التأمين، القاهرة، 1908، ص 195؛
(*): بينما في التشريعات المقارنة كالتشريع المصري واللبناني والفرنسي يعتبر الإعذار قد تم من وقت إرسال الكتاب الموصى عليه لا من وقت و وصوله للمؤمن له، أنظر: أحكام التأمين شرف الدين ص 279/ السنهوري ص 1210؛
(44): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 279؛
(45): د.عبد الرزاق بن خروف ص 140 وما يليها.
(46): المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(*): كما ينشأ حق المؤمن في فسخ العقد في حالة تفاقم الخطر واقتراح المؤمن معدل قسط جديد ورفض المؤمن له أن يؤدي فارق القسط خلال 30 يوم من تاريخ استلامه هذا الاقتراح عملا بنص المادة 18/4 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(47): المادة 84 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
(48): المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(49) و(50): د. عبد الرزاق بن خروف ص 142 وما يليها، وص 143 على التوالي؛
(51): المادة 22 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
(52) و: د. عبد الرزاق بن خروف ص 144 و145 على التوالي؛
(53): نص المادة 622 من القانون المدني؛
(54) السنهوري 1209؛
(55): د. عبد الرزاق بن خروف ص 144 و145 على التوالي
(56): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 279.
(57) و: السنهوري ص 1227 و1222 على التوالي؛
(58) و: أحمد شرف الدين، أحكام التأمين 290 وص 293 على التوالي؛
(59): د. عبد الرزاق بن خروف ص 148.
(60): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين 290 وص 293 على التوالي
(61): السنهوري ص 1227 و1222 على التوالي؛
(62): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 293؛
(63): د. عبد الرزاق بن خروف ص 149؛
(*): بينما لم يرد في التقنين المدني المصري نص يحدد ميعاد الإخطار، لذا فإن هذا التحديد يكون محلا للاتفاق بين المؤمن والمؤمن له وإن لم يوجد فعلى المؤمن له الوفاء بالتزامه خلال مدة معقولة. في حين يحدده المشرع الفرنسي 05 أيام من يوم علم المؤمن له بالحادث/ أنظر: شرف الدين ص 294/ السنهوري 1224.
(*): والأيام المذكورة هي أيام العمل فلا يدخل في الحسبان أيام العطلة أيا كان نوعها؛
(64): عبد المنعم البدراوي، العقود المسماة، الإيجار والتأمين، القاهرة 1968،ص 355؛
(65): د. عبد الرزاق بن خروف ص 149.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|