1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الباء : سورة البقرة :

تفسير الاية (208-210) من سورة البقرة

المؤلف:  اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

1-3-2017

5331


قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُو مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } [البقرة: 208 - 210]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

لما قدم تعالى ذكر الفرق الثلاث من العباد دعا جميعهم إلى الطاعة والانقياد فقال {يا أيها الذين آمنوا} أي صدقوا الله ورسوله {ادخلوا في السلم} أي في الإسلام أي دوموا فيما دخلتم فيه كقوله {يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله} عن ابن عباس والسدي والضحاك ومجاهد وقيل معناه {ادخلوا في السلم} في الطاعة عن الربيع وهو اختيار البلخي والكلام محتمل للأمرين وحملها على الطاعة أعم ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من أن المراد به الدخول في الولاية {كافة} أي جميعا أي ادخلوا جميعا في الإسلام والطاعة والاستسلام وقيل معناه ادخلوا في السلم كله أي في جميع شرائع الإسلام ولا تتركوا بعضه معصية ويؤيد هذا القول ما روي أن قوما من اليهود أسلموا وسألوا النبي أن يبقي عليهم تحريم السبت وتحريم لحم الإبل فأمرهم أن يلتزموا جميع أحكام الإسلام {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} أي آثاره ونزعاته لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان {إنه لكم عدو مبين} أي مظهر للعداوة بامتناعه من السجود لآدم بقوله {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} .

ولما أمر سبحانه عباده بالطاعة عقبه بالوعيد على تركها فقال {فإن زللتم} أي تنحيتم عن القصد وعدلتم عن الطريق القويم الذي أمركم الله تعالى بسلوكه {من بعد ما جاءتكم البينات} أي الحجج والمعجزات {فاعلموا أن الله عزيز} في نقمته لا يمتنع شيء من بطشه وعقوبته {حكيم} فيما شرع من أحكام دينه لكم وفيما يفعله بكم من العقاب على معاصيكم بعد إقامة الحجة عليكم .

ثم عقب سبحانه ما تقدم من الوعيد بوعيد آخر فقال {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} أي هل ينتظر هؤلاء المكذبون ب آيات الله إلا أن يأتيهم أمر الله أو عذاب الله وما توعدهم به على معصيته في ستر من السحاب وقيل قطع من السحاب وهذا كما يقال قتل الأمير فلانا وضربه وأعطاه وإن لم يتول شيئا من ذلك بنفسه بل فعل بأمره فأسند إليه لأمره به وقيل معناه ما ينتظرون إلا أن يأتيهم جلائل آيات الله غير أنه ذكر نفسه تفخيما للآيات كما يقال دخل الأمير البلد ويراد بذلك جنده وإنما ذكر الغمام ليكون أهول فإن الأهوال تشبه بظلل الغمام كما قال سبحانه وإذا غشيهم موج كالظلل وقال الزجاج معناه يأتيهم الله بما وعدهم من العذاب والحساب كما قال فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أي أتاهم بخذلانه إياهم وهذه الأقوال متقاربة المعنى بل المعنى في الجميع واحد أي هل ينتظرون إلا يوم القيامة وهو استفهام يراد به النفي والإنكار أي ما ينتظرون كما يقال هل يطالب بمثل هذا إلا متعنت أي ما يطالب ومثله في التنزيل هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك وقد يقال أتى وجاء فيما لا يجوز عليه المجيء والذهاب تقول أتاني وعيد فلان وجاءني كلام فلان وأتاني حديثه ولا يراد به الإتيان الحقيقي قال :

أتاني فلم أسرر به حين جاءني *** حديث بأعلى القبتين عجيب

وقال الآخر :

أتاني نصرهم وهم بعيد *** بلادهم بأرض الخيزران

وأما قوله {والملائكة} فقد ذكرنا الوجه في رفعه وجره قبل وقيل معنى الآية إلا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام أي بجلائل آياته وبالملائكة وقوله {وقضي الأمر} معناه فرغ من الأمر وهو المحاسبة وإنزال أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار هذا في الآخرة وقيل معناه وجب العذاب أي عذاب الاستئصال وهذا في الدنيا {وإلى الله ترجع الأمور} أي إليه ترد الأمور في سؤاله عنها ومجازاته عليها وكانت الأمور كلها له في الابتداء فسلك بعضها في الدنيا غيره ثم يصير كلها إليه في الحشر لا يملك أحد هناك شيئا وقيل إليه ترجع أمور الدنيا والآخرة .

_________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2،ص58-61.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} . قيل : المراد بالسلم هنا الإسلام ، وان الخطاب موجه للمنافقين الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام ، وقيل : هو موجه لمن آمن باللَّه من أهل الكتاب ، ولم يسلم ، وقيل : بل موجه لجميع المسلمين ، وعليه يكون السلم طاعة اللَّه والانقياد له في جميع أحكامه ، لا في بعضها دون بعض ، وقيل : معنى السلم الصلح ، والمعنى ادخلوا في الصلح جميعا .

والذي نراه ان اللَّه سبحانه أمر من يؤمن به ايمانا صحيحا أن يدخل فيما فيه سلامته في الدنيا والآخرة . . وطريق السلامة معلوم لدى الجميع ، وهو التعاون والتآلف ، وترك الحروب والخصام ، والتغلب على الشهوات والأهواء ، والإخلاص للَّه في الأقوال والأفعال .

ويؤيد إرادة هذا المعنى قوله تعالى : {ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُو مُبِينٌ} . بعد قوله بلا فاصل : ادخلوا في السلم كافة ، حيث اعتبر اللَّه سبحانه خطوات الشيطان الطرف المضاد للسلم ، ووضع الإنسان أمام أمرين لا ثالث لهما : إما الدخول في السلم ، واما اتباع خطوات الشيطان التي هي عين الشقاق والنزاع ، والشر والفساد .

{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهً عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . بعد أن أمر سبحانه بالدخول في السلم ، ونهى عن اتباع خطوات الشيطان هدد وحذر من يخالف أمره ونهيه ، هدده بقوله : ان اللَّه عزيز حكيم . عزيز لا يغلب على أمره ، ولا يمنعه مانع عن قصده ، وحكيم يثيب المطيع ، ويعاقب العاصي ، قال الرازي : هذا نهاية في الوعيد ، لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب ، وربما قال الوالد لولده : ان عصيتني فأنت عارف بي ، وتعلم قدرتي عليك ، وشدة سطوتي ، فيكون هذا الكلام في الزجر أبلغ من ذكر الضرب وغيره .

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ والْمَلائِكَةُ} . المراد من ينظرون ينتظرون ، ومن إتيان اللَّه إتيان عذابه على حذف المضاف ، ومعنى الآية بمجموعها ان المكذبين والعاصين يأتيهم العذاب بغتة ، ولا ينجيهم منه شيء . .

فالآية تجري مجرى قوله تعالى : {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} – [محمد 17] .

{وقُضِيَ الأَمْرُ وإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} . إذا جاء الموت الذي لا بد منه ، وقامت الساعة ينتهي كل شيء ، ولا يبقى أمام المجرمين إلا الحساب والعقاب .

المخبآت والمفاجئات :

لا أحد يعلم ما يحدث له في المستقبل ، وما يخبئ له الدهر من خير وشر بالغا ما بلغ من العلم والايمان : {وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً} . [لقمان 34] .

وكثيرا ما يفاجأ الإنسان بالخير من حيث يتوقع الشر ، ويباغت بالشر من حيث يتوقع الخير ، ولا شيء آلم للنفس من هذه المباغتة ، كما ان الخير إذا جاءه من حيث لا يحتسب يكون أحلى وأعذب من المترقّب .

والعاقل لا يغتر بما لديه ، بل يدخل في حسابه دوران الدهر وضرباته ، كما انه لا ييأس ان نزلت به نازلة ، فان الدنيا في تحول دائم ، ولذا قيل : دوام الحال من المحال ، والفرج يأتي من قلب الضيق ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : عند تناهي الشدة تكون الفرجة ، وعند حلق البلاء يكون الرخاء ، وقال : ان موسى ابن عمران خرج يقتبس لأهله نارا ، فكلمه اللَّه ، ورجع نبيا . . وقال تعالى : { لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 87]. وقال جل جلاله : {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 99].

وجاء في كتب التاريخ والسير ان ابن الزيات عمل وزيرا للمعتصم والواثق ، وكان من أقسى الطغاة وأظلمهم ، فلقد اتخذ تنورا من حديد ، ملأ جوانبه بمسامير

لها مثل رؤوس الابر ، فإذا غضب على انسان ألقاه فيه ، فكيف تحرك دخلت المسامير في جسده ، ولما تولى المتوكل الخلافة اعتقل ابن الزيات ، ووضع الحديد في يديه ورجليه ، وألقاه في هذا التنور ، ولم يخرج منه الا ميتا ، وسمعه الموكل به قبل موته ينشد ويردد :

لا تجزعن رويدا انها دول *** دنيا تنقّل من قوم إلى قوم

_______________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1،ص311-313.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآيات (1) :

هذه الآيات وهي قوله: {يا أيها الذين آمنوا} إلى قوله: {ألا إن نصر الله قريب} الآية سبع آيات كاملة تبين طريق التحفظ على الوحدة الدينية في الجامعة الإنسانية وهو الدخول في السلم والقصر على ما ذكره الله من القول وما أراه من طريق العمل، وأنه لم ينفصم وحدة الدين، ولا ارتحلت سعادة الدارين، ولا حلت الهلكة دار قوم إلا بالخروج عن السلم، والتصرف في آيات الله تعالى بتغييرها ووضعها في غير موضعها، شوهد ذلك في بني إسرائيل وغيرهم من الأمم الغابرة وسيجري نظيرها في هذه الأمة لكن الله يعدهم بالنصر: ألا إن نصر الله قريب.

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} ، السلم والإسلام والتسليم واحدة، وكافة كلمة تأكيد بمعنى جميعا، ولما كان الخطاب للمؤمنين وقد أمروا بالدخول في السلم كافة، فهو أمر متعلق بالمجموع وبكل واحد من أجزائه، فيجب ذلك على كل مؤمن، ويجب على الجميع أيضا أن لا يختلفوا في ذلك ويسلموا الأمر لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأيضا الخطاب للمؤمنين خاصة فالسلم المدعو إليه هو التسليم لله سبحانه بعد الإيمان به فيجب على المؤمنين أن يسلموا الأمر إليه، ولا يذعنوا لأنفسهم صلاحا باستبداد من الرأي، ولا يضعوا لأنفسهم من عند أنفسهم طريقا يسلكونه من دون أن يبينه الله ورسوله، فما هلك قوم إلا باتباع الهوى والقول بغير العلم، ولم يسلب حق الحياة وسعادة الجد عن قوم إلا عن اختلاف.

ومن هنا ظهر: أن المراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما يدعو إليه من أمر الدين بأن يزين شيئا من طرق الباطل بزينة الحق ويسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به الإنسان من غير علم، وعلامة ذلك عدم ذكر الله ورسوله إياه في ضمن التعاليم الدينية.

وخصوصيات سياق الكلام وقيوده تدل على ذلك أيضا: فإن الخطوات إنما تكون في طريق مسلوك، وإذا كان سالكه هو المؤمن، وطريقه إنما هو طريق الإيمان فهو طريق شيطاني في الإيمان، وإذا كان الواجب على المؤمن هو الدخول في السلم فالطريق الذي يسلكه من غير سلم من خطوات الشيطان، واتباعه اتباع خطوات الشيطان.

فالآية نظيرة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 168، 169] وقد مر الكلام في الآية، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21] ، وقوله تعالى: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام: 142] ، والفرق بين هذه الآية وبين تلك أن الدعوة في هذه موجهة إلى الجماعة لمكان قوله تعالى: كافة بخلاف تلك الآيات فهي عامة، فهذه الآية في معنى قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103] ، وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] ، ويستفاد من الآية أن الإسلام متكفل لجميع ما يحتاج إليه الناس من الأحكام والمعارف التي فيه صلاح الناس.

قوله تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات، الزلة هي العثرة} ، والمعنى فإن لم تدخلوا في السلم كافة وزللتم والزلة هي اتباع خطوات الشيطان فاعلموا أن الله عزيز غير مغلوب في أمره، حكيم لا يتعدى عما تقتضيه حكمته من القضاء في شأنكم فيقضي فيكم ما تقتضيه حكمته، ويجريه فيكم من غير أن يمنع عنه مانع.

قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} "إلخ"، الظلل جمع ظلة وهي ما يستظل به، وظاهر الآية أن الملائكة عطف على لفظ الجلالة، وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة وتبديل خطابهم بخطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإعراض عن مخاطبتهم بأن هؤلاء حالهم حال من ينتظر ما أوعدناهم به من القضاء على طبق ما يختارونه من اتباع خطوات الشيطان والاختلاف والتمزق، وذلك بأن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة، ويقضي الأمر من حيث لا يشعرون، أو بحيث لا يعبأ بهم وبما يقعون فيه من الهلاك، وإلى الله ترجع الأمور، فلا مفر من حكمه وقضائه، فالسياق يقتضي أن يكون قوله: {هل ينظرون}، هو الوعيد الذي أوعدهم به في قوله تعالى في الآية السابقة فاعلموا أن الله عزيز حكيم.

ثم إن من الضروري الثابت بالضرورة من الكتاب والسنة أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة الأجسام، ولا ينعت بنعوت الممكنات مما يقضي بالحدوث، ويلازم الفقر والحاجة والنقص، فقد قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [فاطر: 15] ، وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الزمر: 62] ، إلى غير ذلك من الآيات، وهي آيات محكمات ترجع إليها متشابهات القرآن، فما ورد من الآيات وظاهرها إسناد شيء من الصفات أو الأفعال الحادثة إليه تعالى ينبغي أن يرجع إليها، ويفهم منها معنى من المعاني لا ينافي صفاته العليا وأسماءه الحسنى تبارك وتعالى، فالآيات المشتملة على نسبة المجيء أو الإتيان إليه تعالى كقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [الفجر: 22] ، وقوله تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } [الحشر: 2] ، وقوله تعالى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26] ، كل ذلك يراد فيها معنى يلائم ساحة قدسه تقدست أسماؤه كالإحاطة ونحوها ولو مجازا، وعلى هذا فالمراد بالإتيان في قوله تعالى: إن يأتيهم الله الإحاطة بهم للقضاء في حقهم.

على أنا نجده سبحانه وتعالى في موارد من كلامه إذا سلب نسبة من النسب وفعلا من الأفعال عن استقلال الأسباب ووساطة الأوساط فربما نسبها إلى نفسه وربما نسبها إلى أمره كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر: 42] ، وقوله تعالى: {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] ، وقوله تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] ، فنسب التوفي تارة إلى نفسه، وتارة إلى الملائكة ثم قال تعالى: في أمر الملائكة: {بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27] ، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ } [يونس: 93] ، وقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ } [غافر: 78] وكما في هذه الآية: أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام الآية، وقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [النحل: 33].

وهذا يوجب صحة تقدير الأمر في موارد تشتمل على نسبة أمور إليه لا تلائم كبرياء ذاته تعالى نظير: جاء ربك، ويأتيهم الله، فالتقدير جاء أمر ربك ويأتيهم أمر الله.

