الآداب والعادات الموروثة لبعض الامم
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج2 , ص225-227
5-10-2014
2534
الكلدة و الآشور فقد حكم فيهم شرع "حامورابي" بتبعية المرأة لزوجها و سقوط استقلالها في الإرادة و العمل، حتى أن الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من أمور المعاشرة أو استقل بشيء فيها كان له أن يخرجها من بيته، أو يتزوج عليها و يعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضا، و لو أخطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثم يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم.
و أما الروم فهي أيضا من أقدم الأمم وضعا للقوانين المدنية، وضع القانون فيها أول ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ثم أخذوا في تكميله تدريجا، و هو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به، و لرب البيت و هو زوج المرأة و أبو أولادها نوع ربوبية كان يعبده لذلك أهل البيت كما كان يعبد هو من تقدمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت، و كان له الاختيار التام و المشية النافذة في جميع ما يريده و يأمر به على أهل البيت من زوجة و أولاد حتى القتل لو رأى أن الصلاح فيه، و لا يعارضه في ذلك معارض، و كانت النساء نساء البيت كالزوجة و البنت و الأخت أردأ حالا من الرجال حتى الأبناء التابعين محضا لرب البيت، فإنهن لم يكن أجزاء للاجتماع المدني فلا تسمع لهن شكاية، و لا ينفذ منهن معاملة، و لا تصح منهن في الأمور الاجتماعية مداخلة لكن الرجال أعني الإخوة و الذكور من الأولاد حتى الأدعياء فإن التبني و إلحاق الولد بغير أبيه كان معمولا شائعا عندهم و كذا في يونان و إيران و العرب كان من الجائز أن يأذن لهم رب البيت في الاستقلال بأمور الحياة مطلقا لأنفسهم.
و لم يكن أجزاء أصيلة في البيت بل كان أهل البيت هم الرجال، و أما النساء فتبع، فكانت القرابة الاجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث و نحوها مختصة بما بين الرجال، و أما النساء فلا قرابة بينهن أنفسهن كالأم مع البنت و الأخت مع الأخت، و لا بينهن و بين الرجال كالزوجين أو الأم مع الابن أو الأخت مع الأخ أو البنت مع الأب و لا توارث فيما لا قرابة رسمية، نعم القرابة الطبيعية و هي التي يوجبها الاتصال في الولادة كانت موجودة بينهم، و ربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم، و ولاية رئيس البيت و ربه لها.
و بالجملة كانت المرأة عندهم طفيلية الوجود تابعة الحياة في المجتمع المجتمع المدني و البيتي زمام حياتها و إرادتها بيد رب البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما، يفعل بها ربها ما يشاء و يحكم فيها ما يريد، فربما باعها، و ربما وهبها، و ربما أقرضها للتمتع، و ربما أعطاها في حق يراد استيفاؤه منه كدين و خراج و نحوهما، و ربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما، و بيده تدبير مالها إن ملكت شيئا بالازدواج أو الكسب مع إذن وليها لا بالإرث لأنها كانت محرومة منه، و بيد أبيها أو واحد من سراة قومها تزويجها و بيد زوجها تطليقها.
و أما اليونان فالأمر عندهم في تكون البيوت و ربوبية أربابها فيها كان قريب الوضع من وضع الروم.
فقد كان الاجتماع المدني و كذا الاجتماع البيتي عندهم متقوما بالرجال، و النساء تبع لهم، و لذا لم يكن لها استقلال في إرادة و لا فعل إلا تحت ولاية الرجال، لكنهم.
جميعا ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال و لا تحكم لهن إلا بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال، و لا تثاب لحسناتها و لا تراعى جانبها إلا بالتبع و تحت ولاية الرجل.
و هذا بعينه من الشواهد الدالة على أن جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزءا ضعيفا من المجتمع الإنساني ذات شخصية تبعية، بل كانت تقدر أنها كالجراثيم المضرة مفسدة لمزاج الاجتماع مضرة بصحتها غير أن للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يعتنى بشأنها، و تذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، و يحتلب الرجال درها إذا أحسنت أو نفعت، و لا تترك على حيال إرادتها صونا من شرها كالعدو القوي الذي يغلب فيؤخذ أسيرا مسترقا يعيش طول حياته تحت القهر، أن جاء بالسيئة يؤاخذ بها و إن جاء بالحسنة لم يشكر لها.
و هذا الذي سمعته: أن الاجتماع كان متقوما عندهم بالرجال هو الذي ألزمهم أن يعتقدوا أن الأولاد بالحقيقة هم الذكور، و أن بقاء النسل ببقائهم، و هذا هو منشأ ظهور عمل التبني و الإلحاق بينهم، فإن البيت الذي ليس لربه ولد ذكر كان محكوما بالخراب، و النسل مكتوبا عليه الفناء و الانقراض، فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ أبناء صونا عن الانقراض و موت الذكر، فدعوا غير أبنائهم لأصلابهم أبناء لأنفسهم فكانوا أبناء رسما يرثون و يورثون و يرتب عليهم آثار الأبناء الصلبيين، و كان الرجل منهم إذا زعم أنه عاقر لا يولد منه ولد عمد إلى بعض أقاربه كأخيه و ابن أخيه فأورده فراش أهله لتعلق منه فتلد ولدا يدعوه لنفسه، و يقوم بقاء بيته.
و كان الأمر في التزويج و التطليق في اليونان قريبا منهما في الروم، و كان من الجائز عندهم تعدد الزوجات غير أن الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رسمية و الباقية غير رسمية.
الاكثر قراءة في قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة