x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

التاريخ : التاريخ الاسلامي : السيرة النبوية : سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام :

غزوة الحديبية

المؤلف:  محمد الشيرازي

المصدر:  لأول مرة في العالم

الجزء والصفحة:  ج2، الفصل الاول

4-12-2016

1958

 

 

كانت هذه الغزوة في غرّة ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة، وقد خرج فيها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في ألف وأربعمائة، وقيل: في ألف وخمسمائة من أصحابه، ومعه زوجته (اُم سلمة)، وكان اللواء يومئذ إلى علي (عليه السلام) كما كان إليه (عليه السلام) في المشاهد قبلها، ولم يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر، السيوف في القرب.

وكان سببها أنه (صلى الله عليه وآله) رأى في المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية ان اللّه يأمره أن يدخل المسجد الحرام، وأن يطوف ويحلق مع المحلّقين.

وقيل : إنه (صلى الله عليه وآله) رأى انه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا انهم داخلوا مكّة عامهم ذلك.

فأخبر (صلى الله عليه وآله) أصحابه أنه معتمر وأمرهم بالخروج، فتجهّزوا للسفر، وخرجوا معه، فلما نزلوا (ذا الحليفة) أحرموا بالعمرة وساقوا البدن، وساق رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ست وستّين بدنة، وأشعرها عند إحرامه.

وفي الطريق كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يستنفر الأعراب ومن حوله من البوادي ليخرجوا معه، وهو لا يريد الحرب، ولكن استظهاراً على قريش وحذراً من أن يعرضوا له بحرب أو صدود عن البيت.

فلما بلغ قريشاً ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كميناً ليستقبل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فكان يعارضه على الجبال، فلما كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر، فأذّن بلال وصلّى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأصحابه.

فقال خالد بن الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن يجيء لهم الآن صلاة اُخرى أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة، أغرنا عليهم.

فنزل جبرئيل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بصلاة الخوف بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) } [النساء: 102، 103] (1).

في طريق الحديبية:

وسار النبي (صلى الله عليه وآله) حتى إذا كانوا بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال: إنّ قريشاً جمعوا لك جموعاً، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ومانعوك.

فقال (صلى الله عليه وآله) : أشيروا عليَّ أيها الناس، فلما لم يرَ منهم إلاّ الموافقة قال (صلى الله عليه وآله): امضوا على اسم اللّه، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي (صلى الله عليه وآله): إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيراً لقريش.

وسار النبي (صلى الله عليه وآله) حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته القصواء.

فقال أصحابه: خلأت القصواء، خلأت القصواء.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ما خلأت القصواء، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به, فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرّضه الناس تبرضاً، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشكوا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فما زال يجيش بالري حتى صدروا عنه.

مندوبو قريش من خزاعة:

فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وانّ قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم إلا خلّوا بيني وبين العرب؟ فإن أك صادقاً فإنما أجرّ الملك إليهم مع النبوّة، وإن أك كاذباً كفتهم ذؤبان العرب، لا يسألني اليوم امرؤ من قريش خطة ليس للّه فيها سخط إلا أجبتهم إليه.

ثم قال (صلى الله عليه وآله) : فإن شاءوا ماددتهم مدّة، ويخلّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر عليهم فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلاّ فقد جموا، وإن هم أبوا فوالّذي نفسي بيده لاُقاتلنّهم على أمري حتى تنفرد سالفتي أو لينفذنّ اللّه أمره.

فقال بديل: سأبلغهم ما تقول.

فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا.

فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء.

وقال ذووا الرأي: هات ما سمعته يقول.

قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي (صلى الله عليه وآله).

مع ابن مسعود الثقفي:

فقام عروة بن مسعود الثقفي، وكان عاقلاً لبيباً، فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟

قالوا : بلى.

قال: ألست بالولد؟

قالوا : بلى.

قال: فهل تتّهموني؟

قالوا: لا.

قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟

قالوا : بلى.

قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته.

فأتاه، فجعل يكلّم النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقول له: إني يا محمد تركت قومك وقد ضربوا الأبنية وأخرجوا العوذ المطافيل، فلا يدعوك تدخل حرمهم وفيهم عين تطرف، أفتريد أن تبيد أهلك وقومك يا محمد؟

فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ما جئت لحرب، وانما جئت لأقضي مناسكي، وأنحر بدني، واُخلّي بينكم وبين لحومها.

فقال عروة : باللّه ما رأيت كاليوم أحداً صُدّ كما صددت.

ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بعينه ويتعجّب مما هم عليه، فلقد رأى ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له.

فتأثّر عروة بذلك فلما رجع إلى أصحابه قال لهم: أي قوم، واللّه لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللّه إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، واللّه انه إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

مع كبير رماة العرب:

فقام رجل من بني كنانة يقال له: الحليس بن علقمة، وكان كبير الرماة في العرب وقال: دعوني آته.

فقالوا : ائته.

فلما أشرف على النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، قال النبي (صلى الله عليه وآله): هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها في وجهه حتى يراها.

فبعثت له، واستقبله الناس يلبّون.

فلما رأى الحليس الهدي يسيل عليه في قلائده من الوادي وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله قال: سبحان اللّه! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدّوا عن البيت.

فرجع دون أن يكلّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) شيئاً حتى إذا وصل إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى لكم أن تصدّوهم عن البيت، فواللّه يا معشر قريش ما على هذا حالفناكم، أيُصدّ عن بيت اللّه من جاء معظماً له، وقد ساق الهدي معكوفاً إلى محلّه؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلّن بين محمد وما جاء له أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد؟

فقالوا له: مه! كفّ عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

مع المندوب الرابع:

فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص فقال: دعوني آته.

فلما أشرف عليهم، قال النبي (صلى الله عليه وآله) : هذا مكرز قد جاء.

فجعل يكلّم النبي (صلى الله عليه وآله) فبينا هو يكلّمه إذ جاء سُهيل بن عمرو ومعه حفص بن الأحنف، فلما رآهما رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقبلان إليه قال لأصحابه: قد سّهل اللّه عليكم أمركم.

وهكذا كان يتفاءل الرسول (صلى الله عليه وآله) في اُموره ويعلّم أصحابه والأجيال من بعده على ذلك والانطلاق في اُمورهم، وعدم التشاؤم واليأس منها.

مع خامس المندوبين:

فلما وافى سهيل بن عمرو مع مرافقه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكانا خامس المندوبين إليه، قالا: يا محمد، ألا ترجع عنا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ماذا يصير أمرك وأمر العرب، فإن العرب قد تسامعت بمسيرك، فإن دخلت بلادنا وحرمنا، استذلّتنا العرب واجترأت علينا، ونخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنّا؟

فأجابهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك.

فقالا له: وترد إلينا كل ما جاءك من رجالنا، ونردّ إليك كل من جاءنا من رجالك.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه، ولكن على ان المسلمين بمكة لا يؤذَون في إظهار الإسلام، ولا يكرهون، ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام.

فقبلا ذلك ورجعا إلى قومهما يخبرانهم بالخبر.

الاعتراض على معاهدة الصلح

فلما أجابهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى الصلح ورجع سهيل وحفص إلى قومهما يخبرانهم بالصلح، أنكر على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعض أصحابه ذلك، حتّى إنّ بعضهم قال: يا رسول اللّه ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟

فأجابه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قائلاً: نعم.

فقال : فنعطي الذلّة في ديننا؟

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إن اللّه قد وعدني ولن يخلفني وعده.

فقال: يا رسول اللّه ألم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام ونحلق مع المحلّقين؟

فأجابه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقال: أمن عامنا هذا وعدتك، أو قلت لك: ان اللّه عزّوجل قد وعدني أن افتح مكة وأطوف وأسعى وأحلق مع المحلّقين؟

ثم قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: ألستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل اللّه فيكم: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] (2).

ألستم أصحابي يوم اُحد: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153] (3).

ألستم أصحابي يوم كذا؟ ألستم أصحابي يوم كذا؟

فقالوا: اللّه أعلم ورسوله، فاصنع ما بدا لك.

موافقة قريش:

ورجع حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقالا: يا محمد، قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الإسلام وأن لا يكره أحد على دينه ولم يبق إلا الكتاب.

فدعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالمكتب، ودعا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال له: اكتب.

فكتب علي (عليه السلام): بسم اللّه الرحمن الرحيم.

فقال سهيل : لا نعرف (الرحمان) ولكن اكتب كما كان يكتب آباؤك: باسمك اللّهمّ.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): اكتب باسمك اللّهمّ، فإنه اسم من أسماء اللّه تعالى.

فكتبها (عليه السلام)، ثم كتب: (هذا ما تقاضى عليه محمد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والملأ من قريش).

فقال سهيل : لو علمنا أنك رسول اللّه ما حاربناك، ولكن اكتب: (هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد اللّه)، أتأنف من نسبك يا محمد؟!

فقال له علي (عليه السلام): إنه واللّه لرسول اللّه حقاً.

فقال سهيل : اكتب اسمه يمضي الشرط.

فقال له علي (عليه السلام) : ويلك يا سهيل كفّ عن عنادك.

وهنا التفت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى سهيل وقال: واللّه إني لرسول اللّه وإن كذّبتموني ولم تقرّوا بي. ثم قال : اُمح يا علي واكتب: محمد بن عبد اللّه.

فقال علي (عليه السلام): ما أمحو اسمك من النبوّة أبداً.

فمحاه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بيده وقال: يا علي انّك إن أبيت أن تمحو اسمي من النبوّة، فوالذي بعثني بالحقّ نبياً لتجيبنّ أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد.

فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب: (هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان).

فقال عمرو بن العاص: لو علمنا انك أمير المؤمنين ما حاربناك، ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (صدق اللّه ورسوله (صلى الله عليه وآله) أخبرني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بذلك).

بنود معاهدة الصلح:

ثم قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): اكتب (هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبداللّه والملأ من قريش وسهيل بن عمرو):

اصطلحوا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهنّ الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، وعلى أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم، ومن أتى قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليهم، وأن بيننا وبينهم غيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال، وأنه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد من العرب وفي عهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش من العرب وعهدهم دخل فيه (فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثب بنو بكر وقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم) وأن يكون الإسلام ظاهراً بمكّة لا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيَّر، وانّ محمداً يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه، فلا يَدخل عليهم مكة، وأنه إذا كان في العام القابل دخلها بأصحابه فأقرّوا بها ثلاثاً معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب، لا يدخلونها بغيرها.

قبل إبرام المعاهدة:

وهنا قال بعض المسلمين: سبحان اللّه، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج فاراً من سجن أبيه سهيل من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ولم يكن له ذنب سوى أنه اختار الإسلام وترك الشرك.

فقال أبوه سهيل: يا محمد هذا أول ما اُقاضيك عليه أن تردّه إليَّ.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إنا لم نقض بالكتاب بعد.

قال : إذاً واللّه لا اُصالحك على شيء أبداً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): فأجره لي.

قال : ما أنا بمجيره لك.

قال (صلى الله عليه وآله): بلى فافعل.

قال : ما أنا بفاعل.

قال مكرز : بلى قد أجرناه لك، لكن سهيل رفض ذلك رفضاً باتاً وجعل الصلح متوقّفاً على تسليمه ابنه إليه.

وهنا قال أبو جندل حين رأى انه سوف يردّ إلى أبيه: يا معشر المسلمين اُردّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلماً ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في اللّه.

فقال بعض المسلمين: لا نردّه.

فقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأخذ بيده فقال: اللّهمّ إنّك تعلم انّ أبا جندل لصادق فاجعل له فرجاً ومخرجاً.

ثم أقبل على الناس وقال: إنه ليس عليه بأس انما يرجع إلى أبيه واُمّه، وانّي اُريد أن أتمّ لقريش شرطها.

ثم التفت (صلى الله عليه وآله) إلى أبي جندل وقال: يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن اللّه جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك عهداً وأعطونا عهد اللّه، وإنا لا نغدر بهم.

التوقيع على معاهدة الصلح:

ثم شهد على الصلح من المسلمين: المهاجرون والأنصار، ومن المشركين: سهيل بن عمرو ومن معه، وقد كتب علي (عليه السلام) الكتاب في نسختين: نسخة عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ونسخة عند سهيل بن عمرو، ورجع سهيل بن عمرو مع حفص بن الأحنف إلى قريش بالكتاب وأخبراهم بالخبر.

من معجزات الرسول (صلى الله عليه وآله):

روي انه أصاب الناس بالحديبية جوع شديد وقلّت أزوادهم، لأنهم أقاموا بها بضعة عشر يوماً، فشكوا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ذلك، فأمر بالنطع أن يبسط، وأن يطرحوا فيه ما بقي من أزوادهم، فأتوا بدقيق قليل وتميرات.

فقام (صلى الله عليه وآله) ودعا بالبركة فيها، وأمرهم أن يأتوا بأوعيتهم فملأوها حتى لم يجدوا لها محملاً.

نسك المصدودين:

فلما فرغ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من معاهدة الصلح قال لأصحابه: قوموا فانحروا بدنكم ثم احلقوا رؤوسكم.

فما قام منهم رجل، حتى قال (صلى الله عليه وآله) ذلك ثلاث مرات، وهم يقولون: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة؟

فلما لم يقم أحد اغتمّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من ذلك، ثم قام فدخل على اُمّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس.

فقالت له اُم سلمة: يا نبيّ اللّه أتحبّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بُدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.

فخرج (صلى الله عليه وآله) فلم يكلّم أحداً حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) تعظيماً للبدن: رحم اللّه المحلّقين.

فقال قوم لم يسوقوا البدن: يا رسول اللّه والمقصّرين؟

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ثانياً: رحم اللّه المحلّقين الذين لم يسوقوا الهدي.

فقالوا: يا رسول اللّه والمقصّرين؟

فقال (صلى الله عليه وآله): رحم اللّه المقصّرين.

العودة إلى المدينة:

ثم رحل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة فرجع إلى التنعيم ونزل تحت الشجرة، فجاء أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح فاعتذروا وأظهروا الندامة على ما كان منهم، وسألوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أن يستغفر لهم.

قال جابر: كنّا يوم الشجرة ألفاً وخمسمائة فأصابنا العطش، فأتي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بماء في إناء صغير فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنّه العيون.

قال: فشربنا وسقينا وكفانا ولو كنّا مائة ألف، فكيف بنا ونحن ألف وخمسمائة رجل؟

ورجع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وأنزل اللّه تعالى عليه في الطريق سورة الفتح: (بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً) إلى قوله سبحانه: (فوزاً عظيماً)(4).

قال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): فما انقضت تلك المدّة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة.

من بركات صلح الحديبية:

ولما رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة انفلت أبو بصير بن اُسيد بن حارثة الثقفي من مشركي قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين، فجاءا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقالا: العهد الذي جعلته لنا، فدفعه إلى الرجلين.

فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: أرى سيفك يا فلان جيّداً؟

فقال: أجل واللّه إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت.

قال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حين رآه: لقد رأى هذا ذعراً.

فلما انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قتل واللّه صاحبي، واني لمقتول.

فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ اللّه، قد واللّه أوفى اللّه ذمّتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني اللّه منهم.

فقال (صلى الله عليه وآله): ويل امه مسعر حرب لو كان معه أحد.

فلما سمع ذلك عرف أنه سيردّه إليهم، فخرج ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين حتى كانوا بين العيص وذي المرة من أرض جهينة على طريق عير قريش مما يلي سيف البحر.

وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل في سبعين راكباً أسلموا، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش أحد مسلماً إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمع منهم عصابة بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون، فلا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم.

فأرسلت قريش أبا سفيان إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يسألونه ويتضرّعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير الثقفي، وأبي جندل ومن معهم فيقدموا عليه، وقالوا: من خرج منا إليك فأمسكه غير حرج أنت فيه.

فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القصّة، أن إطاعة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) خير لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا، وعلموا انه ما فتح في الإسلام قبله فتح أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس والتقوا فتفاوضوا في الحديث فلم يكلم أحد بالإسلام ويعقل شيئاً إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين مثل مَن كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.

__________

(1) النساء: 102.

(2) الأنفال: 9.

(3) آل عمران: 153.

(4) الفتح: 1 ـ 5.