سبب نزول الآية 1-3 سورة التوبة
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص77-81
2025-10-24
18
سبب نزول الآية 1-3 سورة التوبة
قال تعالى : {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [التوبة : 1 - 3].
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من غزوة تبوك ، في سنة تسع من الهجرة - قال - : وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة ، وكانت سنّة العرب في الحجّ أنّه من دخل مكّة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها ، وكانوا يتصدّقون بها ، ولا يلبسونها بعد الطّواف ، فكان من وافى مكّة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يردّه ، ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ، ومن لم يجد عارية ولا كراء ، ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا .
فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة ، فطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده ، فقالوا لها : إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدّقي بها . فقالت :
وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها ؟ ! فطافت بالبيت عريانة ، وأشرف عليها الناس ، فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها ، وقالت شعرا :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه * فما بدا منه فلا أحلّه
فلما فرغت من الطّواف خطبها جماعة ، فقالت : إنّ لي زوجا .
وكانت سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ، ولا يحارب إلا من حاربه وأراده ، وقد كان أنزل عليه في ذلك {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء : 90]. فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله ، حتى نزلت عليه سورة براءة ، وأمره اللّه بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلّا الذين قد عاهدهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة إلى مدة ، منهم : صفوان بن أميّة ، وسهيل بن عمرو ، فقال اللّه عزّ وجلّ : { بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }، ثم يقتلون حيثما وجدوا ، فهذه أشهر السياحة : عشرون من ذي الحجّة الحرام ، ومحرّم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرة من شهر ربيع الآخرة .
ولمّا نزلت الآيات من سورة براءة دفعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى أبي بكر ، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى يوم النّحر ، فلمّا خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : يا محمّد ، لا يؤدّي عنك إلّا رجل منك . فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمير المؤمنين عليه السّلام في طلب أبي بكر ، فلحقه بالرّوحاء ، فأخذ منه الآيات ، فرجع أبو بكر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : يا رسول اللّه ، أأنزل اللّه فيّ شيئا ؟ قال : لا ، إن اللّه أمرني أن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل مني » « 1 » .
وقال أبو الحسن الرضا عليه السّلام : « قال أمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمرني أن أبلّغ عن اللّه تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام ، وقرأ عليهم بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فأجّل المشركين الذين حجّوا تلك السنة أربعة أشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ، ثم يقتلون حيث وجدوا » « 2 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ، ليقرأها على الناس ، فنزل جبرئيل فقال : لا يبلّغ عنك إلّا عليّ .
فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عليّا عليه السّلام وأمره أن يركب ناقته العضباء ، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأها على الناس بمكّة ، فقال أبو بكر : أسخط ؟
فقال : لا ، إلّا أنّه أنزل عليه أنه لا يبلّغ عنك إلّا رجل منك.
فلمّا قدم على مكّة ، وكان يوم النّحر بعد الظهر ، وهو يوم الحجّ الأكبر ، قام ثمّ قال : إنّي [ رسول ] رسول اللّه إليكم . فقرأها عليهم بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عشرين من ذي الحجّة ، ومحرّم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرا من شهر ربيع الآخر . وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام ، ومن كان له عهد عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فمدّته إلى هذه الأربعة أشهر » « 3 » .
وقال عليّ بن الحسين عليه السّلام لحكيم بن جبير : « واللّه إنّ لعليّ عليه السّلام لأسماء في القرآن ما يعرفها الناس » . قال : قلت : وأيّ شيء تقول ، جعلت فداك ؟
فقال لي : وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قال :
« فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام وكان هو واللّه المؤذّن ، فأذّن بأذان اللّه ورسوله يوم الحجّ الأكبر ، من المواقف كلّها ، فكان ما نادى به أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك » « 4 ».
وقال أبو جعفر عليه السّلام في قول اللّه : وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ : « خروج القائم عليه السّلام وأذان دعوته إلى نفسه » « 5 ».
وقال فضيل بن عياض : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحجّ الأكبر ؟
فقال : « عندك فيه شيء ؟ » فقلت : نعم ، كان ابن عبّاس يقول : الحجّ الأكبر يوم عرفة ، يعني أنّه من أدرك يوم عرفه إلى طلوع الشمس من يوم النّحر فقد أدرك الحجّ ، ومن فاته ذلك فاته الحجّ ، فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها ، والدليل على ذلك أنّه من أدرك ليلة النّحر إلى طلوع الفجر فقد أدرك الحجّ وأجزأ عنه منح عرفة .
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الحجّ الأكبر يوم النّحر ، واحتجّ بقول اللّه عزّ وجلّ : فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فهي عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر . ولو كان الحجّ الأكبر يوم عرفة لكان السّيح أربعة أشهر ويوما ، واحتجّ بقوله عزّ وجلّ : وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ و [ قال ] : كنت أنا الأذان في الناس ».
قلت : فما معنى هذه اللفظة : الحجّ الأكبر ؟ فقال : « إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة » « 6 ».
_____________
( 1 ) تفسير القميّ ج 1 ، ص 281 .
( 2 ) تفسير القميّ ج 1 ، ص . 282
( 3 ) تفسير العيّاشي ج 2 ، ص 73 ، ح 4 .
( 4 ) تفسير العيّاشي ج 2 ، ص 76 ، ح 12 .
( 5 ) تفسير العيّاشي ج 2 ، ص 76 ، ح 15 .
( 6 ) معاني الأخبار : ص 296 ، ح 5 .
الاكثر قراءة في أسباب النزول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة