1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : علوم القرآن : التفسير والمفسرون : مناهج التفسير : منهج التفسير الأثري أو الروائي :

نماذج مختارة من صحاح التفاسير الماثورة عن ائمة اهل البيت (عليه السلام)

المؤلف:  محمد هادي معرفة

المصدر:  التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب

الجزء والصفحة:  ج1 ، ص451-483.

15-11-2014

2758

إليكم نماذج من تفاسير مأثورة عن اهل البيت (عليه السلام) هي مناهج تعليمية لكيفية دراسة القرآن الـكـريـم وطريقة استنباط معانيه الحكيمة اخذنا الاهم منها مأخوذة من كتب ذوات اعتبار ، وفي اسانيد صحيحة لا غبار عليها.

فـمـنـهـا : ما ورد في تفسير آية الوضوء وآية التقصير في الصلاة وآية خمس الغنائم وقطع يد الـسـارق وتحريم الخمر وجزاء قتل المؤمن والطلاق الثلاث ومتعة النساء والحج والرجعة قبل الحشر الاكبر ومساله البداء في التكوين .

واليك :

الاول ـ آية الوضوء

قوله تعالى : {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة : 6].
ا ـ مسح الراس :
روى ثـقـة الاسلام ابو جعفر الكليني باسناده عن طريق علي بن ابراهيم الى زرارة ، سال ابا جعفر الباقر(عليه السلام) قال : الا تخبرني من اين علمت وقلت : ان المسح ببعض الراس ؟.

فـضحك الامام (عليه السلام) ثم قال : يا زرارة ، قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) ونزل به الكتاب ثم فصل الكلام فيه وقـال : لان اللّه عـز وجل يقول : (فاغسلوا وجوهكم ) فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل ، ثم قال : (و ايـديـكـم الـى المرافق ) ثم فصل بين الكلامين فقال : (و امسحوا برؤوسكم ) فعرفنا حين قال : (برؤوسكم ) ان المسح ببعض الراس ، لمكان الباء (1)
يـعـنـي انـه غير الاسلوب وزاد حرف الربط (الباء) بين الفعل ومتعلقه ، مع عدم حاجة اليه في ظـاهـر الكلام ، حيث كلا الفعلين (الغسل والمسح ) متعديان بانفسهما ، يقال : مسحه مسحا ، كما يقال : غسله غسلا (2) فلا بد هناك من نكتة معنوية في هذه الزيادة غير اللازمة حسب الظاهر ، اذ زيادة المباني تدل عل زيادة المعاني .

و قـد اشار(عليه السلام) الى هذا السر الخفي بإفادة معنى التبعيض في المحل الممسوح ، استنباطا من موضع الباء هنا ذلك انه لو قال : وامسحوا رؤوسكم ، لاقتضى الاستيعاب كما في غسل الوجه .

فـقـولـه : (و امـسـحـوا برؤوسكم ) يستدعي التكليف بالمسح مرتبطا بالراس ، اي ان التكليف هو حـصـول ربط المسح بالراس ، الذي يتحقق بأول امرار اليد المبتلة بأول جزء من اجزاء الراس اذ حين وضع اليد على مقدم الراس ـ مثلا ـ وامرارها ، يحصل ربط المسح بالراس ، وعنده يسقط التكليف ، لان المكلف به قد حصل بذلك ولا تعدد في الامتثال ، كما قرر في الاصول .

فـكـانـت زيـادة (الباء) هي التي دلتنا على هذه الدقيقة في شريعة المسح ، بعد ورود القول به من رسول اللّه (صلى الله عليه واله)فيا له من استنباط رائع مستند الى دقائق الكلام .

هـذا وغـيـر خفي ان هذه الاستفادة الكلامية لا تعني استعمال الباء في معنى التبعيض ـ كما وهمه الـبـعـض ـ بل ان بنية الكلام وتركيبه الخاص (بزيادة ما لا لزوم فيه ظاهرا) هو الذي افاد هذا الـمعنى ، اي كفاية مسح بعض الراس فالتبعيض في الممسوح مستفاد من جملة الكلام لا من خصوص الباء اذ ليس التبعيض من معاني الباء البتة ، فلا موضع لما نازع بعضهم في كون الباء تفيد التبعيض .

قـال الشيخ محمد عبده : ونازع بعضهم في كون الباء تفيد التبعيض ، قيل : مطلقا ، وقيل : استقلالا ، وانما تفيده مع معنى الالصاق ولا يظهر معنى كونها زائدة .

قـال : والتحقيق ان معنى الباء الالصاق لا التبعيض او الالة ، وانما العبرة بما يفهمه العربي من : مسح بـكـذا او مـسـح كذا فهو يفهم من : مسح راس اليتيم او على راسه ، ومسح بعنق الفرس او ساقه او بـالركن او الحجر ، انه امر يده عليه ، لا يتقيد ذلك بمجموع الكف الماسح ولا بكل اجزاء الراس او العنق او الساق او الركن او الحجر الممسوح فهذا ما يفهمه كل من له حظ من هذه اللغة ، مما ذكر ، ومن قوله تعالى : {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص : 33] ـ على القول الراجح المختار ان المسح باليد لا بالسيف ـ ومن مثل قول الشاعر :

ولما قضينا من منى كل حاجة ـــــ ومسح بالأركان من هو ماسح .

واخـيـرا ينتهي الى القول بان ظاهر الاية الكريمة ان مسح بعض الراس يكفي في الامتثال ، وهو ما يـسـمى مسحا في اللغة ، ولا يتحقق الا بحركة العضو الماسح ملصقا بالممسوح فلفظ الاية ليس من المجمل (3)

وهكذا استدل الامام (عليه السلام) لعدم وجوب استيعاب الوجه واليدين في مسحات التيمم بدخول (الباء) فـي قـوله تعالى : {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة : 6] اذ لم يقل : امسحوا وجوهكم وايديكم ، لئلا يفيد الاستيعاب فيهما.

ولـم يحتمل محمد بن ادريس الشافعي في آية الوضوء (وامسحوا برؤوسكم ) غير هذا المعنى ، اي المسح لبعض الراس قال : (وكان معقولا في الاية ان من مسح من راسه شيئا فقد مسح براسه ، ولـم تحتمل الاية الا هذا ، وهو اظهر معانيها او مسح الراس كله قال : ودلت السنة على ان ليس على الـمـرء مـسـح راسـه كـلـه واذا دلـت الـسـنة على ذلك ، فمعنى الاية : ان من مسح شيئا من راسه اجزاه ) (4)

وزاد ـ في الام ـ (اذا مسح الرجل باي راسه شاء ان كان لا شعر عليه ، وباي شعر راسه ، بأصبع واحـدة او بـعـض اصـبـع او بطن كفه ، او امر من يمسح به اجزاه ذلك فكذلك ان مسح نزعتيه او احداهما او بعضهما اجزاه ، لانه من راسه ) (5)

وقـد بـين وجه المعقولية في الاية بقوله : (لانه معلوم ان هذه الادوات موضوعة لإفادة المعاني ، فـمتى امكننا استعمالها على فوائد مضمنة بها وجب استعمالها على ذلك ، وان كان قد يجوز وقوعها صـلـة للكلام وتكون ملغاة لكن متى امكننا استعمالها على وجه الفائدة ، لم يجز لنا الغاؤها ، ومن اجل ذلـك قـلـنـا : ان الـبا في (الاية )للتبعيض ويدل على ذلك انك اذا قلت : مسحت يدي بالحائط كان معقولا مسحها ببعضه دون جميعه ، ولو قلت : مسحت الحائط كان المعقول مسحه جميعه دون بعضه ، فـقـد وضـح الـفـرق بـيـن ادخـال الـباء وبين اسقاطها ، في العرف واللغة ثم ايد ذلك بما رواه عن ابـراهـيم (6) قال : اذا مسح ببعض الراس اجزاه ، قال : ولو كانت (امسحوا رؤوسكم ) كـان مـسـح الـراس كله قال : فاخبر ابراهيم ان (الباء) للتبعيض ، وقد كان عند اهل اللغة مقبول القول فيها (7)

قال الرازي : حجة الشافعي انه لو قال : مسحت المنديل ، فهذا لا يصدق الا عند مسحه بالكلية ، اما لو قال : مسحت يدي بالمنديل ، فهذا يكفي في صدقه مسح اليدين بجز من اجزاء ذلك المنديل (8)

وهذا الذي ذكره الشافعي ، وان كان يتوافق ـ في ظاهره ـ مع نظرة الامام الصادق (عليه السلام)و لعله ناظر اليه ، لكنه يتخالف معه في مواضع :

احدها : زعمه ان (الباء) استعملت ـ هنا ـ بمعنى التبعيض نظير (من ) التبعيضية في حين انه لم تأت (الـبـاء) فـي اللغة للتبعيض ولا شاهد عليه البتة واستناده الى كلام ابراهيم النخعي غير وجـيـه ، لانه لم يصرح بذلك ، بل ان كلامه ككلام الامام الصادق يهدف الى ـ ان موضع (الباء) هنا افاد اجزاء مسح بعض الراس ـ بالبيان الذي تقدم ـ وهذا يعني ان (الباء) ـ في موضعها الخاص هنا ـ تفيد التبعيض في مسح الراس ـ وهذا غير كونها مستعملة ـ في معنى التبعيض ، كما عرفت .

الـثاني : ان التمثيل بالمنديل غير صحيح ، لان المنديل مما يمسح به وليس ممسوحا ، اذ لا يقال ـ في الـعـرف والـلـغة ـ : مسحت المنديل فقولنا : مسحت يدي بالمنديل ، يفيد كون اليد هي الممسوحة لا المنديل .

الـثـالـث : ان الـشـافـعـي لـم يشترط ان يكون المسح باليد ، قال : فاذا رش الماء على جزء من راسه (9) ولعله اخذ بالملاك قياسا ولا نـدري كيف يكون الرش مسحا؟ (10) ، خروجا عن مدلول لفظ الشرع ؟.

والـحـنـفـية قالوا بكفاية مسح ربع الراس من اى الاطراف ، ويشترط ان يكون بثلاث اصابع اما المالكية والحنابلة فقد اوجبوا مسح الراس كله ، واغفلوا موضع (الباء) (11)

كـمـا ان المذاهب الاربعة جميعا اغفلوا جانب (الباء) في آية التيمم فأوجبوا مسح الوجه كله ، وكذا مسح اليدين مع المرفقين (12)

يـقـول القرطبي ـ وهو مالكي المذهب ـ : واما الراس فهو عبارة عن الجملة التي منها الوجه ، فلما عـيـن اللّه الـوجـه لـلغسل بقي باقيه للمسح ، ولو لم يذكر الغسل للزم مسح جميعه ، ما عليه شعر من الراس وما فيه العينان والانف والفم قال : وقد اشار مالك في وجوب مسح الراس الى ما ذكرناه ، فـانـه سـئل عـن الـذي يترك بعض راسه في الوضوء ، فقال : ارأيت ان ترك غسل بعض وجهه اكان يـجـزئه ؟ قـال : ووضـح بهذا الذي ذكرناه ان الاذنين من الراس ، وان حكمهما حكم الراس واما (الـبـاء) فـجـعـلـهـا مـؤكـدة زائدة لـيـسـت لإفادة معنى في الكلام قال : والمعنى : وامسحوا رؤوسكم (13)

ب ـ مسح الرجلين .

مـن الـمـسـائل المستعصية التي اشغلت فراغا كبيرا في التفسير والادب الرفيع ، هي مسالة مسح الارجل في الوضوء مستفادا من كتاب اللّه تعالى .

فـقـد زعم بعضهم ان القراة بالخفض تتوافق مع مذهب الشيعة الامامية في وجوب المسح ، والقراة بـالـنـصـب تتوافق مع سائر المذاهب ولكل من الفريقين دلائل وشواهد من السنة او الادب ولغة العرب ، يجدها الطالب في مظانها.

غـيـر ان الـوارد عـن ائمة اهل البيت (عليه السلام) في تفسير الاية الكريمة هو التصريح بان القرآن نزل بـالـمـسح على الارجل ، وهكذا نزل به جبرائيل ، وعمل به رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وامير المؤمنين واولاده الاطهار وهكذا خيار الصحابة وجل التابعين لهم بإحسان .

فـقـد روى الشيخ باسناده الصحيح الى سالم وغالب ابني هذيل عن ابي جعفر(عليه السلام)سألاه عن المسح على الرجلين ؟ فقال : هو الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) (14)

يـعـنـي : ان الـذي يبدو من ظاهر الكتاب هو وجوب مسح الرجلين ، عطفا على الرؤوس ولا يجوز كونه عطفا على الوجوه والايدي ، لاستلزامه الفصل بالأجنبي وهو لا يجوز في مثل القرآن وهذا سـواء قـرئ بخفض الارجل ام بنصبها اما على قراة الخفض فظاهر ، وقد قرأ بها ابن كثير وابو عـمـرو وحمزة من السبعة ، وشعبة احد راويي عاصم لكن مقتضاها المسح لبعض الارجل كما في الراس .

ام قـرئ بالنصب عطفا على المحل ، لان محل (برؤوسكم ) نصب مفعولا به لامسحوا وهو فعل متعد يقتضي النصب وقد اقحمت (الباء) اقحاما لحكمة افادة التبعيض حسبما عرفت .

وقد قرأ النصب ايضا ثلاثة من السبعة : نافع وابن عامر والكسائي وحفص الراوي الاخر لعاصم وهـي الـقـراة المسندة الى ابي عبد الرحمان السلمي عن امير المؤمنين (عليه السلام) وقد مضى شرحها في فصل القراءات من التمهيد (15)

غـيـر ان القراة بالنصب تستدعي الاستيعاب ، (16) لتعلق الفعل (امسحوا) بالممسوح بلا واسـطـة ، وحـيـث حددت الارجل بالكعبين كالأيدي بالمرفقين ، كان ظاهره ارادة استيعاب ما بين الـحـدين (من رؤوس الاصابع الى الكعبين ) ، الامر الذي يؤكد صحة قراة النصب وهي القراة التي جـرى عـليها المسلمون ، وهي المختارة حسب الضوابط التي قدمناها وعلى اى تقدير ، سواء اقرئ بـالخفض ام بالنصب ، فهو عطف على الرؤوس ، وليس عطفا على الايدي ، فلا موجب لإرادة الغسل في الارجل .

ومن ثم فظاهر الكتاب هو المسح كما نص عليه ائمة اهل البيت وعن مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) : ما نـزل الـقـرآن الا بـالمسح (17) وعن ابن عباس : ان في كتاب اللّه المسح ، ويأبى الناس الا الغسل (18)

وهذا استنكار على العامة في مخالفتهم لظاهر القرآن المتوافق مع قواعد الفن في الادب والاصول .

قال الشيخ محمد عبده : والظاهر انه عطف على الراس ، اي وامسحوا بارجلكم الى الكعبين .

قال : اختلف المسلمون في غسل الرجلين ومسحهما ، فالجماهير على ان الواجب هو الغسل ، والشيعة الامـامـيـة انـه المسح وذكر الرازي عن القفال ان هذا قول ابن عباس وانس بن مالك وعكرمة والشعبي وابي جعفر محمد بن علي الباقر قال : وعمدة الجمهور في هذا الباب عمل الصدر الاول ومـايـؤيده من الاحاديث القولية وقد اسهب المقال ونقل عن الطبري اختياره الجمع بين الامرين ثم اردفـه بكلام الالوسي وتحامله على الشيعة بما يوجد مثله في كتب اهل السنة في كلام يطول وان شئت فراجع (19)

الثاني ـ آية قصر الصلاة

مـن الايـات الـتـي وقعت موضع بحث وجدل من حيث دلالتها على المراد ، هل المقصود بيان صلاة الخوف فقط ام يعم صلاة المسافر ايضا فما وجه دلالتها؟.

ذهب المفسرون الى تعميم دلالتها استنادا الى فعل النبي (عليه السلام) والائمة وسائر المسلمين ، منذ العهد الاول كـانـوا يـقصرون من الصلاة استنادا الى هذه الاية الكريمة ، الواردة ـ بظاهرها ـ في صلاة الخوف فقط.

قـال تعالى : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ... } [النساء : 101-102] ظـاهـر الـعـبارة ، ان جملة الشرط (ان خفتم ) قيد في الموضوع ، يعني القصر في الصلاة ـ عند الضرب في الارض ـمشروط بوجود الخوف ومن ثم جاء شرح صلاة الخوف في الاية التالية لها.

والـفـتـنة ـ هناـ : الشدة والمحنة والبلاء ، اي خوف ان يفجعوكم بالقتل والنهب والاسر ، كما في قـولـه تـعالى : (على خوف من فرعون وملئهم ان يفتنهم ) ، وقوله : (واحذرهم ان يفتنوك ) ، و{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء : 73] اي يفجعوك ببلية وشدة ومصيبة .

قـال الطبرسي : ظاهر الاية يقتضى ان القصر لا يجوز الا عند الخوف لكنا قد علمنا جواز القصر عـند الامن ببيان النبي (صلى الله عليه واله) ويحتمل ان يكون ذكر الخوف في الاية قد خرج مخرج الاعم الاغلب عليهم في اسفارهم ، فانهم كانوا يخافون الاعداء في عامتها ومثلها في القرآن كثير (20)

قـال الـمـحـقق الفيض : قيل : كأنهم الفوا الاتمام وكان مظنة لان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في التقصير ، فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمئنوا اليه (21)

وروى ابو جعفر الصدوق باسناده الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم ، انهما قالا : قلنا للإمام ابي جعفر الباقر(عليه السلام) : ما تقول في الصلاة في السفر ، كيف هي ، وكم هي ؟.

فـقـال : ان اللّه عـز وجـل يـقـول : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء : 101] فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.

قـالا : قـلـنا : انما قال اللّه ـ عز وجل ـ : (فليس عليكم جناح ) ولم يقل : افعلوا ، فكيف اوجب ذلك كما اوجب التمام في الحضر؟.

فقال (عليه السلام) : او ليس قد قال اللّه ـ عز وجل ـ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة : 158] الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض ، لان اللّه ـعز وجل ـ ذكره في كتابه وصنعه نبيه (عليه السلام) ، وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وذكره اللّه تعالى ذكره في كتابه .

قالا : قلنا له : فمن صلى في السفر اربعا أيعيد ام لا؟.

قال : ان كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له ، فصلى اربعا اعاد ، وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه والصلاة كلها في السفر ، الفريضة ركعتان ، كل صلاة ، الا صلاة المغرب ، فإنها ثلاث ليس فيها تقصير ، تركها رسول اللّه (صلى الله عليه واله) في السفر والحضر ثلاث ركعات وقد سافر رسول اللّه (صلى الله عليه واله) الى ذي خشب (22) وهي مسيرة يوم من المدينة ، يكون اليها بريدان : اربعة وعشرون ميلا ، فقصر وافطر ، فصارت سنة ، وقد سمى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قوما صاموا حين افطر العصاة .

قال : فهم العصاة الى يوم القيامة ، وانا لنعرف ابناهم وابناء ابنائهم الى يومنا هذا (23) .

و هذا الحديث ـ على طوله ـ مشتمل على فوائد جمة :

اولا : عـدم مـنـافـاة بين وجوب التقصير في السفر ، وبين قوله تعالى في الاية الكريمة : (فليس عليكم جناح ) ، نظير نفي الجناح الوارد في السعي بين الصفا والمروة ، فانه واجب بلا شك .

وانما جاء هذا التعبير لدفع توهم الحظر ، حيث شعر المسلمون بان التكليف هو التمام ، كما في سائر العبادات ، لا تختلف سفرا وحضرا ، سوى الصوم والصلاة فدفعا لهذا الوهم نزلت الاية الكريمة .

ثانيا : ان الاية دلت على مشروعية القصر في السفر ، وقد فعله رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وفعله المسلمون ، وكذلك الائمة بعده ، ولم يتم احد منهم الصلاة في السفر فمقتضى قواعد علم الاصول ، عدم جواز الاتمام ، لان الصلاة عبادة ، وهي توقيفية ، ولم يعلم مشروعية التمام في السفر ، لا من الآية ولا من فعل الرسول وصحابته الاخيار فمقتضى القاعدة عدم الجواز.

لان الـشـك دائر بـيـن الـتـعـيـين والتخيير ، والشك في التكليف في مقام الامتثال ، يقتضي الاخذ بالاحتياط ، الذي هو القصر في الصلاة اذ يشك في مشروعية ما زاد على الركعتين ، ولا تصح عبادة مع الشك في مشروعيتها.

ثـالـثا : ان الامام (عليه السلام) لم يتعرض للخوف الذي جاء شرطا في الاية ، فكانه (عليه السلام) فهم انه موضوع آخر مستقل موضوع السفر وليس قيدا فيه فالخوف بذاته سبب مجوز للتقصير ، كما ان السفر ايضا سبب ، ولا ربط لاحدهما بالأخر.

فالآية وان كانت ظاهرة في القيد ، وان احدهما قيد للأخر ، لكن فعل الرسول (صلى الله عليه واله)و اصحابه وسـائر الائمـة ، دلـنا على هذا التفصيل ، وان كلا منهما موضوع مستقل لجواز القصر ، وهكذا فهم الامام (عليه السلام) وفهمه حجة علينا بالإضافة الى عمل الرسول (صلى الله عليه واله).

الثالث ـ آية الخمس

قال تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال : 41] . نـزلت هذه الاية بعد واقعة بدر ، حيث لم يخمس رسول اللّه (صلى الله عليه واله) غنائم بدر قال عبادة بن الصامت : فاستقبل رسول اللّه (صلى الله عليه واله) بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر (24) وهي عامة تـشـمل كل الغنائم الحربية عن ابن عباس ، قال : كان رسول اللّه (صلى الله عليه واله) ، اذا بعث سرية فغنموا ، خمس الغنمية (25)

ولـكن جاء في تفسير اهل البيت : شمول الاية لكل ما يغنمه الانسان في حياته من تجارة او صناعة او زراعـة فـكـل مـا ربـحـه الانـسـان في مكاسبه ، مما هو فاضل مؤونته ـ مؤونة نفسه وعياله ـ طول السنة ، ففيه الخمس (26)

هكذا ورد عن ائمة اهل البيت (عليه السلام) حيث اخذوا من لفظ (الغنيمة ) عمومها اللغوي الشامل لكل ربح وفائدة لان الغنم ، مطلق الفوز بالشيء ، كما قاله الخليل في العين فقوله : (ما غنمتم ) كان الموصول عاما يشمل كل ما فاز به الانسان من غنيمة او ربح او فائدة .

قـال الامام ابو جعفر محمد بن علي الجواد(عليه السلام) : (فأما الغنائم والفوائد ، فهي واجبة عليهم في كل عـام قـال اللّه تـعـالـى : (واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان للّه خمسه وللرسول ولذى القربى ) والـغنائم والفوائد ـ يرحمك اللّه ـ فهي الغنيمة يغنمها المر ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب ) (27)

وعـن الامـام ابـي الـحسن موسى (عليه السلام) ساله سماعة عن الخمس ، فقال : في كل ما افاد الناس من قليل او كثير (28)

قـال الـطـبرسي : قال اصحابنا : ان الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وارباح التجارات وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك قال : ويمكن ان يستدل على ذلك بهذه الاية ، فان في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم (الغنم ) و(الغنيمة ) (29)

و اما مستحق هذا الخمس ، فهم آل الرسول وذريته الاطيبون ان شاؤوا اخذوه وان شاؤوا تركوه للمعوزين من فقرا المسلمين ، او في وجوه البر وفي سبيل اللّه .

و قد سال نجدة الحروري عبد اللّه بن عباس عن ذوي القربى الذين يستحقون الخمس ، فقال : انا كنا نرى اناهم ، فأبى ذلك علينا قومنا فقال : لمن تراه ؟ فقال ابن عباس ، هو لقربى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قسمه لـهـم رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رايناه دون حقنا فرددناه عليه وابـينا ان نقبله وكان عرض عليهم ان يعين ناكحهم ، وان يقضي عن غارمهم ، وان يعطي فقيرهم ، وابى ان يزيدهم على ذلك .

