
الاخبار
اخبار الساحة الاسلامية
أخبار العتبة العلوية المقدسة
أخبار العتبة الحسينية المقدسة
أخبار العتبة الكاظمية المقدسة
أخبار العتبة العسكرية المقدسة
أخبار العتبة العباسية المقدسة
أخبار العلوم و التكنولوجيا
الاخبار الصحية
الاخبار الاقتصادية
سماحة السيد الصافي لخريجات مدارس الكفيل: الوعي حصن الإنسان في زمن الفوضى الثقافية والانحراف الذي قد يرتدي لبوس الحق
المصدر:
alkafeel.net
09:36 صباحاً
2025-09-27
71

أكد المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة، سماحة العلامة السيد أحمد الصافي، أنّ الوعي حصن الإنسان في زمن الفوضى الثقافية والانحراف الذي قد يرتدي لبوس الحق. جاء ذلك في أثناء كلمة سماحته بحفل تخرج طالبات شعبة مدارس الكفيل الدينية النسوية التابعة للعتبة المقدسة، الذي يُقام تحت شعار (بالعلم نرتقي وعلى نهج أهل البيت -عليهم السلام- نسير). وقال سماحته: إنّ "الإنسان المتدين المتعلم لا بد أن يذكّر الناس بالنهاية الأبدية، لأنّ فيها واعظًا، فالإنسان قد تخفى على الآخرين صفاته السيئة، لكن الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية، وفائدة الإنسان المتعلم المطبق للشريعة، أنه تشتد الرقابة عنده لكل ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ودائمًا يجعل رضا الله تعالى أمانة"، مضيفًا أنّ "بعض أذكار الشريعة المقدسة تشجع الإنسان دائمًا على الاستغفار، ومعنى أن يستغفر الله تعالى، أي أنّه يرجع إليه لأنّه يجعل الله دائمًا رقيبًا لا بد أن نعود إليه". وأضاف، أنّ "التعلم الديني يجعل الإنسان سواء أمام الآخرين أو كان وحده، بينه وبين الله أن يجعله سواء، بل عندما يكون بينه وبين الله يكون أكثر تواضعًا ومخافة لله، وأكثر تذللًا إلى الله تعالى، وقد قلنا سابقًا في خدمة بعض الأخوة أو الاخوات أنّ الإنسان بينه وبين الله كلما انحنى أكثر، وتواضع لله أكثر، ازداد قوة". وأوضح سماحته، أنّه "بعض الأمراض الروحية الإنسان قد يقع فيها من حيث لا يلتفت، واليوم ضمن هذا الضجيج والفوضى الثقافية، إنّ الذي يقف بوجهها هو الواعي، وحضراتكم تعلمتم، والعلم أمر مختلف عن الثقافة السريعة العابرة"، مبينًا أنّ "الوعي يقف بوجه الانحراف، وفي بعض الحالات، أنّ الانحراف يأتي بلبوس شبيه بلبوس الحق، لكن هو انحراف". وجاء في نص كلمته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الحضور الكريم إخوتي الأفاضل... أخواتي بناتي، السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته. نبارك لأخواتنا وبناتنا هذا المنجز العلمي الثقافي، وهو أنّهن قطعن شوطًا من عمرهن في تدارس علوم أهل البيت (عليهم السلام). لو قسّمنا سنوات العمر بمقدار ما مضى، بمقدار ما يأتي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، بمقدار ما مضى، فاعتقد رياضيًّا سنصل إلى نتائج يتحسر عليها كل منا، إلا ما كانت فيه من الأوقات خالصة لوجهه تبارك وتعالى، سواء كان في العلم أو في العبادات، وأيضا ما يتوقف عليها ضرورة المعاش وغير ذلك، يبقى ما هو دونه من فضول الوقت، وأمّا لا قدر الله لو كانت بعض الأوقات في غير طاعة الله، فقطعًا الإنسان يتحسر عليها ويندم، لكن الله تبارك وتعالى لواسع رحمته فتح لنا فرصة كبيرة لتدارك ذلك، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا وعليكم دائمًا وأن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعمل. نجدد هذه المباركة لأخواتنا وللأخوات الفضليات المدرسات والإدارات اللواتي بذلن جهدًا كبيرًا، بالإضافة إلى شعبة مدارس الكفيل الموقرة لمتابعة إنجازات هذه المدارس. ولعله ليس من نافلة القول، بل من فروض القول إنّ هذا المقدار من تحصيل العلم أمر غير منتهٍ، فطالب العلم ليست عنده نهاية لطلب العلم، فقد ورد (العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان) كما في مضمون بعض النصوص الشريفة، طالب العلم ليست له نهاية في تعلمه، بل هو يبقى دائمًا يتعلم، والقاعدة المتفق عليها عند الناس العقلاء والعرف (إنّ العلم قبل العمل)، وسأقف عند هذه الجملة المختصرة في الألفاظ، القوية والعميقة في المضامين، لو لاحظنا الآن أي علم من العلوم أو أي حرفة من الحرف، فلا شك أنّنا سنسأل أين تعلم هذا؟ أين تخرج ذاك؟ من الذي علم فلانًا هذه الحرفة؟ بمعنى نسأل دائمًا عن الخلفية العلمية للمتخرج أو الدارس، ولا يحق لأحد أن يتصدى إلى عمل بعض الأمور إلا أن يكون قد أحرز ما يعرف بالتنظيم العصري (الشهادة) التي تؤهله لهذه الممارسة، وإلا سيُتهم بالاحتيال وانتحال صفة ليست له، وهذا أمر متعارف عليه ودُرجت عليه كل أو معظم الأمم، بحيث أي شخص لا يمكن أن يضع قطعة تدل على أنّه مثلًا طبيب، مهندس، محامي، أو أي حرفة، لا يمكن له أن يدعيها إلا إذا كان هو فعلًا قد درس وتعلم وحصل على هذه الوثيقة التي تكون شهادة له على صدق ما يقول. العلوم الدينية فيها جنبة تتفق مع هذا الأمر وفيها جنبة تختلف، الجنبة التي تتفق هي: لا بد للإنسان أن يكون متعلمًا، بمعنى لا بد أن يحرز العلم، سنة سنتان ثلاث أربع، إلى آخر عمره يبقى يشتغل بالتعليم، بعد أن يشتغل بالتعليم، وأثناء اشتغاله أو إذا كانت له مدة بعد ذلك، ينتقل إلى عمل، لا أقول إنّه في التعليم لا عمل له، ولا يؤخذ من كلامي ذلك، لأنّ التكاليف الشرعية هي تكاليف يومية، لأنّ مسائل الابتلاء اليومية لا بد للإنسان أن يتعلمها، وبذلك هو يمارس يوميًّا ما تعلمه دينيًّا، والقاعدة أنّ (العلم قبل العمل). حضراتكم الآن في مدارس بالإضافة إلى جانب التعلم والجانب العلمي، لابد أن تكون لكم وظيفة أخرى، وهذا مورد الاختلاف بين هذه العلوم والعلوم الأخرى غير الدينية، ما هذا المورد؟ إنّ سعة العلم وسيعة جدًّا، يعني وعاء العلم وعاء وسيع جدًّا، وكلما تعلم الإنسان شيئًا سيشعر أنّه بحاجة إلى المزيد، وسيكتشف عندما يتعلم بعض الأمور أنّ هناك مغالق كثيرة أمامه هو جاهل بها، وهذا يجعله سيحث الخطى على أن يتعلم ليكتشفها، وقطعًا لو قُسّمت أعمارنا على ما نريد أن نتعلمه من كل شيء، لما كانت هذه المعادلة بجانب العمر، الإنسان سيقول أنا لا أستطيع أن أتعلم كل شيء، بل لا بد أن أتعلم الضروري من الأمور، ما يعينني في الأخرة، وما يعينني في الدنيا وهذه هي الجنبة الوسطى. الإنسان لا بد أن يتعلم ما يعينه في علاقته مع الله تبارك وتعالى، وعلاقته مع الناس، علاقته مع ما يجري في الدنيا، بالنتيجة هي ميدان العمل، والدنيا هي مزرعة الآخرة، الإنسان في الدنيا يزرع، هذا الفلاح المجد المثابر يزرع، ثم يداري زرعه بالسقي والماء والمدارات اليومية والموسمية، كي يحصل على ثمرة جيدة، إلى أن يأتي أوان الحصاد، هذه العملية شبيهة لعمليتنا في الدنيا، غايتها أن الوقت يمتد بنا أكثر من وقت الفلاح، الفلاح عنده تارة زراعة موسمية قد لا تستغرق أكثر من أربعة أشهر، وتارة عنده زراعة طويلة يحتاج إلى أن يسقيها ويراعيها لأكثر من خمس سنوات، ثم بعدها يجني الثمار، نحن في الدنيا هكذا من حين أنّ الإنسان يخاطب في سن التكليف، يبدأ قلم التكليف بالكتابة، وهنا يبدأ بتهيئة الأرضية المناسبة لزراعته، عبر الأعمال الصالحة، فيعمل ويزرع إلى أن يأتي يوم يغادر الدنيا، فهذا مصير محتوم لا يجب علينا أن نغفل عنه، ولا يجب علينا أن نهرب منه. الإنسان المتدين المتعلم لا بد أن يذكّر الناس بالنهاية الأبدية، لأنّ فيها واعظًا، فالإنسان قد تخفى على الآخرين صفاته السيئة، لكن الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية، وفائدة الإنسان المتعلم المطبق للشريعة، أنّه تشتد الرقابة عنده لكل ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ودائمّا يجعل رضا الله تعالى أمامة. بعض أذكار الشريعة المقدسة تشجع الإنسان دائمًا على الاستغفار، ومعنى أن يستغفر الله تعالى، أي أنّه يرجع إليه لأنّه يجعل الله دائمًا رقيبًا لا بد أن نعود إليه. إنّ التعلم الديني يجعل الإنسان سواء أمام الآخرين أو كان وحده، بينه وبين الله أن يجعله سواء، بل عندما يكون بينه وبين الله يكون أكثر تواضعًا ومخافة لله، وأكثر تذلًلا إلى الله تعالى، وقد قلنا سابقًا في خدمة بعض الإخوة أو الأخوات إنّ الإنسان بينه وبين الله كلما انحنى أكثر، وتواضع لله أكثر، ازداد قوة. إنّ البكاء أمام الآخرين يدل على الضعف، في حين بكاء الإنسان بينه وبين الله تعالى يدل على القوة، يعني أنّ الإنسان عندما يبكي أمام الله فهو يستنجد به، والإنسان الذي يستنجد بالله تعالى سيصبح أقوى، لإنّ الله يدافع عن الذين آمنوا، والأنبياء (صلوات الله عليهم) كانت لهم أوقات خاصة وكذلك الأئمة (عليهم السلام) كانت لهم أوقات خاصة مع الله. فمثلاً لا يمكن للإنسان أن يكون مرتاحًا في السجن، لضيقه وصعوبة ظرفه وتقييد حرية الإنسان، لكن النبي يوسف (سلام الله عليه) قال: السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه، والإمام الكاظم (سلام الله عليه) يحمد الله تعالى لأن هيّأ له وقتًا لعبادته في السجن. الإنسان دائمًا لا بد أن يستشعر أنّه عبد، وهذا العبد مرهون أمره بسيده، وقد أعطانا الله تعالى القوة والعقل وأرشدنا أيضًا إلى طريق البر والسلامة، قال: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 105)، وهو النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ومعه المؤمنون وهم أهل بيته (عليهم السلام)، ونقول: إنّ الله يرى العمل ليس بمعنى أن الله تعالى يرى العمل ولا يرى غيره، بل إنّ الله سبحانه وتعالى يرى عملنا وأجرنا فيه محفوظ عنده من باب التذكير بجزاء أعمالنا وثوابها. هذه المقدمة أحببت أن أبيّنها حتى تستشعروا تلك النعمة الكبيرة التي حباكم الله تبارك وتعالى بها وقدح في أذهانكم الرغبة في طلب العلم، الرغبة في طلب العلم بنفسها نعمة، الله سبحانه وتعالى هيّأ لكم الظرف الذي تتعلمون فيه. شيئان أحب أن أنوّه لهما: أولًا: العبرة في الاستمرار على ما أنتم عليه، فالإنسان الذي يتخرج من المدرسة ليس بمعنى ذلك أن يخرج من سلوكها القويم وما كان فيه من الخير، فيتغير كل سلوكه نحو الأسوأ عما كان فيها، بل حتى المساواة هي مذمومة، فمن تساوى يوماه فهو مغبون، بل لا بد أن يتطور عما كان فيه، ولا بد أن تكون هذه المدرسة مصدرًا لعوامل وخزين طاقة عنده يساعده على المدة التي بعدها، حتى يعين نفسه على آخرته، فلا بد من الاستمرار على هذا النهج الذي كان فيه وهو خير نهج، فالعبرة ليس بهذه الفترات المنصرمة، العبرة بالقادم بعدها، وإنما الأمور بخواتيمها، هذه النقطة الأولى. النقطة الثانية: كثير من بناتنا وأخواتنا يثيرون تساؤلًا خصوصًا ممن تتصدى للتبليغ، هذا الاصطلاح شائع في الأوساط الحوزوية، فيقول أحدهم في المناسبات والزيارات المليونية، ذهبت للتبليغ وذهبنا للتبليغ، رجلًا كان أو امرأة، وهذا هو نعم العمل، فالإنسان عندما يكون مبلغًا بأحكام الله تعالى وشريعته، وسط هذه الزحمة والضجيج الإعلامي والتشويش الإعلامي، لهو أمر صعب وثوابه أكبر من ظرف لم يكن هذا الضجيج، فالمعلومة اليوم تدخل عنوة وبصعوبة عن ظرفها سابقًا، فالإنسان كان ينقل قدمه للمكتبة حتى يرى الكتاب المناسب، في حين اليوم المعلومة تدخل رغمًا عنا، وبعض المعلومات توجه الفكر تدريجيًّا، والإنسان قد لا يتغير سلوكه فجأة، لكنه يتغير تدريجيًّا، وإذا كان هناك شخص يراقب هذا الشخص وهو ناصح له، يقول له أنت قبل سنة لم تكن هكذا، الآن هناك انحدار فيك، وهو قد لا يشعر به. بعض الأمراض الروحية مثل الرياء، تشبهها الروايات بمضمون: هي نملة عمياء في ليلة ظلماء على صخرة صماء، فكيف للإنسان أن يشاهدها، ليلة مظلمة، وهي بنفسها حالكة لا يرى فيها شيء، ونملة عمياء تأتينا في الليل، ثم على صخرة ملساء لا تحدث صوتًا، ملساء، وهذه عمياء تأتي من هنا وتأتي من هنا. بعض الأمراض الروحية الإنسان قد يقع فيها من حيث لا يلتفت، اليوم وسط هذا الضجيج والفوضى الثقافية، بالتأكيد أنّ الذي يقف بوجهها هو الواعي، وحضراتكم تعلمتم أنّ العلم أمر مختلف عن الثقافة السريعة العابرة. اليوم نرى أنّ بعض المواقع أو الصفحات تقول على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه)، وتنسب له شيئًا لم يقع، قال كذا، من أين هذا الكلام؟! الذي لا يميز ولم يطلع، يقول نعم هذه مقولة أمير المؤمنين، في حين المتعلم يقول لمن يدعي، ما مصدرك؟ من أين أخذته؟ هناك اليوم عملية من التزوير والخداع تؤدي لوقوع الإنسان بأفكار سيئة، في حين الذي يقف بوجه الانحراف دائمًا هو الوعي، ولكن في بعض الحالات يأتي الانحراف بلبوس شبيه بالحق، وهو واقعًا منحرف. أنتِ اليوم مسؤولة، قضيت ست أو عشر سنوات في الدرس والتعلم، أنتِ اليوم محط آمال من يحتاج تبليغك وعلمك، فالأعناق مشرئبة لكِ، أنتِ مسؤولة إزاء علمك، ولا بد أن يكون عندكِ مستوى كبير من الوعي، لا أقول وعيًا فقط، بل كثيرًا من الوعي، وإلا ما فائدة كوني تعلمت بعض العلوم؟ ما الفائدة من ذلك؟! لابد أن نعي أنّ كل الأئمة الأطهار ومن قبلهم النبي (صلوات الله عليهم)، عانوا من مشاكل عدم الوعي من مجتمعهم وأممهم، وهناك زلات أقدام، ولكن الذي صمد من الناس هو من كان واعيًا، الذي كان يرجع للأئمة الأطهار في السؤال والاستفسار عن دينه، وكان الأئمة (عليهم السلام) يوجهوا أصحابهم بالتوجيه الناصف والصحيح. اليوم الوعي هو الذي يقف أمام الانحراف، يسألن بعض الأخوات أنّه من أين نبدأ؟ هذا السؤال مهم، اسألوا أنفسكم، وأنا أيضًا أسأل نفسي، من أين أبدأ؟ في مقام الترتيب التعليمي، على الإنسان أول شيء أن يبدأ بنفسه، فحتى الأنبياء (صلوات الله عليهم) فعلوا ذلك، فنحن في عقيدتنا أنّ الأنبياء (كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين) كما هو مضمون قول النبي (صلى الله عليه وآله)، لكن عندما نقرأ حياته الشريفة نراه قد قضى 40 سنة في مكة لم يعلن النبوة، بل كان يعمل بتكليفه ويصلي أيضًا أمام الملأ، وعندما جاء وقت إظهار الرسالة الشريفة، بدأ بعض المجتمع بالاستهزاء، والقرآن الكريم يقول: (إنا كفيناك المستهزئين)، حتى على لسانه الشريف إذا صدقت الرواية قال: (شيبتني هود)، لماذا؟ لأنّ التحديات ضخمة وصعبة، لكن الإنسان المؤمن دائمًا يعتمد على الله تعالى، وينطلق للبناء الفكري والتوعية، وعليه أول شيء أن يبدأ بنفسه، الصراعات التي بينه وبين نفسه لابد أن يقضي عليها، لابد أن تتضح الرؤيا عند نفسه، وحينما يزل أو يخطأ، يتدارك ذلك بالتوبة، وحين يذنب عليه أن لا ييأس من رحمة الله تعالى، فيبدأ بتربية نفسه إلى أن يصل إلى حالة لا بأس بها، ثم ينطلق لغيره. ميدانكم الأول أنفسكم إن قدرتم عليها، كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز. مثلًا تعلمتِ جنابك كم كلمة أو حديث، عن الصبر والتحمل؟ لكن أنتِ فعلًا لم تجربي ذلك على نفسك. ترين امرأة مسكينة صابرة لمدة عشر سنوات ومتحملة لظرفها، قارني ما عندك من ألفاظ وما عندها من أعمال، قطعًا ستفوز عليكِ إن لم تحملي تطبيقات لما تعلمت، فليست العبرة في المصطلح، بل العبرة في معنى المصطلح والعمل به. لذا فعلى الإنسان أن ينظر إلى نفسه ويقوّمها قبل أن ينظر للآخرين. النصيحة للآخرين سهلة، يتكلم بها، لكن فعًلا عندما يرجع بينه وبين الله، حين لا يراه أحد، كيف ينظر لواقع نفسه، أنا خلال النهار ماذا عملت؟ تذكرت أنّي قد أسأت مع فلان، أضعف الإيمان لإصلاح الأمر، أن استغفر له. كلنا يتذكر قصة مالك الأشتر (رضوان الله عليه) مع الذي أساء له، ومالك كان يمثل الساعد الأيمن لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت الكوفة كلها ترتعش من مالك، شجاعة وعلمًا وقوة، لكن موارد الشجاعة شجاعة وموارد الأخلاق أخلاق. مالك في الكوفة كان يمشي ليس في حالة حرب، وعندما أساء له ذلك الشخص، فرماه مثلًا بحجارة وأساء بالكلام، لم يكن في حالة حرب، حتى يسحب سيفه ويقتله، فهذا مخالف للأخلاق، علينا أن نفرق، هنا عليه أن يمارس أخلاقه التي تعلمها، ماذا تعلم من أمير المؤمنين (عليه السلام) غير القتال؟ قال انا تعلمت كل شيء من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالقتال مسألة مؤقتة، إنما الأخلاق والتعامل بها يوميًّا أمر أساسي، والتوكل على الله شيء مطلوب في الحالتين سلمًا وحربًا، فماذا فعل مالك؟ تركه وذهب يصلي له ويستغفر له، عندما نذكر هذه القصة هل نكتفي بالقول ما شاء الله على أخلاق مالك، في حين نحن لا نتحمل عشر الأعشار من المئة من بعض التصرفات. لا بد أخواتي أن نراجع أنفسنا ونبدأ بإصلاحها وتهذيبها، أفضل من كلمة المراجعة هي التربية، أن نربي أنفسنا، وتربية النفس أمر لا ينتهي، ثم بعد ذلك نبدأ بالالتفات للأسرة، وهكذا ثم للمجتمع بما نستطيع إصلاحه منه. اليوم الحضور الكريم أمامي مثًلا 300، 400 يعني أنتن تمثلن 400 أسرة، ولو افترضنا أنّ معدل الأسرة 5 أشخاص، يعني ما شاء الله يخرج عندنا عدد كبير قرابة الـ 2000 شخص، فلنبدأ بعد إصلاح وتهذيب أنفسنا، من أسرنا، ولا بد أن نحميها. اليوم الأسرة أمام تحدٍ كبير جدًّا، لا تغفلي عن بنتكِ، ولدكِ، زوجكِ، أخيكِ لا تغفلي، بالمقدار الذي تشعرين به أنّكِ خرجت من عهدة التكليف بتوعيتهم. لاحظوا الأسرة الكريمة، زوج، زوجته، أولاده، نرى الشارع المقدس كثيرًا ما حصّن الأسرة وحماها، وهذا لا بد لكم أن تدافعوا عن ذلك. في الجوانب التنظيرية أنتم عندما تقرأونها، انظروا للدفاع عن الأسرة. كمثال امرأة تريد أن تزور، كم هو ثواب الزيارة؟ ثواب الزيارة عظيم جدًّا، لكن زوجها لا يقبل، والشارع المقدس يقول على المرأة في هذا الأمر أن تطيع الزوج، لماذا؟ لأنّ الأسرة لا بد أن تُحصّن، إياكم والأفكار التي تفكك الأُسر، هذا الذي قلته عن الوعي، هو الذي يحمي. لا يأتي صاحب الفكر الخطير والخاطئ بعنوان، تعالوا فكّكوا أسركم!! لا.. بل يأتي بعناوين نتيجتها تفكيك الأسرة. الوعي هنا يكمن في التصدي للتوعية، لا بد أن نبدأ بأنفسنا، فإذا أصبح عندي وعي، سأنتقل لأسرتي. إذا لم يكن عندي وعي، لن يكون فهمي للأمور سليمًا، فلو مررت بابتلاءات، صحية مثلاً، صحتي جيدة وبلحظة واحدة ابتلاني الله بمرض لثلاثة أيام، هل أخرج عن التوازن وأتهم الله تعالى؟ أيّ نعم يحصل هذا لدى البعض، نقول لله في تعبيرنا الدارج: هل هذا وقت الابتلاء؟ يُنقل عن الشيخ عباس القمي (رضوان الله عليه) صاحب كتاب (منازل الآخرة)، الذي كتبه أشبه بقصص، يعني كشخص توفى، وبعد ذلك يشرح منازل انتقاله من الوفاة إلى القبر إلى المساءلة، مما يمكن الاستفادة منها في سلوكنا الدنيوي. ومن بعض الحكايات، وكأنّها لسان الحال، شخص يتعبد ويرى أن رزقه موجود، دون أن يشعر بقلق تجاهه، ولا يعلم من أين يأتيه، فهو مطمئن لرزقه، وذات يوم وهو منعزل عن أهل القرية لأنّهم كفرة، بعد أن أدّى العبادة التفت إلى أنّ رزقة تأخر، مرّ اليوم الثاني واليوم الثالث ولم يصل الرزق، فبدأ يستعطي من القرية فأعطوه ثلاثة أرغفة، وفي أثناء مسيره إلى مكان التعبد لحق به كلب، بدأ ينبح فأعطاه رغيفًا، أكله ثم لحقه ثانية، فأعطاه الرغيف الثاني، فأكله ثم بدأ ينبح، أراد أن يعطيه الثالث، قال أما تستحي أعطيتك رغيفين، نطق الكلب وقال: أنا لا استحي أمّا أنت، فلماذا وأنت عبد الله تعالى وهو تعالى ما تخلى عنك يومًا، لكن بمجرد انقطع رزقك ثلاثة أيام، بعت مبادئك، وأنا لم استفد من هؤلاء القوم، تارة يطعموني وتارة يتركوني وأجوع ولم أتركهم. في أمثال هذه القصص عبر كثيرة علينا الاستفادة منها. نحن نتعامل مع الله، حتى الذي لا يؤمن بالله أيضًا يتعامل مع الله من حيث لا يشعر. قوله تعالى (إلينا مرجعكم) يبيّن أنّ الذي يعتقد بالله والذي لا يعتقد، هو سيرجع إليه، ثم يقول: (فينبئكم بما كنتم تعلمون). لذا لا بد أن نفهم ما هو مطلوب منا بمقدار ما أعطانا الله، لابد أن نستثمر أعمارنا بما يرضي الله تعالى. أول شيء أن نبدأ بأنفسنا ثم نحافظ على أُسرنا، ثم ننتقل قدر استطاعتنا للمجتمع. بعضهم يقول: هل نترك المجتمع؟ لا، بل نتدرج في البناء والإصلاح من أنفسنا، كي نفهم المجتمع، لا بد أن تكون مكتملًا بالمقدار الأدنى، كي تكمل غيرك. الآن طالب صف سادس بعده لم يمتحن النهائي، هل من حقه معالجة المرضى؟ لا ليس من حقه، وهكذا من يتصدى لتوعية الناس وتعليمهم. أنتِ الآن عندك قابلية الإصلاح، لكن هل أترك أسرتي وأذهب للمجتمع بعد إصلاح نفسي؟ لا طبعًا. أسرتي بحاجة لي تعليمًا، ابني لا أعلم أين يذهب، وكيف يقضي وقته؟ ابنتي لا أعلم أين تذهب؟ أترك هذا كله وأذهب إلى المجتمع، قبل إصلاح أسرتي؟ هذه معادلة غير صحيحة، وقت إن التزمت وبدأت بنفسي ثم أسرتي، هنا أذهب لإصلاح المجتمع.