1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الدولة الاموية : الدولة الاموية في الاندلس : احوال الاندلس في الدولة الاموية :

فتح الاندلس

المؤلف:  ابن قتيبة الدينوري

المصدر:  الامامة والسياسة

الجزء والصفحة:  ج2, ص97-101

22-11-2016

1137

وجه موسى مولاه طارقا إلى طنجة وما هنالك، فافتتح مدائن البربر وقلاعها، ثم كتب إلى موسى: إني قد أصبت ست سفن، فكتب إليه موسى. أتممها سبعا، ثم سر بها إلى شاطئ البحر، واستعد لشحنها، واطلب قبلك رجلا يعرف شهور السريانيين، فإذا كان يوم أحد وعشرين من شهر أذار بالسرياني، فاشحن على بركة الله ونصره في ذلك اليوم، فإن لم يكن عندك من يعرف شهور السريان، فشهور العجم، فإنها موافقة لشهور السريان، وهو شهر يقال له بالاعجمية مارس، فإذا كان يوم أحد وعشرين منه، فاشحن على بركة الله كما أمرتك إن شاء الله، فإذا أجريت فسر حتى يلقاك جبل أحمر، وتخرج منه عين شرقية، إلى جانبها صنم فيه تمثال ثور، فاكسر ذلك التمثال، وانظر فيمن معك إلى رجل طويل أشعر، بعينيه قبل (1)، وبيده شلل، فاعقد له على مقدمتك، ثم أقم مكانك حتى يغشاك إن شاء الله. فلما انتهى الكتاب إلى طارق كتب إلى موسى: إني منته إلى ما أمر الامير ووصف، غير أني لم أجد صفة الرجل الذي أمرتني به إلا في نفسي، فسار طارق في ألف رجل وسبع مئة، وذلك في شهر رجب سنة ثلاث وتسعين، وقد كان لذريق ملك الاندلس، قد غزا عدوا يقال له البشكنس، واستخلف ملكا من ملوكهم يقال له تدمير. فلما بلغ تدمير مكان طارق، ومن معه من المسلمين. كتب إلى لذريق: إنه قد وقع بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء نزلوا أم من الارض نبعوا. فلما بلغ لذريق ذلك أقبل راجعا إلى طارق في سبعين ألف عنان، ومعه العجل تحمل الاموال والزخرف، وهو على سرير بين دابتين، وعليه قبة مكللة باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، ومعه الحبال، ولا يشك في أسرهم: فلما بلغ طارقا دنوه منهم، قام في أصحابه، فحمد الله، ثم حض الناس على الجهاد، ورغبهم في الشهادة، وبسط لهم في آمالهم. ثم قال: أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس ثم والله إلا الصدق والصبر، فإنهما لا يغلبان، وهما جندان منصوران، ولا تضر معهما قلة، ولا تنفع مع الخور والكسل والفشل والاختلاف والعجب كثرة. أيها الناس، ما فعلت من شئ فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، ألا وإني عامد إلى طاغيتهم، بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أقتل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم، وتولوا الدبر لعدوكم، فتبددوا بين قتيل وأسير. وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة، والراحة من المهانة والذلة، وما قد أجل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا، والله معكم ومعيذكم، تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدا بين من عرفكم من المسلمين. وها أنا ذا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي، فحمل وحملوا. فلما غشيهم اقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن الطاغية قتل، وانهزم جميع العدو، فاحتز طارق رأس لذريق، وبعث به إلى موسى بن نصير، وبعث به موسى مع ابنه، وجهز معه رجالا من أهل أفريقية، فقدم به على الوليد بن عبد الملك، ففرض له في الشرف، وأجاز كل من كان معه، ورده إلى أبيه موسى، وأن المسلمين قد أصابوا مما كان مع لذريق ما لا يدرى ما هو ولا ما قيمته. قال: وكتب طارق إلى مولاه موسى: إن الامم قد تداعت علينا من كل ناحية، فالغوث الغوث، فلما أتاه الكتاب نادى في الناس وعسكر، وذلك في صفر سنة ثلاث وتسعين، وكان أحب الخروج إليه يوم الخميس أول النهار، فاستخلف عبد الله بن موسى على أفريقية وطنجة والسوس، وكتب ساعة قدم عليه كتاب طارق إلى مروان، يأمره بالمسير، فسار مروان بمن معه، حتى أجاز إلى طارق، قبل دخول أبيه موسى، وخرج موسى بن نصير والناس معه حتى أتى المجاز، فأجاز بمن زحف معه في جموعه، وعلى مقدمته طارق مولاه، فوجد الجموع قد شردت إليه من كل مكان، فسار حتى افتتح قرطبة وما يليها، من حصونها وقلاعها ومدائنها، فغل الناس يومئذ غلولا لم يسمع بمثله (2)، ولم يسلم من الغلول يومئذ إلا أبو عبد الرحمن الجبلي. ثم إن موسى سار لا يرفع له شئ إلا هده، يفتتح له المدائن يمينا وشمالا، حتى انتهى إلى مدينة الملوك، وهي طليطلة، فوجد فيها بيتا يقال له بيت الملوك، وجد فيه أربعة وعشرين تاجا، تاج كل ملك ولى الاندلس، كان كلما هلك ملك جعل تاجه في ذلك البيت، وكتب على التاج اسم صاحبه، وابن كم هو، ويوم مات، ويوم ولى، ووجد في ذلك البيت أيضا مائدة عليها اسم سليمان بن داود عليه السلام، ومائدة من جزع، فعمد موسى إلى التيجان والآنية والموائد، فقطع عليها الاغشية، وجعل عليها الامناء ليس منها شئ يدرى ما قيمته. فأما الذهب والفضة والمتاع، فلم يكن يحصيه أحد.

اتهام الوليد موسى بالخلع:

 قال: وذكروا أن الوليد بن عبد الملك بن مروان لما بلغه مسير موسى بن نصير إلى الاندلس ووصفت له، ظن أنه يريد أن يخلع، ويقيم فيها، ويمتنع بها، وقيل ذلك له، وأبطأت كتب موسى عليه، لاشتغاله بما هنالك من العدو، وتوطيئه لفتح البلاد. فأمر الوليد القاضى أن يدعو على موسى إذا قضى صلاته، وأن موسى لما دخل طليطلة، بعث علي بن رباح بفتحها، وأوفد معه وفدا، فسار حتى قدم دمشق صلاة العصر، فدخل المسجد فألفى القاضى يدعو على موسى. فقال: أيها الناس، الله الله في موسى، والدعاء عليه، والله ما نزع يدا من طاعة، ولا فارق جماعة، وإنه لفي طاعة أمير المؤمنين، والذب عن حرمات المسلمين، والجهاد للمشركين، وإني لاحدثكم عهدا به، وما قدمت الآن من عنده، وإن عندي خبره، وما أفاء الله على يده لأمير المؤمنين، وما أمد به المسلمين، ما تقر به أعينكم، ويسر به خليفتكم. دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك قال: وذكروا أن الوليد لما بلغه خبر هذا المتكلم الوافد من عند موسى، أرسل إليه، فأدخل عليه، ثم قال له: ما وراءك ؟ فقال: كل ما تحب يا أمير المؤمنين، تركت موسى ابن نصير في الاندلس، وقد أظهره الله ونصره، وفتح على يديه ما لم يفتح على يد أحد، وقد أوفدني إلى أمير المؤمنين في نفر من وجوه من معه، بفتح من فتوحه، فدفع إليه الكتاب من عند موسى، فقرأه الوليد. فلما أتى على آخره خر ساجدا، فلما رفع رأسه أتاه فتح آخر، فخر أيضا ساجدا، ثم رفع رأسه، فأتاه آخر بفتح آخر، وخر ساجدا، حتى ظننت أنه لا يرفع رأسه.

وذكروا أن موسى خرج من طليطلة بالجموع غازيا يفتح المدائن جميعا، حتى دانت له الاندلس، وجاءه وجوه جليقية، فطلبوا الصلح فصالحهم، وغزا البشكنس فدخل في بلادهم حتى أتى قوما كالبهائم، ثم مال إلى أفرنجة، حتى انتهى إلى سرقسطة فافتتحها، وافتتح ما دونها من البلاد إلى الاندلس. قال: فأصاب فيها ما لا يدرى ما هو، ثم سار حتى جاوزها بعشرين ليلة، وبين سرقسطة وقرطبة شهر أو أربعون يوما. قال: وذكروا أن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة، قال: كنت ممن غزا مع موسى الاندلس حتى بلغنا سرقسطة، وكانت من أقصى ما بلغنا مع موسى إلا يسيرا من ورائها، فأتينا مدينة على بحر، ولها أربعة أبواب. قال: فبينما نحن محاصروها إذ أقبل عياش بن أخيل، صاحب شرطة موسى، فقال أيها الامير، إنا قد فرقنا الجيش أرباعا على نواحي المدينة، وقد بقى الباب الاقصى، وعليه رتبة. قال له موسى بن نصير: دع ذلك الباب فإنا سننظر فيه. قال: ثم إن موسى التفت إلي فقال لي: كم معك من الزاد ؟ قلت: ما بقى معي غير تليس (3)، قال: فأنت لم يبق معك غير تليس، وأنت من أمراء الجيش، فكيف غيرك ! اللهم أخرجهم من ذلك الباب. قال المغيرة: فأصبحنا من تلك الليلة وقد خرجوا من ذلك الباب، فدخلها موسى منه، ووجه ابنه مروان في طلبهم فأدركهم، فأسرع القتل فيهم، وأصابوا مما كان معهم، ومما في المدينة شيئا عظيما. قال: وذكروا أن جعفر بن الاشتر، قال: كنت فيمن غزا الاندلس مع موسى، فحاصرنا حصنا من حصونها عظيما، بضعا وعشرين ليلة، ثم لم نقدر عليه. فلما طال ذلك عليه نادى فينا، أن أصبحوا على تعبئة، وظننا أنه قد بلغه مادة من العدو، وقد دنت منا، وأنه يريد التحول عنهم، فأصبحنا على تعبئة، فقام فحمد الله، ثم قال: أيها الناس، إني متقدم أمام الصفوف، فإذا رأيتموني قد كبرت وحملت، فكبروا واحملوا. فقال الناس: سبحان الله، أترى فقد عقله أم عزب عنه رأيه، يأمرنا نحمل على الحجارة وما لا سبيل إليه ! قال: فتقدم بين يدى الصفوف حيث يراه الناس، ثم رفع يديه وأقبل على الدعاء والرغبة، فأطال ونحن ركوب منتظرون تكبيره، فاستعددنا، ثم إن موسى كبر، وكبر الناس، وحمل وحمل الناس، فانهدت ناحية الحصن التي تلينا، فدخل الناس منها، وما راعني إلا خيل المسلمين تمزع فيها، وفتحها الله علينا، فأصبنا من السبي والجواهر ما لا يحصى. قال: وحدثتني مولاة لعبد الله بن موسى، وكانت من أهل الصدق والصلاح، أن موسى حاصر حصنها الذي كانت من أهله، وكان تلقاءه حصن آخر. قالت: فأقام لنا محاصرا حينا، ومعه أهله وولده، وكان لا يغزو إلا بهم لما يرجو في ذلك من الثواب. قالت: ثم إن أهل الحصن خرجوا إلى موسى فقاتلوه قتالا شديدا، ففتح الله عليه. قالت: فلما رأى ذلك أهل الحصن الآخر، نزلوا على حكمه، ففتحهما موسى في يوم واحد. فلما كان في اليوم الثاني، أتى حصنا ثالثا، فالتقى الناس فاقتتلوا قتالا شديدا أيضا، حتى جال المسلمون جولة واحدة. قال: فأمر موسى بسرادقه فكشط (4) عن نسائه وبناته حتى برزن. قال: فلقد كسرت بين يديه من أغماد السيوف ما لا يحصى، وحمى المسلمون، واحتدم القتال، ثم إن الله فتح عليه ونصره، وجعل العاقبة له. وقال عبد الرحمن بن سلام: كنت فيمن غزا مع موسى في غزواته كلها. فلم ترد له راية قط، ولا هزم له جمع قط، حتى مات. وقال ابن خضر: لما قدم موسى الاندلس قال أسقف من أساقفتها. إنا لنجدك في كتب الحدثان، عن دانيال. بصفتك صيادا تصيد بشبكتين، رجل لك في البر، ورجل في البحر، تضرب بهما هاهنا وهاهنا فتصيد. قال: فسر بذلك موسى وأعجبه. وقال عبد الحميد بن حميد، عن أبيه: إن موسى لما وغل وجاوز سرقسطة، اشتد ذلك على الناس وقالوا: أين تذهب بنا ؟ حبنا ما في أيدينا، وكان موسى قال: حين دخل أفريقية، وذكر عقبة بن نافع: لقد كان غرر بنفسه حين وغل في يلاد العدو، والعدو عن يمينه وعن شماله وأمامه وخلفه، أما كان معه رجل رشيد ؟ فسمعه حبيش الشيباني قال: فلما بلغ موسى ذلك المبلغ، قام حبيش فأخذ بعنانه. ثم قال أيها الامير ! إن ي سمعتك وأنت تذكر عقبة بن نافع تقول: لقد غرر بنفسه وبمن معه، أما كان معه رجل رشيد ؟ وأنا رشيدك اليوم، أين تذهب ؟ تريد أن تخرج من الدنيا، أو تلتمس أكثر وأعظم مما آتاك الله عز وجل، وأعرض مما فتح الله عليك، ودوخ لك، إني سمعت من الناس ما لم تسمع، وقد ملاوا أيديهم، وأحبوا الدعة. قال: فضحك موسى ثم قال: أرشدك الله، وكثر في المسلمين مثلك. ثم انصرف قافلا إلى الاندلس فقال موسى يومئذ: أما والله لو انقادوا إلي لفدتهم إلى رومية، ثم يفتحها الله على يدي إن شاء الله. خروج موسى بن نصير من الاندلس قال: وذكروا أن عبد الرحمن بن سلام أخبرهم، وكان مع موسى بن نصير بالأندلس.