فهذا هو الذي يوجبه البحث الساذج في معنى هذه النسب على ما يراه جمهور المفسرين لكن التدبر في كلامه تعالى يعطي لهذه النسب معنى أرق وألطف من ذلك، وذلك أن أمثال قوله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [فاطر: 15] ، وقوله تعالى: {الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص: 9] ، وقوله {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] ، تفيد أنه تعالى واجد لما يعطيه من الخلقة وشئونها وأطوارها، مليء بما يهبه ويجود به وإن كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادة وأحكامها الجسمانية يصعب عليها تصور كيفية اتصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصفات ونسبته إليه تعالى، لكن هذه المعاني إذا جردت عن قيود المادة وأوصاف الحدثان لم يكن في نسبته إليه تعالى محذور فالنقص والحاجة هو الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى، فإذا لم يصاحب المعنى نقصا وحاجة لتجريده عنه صح إسناده إليه تعالى بل وجب ذلك لأن كل ما يقع عليه اسم شيء فهو منه تعالى بوجه على ما يليق بكبريائه وعظمته.

فالمجيء والإتيان الذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه وبين جسم آخر بالحركة واقترابه منه إذا جرد عن خصوصية المادة كان هو حصول القرب، وارتفاع المانع والحاجز بين شيئين من جهة من الجهات، وحينئذ صح إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز: فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم وبين قضائه فيهم، وهذه من الحقائق القرآنية التي لم يوفق الأبحاث البرهانية لنيله إلا بعد إمعان في السير، وركوبها كل سهل ووعر، وإثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصيلة.

وكيف كان فهذه الآية تتضمن الوعيد الذي ينبىء عنه قوله سبحانه في الآية السابقة: {إن الله عزيز حكيم}، ومن الممكن أن يكون وعيدا بما سيستقبل القوم في الآخرة يوم القيامة كما هو ظاهر قوله تعالى في نظير الآية: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] ، ومن الممكن أن يكون وعيدا بأمر متوقع الحصول في الدنيا كما يظهر بالرجوع إلى ما في سورة يونس بعد قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ } [يونس: 47] ، وما في سورة الروم بعد قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا } [يونس: 105] ، وما في سورة الأنبياء وغيرها على أن الآخرة آجلة هذه العاجلة وظهور تام لما في هذه الدنيا، ومن الممكن أيضا أن يكون وعيدا بما سيقع في الدنيا والآخرة معا، وكيف كان فقوله في ظلل من الغمام يشتمل من المعنى على ما يناسب مورده.

قوله تعالى: {وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور}، السكوت عن ذكر فاعل القضاء، وهو الله سبحانه كما يدل عليه قوله: {وإلى الله ترجع الأمور} ، لإظهار الكبرياء على ما يفعله الأعاظم في الأخبار عن وقوع أحكامهم وصدور أوامرهم وهو كثير في القرآن.

_______________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص 85-88.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الايات (1) :

{يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُو مُّبِينٌ (208) فَإِن زَلَلْتُم مِن بَعْدِ مَاجَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}:

السّلام العالمي في ظلّ الإسلام :

بعد الإشارة إلى الطائفتين (المؤمنين المخلصين والمنافقين المفسدين) في الآيات السابقة تدعو هذه الآيات الكريمة كلّ المؤمنين إلى السِّلم والصلح وتقول : {يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة}.

(سلم) و(سلام) في اللّغة بمعنى الصّلح والهدوء والسكينة، وذهب البعض إلى تفسيرها بمعنى الطّاعة، فتدعوا هذه الآية الكريمة جميع المؤمنين إلى الصلح والسّلام والتسليم إلى اُوامر الله تعالى، ويُستفاد من مفهوم هذه الآية أنّ السّلام لا يتحقّق إلاّ في ظلّ الإيمان، وأنّ المعايير والمفاهيم الأرضيّة والماديّة غير قادرة على إطفاء نار الحروب في الدنيا، لأنّ عالم المادّة والتعلّق به مصدر جميع الإضطرابات والنّزاعات دائماً، فلولا القوّة المعنويّة للإيمان لكان الصّلح مستحيلاً، بل يُمكن القول أنّ دعوة الآية العامّة لجميع المؤمنين بدون استثناء من حيث اللّغة والعنصر والثروة والإقليم والطبقة الإجتماعيّة إلى الصّلح والسّلام يُستفاد منها أنّ تشكيل الحكومة العالميّة الواحدة في ظل الإيمان بالله تعالى والعيش في مجتمع يسوده الصّلح ممكن في إطار الدولة العالميّة.

واضحٌ أنّ الاُطر الماديّة الأرضيّة (من اللّغة والعنصر و...) هي عوامل تفرقة بين أفراد البشر وبحاجة إلى حلقة إتّصال محكمة تربط بين قلوب النّاس، وهذه الحلقة ليست سوى الإيمان بالله تعالى الّذي يتجاوز كلّ الإختلافات، الإيمان بالله واتّباع أمره هو النقطة والمحور لوحدة المجتمع الإنساني ورمز ارتباط الأقوام والشّعوب، ويمكن رؤية ذلك من خلال مناسك الحجّ الّذي يُعتبر نموذجاً بارزاً إلى اتّحاد الأقوام البشريّة بمختلف ألوانها وقوميّتها ولغاتها وأقاليمها الجغرافيّة وأمثال ذلك حيث يشتركون في المراسم العبادية الروحانيّة في منتهى الصّلح والصّفاء، وبمقايسة سريعة بين هذه المفاهيم والأنظمة الحاكمة على الدول الفاقدة للإيمان بالله تعالى وكيف أنّ الناس يفتقدون فيها إلى الأمان النفسي والمالي ويخافون على اعراضهم ونواميسهم يتّضح لنا التفاوت بين المجتمعات المؤمنة وغير المؤمنة من حيث الصّلح والأمان والسّلام والطمأنينة.

ويُحتمل أيضاً في تفسير الآية أنّ بعض أهل الكتاب (اليهود والنصارى) عندما يعتنقون الإسلام يبقون أوفياء لبعض عقائدهم وتقاليدهم السابقة، ولهذا تأمر الآية الشريفة أن يعتنقوا الإسلام بكافّة وجودهم ويخضعوا ويسلّموا لجميع أحكامه وتشريعاته(2). ثمّ تضيف الآية {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبين} وقد مرّ بنا في تفسير الآية (168) من هذه السورة الإشارة إلى أنّ كثير من الإنحرافات ووساوس الشيطان تحدث بصورة تدريجيّة على شكل مراحل حيث يسمّيها القرآن (خطوات الشيطان).

(خطوات) جمع «خطوة» وهنا تكرّرت هذه الحقيقة من أنّ الإنحراف عن الصلح والعدالة، والتسليم لإرادة الأعداء ودوافع العداوة والحرب وسفك الدماء يبدأ من مراحل بسيطة وينتهي بمراتب حادّة وخطرة كما في المثل العربي المعروف (إنّ بدو القتال اللّطام).

فتارةً تصدر من الإنسان حركة بسيطة عن عداء وحقد وتؤدّي إلى الحرب والدّمار، ولهذا تخاطب الآية المؤمنين أن يلتفتوا إلى نقطة البداية كي لا تؤدّي شرارات الشرّ الاُولى لاشتعال لظى المعارك والحروب.

وجدير بالذّكر أنّ هذا التعبير ورد في القرآن الكريم خمس مرّات وفي غايات مختلفة.

وذكر بعض المفسّرين أنّ (عبدالله بن سلام) وأتباعه الذين كانوا من اليهود وأسلموا طلبوا الإذن من رسول الله بقراءة التوراة في الصلاة والعمل ببعض أحكامها، فنزلت الآية الآنفة الذكر ونهت هؤلاء عن إتّباع خطوات الشيطان(3).

ومن شأن النزول هذا يتبيّن أنّ الشيطان ينفذ في فكر الإنسان وقلبه خطوة خطوة، فيجب التصدّي للخطوات الاُولى لكيلا تصل إلى مراحل خطرة.

وتتضمّن جملة {إنّه لكم عدو مبين} برهاناً ودليلاً حيّاً حيث تقول أنّ عداء الشيطان للإنسان ليس بأمر خفي مستتر، فهو منذ بداية خلق آدم أقسم أن يبذل جهده لإغواء جميع البشر إلاّ المخلصين الّذين لا ينالهم مكر الشيطان، فمع هذا الحال كيف يمكن تغافل وسوسة الشيطان.

الآية التالية إنذار لجميع المؤمنين حيث تقول {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم} فلو انحرفتم وسرتم مع وساوس الشيطان على خلاف مسار الصلح والسلام فإنّكم لا تستطيعون بذلك الفرار من العدالة الإلهيّة.

المنهج بيّن والطريق بيّن والهدف بيّن، ومعلوم من هنا لا عذر لمن يزل عن الطريق، فلو انحرفتم فأنتم المقصّرون، فاعلموا أنّ الله قادر حكيم لا يستطيع أحد أن يفرّ من عدالته.

(بيّنات) بمعنى الدلائل الواضحة، ولها مفهوم واسع يستوعب الدلائل العقليّة، وكذلك ما يتّضح للإنسان عن طريق الوحي أو المعجزات.

{هَلْ يَنُظرُونَ إلاّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَل مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئَكَةُ وَقُضِيَ الاْمْرُ وَإلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}

توقّع غير معقول :

قد يبدو للوهلة الاُولى أنّ في هذه الآية الكريمة نوعاً من الإبهام والتعقيد، لكنّ ذلك يزول عند إمعان النظر بتعبيراتها.

الآية تخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول معقبّة على الآيات السابقة : أليست كلّ هذه الدلائل والآيات والأحكام الواضحة كافية لصدّ الإنسان عن الهلكة وانقاذه من براثين عدوّه المبين (الشيطان)، هل ينتظرون أن يأتي الله إليهم مع الملائكة في وسط الغمامة ويطرح عليهم من الآيات والدلائل أوضح ممّا سبق، وإنّ ذلك محال، وعلى فرض كونه غير محال فإنّه لا ضرورة لذلك : {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقُضي الأمر}(4).

أمّا ما هو المراد من «قُضي الأمر» الوارد في الآية ؟

ذهب المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان أنّ معناها انتهاء حساب البشر في يوم القيامة ودخول أهل الجنّة إلى الجنّة وأهل النّار إلى النّار(5) ، وعلى هذا الأساس

فالآية ناظرة إلى الآخرة في حين أنّ ظاهر الآية يتعلّق بهذه الحياة الدنيا، ولهذا فليس من البعيد أن تكون هذه الآية إشارة إلى نزول العذاب الإلهي على الكفّار المعاندين، وقد ورد في هذا المعنى في كلام الطبرسي وغيره من المفسّرين بعنوان أحد الإحتمالات(6).

ويمكن أن يكون المعنى إشارة إلى انتهاء مأموريّة التبليغ وبيان الحقائق الواردة في الآية السابقة بعنوان (بيّنات)، وبهذا يكون انتظار وتوقع هؤلاء بلا معنى، فعلى فرض المحال إمكانيّة حضور الله تعالى والملائكة أمامهم فلا حاجة إلى ذلك كما ذكرنا، لأنّ مستلزمات الهداية قد وُضعت أمامهم بالقدر الكافي، وبناءً على هذا التفسير لا يوجد في الآية أي تقدير، والألفاظ بعينها قد فُسّرت، وبهذا يكون الاستفهام الوارد في الآية استفهاماً إنكاريّاً.

وهناك من المفسّرين من لم يرَ الاستفهام في الآية إستنكاريّاً، واعتبره نوعاً من التهديد للمذنبين ولأولئك السائرين على خُطى الشيطان، سواء كان التهديد بعذاب الآخرة أو الدنيا، ولهذا فهم يقدّرون قبل كلمة «الله» كلمة (أمر) فيكون المعنى حينئذ : (أيريد هؤلاء بأعمالهم هذه أن يُؤتيهم أمر الله وملائكته لمعاقبتهم وتعذيبهم ولينالوا عذاب الدنيا أو الآخرة وينتهي أمرهم وأعمالهم).

ولكنّ التفسير المذكور أعلاه أنسبُ المعاني لهذه الآية ظاهراً ولا حاجة إلى التقدير.

والخلاصة أنّ لهذه الآية ثلاثة تفاسير :

1 ـ أنّ المراد هو أنّ الله تعالى قد أتمَّ حجّته بمقدار كاف، فلا ينبغي للمعاندين توقّع أن يأتيهم الله والملائكة أمامهم ويبيّنوا لهم الحقائق، لأنّ هذا أمر محال وعلى فرض أنّه غير محال لا حاجة لذلك.

2 ـ المراد هو أنّ هؤلاء مع عنادهم وعدم إيمانهم هل ينتظرون الأمر الإلهي بإنزال العذاب وملائكة العذاب عليهم فيهلكوا عن آخرهم.

3 ـ المراد أنّ هؤلاء بهذه الأعمال هل ينتظرون قيام السّاعة ليصدر الأمر إلى الملائكة بتعذيبهم وينالوا جزاءهم العادل ؟(7)

التعبير بـ (ظلل من الغمام) بناءً على التفسير الثاني والثالث الّذي ذهب إليه الكثير من المفسّرين إشارة إلى أنّ العذاب الإلهي يأتي فجأةً كالسّحاب الّذي يُظلّلهم وخاصّة أنّ الإنسان إذا رأى السّحاب يتوقّع أمطار الرّحمة، فعندما يأتي العذاب بصورة الصاعقة وأمثال ذلك وينزل عليهم فسيكون أقسى وأشدّ إيلاماً (مع الإلتفات إلى أنّ عذاب بعض الأقوام السّالفة نزل عليهم بصورة صاعقة من الغمام)(8).

أمّا على أساس التفسير الأوّل فقد يكون إشارة إلى عقيدة الكفّار الخرافيّة حيث يظنّون أنّ الله تعالى ينزل أحياناً من السّماء والسّحاب تظلّله(9).

وفي نهاية الآية تقول (وإلى الله ترجع الاُمور) الاُمور المتعلّقة بإرسال الأنبياء ونزول الكتب السماويّة وتبيين حقائق يوم القيامة والحساب والجزاء والثواب والعقاب وكلّها تعود إليه.

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1،ص501-506.

2 ـ تفسير الكبير، المجلد الخامس، ص 207 ـ روح المعاني، ج 2، ص 97، ولكن نظر أن «كافة» تشمل جميع المؤمنين وليس كافة تشريعات الإسلام (في الحقيقة حال لـ «الذين آمنوا» لا السلم) والتفسير الأوّل أصح في النظر.

3 ـ تفسير القرطبي، المجلد الثاني، ص 832.وتفسير ابن كثير ، ج1 ، ص422، ذيل الاية مورد البحث.

4 ـ «ظُلل» جمع «ظلة» يقال لكلّ شيء يصنع ظلاً، و«غمام» بمعنى السحاب.

5- تفسير مجمع البيان ، ذيل الاية مورد البحث ، بحار الانوار ، ج7 ، ص68.

6- ورد في هذا المورد وفي تفسير هذه الاية تأكيد الاحتمال أعلاه : ( تفسير الامام الحسن

العسكري ) . ص629و630 ، ح367) .

7 ـ لم يذكر التقدير في التفسير الأوّل ويجب أخذه بنظر الاعتبار في التفسير الثاني والثالث في كلمة «امُرء قبل لفظ الجلالة «الله».

8 ـ راجع الآية (189) من سورة الشعراء.

9 ـ المصدر السابق.

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي