تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير آية (118-121) من سورة الانعام
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
5-11-2017
5385
قال تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : 118 - 121].
قال تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : 118 - 120] .
عطف سبحانه على ما تقدم من الكلام فقال : {فكلوا} ثم ، اختلف في ذلك فقيل : انه لما ذكر المهتدين فكأنه قال : ومن الهداية أن تحلوا ما أحل الله ، وتحرموا ما حرم الله ، فكلوا . وقيل : إن المشركين لما قالوا للمسلمين :
أتأكلون ما قتلتم أنتم ، ولا تأكلوا ما قتل ربكم ، فكأنه قال سبحانه لهم ، أعرضوا عن جهلكم ، فكلوا . والمراد به الإباحة ، وإن كانت الصيغة صيغة الأمر {مما ذكر اسم الله عليه} يعني : ذكر اسم الله عند ذبحه دون الميتة ، وما ذكر عليه اسم الأصنام ، والذكر : هو قول : {بسم الله} وقيل : هو كل اسم يختص الله تعالى به ، أو صفة تختصه ، كقول باسم الرحمن ، أو باسم القديم ، أو باسم القادر لنفسه ، أو العالم لنفسه ، وما يجري مجراه ، والأول مجمع على جوازه والظاهر يقتضي جواز غيره لقوله سبحانه {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} .
{إن كنتم بآياته مؤمنين} بأن عرفتم رسوله وصحة ما أتاكم به من عند الله ، فكلوا ما أحل دون ما حرم . وفي هذه الآية دلالة علن وجوب التسمية على الذبيحة ، وعلى أن ذبائح الكفار لا يجوز أكلها ، لأنهم لا يسمون الله تعالى عليها ، ومن سمى منهم لا يعتقد وجوب ذلك حقيقة ، ولأنه يعتقد أن الذي يسميه هو الذي أبد شرع موسى ، أو عيسى ، فإذا لا يذكرون الله تعالى حقيقة .
{وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} قد ذكرنا إعرابه في سورة البقرة ، عند قوله : {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} وتقديره : أي شيء لكم في أن لا تأكلوا ؟
فيكون {ما} للاستفهام ، وهو اختيار الزجاج ، وغيره من البصريين ، ومعناه ما الذي يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه . وقيل : معناه ليس لكم أن لا تأكلوا ، فيكون {ما} للنفي {وقد فصل لكم} أي : بين لكم {ما حرم عليكم} قيل : هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله {حرمت عليكم الميتة والدم} الآية : واعترض على هذا بأن سورة المائدة نزلت بعد الأنعام بمدة ، فلا يصح أن يقال أنه فصل ، إلا أن يحمل على أنه بين على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعد ذلك نزل به القرآن . وقيل : إنه ما فصل في هذه السورة في قوله : {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية .
{إلا ما اضطررتم إليه} معناه : إلا ما خفتم على نفوسكم الهلاك من الجوع إذا تركتم التناول منه ، فحينئذ يجوز لكم تناوله ، وإن كان مما حرمه الله . واختلف في مقدار ما يسوغ تناوله عند الاضطرار : فعندنا لا يجوز أن يتناول إلا ما يمسك به الرمق . وقال قوم : يجوز أن يشبع المضطر منها . وأن يحمل منها معه ، حتى يجد ما يأكل . وقال الجبائي : في هذه الآية دلالة على أن ما يكره على أكله من هذه الأجناس ، يجوز أكله لأن المكره يخاف على نفسه مثل المضطر .
{وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم} أي : باتباع أهوائهم . ومن قرأ بالضم أراد أنهم يضلون أشياعهم ، فحذف المفعول به ، وفي أمثاله كثرة ، وإنما جعل النكرة اسم {إن} لأن الكلام إذا طال احتمل ذلك ، ودل بعضه على بعض .
{بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين} المتجاوزين الحق إلى الباطل ، والحلال إلى الحرام {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} أمر سبحانه بترك الإثم مع قيام الدلالة على كونه إثما ، ونهى عن ارتكابه سرا وعلانية ، وهو قول قتادة ، ومجاهد ، والربيع بن أنس . وقيل : أراد بالظاهر أفعال الجوارح ، وبالباطن أفعال القلوب ، عن الجبائي . وقيل : الظاهر من الإثم هو الزنا ، والباطن هو اتخاذ الأخدان ، عن السدي ، والضحاك . وقيل : ظاهر الإثم امرأة الأب ، وباطنه الزنا ، عن سعيد بن جبير . وقيل : إن أهل الجاهلية كانت ترى أن الزنا إذا أظهر كان فيه إثم ، وإذا استسر به صاحبه ، لم يكن إثما ، ذكره الضحاك . والأصح القول الأول لأنه يعم الجميع {إن الذين يكسبون الإثم} أي : يعملون المعاصي التي فيها الآثام ، ويرتكبون القبائح {سيجزون} أي : سيعاقبون {بما كانوا يقترفون} بما كانوا يكسبون ، ويرتكبون .
- {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : 121] .
ثم أكد سبحانه ما تقدم بقوله {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} يعني عند الذبح من الذبائح ، وهذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة ، لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها {وإنه لفسق} يعني : وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق . وفي هذا دلالة على تحريم أكل ذبائح الكفار كلهم ، أهل الكتاب وغيرهم ، من سمي منهم ، ومن لم يسم ، لأنهم يعرفون الله تعالى على ما ذكرناه من قبل ، فلا يصح منهم القصد إلى ذكر اسمه .
فأما ذبيحة المسلم إذا لم يسم الله تعالى عليها ، فقد اختلف في ذلك ، فقيل : لا يحل أكلها سواء ترك التسمية عمدا أو نسيانا ، عن مالك ، وداود ، وروي ذلك عن الحسن ، وابن سيرين ، وبه قال الجبائي . وقيل : يحل أكلها في الحالين عن الشافعي . وقيل : يحل أكلها إذا ترك التسمية ناسيا بعد أن يكون معتقدا لوجوبها ، ويحرم أكلها إذا تركها متعمدا ، عن أبي حنيفة وأصحابه ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام .
{وإن الشياطين} يعني علماء الكافرين ورؤساءهم المتمردين في كفرهم {ليوحون} أي : يؤمون ويشيرون {إلى أوليائهم} الذين اتبعوهم من الكفار {ليجادلوكم} في استحلال الميتة . قال الحسن : كان مشركو العرب يجادلون المسلمين فيقولون لهم : كيف تأكلون مما تقتلونه أنتم ، ولا تأكلون مما قتله الله ؟!
وقتيل الله أولى بالأكل من قتيلكم ، فهذه مجادلتهم . وقال عكرمة : إن قوما من مجوس فارس ، كتبوا إلى مشركي قريش ، وكانوا أولياءهم في الجاهلية : إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ، ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال ، وما قتله الله حرام ، فوقع ذلك في نفوسهم ، فذلك إيحاؤهم إليهم . وقال ابن عباس : معناه وإن الشياطين من الجن ، وهم إبليس وجنوده ، ليوحون إلى أوليائهم من الإنس . والوحي إلقاء المعنى إلى النفس من وجه خفي ، وهم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك ، ثم قال سبحانه {وإن أطعتموهم} أيها المؤمنون ، فيما يقولون من استحلال الميتة ، وغيره {إنكم} إذا {لمشركون} لأن من استحل الميتة ، فهو كافر بالإجماع ، ومن أكلها محرما لها ، مختارا ، فهو فاسق ، وهو قول الحسن ، وجماعة المفسرين . وقال عطا : إنه مختص بذبائح العرب التي كانت تذبحها للأوثان .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 147-150 .
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} . كان العرب في الجاهلية يأكلون الميتة ، ويذكرون على ذبائحهم أسماء ما يعبدون من الأصنام ، فحرم اللَّه ذلك على المسلمين ، وأباح لهم أكل الذبائح ، شريطة أن يذكروا عليها اسم اللَّه لا اسم سواه .
وتسأل : ان جواز الأكل من الذبيحة التي ذكر اسم اللَّه عليها غير منوط بالإيمان باللَّه وآياته ، إذ يجوز للكافر أن يأكل منها ، كما ان الايمان باللَّه غير منوط بالأكل من الذبيحة التي ذكر اسم اللَّه عليها ، حيث يكون المؤمن مؤمنا وان لم يأكل منها . . وظاهر الآية يشعر بأن الإيمان شرط لحلية الأكل من هذه الذبيحة ، لأن معناها كلوا منها إن كنتم مؤمنين .
الجواب : ان قوله تعالى : ان كنتم بآياته مؤمنين ليس شرطا لحلية الأكل من الذبيحة التي ذكر اسم اللَّه عليها ، وإنما هو إشارة إلى ان من يذكر اسم غير اللَّه على الذبيحة فقد جعل للَّه شريكا ، لأنه توجه في عمله هذا إلى غير اللَّه ، كما كان يفعل مشركو العرب ، وان من ذكر اسم اللَّه على الذبيحة فقد آمن باللَّه ونفى عنه الشريك ، لأنه توجه إليه وحده .
{ وما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } . يظهر من هذا ان بعض المسلمين قد امتنع عن أكل الذبيحة التي ذكر اسم اللَّه عليها لشبهة دخلت عليه ، وهي كيف يجوز للإنسان أن يذبح الحيوان بيده ويذكر اسم اللَّه عليه ثم يأكل منه ، ولا يجوز له أن يأكل من الحيوان الذي أماته اللَّه حتف أنفه ! فأنكر اللَّه ذلك على هؤلاء ، وقال : { ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } . يشير تعالى بقوله : وقد فصل لكم الخ ، يشير إلى الآية رقم 145 من هذه السورة ، ويأتي الكلام عنها ، وإلى الآية 173 من سورة البقرة ، وتكلمنا في تفسيرها عن المحرمات ، وعن حكم المضطر ج 1 ص 264 .
{ وإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . أي يحللون ويحرمون من غير دليل ، ووفقا لشهواتهم ، من ذلك ان مشركي العرب حللوا أكل الميتة وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وسبق الكلام عن ذلك في الآية 3 من سورة المائدة { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ } الذين يحللون ويحرمون بأهوائهم وشهواتهم ، وانه سيعاقبهم بما يستحقون .
{ وذَرُوا ظاهِرَ الإِثْمِ وباطِنَهُ } . المراد بالإثم فعل الحرام الموجب له ، وظاهره ارتكاب المعصية علانية ، وباطنه ارتكابها سرا ، وقد نهى سبحانه عن اقتراف جميع المعاصي ما ظهر منها ، وما بطن { إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ } من اتباع الأهواء بغير علم ، ولا يتركون سدى من غير حساب وعقاب .
{ ولا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإِنَّهُ لَفِسْقٌ } . ضمير انه يعود إلى الأكل ، وهو مصدر متصيد من لا تأكلوا ، والفسق المعصية . . بعد أن أحل سبحانه ما ذبح على اسمه تعالى حرم ما لم يذكر اسمه عليه . واستنادا إلى ذلك أجمع الفقهاء ، ما عدا الشافعية على ان الذابح إذا ترك التسمية عامدا حرمت الذبيحة ، تماما كالميتة . . ويكفي مجرد اسم اللَّه ، مثل : اللَّه . اللَّه أكبر .
الحمد للَّه . بسم اللَّه . لا إله إلا اللَّه ، ونحو ذلك . واختلفوا إذا تركت التسمية سهوا . قال الحنفية والجعفرية والحنابلة : لا تحرم الذبيحة . وقال المالكية :
تحرم . وقال الشافعية : لو ترك التسمية عمدا لا تحرم الذبيحة ، فبالأولى لو تركها سهوا .
{ وإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ } . المراد بالشياطين هنا أبالسة الأنس الذين يموهون الحقائق ، ويزخرفون الأقوال ، يخدعون بها السذج البسطاء . .
من ذلك ان بعض المشركين وأبالستهم كانوا يقولون لأتباعهم : اسألوا أصحاب محمد ( ص ) كيف تأكلون الحيوان الذي قتلتموه وذبحتموه بأيديكم ، ولا تأكلون الحيوان الذي قتله اللَّه وأماته حتف أنفه ، مع ان قتيل اللَّه أولى بالأكل من قتيلكم ؟ هذه هي مجادلتهم التي أوحى بها الشياطين لأوليائهم بقصد أن يلقوا الشبهة في قلوب ضعاف المسلمين ، ويفتنوهم عن دينهم .
فقال سبحانه لهؤلاء الضعاف من المسلمين : { وإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } .
أي من استمع إلى المشركين ، وأحل أكل الميتة كما أحلوها فهو مشرك مثلهم .
وهذا الحكم لا يختص بأكل لحم الميتة ، فكل من جحد حكما شرعيا ، عالما بثبوته فهو كافر .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 254-256 .
قوله تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} لما تمهد ما قدمه من البيان الذي هو حجة على أن الله سبحانه هو أحق بأن يطاع من غيره استنتج منه وجوب الأخذ بالحكم الذي شرعه وهو الذي يدل عليه هذه الآية ، ووجوب رفض ما يبيحه غيره بهواه من غير علم ويجادل المؤمنين فيه بوحي الشياطين إليه ، وهو الذي يدل عليه قوله : {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية .
ومن هنا يظهر أن العناية الأصلية متعلقة بجملتين من بين الجمل المتسقة في الآية إلى تمام أربع آيات ، وسائر الجمل مقصودة بتبعها يبين بها ما يتوقف عليه المطلوب بجهاته فأصل الكلام : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه أي فرقوا بين المذكى والميتة فكلوا من هذه ولا تأكلوا من ذاك ، وإن كان المشركون يجادلونكم في أمر التفريق .
فقوله : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ} تفريع للحكم على البيان السابق ، ولذا أردفه بقوله : {إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} والمراد بما ذكر اسم الله عليه الذبيحة المذكاة .
قوله تعالى : {وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية ، بيان تفصيلي لإجمال التفريع الذي في الآية السابقة ، والمعنى : أن الله فصل لكم ما حرم عليكم واستثنى صورة الاضطرار وليس فيما فصل لكم ما ذكر اسم الله عليه فلا بأس بأكله وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين المتجاوزين عن حدوده وهؤلاء هم المشركون القائلون : لا فرق بين ما قتلتموه أنتم وما قتله الله فكلوا الجميع أو دعوا الجميع .
ويظهر بما مر أن معنى قوله : {وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا} ما لكم من نفع في أن لا تأكلوا ، وما للاستفهام التعجيبي ، وقيل : المعنى ليس لكم أن لا تأكلوا ، وما للنفي .
ويظهر من الآية أن محرمات الأكل نزلت قبل سورة الأنعام وقد وقعت في سورة النحل من السور المكية فهي نازلة قبل الأنعام .
قوله تعالى : {وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ} إلى آخر الآية ، وإن كانت مطلقة بحسب المضمون تنهى عن عامة الإثم ظاهره وباطنه غير أن ارتباطها بالسياق المتصل الذي لسابقتها ولاحقتها يقضي بكونها تمهيدا للنهي الآتي في قوله : {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ولازم ذلك أن يكون الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه من مصاديق الإثم حتى يرتبط بالتمهيد السابق عليه فهو من الإثم الظاهر أو الباطن لكن التأكيد البليغ الذي في قوله : {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} يفيد أنه من الإثم الباطن وإلا لم تكن حاجة إلى تأكيده ذاك التأكيد الأكيد .
وبهذا البيان يظهر أن المراد بظاهر الإثم المعصية التي لا ستر على شؤم عاقبته ولا خفاء في شناعة نتيجته كالشرك والفساد في الأرض والظلم ، وبباطن الإثم ما لا يعرف منه ذلك في بادئ النظر كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وإنما يتميز هذا النوع بتعريف إلهي وربما أدركه العقل ، هذا هو الذي يعطيه السياق من معنى ظاهر الإثم وباطنه .
وللمفسرين في تفسيرهما أقوال أخر ، من ذلك : أن ظاهر الإثم وباطنه هما المعصية في السر والعلانية ، وقيل : أريد بالظاهر أفعال الجوارح ، وبالباطن أفعال القلوب ، وقيل : الظاهر من الإثم هو الزنا ، والباطن اتخاذ الأخدان ، وقيل : ظاهر الإثم نكاح امرأة الأب ، وباطنه الزنا ، وقيل : ظاهر الإثم الزنا الذي أظهر به ، وباطنه الزنا إذا استسر به صاحبه على ما كان يراه أهل الجاهلية من العرب أن الزنا لا بأس به إذا لم يتجاهر به ، وإنما الفحشاء هو الذي أظهره صاحبه ، وهذه الأقوال ـ كما ترى ـ على أن جميعها أو أكثرها لا دليل عليها يخرج الآية عن حكم السياق .
وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ} تعليل للنهي وإنذار بالجزاء السيئ .
قوله تعالى : {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} نهي هو زميل قوله : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} كما تقدم .
وقوله : {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} إلى آخر الآية ، بيان لوجه النهي وتثبيت له أما قوله : {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فهو تعليل والتقدير : إنه لفسق وكل فسق يجب اجتنابه فالأكل مما لم يذكر اسم الله عليه واجب الاجتناب .
وأما قوله : {وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ} ففيه رد ما كان المشركون يلقونه إلى المؤمنين من الشبهة ، والمراد بأولياء الشياطين هم المشركون ، ومعناه أن ما يجادلكم به المشركون وهو قولهم : إنكم تأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتله الله يعنون الميتة ، هو مما أوحاه إليهم الشياطين من باطل القول ، والفارق أن أكل الميتة فسق دون أكل المذكى ، وأن الله حرم أكل الميتة ولم يحرم أكل المذكى فليس فيما حرمه الله ذكر ما ذكر اسم الله عليه .
وأما قوله : {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فهو تهديد وتخويف بالخروج من الإيمان ، والمعنى : إن أطعتم المشركين في أكل الميتة الذي يدعونكم إليه صرتم مشركين مثلهم إما لأنكم استننتم بسنة المشركين ، أو لأنكم بطاعتهم تكونوا أولياء لهم فتكونون منهم قال تعالى : {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة : 51] .
ووقوع هذه الجملة أعني قوله : {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} إلخ ، في ذيل النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه دون الأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه يدل على أن المشركين كانوا يريدون من المؤمنين بجدالهم أن لا يتركوا أكل الميتة لا أن يتركوا أكل المذكى .
___________________________
1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 282-284 .
قال تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام : 118-120] .
لا بدّ من إزالة آثار الشرك :
هذه الآيات في الحقيقة واحدة من نتائج البحوث التي سبقت في التوحيد والشرك ، لذلك تبدأ الآية الأولى بفاء التفريع التي يؤتى بعدها بالنتيجة .
الآيات السابقة تناولت بأساليب متنوعة حقيقة التوحيد وإثبات بطلان الشرك وعبادة الأصنام .
ومن نتائج ذلك أنّ على المسلمين أن يمتنعوا عن أكل لحوم القرابين التي تذبح باسم الأصنام ، بل عليهم أن يأكلوا من لحم ما ذكر اسم الله عليه ، حيث كان من عادة العرب أن يذبحوا القرابين لأصنامهم ، ويأكلوا من لحومها للتبرك بها ، وكان هذا جزءا من عبادتهم الأصنام ، لذلك يبدأ القرآن بالقول : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} .
أي أنّ الإيمان ليس مجرّد قول وادعاء وعقيدة ونظرية ، بل لا بدّ أن يظهر على صعيد العمل أيضا ، فالذي يؤمن بالله يأكل من هذه اللحوم فقط .
بديهي أنّ الفعل «كلوا» لا يعني الوجوب ، بل يعني إباحة أكلها وحرمة أكل ما عداها .
ومن هذا يتبيّن أنّ حرمة الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها ، ليست من وجهة النظر الصحيحة حتى يقال : ما الفائدة الصّحيحة من ذكر اسم الله على الذبيحة بل لها خلفية أخلاقية ومعنوية وتستهدف تثبيت قواعد التوحيد وعبودية الله الواحد الأحد .
الآية التّالية تورد هذا الموضوع نفسه بعبارة مغايرة مع مزيد من الاستدلال ، فتقول : لم لا تأكلون من اللحوم التي ذكر اسم الله عليها ، في الوقت الذي بيّن الله لكم ما حرم عليكم؟ {وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} .
مرّة أخرى نشير إلى أنّ التوبيخ والتوكيد ليسا من أجل ترك أكل اللحم الحلال ، بل الهدف هو أنّ هذه هي التي ينبغي أن تأكلوا منها ، لا من غيرها ، وبعبارة أخرى : التوكيد يكون هنا على النقطة المقابلة لمفهوم العبارة ، من هنا استدل على ذلك بالقول : {قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} .
أمّا موضع هذا التفصيل فقد يتصوّر البعض أنّه في سورة المائدة ، أو في آيات من هذه السورة (الأنعام ، 145) .
ولما كانت هذه السورة قد نزلت في مكّة ، وسورة المائدة نزلت بالمدينة ، والآيات التّالية من هذه السورة لم تكن قد نزلت بعد فإنّ أيّا من هذين الاحتمالين غير صحيح ، فالموضوع إمّا أن يكون الآية (115) من سورة النحل التي تذكر بعض اللحوم المحرم أكلها ، وخاصّة التي لم يذكر عليها اسم الله ، أو أن يكون المراد التعاليم التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينها بشأن اللحوم ، لأنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يتحدث إلّا بوحي .
ثمّ يستثني من ذلك حالة واحدة : {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} سواء كان هذا الاضطرار ناشئا من وجود الإنسان في البيداء وتحت ضغط الجوع الشديد ، أو الوقوع تحت سيطرة المشركين الذين قد يجبرونه على أكل لحومهم .
ثمّ تشير الآية إلى أنّ كثيرا من الناس يحاولون أن يضلوا الآخرين عن جهل أو عن إتباع الهوى : {وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
وعلى الرغم من أنّ إتباع الهوى مصحوب دائما بالجهل ، ولكنّه يكرر ذلك للتوكيد فيقول : { . . . بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
يستفاد من هذا التعبير أيضا أنّ العلم الصحيح لا يقترن باتّباع الهوى والانسياق مع الخيال ، وحيثما اقترن فهو الجهل لا العلم .
يلزم القول أنّ الجملة المذكورة ربّما تكون إشارة إلى ما كان سائدا بين المشركين العرب الذين كانوا يسوغون لأنفسهم أكل لحوم الحيوانات الميتة بالقول : أيجوز أن تعتبر لحوم الحيوانات التي نقتلها بأنفسنا حلالا ، ولحوم الحيوانات التي يقتلها الله حراما ؟
بديهي أنّ هذا لم يكن سوى سفسطة فارغة ، لأنّ الحيوان الميت ليس حيوانا ذبحه الله ليمكن مقارنته بالحيوانات المذبوحة ، إذ إنّ الحيوان الميت بؤرة الأمراض ، ولحمه فاسد ، ولهذا حرم الله أكله ، وأخيرا يقول : {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} الذين يحاولون بهذه الأدلة الواهية تنكّب طريق الحق ، بل يسعون إلى إضلال الآخرين .
الآية الثّالثة تذكر قانونا عاما ، لاحتمال أن يرتكب بعضهم هذا الإثم في الخفاء ، وتقول : {وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ} .
يقال إنّهم في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الزنا إذا ارتكب في الخفاء فلا بأس به ، أما إذ ارتكب علنا فهو الإثم! واليوم ـ أيضا ـ نجد أناسا يسيرون وفق هذا المنطق الجاهلي فيخشون ارتكاب الإثم علانية ، ولكنّهم يرتكبون في الخفاء ما يشاءون من الآثام دون رادع من ضمير .
إنّ هذه الآية لا تدين هذا المنطق فحسب ، بل تحمل مفاهيم واسعة ، فهي بالإضافة إلى ما قلناه آنفا تتضمن الكثير من التفاسير التي وردت للإثم الظاهر والباطن ، من ذلك مثلا ـ قولهم : انّ الإثم الظاهر هو ما يرتكب بوساطة أعضاء الجسم ، والإثم الباطن هو ما يرتكب في القلب وفي النيّة والعزم .
ثمّ من باب تهديد المذنبين بما ينتظرهم من مصير مشؤوم وتذكيرهم بذلك ، تقولالآية : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ} .
عبارة {يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ} تعبير رائع يشير إلى أن الإنسان في هذه الدنيا أشبه بأصحاب رؤوس الأموال الذين يدخلون سوقا كبيرة ، أنّ رؤوس أموالهم الذكاء والعقل والعمر والشباب والطاقات المختلفة التي هي مواهب الله ، فالمسكين ذاك الذي «يكتسب» الإثم بدل أن يكتسب السعادة والشخصية الإنسانية والتقوى والقرب إلى الله .
و «سيجزون» أي ينالون الجزاء في المستقبل القريب . . . قد يشير إلى يوم القيامة ، وأنّه وإن بدا في نظر بعضهم بعيدا ، فهو في الحقيقة قريب جدا ، وإن هذا العالم سرعان ما تنطوي أيّامه ويحين المعاد .
وقد يكون إشارة إلى أنّ أغلب أفراد البشر ينالون في هذه الدنيا بعض ما يستحقونه من نتائج أعمالهم السيئة بشكل ردود فعل فردية واجتماعية .
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : 121] .
دار الكلام في الآيات السابقة حول الجانب الإيجابي من مسألة اللحوم ، أي أكل اللحوم الحلال ، وفي هذه الآية تأكيد للجانب السلبي من المسألة : {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} ثمّ في جملة واحدة يدين هذا العمل : {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وإثم وخروج عن طريق العبودية وإطاعة الله .
ولكيلا يقع بعض البسطاء من المسلمين تحت تأثير وسوسة الشيطان ، تخاطبهم الآية : إنّ الشياطين يوسوسون في الخفاء لأتباعهم لكي يدخلوا معكم في جدل ونقاش : {وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ} ولكن كونوا على حذر ، ولا تطيعوهم : {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
لعل هذا الجدل والوسوسة إشارة إلى ما كان سائدا بين المشركين بشأن أكل الميتة (وذهب البعض إلى أنّ العرب المشركين أخذوه من المجوس) وقولهم : إنّنا نأكل الميتة لأنّ الله أماتها ، وهي لذلك أفضل ممّا نقتله بأيدينا ، معتقدين أن عدم أكل الميتة نوع من الجفاء لعمل الله! غافلين أنّ الحيوان الميت موتا طبيعيا ، إضافة إلى مرضه غالبا ، يضم بين لحمه دما قذرا فاسدا يفسد معه اللحم ، بسبب عدم انقطاع أوداجه ، ولذلك أمر الله أن تؤكل ـ فقط ـ لحوم الحيوانات المذبوحة بطريقة خاصّة ، والمراق دمها خارج بدنها .
ويستفاد من هذه الآية ـ ضمنيا ـ حرمة الذبيحة غير الإسلامية ، لأنّها إضافة إلى الجهات الأخرى ـ لم يتقيد ذابحها بذكر اسم الله عليها .
___________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 202-205 .