أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-08-2015
1558
التاريخ: 15-02-2015
1757
التاريخ: 5-10-2014
1841
التاريخ: 5-10-2014
1482
|
كان البعض ـ في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ينادي بإحياء فكرة القوميّة عند الشعوب ، وكان هناك من يعمل لها ويدافع عنها بقوّة تحت أسماء وعناوين مختلفة وتبريرات متنوّعة برزت فجأة فكرة « الاُمميّة العالميّة » وراجت الفكرة القائلة بضرورة تشكيل حكومة عالميّة واحدة تتقوّى وتشتدّ في نظر المفكرين الغربيين كحلّ للتخلّص من المطاحنات والحروب والمذابح التي كان العالم يشهدها باستمرار.
وقد ساعدت نتائج الحربين العالميتين الاُولى والثانية على تأكيد هذه الضرورة ، وترسيخ هذه الفكرة ، فقد أدرك اُولئك المفكّرون ومن تبعهم بأنّ الحدود والفواصل المصطنعة بين الشعوب والاُمم هي السبب الوحيد والعامل الأساسيّ لظهور الحروب والمشاحنات الدامية ، وأن لا مخلص من هذه الحروب والمآسي ـ حسب نظرهم ـ إلاّ بزوال تلك الحدود والفواصل وانضواء الجميع تحت راية حكومة واحدة.
إنّ الحرب كانت ولا تزال أمراً جديراً بأن تخشاه البشريّة وتتجنّبه وتتقيه ، ولكن الحربين الكونيتين الاُولى والثانية زادت من قلق الإنسان وخوفه واستيحاشه وعمّقت لديه النفرة والخشية من الحرب ، لأنّهما كانتا ـ بحقّ ـ أشدّ جميع الحروب ضراوة ووحشيّة في تاريخ البشريّة !!! وكانتا سبباً لمقتل ملايين عديدة من البشريّة الأبرياء على أيدي البشر أنفسهم ، وكانتا سبباً لإهدار ملايين الملايين من ثرواته بحيث بلغت الأضرار البشريّة في الحرب العالميّة الاُولى وحدها ما يقارب (9) ملايين قتيل و (22) مليون مُقعد ومعوّق حرب و (10) ملايين من مفقودي الأثر !!!
وأمّا خسائر الحرب العالميّة الثانية فقد كانت ـ بحكم كونها أشدّ ضراوة ووحشيّة ـ أضخم من الاُولى بحيث قدر عدد الأرواح التي زهقت بثلاثين مليوناً فيما قاربت الخسائر الماديّة المليارد دولاراً على وجه التقريب !!!
كلّ هذه المذابح الرهيبة والخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدّات التي أفرزتها الحرب الاُولى ، سببّت ظهور هيئة دولية باسم « عصبة الاُمم » التي تأسّست في أعقاب تلك الحرب واتّحد فيها 26 دولة ليمنعوا ـ في ظل هذا الاتحاد والتجمّع ـ من إراقة المزيد من الدماء ، ويتمكّنوا في ظل هذه المنظمة الدوليّة من حلّ المشكلات العالميّة عن طريق المفاوضات لا الحروب ، وعن طريق المنطق المبرهن لا السلاح المدمّر ، بيد أنّ تأسيس هذه المنظمة حيث كان ناقصاً وفاقداً لبعض الاُمور والشرائط لذلك لم تستطع تجنيب العالم من شرور حرب اُخرى ... فقد تورّطت البشريّة في حرب أكثر دماراً ، وفناء هي الحرب العالميّة الثانية (1) التي أنهكت البشريّة بنيران دباباتها وقنابلها وأسلحتها الفتّاكة المدمّرة وانتهت بمذبحة عظيمة ، ومفجعة ، ورهيبة وإلى تحول سياسيّ وانقلاب فكريّ في كثير من القيم الحضاريّة والمعايير والأفكار السائدة آنذاك.
وفي خلال الحرب الثانية ـ هذه ـ تأكّدت فكرة تأسيس منظمة عالميّة ، ومجمع دولي على اُسس أكثر واقعيّة ، وفي إطار أكثر شموليّة فبرزت ـ إلى الوجود ـ « هيئة الاُمم المتّحدة » التي وضعت نواتها في ديسمبر عام 1943 واستطاعت منذئذ أن تحول دون وقوع حروب عالميّة خطيرة بين الدول كما حدث في السابق.
وقد شرحت أهداف وغايات هذه المؤسسة العالميّة الكبرى في ما يسمى ب : ميثاق الاُمم المتحدة.
ويعتبر تأسيس هاتين المنظّمتين العالميتين ـ في الحقيقة ـ خطوة عمليّة وإيجابيّة في سبيل تحقيق ما تمنّاه الإسلام ونادى به منذ أربعة عشر قرناً مع ما بين الأمرين من الفروق في الوسائل والأساليب والأهداف ، فقد تمنّى الإسلام منذ ذلك الزمن السحيق أن تنسى البشريّة خلافاتها ، وتضرب صفحاً كلّ الحدود والفواصل المصطنعة الموهومة بينها وتتّحد تحت لواء الأخوة والوحدة ، وتنضوي تحت حكومة واحدة تراعي مصالح الجميع وتحفظ كرامة الجميع ، وتصون أمن الجميع بلا تفرقة ولا تمييز ... وحينئذ فلا تكون مطاحنات ولا حروب ولا مشاحنات ولا مآسي ولا ويلات.
لقد توصّل العالم إلى تأسيس منظمة الاُمم المتحدة ويتكهّن المفكّرون الكبار والسياسيّون العالميّون بأن تصبح هذه المنظمة التي هي بمثابة « برلمان عالميّ موحّد » مركزاً لحكومة عالميّة موحّدة ، وأن يتحوّل أصدقاء البشريّة من المناداة بالقوميّة ، والدعوة إليها ، إلى الوحدة العالميّة ، أو بالأحرى إلى الحكومة العالميّة الموحّدة ، التي تحقّق توحيد كلّ شعوب الأرض وتحقّق تساويهم.
ولكن ما هو الطريق الطبيعيّ السليم إلى تحقيق هذه الاُمنيّة المحبّبة ، وهذا الأمل العالميّ المرغوب وهل يمكن أن تصل هيئة الاُمم المتحدة إلى هذا الهدف ، فهو بحث طويل ومفصل لا بدّ من إفراد مجال مستقلّ له بيد أنّ الدلائل والشواهد الراهنة والصراعات الحامية الدامية المبعثرة هنا وهناك والأحداث الأليمة المرّة التي يعاني منها العالم كلّه بل والاختلافات التي تشهدها أروقة هيئة الاُمم المتّحدة نفسها وما تعاني منه هذه المؤسّسة من تنفيذ قراراتها وتطبيق أحكامها يجعلنا نقطع بأنّ هذه الهيئة ليست قادرة على إقرار السلام والأمن والاستقرار في المستوى العالميّ ، فالوقائع تشهد بأنّ العالم يعيش الآن على كفّ عفريت ، وأنّ مبدأ توازن القوى هو الذي يكبح جماح الدول لا منطق الفكر ومبادئ الاخوة الإنسانيّة ... ومن يدري ماذا سيحلّ بالبشريّة لو اختلّ توازن القوى ... ومن يدري ماذا ستكون أبعاد الانفجار البشع ، ومدى ويلاته ومآسيه ...
إنّ عجز هيئة الاُمم عن تحقيق السلام والاستقرار العالميين دفع ببعض المفكّرين والاجتماعيين إلى طرح فكرة الحكومة العالميّة الواحدة التي يكون العالم بموجبها ذا تشكيلات سياسيّة واحدة ، بأن يكون للمجتمع الدوليّ برمّته :
1. سلطة تشريعيّة واحدة.
2. سلطة تنفيذيّة واحدة.
3. سلطة قضائيّة واحدة.
وقد ذكروا لتبرير هذه الفكرة وتوجيهها بما جاء في بيانهم الذي نشروه في مؤتمرهم بطوكيو عام 1963 م :
( إنّ السلام الدائم والشامل لا يتحقق بتوقيع المواثيق وتبادل الوعود بين القادة السياسيّين فلا بدّ للحصول على السلام الواقعي والدائم والشامل من أن نتوسّل بحكومة عالميّة واحدة تعتمد على برلمان ومحاكم وجيش عالميّ موحّد ، إذ في ظلّ هذه الحكومة العالميّة الموحّدة فقط يمكن أن نحصل على الاستقرار والثبات).
وتدعو هذه الفكرة بالتفصيل إلى إيجاد وتأسيس الاُمور التالية :
1. برلمان عالمي ؛ يشترك في عضويته جميع الشعوب العالميّة ، ويكون لكلّ واحد منها حقّ الرأي والعضويّة بنسبة عدد نفوسها ، فيكون للشعوب الأكثر أفراداً ، حظاً أكثر من العضويّة والرأي.
2. مجلس أمن يشترك في عضويّته عدد أكثر من الدول والأعضاء ولا يقتصر على الدول الخمس كما هو الحال في مجلس الأمن الفعليّ ، ويتولّى هذا المجلس تنفيذ مقرّرات البرلمان العالميّ المذكور ، ويكون مسؤولاً اتّجاه البرلمان.
3. جيش عالمي ؛ يكون في حقيقته جيش سلام ، ويكون تابعاً لإرادة مجلس الأمن للقيام بحفظ السلام والاستقرار العالميّين.
4. مكتب عدل دوليّ يتولّى تفسير قوانين البرلمان ومقرّراته وملاحقة التخلّفات والتجاوزات ، بما لديه من محكمة دوليّة وأجهزة مختصّة.
هذه الفكرة وما سواها ممّا يطرحها المفكّرون ، وطلاّب السلام والاستقرار في العالم ، رغم أنّها قد تبشّر بإمكان قيام مثل هذا التكتل العالميّ الواحد والحكومة الواحدة المنشودة إلاّ أنّها محكوم عليها بالفشل ـ مسبقاً ـ لأسباب عديدة أهمّها فقدان أصحاب هذه الفكر والاطروحات لحسن النوايا ، والفضائل الأخلاقيّة الإنسانيّة التي يجب توفّرها لدى أمثالهم.
هذا مضافاً إلى عدم وجود عامل أهمّ وهو ما يضمن استقامة هذه الحكومة ـ لو فرض تحققّها ـ بحيث لا تتحوّل إلى غطاء لأهداف الدول العظمى التوسعيّة ونواياهم ومطامعهم الاستعماريّة ، وتؤول إلى ما آلت إليه عصبة الاُمم وهيئتها من قبل ، وتصبح أداة طيّعة بيد تلكم الدول لتظليل الدول الصغار وخداعها ... كما هو شأن كلّ المنظمات الفعليّة المنادية بالدفاع عن حقوق الإنسان !!
إنّ فقدان هذه الضمانات هو أهمّ ما سبّب فشل المنظمات القديمة ... ويسبّب فشل المنظمات الاُخرى أيضاً.
إنّ أصحاب هذه المؤسّسات والمنظمات العالميّة ما لم يطهّروا أنفسهم من حبّ الذات وعبادتها وما لم يخلصوا نواياهم من العجب والمكر ، وما لم يؤمنوا بالإنسان وحقوقه بصدق وإخلاص لم تطمئنّ إليهم الشعوب ، ولم يطمئنّ إلى منظماتهم مستضعفوا البشر.
وهكذا الحال بالنسبة إلى أصحاب فكرة الحكومة العالميّة الواحدة والدعاة إليها.
إنّ أصحاب هذه النظريّة ما لم يعشقوا الإنسان بإخلاص وصدق ، وما لم يحبّوا البشريّة حبّاً يلمس شغاف القلوب ، وتمسّ حرارتها عمق الضمير فلن تلق فكرتهم قبولاً من الشعوب التي طالما جرّبت هذه الدعوات ولم تجد فيها خيراً ولا صدقاً ولا نفعاً ، إذ كيف يمكن القبول بدعوة من لا تتوفّر فيه الصفات الإنسانيّة ولا يكون كما قال الإمام عليّ (عليه السلام) وهو يكتب إلى واليه على مصر : « ولا تكُن عليهم ( على الرعية ) سبُعاً ضارياً ، تغتنمُ أكلُهم ، فإنّهُم صنفان :
إمّا أخ لك في الدّين وإمّا نظير لك في الخلق » (2)
إنّ للإسلام ـ بما هو دين متكامل وشريعة خالدة ـ نظاماً اجتماعيّاً وسياسيّاً شاملاً يكفل كافّة الاحتياجات البشريّة ولو طبّق كما هو ؛ لعمّ الخير الحياة كلّها ، ولسادت الاخوة كلّ بني آدم بجميع ألوانهم ، وأشكالهم ، وجنسيّاتهم وقوميّاتهم ، وتحقّق ما يسعى إليه المفكّرون المهتمّون بالسلام والاستقرار في العالم من الوحدة والألفة والاجتماع.
إنّ أهمّ دليل يدلّ على أنّ الإسلام يسعى إلى تحقيق هذه الوحدة العالميّة هو أنّه لم يحصر دعوته على جماعة دون جماعة ، وقوميّة دون اُخرى ، بل وجّه نداءه إلى جميع البشريّة منذ البداية للأخذ به وبشرائعه بوصفها أكمل الشرائع وأفضلها إذ قال : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } ( سبأ : 28)
وقال : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } ( الأعراف : 158)
وقال : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ } ( التوبة : 33)
لقد وسّع النبيّ الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) في العام السادس والسابع من الهجرة ، نطاق دعوته المباركة وبدأ دعوته العالميّة بمراسلة ملوك عصره ورؤسائه في الجزيرة العربيّة وخارجها يدعوهم إلى الانضمام إلى دعوته ، والانضواء تحت راية الإسلام الحنيف كافّة (3) ، وإنّ مراجعة واحدة لمجموعة الرسائل والمكاتيب النبويّة وسيرة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)وسيرة أصحابه وما تحقّق من فتوحات على أيدي المسلمين تكشف عن أنّ الإسلام بدأ في صورة دعوة إلى حكومة عالميّة تعيش في ظلّها الشعوب المختلفة جنباً إلى جنب بلا فوارق ولا فواصل ودونما مطاحنات أو مشاحنات ولكن سعي الإسلام هذا كان مبتنياً على اُسس معقولة ومنطلقاً من حقائق يكون التنبيه إليها ضماناً لتحقيق ما أراده الإسلام ، ولم تكن دعوة الإسلام مجرّد ادّعاء ودعوة فارغة لا تقوم على شيء فما هي هذه الاُسس ؟
إنّ الإسلام يقيم دعوته إلى حكومة عالميّة واحدة على سلسلة من الاُسس والمبادئ الفكريّة الضامنة للوحدة بين شعوب الأرض ، وهي عديدة أهمّها وأبرزها : « المساواة بين جميع أبناء البشر » فالإسلام ينبه البشر إلى أنّهم متساوون في الخلق فكلّهم من آدم وحواء وكلاهما من تراب وهم متساوون في الإنسانيّة والمشاعر البشريّة ومتساوون في المصير فكلّهم راجعون إلى الله تعالى وإذا كانوا كذلك فلماذا يختلفون في القوميّة ، ولماذا يتميّز بعضهم على بعض بالعنصر ، أو الأرض ، أو غير ذلك من ألوان التمييز الظالم ودواعيه الوهميّة وإلى هذا يشير قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } ( الحجرات : 13 ) (4)
وقوله سبحانه : { إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا } ( المائدة : 48 )
إنّ هاتين الآيتين وماشابههما من الآيات القرآنيّة تعلن بصراحة عن وحدة أبناء الإنسان مبدأ ومصيراً ... ووحدتهم أصلاً ونهاية ، وتنهي كلّ ألوان التمييز العنصريّ ، والقوميّ وكلّ دواعيه الخياليّة ، فالإسلام لا يقر الحدود والأجناس والقوميّات والعنصريّات كعوامل واُمور تسوّغ التفريق بين أبناء البشر ، وترفع جماعة وتضع اُخرى.
وبهذا يرسي قواعد حكومة عالميّة واحدة ذات نظام إلهيّ توحيديّ واحد تدار فيها جميع المجتمعات البشريّة بمجموعة واحدة من القوانين الالهيّة المطابقة للفطرة الإنسانيّة والطبيعة البشريّة ، ويخضع العالم برمّته ـ في ظلالها ـ لاقتصاد واحد وسياسة واحدة وقضاء واحد ومحكمة واحدة ، ومعتمداً على جيش قويّ واحد ... ويستفيد جميع أبناء البشر من جميع المواهب الالهيّة الطبيعيّة بصورة متساويّة ، لا أن يحتكر بلد صغير جداً موارد طبيعيّة ضخمة وهائلة تكفي لأن يعيش بها عشرات الملايين بل ومئاتها ، بينما يرزح كثير من الناس في البلاد الاُخرى تحت حال يرثى لها من الحرمان والبؤس والفقر المدقع ، ويعانون من الجوع والجهل ، والعري والمرض ويموت منهم كلّ يوم عشرات الآلاف بل مئات الآلاف نتيجة الفقر ، ونقصان المواد الغذائيّة ، وما شابه ذلك.
وبذلك نعرف أنّ الدعوات القائمة ـ اليوم ـ باسم القوميّة ، والعنصريّة والطبقيّة ما هي إلاّ خطوات مضادّة لاطروحة الحكومة العالميّة الموحّدة التي سبق الإسلام إلى المناداة بها والدعوة إليها بإصرار.
لقد شجب الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في خطابه التاريخيّ عند عودته من حجّة الوداع ، كلّ ألوان التمييز والتفرقة بين أبناء البشر وقال : « لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لأعجميّ على عربيّ إلاّ بالتّقوى » (5)
وقال : « كلّكم من آدم وآدم من تراب » (6)
وقال : « أيّها الناس أنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتفاخرها بآبائها ألا انّكم من آدم وآدم من طين » (7)
وقال : « ألا أنّ خير عباد الله عبد اتّقاه إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثّل أسنان المشط لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لأحمر على أسود إلاّ بالتقوى » (8)
وقال : « إنّما الناس رجلان : مؤمن تقيٌّ كريم على الله ، أو فاجر شقيٌّ هينٌّ على الله ».
وقال : « ألا أنّ العربيّة ليست بأب والد ، ولكنّها لسان ناطق ، فمن قصر به عمله لم يبلغ به حسبه » (9)
وقال : « ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام ، إنّما هم فحم من فحم جهنّم. أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان التي تدفع بانفها النتن » (10)
وقال عليّ (عليه السلام) : « أصل الإنسان لبُّه وعقله ودينه ومروّته حيث يجعل نفسه ، والأيام دول والنّاس إلى آدم شرع سواء » (11)
إنّ مثل هذا الموقف الإنسانيّ الصحيح من البشريّة يمكن أن يكون قاعدة فكريّة أساسيّة لتشكيل حكومة عالميّة موحّدة تقضي على كلّ ألوان الصراع والتشاحن ، وتزيل أسباب الحروب الدامية ، وينعم في ظلالها جميع البشريّة بالسعادة والعزّة والاستقرار والثبات ، ويستفيد فيها الجميع من النعم الإلهيّة والمواهب الطبيعيّة على قدم المساواة ، دونما تفضيل أو تمييز ، ودونما إجحاف أو ظلم.
قال عليّ (عليه السلام) : « أفضل النّاس ـ أيُّها النّاس ـ عند الله منزلةً وأعظمهم عند الله خطراً أطوعهم لأمر الله وأعلمهم بطاعة الله ، واتبعهم لسنّة رسول الله وأحياهم لكتاب الله ، فليس لأحد من خلق الله عندنا فضل إلاّ بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنّة نبيّه ، وهذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبيّه وسيرته فينا لا يجهلها إلاّ جاهل مخالف معاند عن الله عزّ وجلّ يقول الله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } ( الحجرات : 13 ) فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحبُّ كذلك أهل طاعته وطاعة رسوله » (12)
____________________________
(1) يراجع كتاب الحرب العالمية الاُولى والثانية.
(2) نهج البلاغة : قسم الرسائل (53)
(3) راجع كتابي : الوثائق السياسيّة ، ومكاتيب الرسول ، وسيوافيك قسم من هذه الكتب في الجزء الثالث من موسوعتنا هذا ، عند البحث عن كون دعوة الرسول دعوة عالميّة لا إقليميّة.
(4) إنّ الملاحظ أنّ القرآن وجّه أكثر دعواته إلى الناس فقال ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ولم يوجهها إلى طائفة خاصّة فلم يقل يا أيّها القريشيّون أو يا أهل مكّة ، أو يا أهل الحجاز أو أيّها البيض أو أيّها العرب.
(5 و 6) تحف العقول : 34 ، وسيرة ابن هشام 2 : 414.
(7) سيرة ابن هشام 2 : 412.
(8) الفقيه 2 : 27 باختلاف يسير ، والكافي 2 : 246.
(9) سنن أبي داود 2 : 625.
(10) سنن أبي داود 2 : 624.
(11) أمالي الصدوق : المجلس 42.
(12) تحف العقول : 183.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|