خلفاء بني امية وموسى بن نصير :

قال: أقام موسى بقية سنته تلك، وأشهرا من سنة أربع وتسعين، ثم خرج وافدا إلى الوليد بن عبد الملك، وكان ما أقام بها موسى عشرين شهرا، واستخلف عبد العزيز بن موسى، فجاز موسى البحر على الاندلس، فغزا بالناس حتى بلغوا أربونة، ومعه أبناء الملوك من الافرنج، وبالتيجان والمائدة والآنية والذهب والفضة، والوصفاء والوصائف، وما لا يحصى من الجواهر والطرائف، وخرج معه بوجوه الناس. قال: وذكروا عن صفة المائدة عن عبد الحميد أنه قال كانت مائدة خوان، ليست لها أرجل، قاعدتها منها، وكانت من ذهب وفضة خليطين، فهي تتلون صفرة وبياضا، مطوقة بثلاثة أطواق، طوق لؤلؤ، وطوق ياقوت، وطوق من زمرد قال قلت: فما عظمها ؟ قال: كنا بموضع والناس معسكرون، إذ فلت بغل لرجل من موالى موسى يقال له صالح أبو ريشة، على رمكة (5)، فكردها في العسكر، فقام الناس إليه بأعمدة الاخبية، وجال في العسكر جولة، فتطلع موسى قال: ما هذا ؟ وتطلع الحواري فإذا هو بالبغل يكرد الرمكة، وقد أدلى (6)، فغار موسى وقال: احملوا عليه المائدة، فلم يبلغ بها إلا منقلة (7) حتى تفتخت قوائمه لكثرة ثقلها على هذا البغل القوي. قدوم موسى أفريقية قال: وذكروا أن يزيد بن مسلم مولى موسى، أخبرهم أنه لما جاز موسى الحصن أمرهم بصناعة العجل (8)، فعملت له ثلاثون ومئة عجلة، ثم حمل عليها الذهب والفضة والجواهر، وأصناف الوشى الاندلسي، حتى أتى أفريقية. فلما قدمها بقى بها سنة أربع وتسعين، ثم قفل، واستخلف ابنه عبد الله على أفريقية وطنجة والسوس، وخرج معه ولده مروان بن موسى، وعبد الاعلى بن موسى وعبد الملك بن موسى، وخرج معه مئة رجل من أشراف الناس، من قريش والانصار وسائر العرب ومواليها، منهم عياض بن عقبة، وعبد الجبار بن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، والمغيرة بن أبي بردة، وزرعة بن أبي مدرك، وسليمان بن نجدة ووجوه من وجوه الناس وأخرج معه من وجوه البربر مئة رجل فيهم بنو كسيلة، وبنو قصدر، وبنو ملوك البربر، وملك السوس مزدانة ملك قلعة أرساف وملك ميورقه، وخرج بعشرين ملكا من ملوك جزائر الروم، وخرج معه مئة من ملوك الاندلس، ومن الافرنجيين، ومن القرطبيين وغيرهم، وخرج معه أيضا بأصناف ما في كل بلد من بزها (9) ودوابها ورقيقها وطرائفها وما لا يحصى، فأقبل يجر الدنيا وراءه جرا لم يسمع بمثله، ولا بمثل ما قدم به. قدوم موسى إلى مصر قال: وذكروا أن يزيد بن سعيد بن مسلم أخبرهم قال: لما أتى موسى مصر، وانتهى ذلك إلى الوليد بن عبد الملك، كتب إلى قرة بن شريك، أن ادفع إلى موسى من بيت مال مصر ما أراد، فأقبل موسى حتى إذا كان في بعض الطريق، لقيه خبر موت قرة بن شريك، ثم قدم مصر سنة خمس وتسعين، فدخل المسجد فصلى عند باب الصوال، وكان قرة قد استخلف بن رفاعة على الجند حتى توفى، فلما سمع بموسى خرج مبادرا حتى لحقه حين استوى على دابته فلقيه فسلم عليه، فقال له موسى من أنت يا بن أخي ؟ فانتسب له. فقال: مرحبا وأهلا، فسار معه حتى نزل منية عمرو بن مروان، فعسكر بها موسى، فكلمه حينئذ رفاعة في المال الذي كان استخرجه من سفيان بن مالك الفهرى، وذلك بعد مهلك سفيان. فقال: هو لك. قال: فأمر بدفع عشرة آلاف دينار إلى ولد سفيان بن مالك. قال: فأقام موسى ثلاثة أيام، تأتيه أهل مصر في كل يوم، فلم يبق شريف إلا وقد أوصل إليه موسى صلة ومعروفا كثيرا، وأهدى لولد عبد العزيز ابن مروان فأكثر لهم، وجاءهم بنفسه فسلم عليهم، ثم سار متوجها حتى أتى فلسطين، فتلقاه آل روح ابن زنباع، فنزل بهم، فبلغني أنهم نحروا له خمسين جزورا، وأقام عندهم يومين، وخلف بعض أهله وصغار ولده عندهم، وأجاز آل مروان وآل روح بن زنباع بجوائز من الوصائف، وغير ذلك من الطرف. قدوم موسى على الوليد رحمهما الله تعالى قال: وذكروا أن محمد بن سليمان وغيره من مشايخ أهل مصر، أخبروهم أن موسى لما قدم على الوليد، وكان قدومه عليه وهو في آخر شكايته التي توفى فيها، وقد كان سليمان ابن عبد الملك بعث إلى موسى من لقيه في الطريق قبل قدومه على الوليد، يأمره بالتثبط (10) في مسيره، وألا يعجل، فإن الوليد بآخر رمقه. فلما أتى موسى بالكتاب من سليمان وقرأه، قال: خنت والله وغدرت وما وفيت، والله لا ؟ ربصت ولا تأخرت ولا تعجلت ولكني أسير بمسيري، فإن وافيته حيا لم أتخلف عنه، وإن عجلت منيته فأمره إلى الله. فرجع الرسول إلى سليمان فأعلمه فآلى سليمان لئن ظفر بموسى ليصلبنه، أو ليأتين علي نفسه (11). قال: فلما قدم موسى على الوليد وكان الوليد لما بلغه قدوم موسى واقترابه منه، وجه إليه كتابا يأمره بالعجلة في مسيره، خوفا أن تعجل به منيته قبل قدوم موسى عليه، وأنه أراد أن يراه وأن يحرم سليمان ما جاء به من الجواهر والطرائف التي لا قيمة لها، فلم يكن لموسى شئ يثبطه حين أتاه كتاب الوليد، فأقبل حتى دخل عليه، وقدم تلك الطرائف من الدر والياقوت والزبرجد، والوصفاء والوصائف والوشي، ومائدة سليمان بن داود عليه السلام، ومائدة ثانية من جزع ملون والتيجان. قال: فقبض الوليد الجميع وأمر بالمائدة فكسرت، وعمد إلى أفخر ما فيها، والتيجان والجزع، فجعله في بيت الله الحرام، وفرق غير ذلك، ولم يلبث الوليد أن مات رحمه الله. خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير قال: وذكروا أن عبد الرحمن بن سلام أخبرهم أن سليمان بن عبد الملك لما أفضت الخلافة إليه، بعث إلى موسى، فأنى به، فعنفه بلسانه، وكان فيما قال له يومئذ: أعلى اجترأت، وأمري خالفت، والله لاقللن عددك، ولافرقن جمعك، ولابددن مالك، ولاضعن منك ما كان يرفعه غيري ممن كنت تمنيه أماني الغرور، وتخدعه من آل أبي سفيان، وآل مروان، فقال له موسى: والله يا أمير المؤمنين ما تعتل علي بذنب، سوى أنني وفيت للخلفاء قبلك، وحافظت على من ولى النعمة عندي فيه، فأما ذكر أمير المؤمنين: من أنه يقل عددي، ويفرق جمعي ويبدد مالي، ويخفض حالي، فذلك بيد الله، وإلى الله، وهو الذي يتول النعمة على الاحسان إلي، وبه أستعين، ويعيذ الله عز وجل أمير المؤمنين ويعصمه أن يجرى على يديه شيئا من المكروه لم أستحقه، ولم يبلغه ذنب اجترمته. فأمر به سليمان أن يوقف في يوم صائف شديد الحر على طريقه. قال: وكانت بموسى نسمة (12)، فلما أصابه حر الشمس، وأتعبه الوقوف، هاجت عليه. قال: وجعلت قرب العرق تنصب منه، فما زال كذلك حتى سقط، وعمر بن عبد العزيز حاضر، إلى أن نظر سليمان إلى موسى، وقد وقع مغشيا عليه. قال عمر بن عبد العزيز ما مر بي يوم كان أعظم عندي، ولا كنت فيه أكرب من ذلك اليوم، لما رأيت من الشيخ موسى، وما كان عليه من بعد أثره في سبيل الله، وما فتح الله على يديه وهذا يفعل به. قال: فالتفت إلي سليمان فقال يا أبا حفص، ما أظن إلا أني قد خرجت من يميني قال عمر: فاغتنمت ذلك منه فقلت يا أمير المؤمنين شيخ كبير بادن (13)، وبه نسمة قد أهلكته، وقد أتت على ما فيه من السلامة لك من يمينك، وهو موسى البعيد الاثر في سبيل الله، العظيم الغناء عن المسلمين قال عمر: والذي منعني من الكلام فيه ما كنت أعلم من يمينه وحقده عليه، فخشيت إن ابتدأته أن يلح عليه، وهو لحوح. قال. فلما قال لي ما قال آخرا، حمدت الله على ذلك، وعلمت أن الله قد أحسن إليه، وأن سليمان قد ندم فيه. فقال سليمان: من يضمه ؟ فقال يزيد بن المهلب أنا أضمه يا أمير المؤمنين. قال: وكانت الحال بين يزيد وموسى لطيفة خاصة. قال سليمان: فضمه إليك يا يزيد، ولا تضيق عليه. قال: فانصرف به يزيد، وقد قدم إليه دابة ابنه مخلد، فركبها موسى، فأقام أياما. قال: ثم إنه تقارب ما بين موسى وسليمان في الصلح، حتى افتدى منه موسى بثلاثة آلاف ألف دينار. عدة موالى موسى بن نصير قال: وذكروا عن بعض البصريين، أن رجلا منهم أخبرهم أن يزيد قال لموسى ذات ليلة وقد سهر سهرا طويلا: يا أبا عبد الرحمن، كم تعد مواليك وأهل بيتك ؟ فقال: كثير. قال يكونون ألفا ؟ قال له موسى: نعم وألفا وألفا حتى ينقطع النفس، لقد خلفت من الموالي ما أظن أن أحدا لا يخلف مثلهم. قال له يزيد: إنك لعلى مثل ما وصفت، وتعطى بيدك ؟ ألا أقمت بدار عزك، وموضع سلطانك، وبعثت بما قدمت به، فإن أعطيت الرضا أعطيت الطاعة، وإلا كنت على التخيير من أمرك ؟ فقال موسى: والله لو أردت ذلك ما تناولوا طرفا من أطرافي إلى أن تقوم الساعة، ولكن آثرت حق الله، ولم أر الخروج من الطاعة والجماعة. قال: ثم خرج يزيد من عنده، فنظر إليه موسى، قال لمن عنده: والله إن في رأس أبي خالد لنفرة وليأتين عليها.

_____________

(1) القبل: له معان كثيرة وهو على العموم يدور على قرب سواد العين من بياضها فهو شبه الحول في العين. (*)

(2) الغلول: هو أن يحتجز المحارب شيئا من الغنيمة لنفسه ولا يضعه مع باقي الغنائم ليقسم بين المحاربين. (*)

(3) التليس يتشدد اللام: الكيس الكبير أو الشوال الكبير. (*)

(4) السرادق: القبة التي كانت مضروبة على نسائه وبناته وكشط أزيح وطوى، وهذا تحميس للرجال ولنفسه لان المحارب إذا رأى نساءه وبناته امامه خاف عليهن فحارب أشجع ما يكون. (*)

(5) الرمكة: الفرس أو البغلة تتخذ للنسل، وكردها طاردها وجرى وراءها يريد أن يقع عليها. (6) أدلى: انتصب ذكره متدليا.

(7) المنقلة: هي انتقال الاقدام أي لم يبلغ بها إلا خطوة، وتفتحت قوائمه استرخت أعصابها ولانت من ثفل المائدة.

(8) العجل: أي العجلات وهي العربات. (*)

(9) البز: الثياب المنسوجة من القطن ونحوه. (*)

(10) التمهل وعدم الاسراع.

(11) ليأتين على نفسه: بزهق نفسه أي يقتله.

(12) النسمة: الربو وهو مرض معروف من أمراض الصدر. (*)

(13) البادن والبدين: ضخم الجسم (تخين). (*)

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي