أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2016
83578
التاريخ: 20-10-2015
3145
التاريخ: 19-4-2016
8021
التاريخ: 1-5-2022
1701
|
تعبّر العقوبة عن انزال الجاني منـزلاً يكرهه بالطبع، بفرض القصاص عليه او السجن او التعزير او الغرامة، ذلك ان ارتكاب الجناية، بعلمٍ ونيةٍ قطعيةٍ من قبل الجاني، يبرر اقامة الحد عليه، والاصل في الاسلام انه ليست هناك عقوبة بدون عمل جنائي او مخالفة حقوقية يقوم بها الجاني ضد المجتمع بالعموم او المجني عليه بالخصوص.
ولذلك فان القاضي العادل لابد ان يقرأ في قسمات الجاني دوافع الجناية ونوايا الجاني وعقليّته المريضة، فالجناية امر يخص المجتمع اكثر مما يخص الفرد.
وعقوبة قطع اليد في جريمة السرقة تعدّ عقوبة اخلاقية، لانها تجرد الجاني من صفاته الطبيعية وتضعه موضع الادانة الدائمية لانه مقطوع، وكأن التشريع _ والله اعلم _ اراد ان يفضح السارق، كما حاول السارق هتك اموال الناسالموضوعة في حرز مقفل، ولذلك فان عقوبة السرقة هي عقوبة لشرف الانسان الذي ارتكب ذلك العمل اللااخلاقي.
أ _ العقوبة والمجتمع:
ان اعلان الاسلام عن لائحة العقوبات، يعني ان الحكومة ينبغي ان تكون قادرة على انزال الجناة منـزلاً يكرهونه، فالانسان لا يدخل السجن باختياره، ولا يوافق على قطع يده باختياره، ولا يقبل بتحمل الم الجلد باختياره، بل انالقوة الدينية الحاكمة في المجتمع تُكره ذلك المجرم على تجرع طعم العقوبة، من اجل تثبيت الامن الجماعي والاستقرار في المجتمع الكبير.
ولا شك ان العقوبة هي الحل الاخير لامان المجتمع، فالاسلام يفترض ان يعيش الناس حياةً طبيعيةً، تُعرف فيها الحقوق وتُشخّص فيها الواجبات، ومن اجل ذلك لابد ان يلمس الناس ان هناك رادعاً يردعهم عن ارتكاب المخالفات الشرعية والقانونية، ولابد ان يدركوا ان الافضل ممارسة الكسب الحلال بدل السرقة والغصب، وممارسة العلاقات الطبيعية السلمية بدل القتل والاعتداء والعنف، والتزوج الشرعي الصحيح بدل الممارسات الجسدية البعيدة عن مباني الدين الحنيف.
وهذا الفهم للدين يحوّل السلام الداخلي الذي يجلبه الايمان عند الافراد الى سلام اجتماعي، ينتفي معه التفكير بالجريمة، وتقلُّ فيه الجنايات والاعتداءات الى ادنى حد ممكن، ولذلك تبرز هنا افكار جديدة مثل: المسؤولية، والعدالة، والرحمة، والضمير، والعفو، بدل: الجريمة، والظلم، والقسوة، والوحشية، والانتقام.
ولم يكن في العصر الجاهلي قضاء كما هو في الاسلام، ولذلك كانت عقوبات القبائل في الجاهلية غير منظّمة ولا قانونية، بينما جاء الاسلام بنظام متكامل للقضاء والعقوبات، فالعقوبة التي كان يفرضها قاضي الشرع في زمن امير المؤمنين (عليه السلام) كانت عقوبة مقننة، أي انها كانت شرعية منحها الدين صلاحية التطبيق والتنفيذ.
والفرق بين العقوبة المقننة والعقوبة غير المقننة هي ان الاولى تصدر عن المصدر القضائي الشرعي ولها ابعاد اجتماعية، بينما تصدر الثانية عن عشيرة او قبيلة، كأن تقاطع العشيرة احد افرادها لانه ارتكب جنحة مخلّة بالشرف مثلاً، والمقاطعة الشخصية هي نوع من العقوبة غير المقننة التي يستخدمها الصديق ضد صديقه، او القبيلة ضد المتمردين عليها.
ولا شك ان الجريمة التي تستحق العقوبة المقننة من قبل القاضي، تعدّ سلوكاً يخص العموم ويضر المجتمع، وليس سلوكاً شخصياً يسلكه الجاني لمفرده، أي ان الجاني بارتكابه الجناية او الجريمة كان قد تجاوز حدوده الشخصية الى الحد العام الذي لابد ان يُحاسب عليه.
ومن هنا نلمس العدالة في النظام الاسلامي، لانه تعامل مع الجناية الفردية وكأنها جناية ضد المجتمع ككل.
ب _ اسلوب الضبط الاجتماعي:
ومن الطبيعي فان العقوبة الجسدية تشمل القضايا الجنائية اكثر مما تخص القضايا الحقوقية المقدّمة للقضاء، فالعقوبة على القضايا الحقوقية المدنية المتنازَع عليها كالغصب، تكون على شكل غرامات مالية لجبر الضرر مع ضمان ارجاع المادة المغصوبة، وعقوبة السرقة هو قطع اليد (وهي قضية جنائية)، لان السارق قد انتهك المادة الموضوعة في حرز، بينما لو سرق نفس المقدار من مكان عام، فانه لا يقطع.
لقد كان للعقوبة الجسدية _ بما فيها من معاناة وألم للجاني _ موقع في ماكنة العدالة في عصر امير المؤمنين (عليه السلام)، فلم تكن العقوبة عشوائية، بل كانت عقوبة مقننة تقوم بها مؤسسات شرعية تابعة للدولة، وكانت ماكنة العدالة الجنائية تبدأ بالعمل عندما يتم مطابقة التعريف القانوني للجاني على المتهم.
فاذا اُدين المتهم ادانة قضائية، فان عليه ان يتوقع انزال العقوبة به او اقامة الحد عليه، واذا عوقب الجاني، فان العدالة الجنائية تكون قد حققت جميع اهدافها، وطالما كانت القوانين الجنائية مستمدة من القرآن والسنّة كانت لتلك العدالة قيمة اخلاقية عظمى.
ولم يستخدم الامام (عليه السلام) اسلوب التهديد والوعيد في انتزاع اعترافات المتهمين، بل كان (عليه السلام) يستخدم اسلوب العلم والذكاء في حثّ الجاني على الاقرار بجنايته.
والامثلة على ذلك كثيرة، منها:
أ _ التظاهر بتزويج الغلام من المرأة التي ادعت انها ليست امه، وكان ذلك سبباً في اعتراف الام بولدها.
ب _ صبّ الماء الحار على بياض البيض التي وضعته امرأة على ثوبها، مدعية بان الرجل قد افتضحها، فتبين الغش في ذلك، وأقرّت المرأة على فعلتها.
ج _ تفريق الشهود في قضية قتل رجل، فأقر الشاهد الاول على انفراد، ثم الثاني..، وهكذا حتى اقروا جميعاً بارتكاب الجناية.
ولو درسنا التأريخ الجنائي العالمي لرأينا بأن الاعترافات كانت تُنتزع من خلال تعذيب المتهمين، ولكن امير المؤمنين علي (عليه السلام) لم يستخدم أي ضغط مادي او معنوي على المتهمين، بل كان علمه (عليه السلام) يساعده على انتزاع الاقرار من المجرمين.
وكل الدلائل التأريخية تُشير الى ان العقوبات في زمن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) كانت آلة فعالة في تنظيم السلوك الاجتماعي العام.
وفي رسالة معاوية الى ابي موسى الاشعري زمن الامام (عليه السلام) دلالة على ذلك، فقد كتب معاوية ان ابن ابي الجسرى وجد على بطن امرأته رجلاً فقتله، وقد اشكل حكم ذلك على القضاة، فسأل ابو موسى امير المؤمنين عليّاً (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): والله ما هذا في هذه البلاد _ يعني الكوفة وما يليها _ وما هذا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا؟ قال: كتب اليَّ معاوية ان ابن ابي الجسرى وجد مع امرأته رجلاً فقتله، وقد اشكل ذلك على القضاة... .
وقول الامام (عليه السلام): «والله ما هذا في هذه البلاد وما هذا بحضرتي»، يعني ان محيط دولته كان آمناً ونظيفاً من تلك الالوان المرعبة من الانحرافات الاخلاقية .
اذن، يمكننا القول الآن بان وظيفة العقوبة هي الردع، أي ان الذي يعلم بان قتل العمد حرام ولمرتكبه عقوبة القصاص، فانه يرتدع عن التفكير بارتكاب ذلك العمل المحرّم، والذي يعلم بان لارتكاب الفاحشة عقوبة جسدية شديدة، فانه لا يفكر بالاقدام على ذلك العمل الفاحش، وهكذا، وبسبب تلك الاهمية افرد الفقهاء مساحة واسعة في علم الفقه لدراسة العقوبات، وفي نفس الوقت لعبت فلسفة العقوبة دوراً مهماً في النظريات القانونية ايضاً.
ذلك لان العقوبة القانونية التي تتمثل بالقصاص، والغرامة، والدية، والتعزير، والسجن انما تعكس طريقاً وحيداً لاعادة الانسجام الاجتماعي الى حالته قبل وقوع الجناية، فالمجتمع يهتز عندما تقع جريمة يروح ضحيتها ابرياء، ولا ترجع الحالة الاجتماعية الى وضعها الطبيعي حتى يذوق الجاني طعم القصاص الذي امر الله سبحانه به.
اذن، نستنتج بان فكرة العقوبة ليست فكرة فقهية بمعزلٍ عن المجتمع، بل ان لها تأثيرات على النظام الاجتماعي العام عبر ما يسمّى بـ «الضبط الاجتماعي».
والمسلّم به ان ضبط المجتمع لا يتم عبر آلية واحدة، بل هناك عدة مبادئ ومسالك تعمل بصورة مشتركة من اجل تحقيق ذلك، فالعقوبة هي احد الاساليب المستخدمة لمعالجة مشكلة الانحراف والفساد، والعدالة الاجتماعية والحقوقية اسلوب آخر لمعالجة اصل الانحراف، عبر سد حاجة الانسان حتى لا يصل به الامر الى السرقة او الفجور من اجل اشباع نفسه واشباع متعلقيه، والتربية الاخلاقية على اصول الدين والتقوى والتعلق بالخالق عزّ وجلّ اسلوب ثالث لدرء الانحراف عن الناس وهكذا، فان تلك المسالك كانت تعمل بشكل مشترك في عصر امير المؤمنين (عليه السلام) من اجل تنظيف المجتمع من الفساد، فلا ريب ان يقول (عليه السلام) بشأن الجناية التي ذكرتها احدى الروايات السابقة: والله ما هذا في هذه البلاد وما هذا بحضرتي، أي في الكوفة وما يليها.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|