واخـرج ابـن المنذر عن عبد الرحمان بن ابي ليلى ، قال : سالت عليا(عليه السلام) عن الخمس ، فقلت : يا امير الـمـؤمنين ، اخبرني كيف كان صنع ابي بكر وعمر في الخمس نصيبكم ؟ فقال : اما ابو بكر فلم تكن فـي ولايـتـه اخـمـاس وامـا عـمـر ، فلم يزل يدفعه الى في كل خمس حتى كان خمس السوس وجـند يسابور ، فقال ـ وانا عنده ـ : هذا نصيبكم اهل البيت من الخمس ، وقد احل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت : نعم فوثب العباس بن عبدالمطلب ، فقال : لا تعرض في الذي لنا ثم قال : فو اللّه ما قبضناه ولا قدرت عليه في ولاية عثمان .

وعـن زيـد بن ارقم ، قال : آل محمد(صلى الله عليه واله) الذين اعطوا الخمس ، آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل (30)

وفـي الصحيح عن الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام) قال : ذو القربى هم قرابة الرسول والـخـمس للّه وللرسول ولنا وفي حديث الرضا(عليه السلام) : فما كان للّه فلرسوله ، وما كان لرسول اللّه فهو للإمام (31)

والصحيح عندنا : ان الخمس كله للإمام ـ الذي هو ولى امر المسلمين ـ يضعه حيث يشأ ، نعم عليه ان يـعول منه فقراء بني هاشم من نصف الخمس ، فان احتاجوا زادهم من عند نفسه والمسالة محررة في الفقه ، على اختلاف في الاقوال .

الرابع ـ آية القطع

روى ابو النضر محمد بن مسعود العياشي باسناده الى زرقان صاحب ابن ابي داود قاضي القضاة ، قال : اتـي بـسارق الى محضر المعتصم وقد اقر على نفسه بالسرقة وسال الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه فجمع الخليفة لذلك الفقها وقد احضر محمد بن علي الجواد(عليه السلام) فسالهم عن موضع القطع .

فقال ابن ابي داود : من الكرسوع (طرف الزند) واستدل بآية التيمم ووافقه قوم وقال آخرون : من المرفق ، نظرا الى آية الوضوء.

فالتفت الخليفة الى الامام الجواد مستفهما رايه في ذلك ، فاستعفاه الامام لكنه اصر على معرفة رايه ، واقسم عليه بالله ان يخبره برايه .

فقال الامام : اما اذا اقسمت علي باللّه ، اني اقول : انهم اخطاوا فيه السنة ، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصابع ، فيترك الكف .

قال الخليفة : وما الحجة في ذلك ؟.

قـال الامـام : قـول رسـول اللّه (صلى الله عليه واله) : (السجود على سبعة اعضا ، الوجه واليدين والركبتين والـرجـلين ) فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق ، لم يبق له يد يسجد عليها وقد قال اللّه تعالى (و ان الـمـسـاجـد للّه )يـعـنـي بـه هـذه الاعـضاء السبعة التي يسجد عليها {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [الجن : 18] وما كان للّه لم يقطع .

فاعجب المعتصم ذلك وامر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف (32)

انـظـر الى هذه الالتفاتة الرقيقة التي تنبه لها الامام ولم يلتفت اليها سائر الفقها ، ذلك ان اليد في آية الـقـطـع وقـعـت مـجملة قد ابهم المراد منها ، فلا بد من تبيينها اما من السنة او الكتاب ذاته وقد التفت الامام (عليه السلام) لوجه التبيين الى السنة مدعمة بنص الكتاب فبين ان راحة الكف هي احدى المواضع السبعة التي يجب على المصلي ان يسجد عليها وذلك بنص الحديث الوارد عن الرسول (صلى الله عليه واله) وهذا كبيان الصغرى ثم اردفه ببيان الكبرى المستفادة من الاية الكريمة الشاملة بعمومها لكل مسجد ، سواء الـمـوضـع الذي يسجد فيه ، او العضو الذي يسجد عليه ، كل ذلك للّه وما كان للّه لا تشمله عقوبة الـحـد لان الـعـقوبة انما ترجع الى ما للعبد المذنب ، ولا تعود على ما كان للّه تعالى وهو استنباط ظريف جدا.

ومـمـا يستغرب في المقام ما ذكره الجزيري تعليلا بوجوب القطع من مفصل الكف ، اي الزند ، قال : لان الـسـرقـة تـقع بالكف مباشرة ، والساعد والعضد يحملان الكف ، والعقاب انما يقع على العضو المباشر للجريمة ولذلك تقطع اليمنى اولا ، لان التناول يكون بها في غالب الاحيان (33)

قلت : هذا التعليل يقتضي وجوب القطع من مفصل الاصابع ، كما عليه فقها الامامية وبه رواياتهم ، لان الاصابع هي التي تناوش المتاع المسروق ، والكف تحمل الاصابع .

وقد ذكر ابن حزم الاندلسي ان عليا(عليه السلام) كان يقطع الاصابع من اليد ونصف القدم من الرجل وكان عمر يقطع كل ذلك من المفصل واما الخوارج فراوا القطع من المرفق او المنكب (34).

الخامس ـ تحريم الخمر

لم ترد آية في المنع عن شرب الخمر ، بلفظ التحريم صريحا ، وانما هو امر بالاجتناب عنه او مما يـنـبـغـي الانـتـهـا منه ، مما هو ظاهر في الارشاد الى حكم العقل محضا الامر الذي قد يوهم انها غير محرمة في شريعة الاسلام ومن ثم سال المهدى العباسي الامام موسى بن جعفر(عليه السلام) عن ذلك ، قال : هل هي محرمة في كتاب اللّه عز وجل ؟ فان الناس انما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها.

فقال له الامام : بل هي محرمة في كتاب اللّه ، يا امير المؤمنين .

قال : في اى موضع هي محرمة في كتاب اللّه ، يا ابا الحسن ؟.

فـقال : في قول اللّه عز وجل : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف : 33] قـال (عليه السلام) : امـا مـا ظهر فهو الزنى المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية واما ما بطن فيعني ما نكح من الاباء ، كان الناس قبل البعثة اذا كان للرجل زوجة ومات عنها ، تزوجها ابنه من بعده اذا لم تكن امه .

قـال : وامـا الاثـم فإنها الخمرة بعينها وقد قال تعالى في موضع آخر : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة : 219]

فالتفت المهدى الى علي بن يقطين ـ وكان حاضر المجلس ومن وزرائه ـ وقال : يا على ، هذه واللّه فـتوى هاشمية مـنـكـم اهـل الـبـيـت فـمـا صـبـر الـمهدى ان قال : صدقت يا رافضي وكان يعرف منه الولاء لآل البيت (35)

وبهذه المقارنة الدقيقة بين آيتين قرآنيتين يعرف التحريم صريحا في كتاب اللّه الامر الذي اعجب المهدى العباسي واستعظم هذا التنبه الرقيق والذكاء المرهف الذي حظي به البيت الهاشمي الرفيع .

وهكذا روي عن الحسن تفسير (الاثم ) في الاية (بالخمر) (36)

قال العلامة المجلسي : المراد بالإثم ما يوجبه ، وحاصل الاستدلال انه تعالى حكم في تلك الاية بكون مـا يـوجـب الاثم محرما ، وحكم في الاية الاخرى بكون الخمر والميسر مما يوجب الاثم ، فثبت بمقتضاهما تحريمهما (37)

والكناية بالإثم عن الخمر ، لأنها ام الخبائث وراس كل اثم (38) ، كان قد شاع ذلك الوقت وقبله وتعارف استعماله انشد الاخفش :

شربت الاثم حتى ضل عقلي ـــــ كذاك الاثم تذهب بالعقول .

وقال آخر :

نهانا رسول اللّه ان نقرب الخنا ـــــ وان نشرب الاثم الذي يوجب الوزراء (39)

وايضا قال قائلهم في مجلس ابي العباس :

نشرب الاثم بالصواع جهارا ـــــ وترى المسك بيننا مستعارا (40)

وقـد صـرح الجوهري بوروده في اللغة ، قال : وقد تسمى الخمر اثما ثم انشد البيت الاول كذلك عدها الفيروزآبادي احد معانيه .

وامـا انـكـار جـماعة ان يكون الاثم اسما للخمر ، فهو انما يعني الاطلاق الحقيقي دون المجاز والاسـتـعـارة ، فكل معصية اثم ، غير ان الخمر لشدة تأثيمها سميت اثما ، لأنها راس المثم واصلها واسـاسها ، كما نبهنا والى هذا يرجع كلام ابن سيده ، قال : وعندي انه انما سماها اثما ، لان شربها اثم فهو من الاطلاق الشائع الدائر على الالسن ، وضعا ثانويا عرفيا بكثرة الاستعمال نعم ليس من الوضع اللغوي الاصل .

والـى هـذا الـمـعـنـى ايـضـا يـرجع انكار ابن الانباري ابي بكر النحوي ان يكون الاثم من اسماء الخمر (41) لا انكار استعماله فيها مجازا شائعا قال الزبيدي : وقد انكر ابن الانباري تسمية الـخـمر اثما ، وجعله من المجاز ، واطال في رد كونه حقيقة (42) قلت : وهو كذلك بالنظر الى اصل اللغة .

وانـكره ابن العربي راسا قال : (لا حجة فيما انشده الاخفش ، لانه لو قال : شربت الذنب او شربت الـوزر لـكـان كذلك ، ولم يوجب ان يكون الذنب او الورز اسما من اسماء الخمر ، كذلك الاثم قال : والذي اوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الادلة في المعاني ).

لـكـن الفارق ان العرب استعملت (الاثم ) في الخمر وتعارف استعماله في عرفهم ، حتى خص به على اثر الشياع اما (الذنب ) و(الوزر) فلم يتعارف استعمالهما في ذلك ولو تعارف لكان كذلك .

قال القرطبي ـ في رده ـ : انه مروى عن الحسن ، وذكره الجوهري مستشهدا بما انشده الاخفش ، وهكذا انشده الهروي في غريبيه ، على ان الخمر : الاثم قال : فلا يبعد ان يكون الاثم يقع على جميع المعاصي وعلى الخمر ايضا لغة ، فلا تناقض (43)

السادس ـ قتل المؤمن متعمدا

قال تعالى : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [الفاتحة : 93] هـذه الايـة دلت على ان قاتل المؤمن مخلد في النار ، ولا يخلد في النار الا الكافر الذي يموت على كـفـره ، لان الايـمـان مـهما كان فانه يستوجب المثوبة ، ولا بد ان تكون في نهاية المطاف ، على ما اسلفنا (44)

كـما انها صرحت بان اللّه قد غضب عليه ولعنه ولا يلعن اللّه المؤمن اطلاقا ، كما في الحديث عن الامام ابي جعفر(عليه السلام) (45).

ومن ثم وقعت اسئلة كثيرة من اصحاب الائمة بشان الاية الكريمة :

روى الـكـليني باسناده الى سماعة بن مهران ، سال ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن الاية فقال : (من قتل مؤمنا عـلى دينه فذلك المتعمد الذي قال اللّه عز وجل : واعد له عذابا عظيما) قال : فالرجل يقع بينه وبين الرجل شيء فيضربه بسيفه فيقتله ؟ قال : (ليس ذلك المتعمد الذي قال اللّه عز وجل).

وهكذا اسئلة اخرى من عبد اللّه بن بكير وعبد اللّه بن سنان وغيرهما بهذا الشأن (46)

فـقـد بين الامام (عليه السلام) ان من يقتل مؤمنا لإيمانه ، انما عمد الى محاربة اللّه ورسوله وابتغاء الفساد في الارض ، ولـيـس عـمـلـه لغرض شخصي يرتبط بذاته ، انما هو ارادة محق الايمان من على وجه الارض ولا شـك انـه كافر محارب للّه ورسوله ، ومخلد في النارـ ان مات على عقيدة الكفرـ وغضب اللّه عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما.

وهكذا سار مفسرو الشيعة على هدى الائمة في تفسير الاية (47)

امـا سـائر الـمفسرين ففسروه بقتل العمد الموجب للدية (48) ولم يبينوا وجه الخلود في النار والغضب واللعنة من اللّه .

السابع ـ الطلاق الثلاث

مـمـا وقـع الخلاف بين الفقهاء قديما ولا يزال هي مسالة الطلاق الثلاث بلفظ واحد ، فقد ذهب فقهاء الامامية الى انها طلاق واحد لعدم فصل الرجوع بينهن اما باقي الفقهاء فأقروها ثلاثا وكانت بائنة .

وقد عد ائمة اهل البيت (عليه السلام) ذلك مخالفا للكتاب والسنة ، قال تعالى : {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] وقال : {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [البقرة : 229، 230]

فـقد روى عبد اللّه بن جعفر باسناده الى صفوان الجمال عن ابي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ان رجلا قال لـه : اني طلقت امراتي ثلاثا في مجلس ؟ قال : ليس بشي ثم قال : اما تقرا كتاب اللّه : (يا ايها النبي اذا طـلـقـتـم الـنـسـاء فـطـلـقـوهن لعدتهن ) كلما خالف كتاب اللّه والسنة فهو يرد الى كتاب اللّه والسنة (49) .

وباسناده الى اسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سمعت الصادق (عليه السلام) يقول : طلق عبد اللّه بن عمر امراته ثلاثا ، فجعلها رسول اللّه (صلى الله عليه واله) واحدة ، ورده الى الكتاب والسنة (50) .

قـال الشيخ : معنى قوله تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ) : ان يطلقها وهي طاهر من غير جماع ويستوفى باقي الشروط (51) اي يكون الطلاق في حالة تمكنها ان تعتد عدتها.

فمعنى (لعدتهن ) : لقبل عدتهن وهكذا قرئ ايضا قال الشيخ : ولا خلاف انه اراد ذلك اي تفسيرا وتوضيحا للآية ـ وان لم تصح القراة به (52) .

وفـي سـنـن الـبـيهقي عن ابن عمر : قرا النبي ـ ص ـ (في قبل عدتهن ) وفي رواية : (لقبل عدتهن ) (52) .

وفي شواذ ابن خالويه : (فطلقوهن في قبل عدتهن ) عن النبي وابن عباس ومجاهد (54) .

قـال الـطبرسي : انه تفسير للقراة المشهورة : (فطلقوهن لعدتهن ) اي عند عدتهن ، ومثله قوله : (لا يجليها لوقتها)اي عند وقتها (55) .

فقال الزمخشري : فطلقوهن مستقبلات لعدتهن ، كقولك : اتيته ليلة بقيت من الشهر ، اي مستقبلا لها وفي قراة رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : (في قبل عدتهن ) (56) .

. قـال الـرازي : اللام ـ هنا ـ بمنزلة ((في )) ، نظير قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر : 2] والاية بهذا المعنى ، لان المعنى ، فطلقوهن في عدتهن ، اي في الزمان الذي يصلح لعدتهن (57).

قـال الـزمـخـشـري : الـلام فـي ((لأول الـحـشـر)) هي اللام في قوله تعالى : { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر : 24] وقولك : جئته لوقت كذا والمعنى : اخرج الذين كفروا عند اول الحشر ومـعنى ((اول الحشر)) : ان هذا اول حشرهم الى الشام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلا قط ، وهم اول من اخرج من اهل الكتاب من جزيرة العرب الى الشام او هذا اول حشرهم (58)

قـال ابـن المنيرـ في الهامش ـ : كانه يريد انها اللام التي تصحب التاريخ ، كقولك : كتبت لعام كذا وشهر كذا.

اذن فمعنى الاية الكريمة : فطلقوهن لمبدا عدتهن ، اي في زمان يمكن بد العدة منه .

والـطلاق ينقسم ـ في الشريعة ـ الى طلاق سنة وطلاق بدعة والاول ما كان مجتمعا للشرائط ، ففي المدخول بها : ان تكون في طهر غير مواقع فيه ، فتطلق تطليقة ثم تترك حتى تنقضي عدتها ، ثم يعقد عليها وتطلق ثانية على نفس الشرائط ، وهكذا في الثالثة وهذا من احسن طلاق السنة .

ويجوز ان يراجعها زوجها في عدتها ويطأها ثم يطلقها ، او يطلقها بعد الرجوع من غير وطء وهذا مـن الطلاق العدي كل هذا من الطلاق السني الجائز بالاتفاق ويقابله الطلاق البدعي ، وهو الطلاق غير المستجمع للشرائط.

قال الشيخ : الطلاق المحرم (البدعي ) هو ان يطلق مدخولا بها ، غير غائب عنها غيبة مخصوصة ، في حـال الـحـيـض ، او فـي طـهـر جامعها فيه فانه لا يقع عندنا (الامامية ) والعقد ثابت بحاله وقال جـمـيـع الفقها : انه يقع وان كان محظورا ، ذهب اليه ابو حنيفة واصحابه ، ومالك ، والاوزاعي ، والثوري ، والشافعي .

وقـال ـ ايضاـ : اذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا ، وقعت واحدة عند تكامل الشروط عند اكثر اصحابنا ، وفيهم من قال : لا يقع شيء اصلا وقال الشافعي : المستحب ان يطلقها طلقة ، فان طلقها ثنتين او ثـلاثـا فـي طهر لم يجامعها فيه ، دفعة او متفرقة ، كان ذلك مباحا غير محظور ، ووقع وبه قال احمد واسحاق وابو ثور.

و قال قوم : اذا طلقها في طهر واحد ثنتين او ثلاثا ، دفعة واحدة او متفرقة ، فعل محرما وعصى واثم وفي الفقهاء من قال بالحرمة الا انه يقع ، وهم ابو حنيفة واصحابه ومالك (59)

والخلاصة ان الشافعي واحمد لا يريان ذلك طلاق بدعة ، فيجيزان الطلاق الثلاث بلفظ واحد وان كان الثاني والثالث لغير عدة فانه جائز ونافذ ايضا.

اما ابو حنيفة ومالك فيريانه بدعة واثما ، لكنه يقع نافذا (60).

وعلى اي تقدير ، فالمذاهب الاربعة متفقة على وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد قال الجزيري : فاذا طـلـق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة ، بان قال لها : انت طالق ثلاثا ، لزمه ما نطق به من العدد ، في المذاهب الاربعة ، وهو راي الجمهور (61)

وهذا من جملة الموارد التي خالف الفقها صريح الكتاب ، لزعم انه وردت السنة به ، اما تأويلا لنص الايـة او نسخا لها فيما زعموا حاشا فقها الامامية ، لم يخالفوا الكتاب في شيء ، كما هم عملوا بالسنة الصحيحة الواردة عن طرق اهل البيت (ع ).

وقـد اصر ائمة اهل البيت على ان مثل هذا الطلاق (ثلاثا بلفظ واحد) مخالف لصريح الكتاب ، وما كان مخالفا للكتاب فهو باطل يجب ضربه عرض الجدار.

اذ قـولـه تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ) يشمل الطلاق الثاني والطلاق الثالث ، لم يقعا للعدة ، حيث كانت العدة عدة للطلقة الاولى فحسب .

قـال الامـام الصادق (ع ) لابن اشيم : ((اذا طلق الرجل امراته على غير طهر ولغير عدة كما قال اللّه عز وجل ، ثلاثا او واحدة فليس طلاقه بطلاق واذا طلق الرجل امراته ثلاثا وهي على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين فقد وقعت واحدة وبطلت الثنتان واذا طلق الرجل امراته ثلاثا على العدة كما امر اللّه عز وجل فقد بانت منه ولاتحل له حتى تنكح زوجا غيره )) (62)

اذن فالطلقة الثانية وكذا الثالثة ، لم تقع للعدة حسبما ذكره اللّه تعالى في كتابه ، ومن ثم وقع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ، موضع انكار رسول اللّه (صلى الله عليه واله) في الجرأة على مخالفة صريح الكتاب :

اخـرج الـنسائي من طريق مخرمة عن ابيه بكير بن الاشج ، قال : سمعت محمود بن لبيد قال : اخبر رسول اللّه (صلى الله عليه واله) عن رجل طلق امراته ثلاث تطليقات جميعا ، فقام غضبان ، ثم قال : ا يلعب بكتاب اللّه وانا بين اظهركم : حتى قام رجل وقال : يا رسول اللّه ، الا اقتله ؟ (63).

وذكـر الـشـارح الـمـراد بـه قـوله تعالى : {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ * ......وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } [البقرة : 229-231] فـان مـعـنـاه : الـتطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع ، والارسـال مـرة واحـدة ولـم يـرد بـالـمـرتـيـن الـتـثنية ومثله قوله تعالى : {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك : 4] اي كـرة بـعـد كـرة ، لا كـرتـيـن اثـنـتـيـن ومـعـنى قوله : {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة : 229] تخيير لهم ـ بعد ان علمهم كيف يطلقون ـ بين ان يمسكوا النساء بحسن العشرة ـ وهـو الرجوع اليها ـ وبين ان يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم والحكمة في التفريق ما يـشـيـر الـيـه قـوله تعالى : { لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [الطلاق : 1] اي قد يقلب اللّه تعالى قلب الزوج بعد الطلاق ، من بغضها الى محبتها (64)

وهكذا روى اصحاب السنن : ان ركانة طلق امراته ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها وندم ، فاتى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وذكر ندمه وحزنه الشديد على ذلك ، فساله رسول اللّه : كيف طلقتها ثلاثا؟ قال : في مجلس واحد وفـي حـديث ابن عباس : ان عبد يزيد طلق زوجته وتزوج باخرى ، فاتت النبي (صلى الله عليه واله) فشكت اليه فقال النبي لعبد يزيد : راجعها ، فقال : اني طلقتها ثلاثا يا رسول الل ه قال : قد علمت ، راجعها ، وتلا : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق : 1] (65)قال ابو داود : ان ركانة طلق امراته البتة (اي الثلاث البائن ) فجعلها النبي (صلى الله عليه واله)واحدة .

ومـعـنـى ذلـك : ان الـثلاث بلفظ واحد ـ من غير مراجعة بينهن ـ تكون الواحدة منهن للعدة ، دون مجموع الثلاث .

فـتـلاوة الـنـبي (صلى الله عليه واله) للآية تلميح الى عدم وقوع الثلاث جميعا للعدة سوى واحدة ، ومن ثم كانت رجعية وليست بائنة .

و مـن غـريـب الامر ان جمهور الفقها ، مع علمهم بان الثلاث بلفظ واحد مخالف للكتاب والسنة اما الـكتاب فلما عرفت ، واما السنة فلما رواه مسلم في الصحيح باسناده الى ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الـخـطـاب : ان الـنـاس قـد اسـتـعـجلوا في امر قد كانت لهم فيه اناة ، فلو امضيناه عليهم : فأمضاه عليهم (66)

نـرى الـفـقـهـا مع علمهم بذلك ، فانهم تبعوا سنة عمر ، وتركوا صريح الكتاب وسنة الرسول والصحابة المرضيين .

يـقول الجزيري : ان الائمة سلموا جميعا بان الحال في عهد النبي (صلى الله عليه واله) كان كذلك ، ولم يطعن احد مـنهم في حديث مسلم وكل ما احتجوا به : ان عمل عمر وموافقة الاكثرين له مبنى على ان الحكم كـان مـؤقـتا ، فنسخه عمر بحديث لم يذكره لنا والدليل على ذلك الاجماع قال : ولكن الواقع انه لم يـوجـد اجـماع ، فقد خالفهم كثير من المسلمين ومما لا شك فيه ان ابن عباس من المجتهدين المعول عليهم في الدين ، فتقليده جائز ، ولا يجب تقليد عمر فيما رآه قال : ولعله كان تحذيرا للناس من ايقاع الـطـلاق على وجه مغاير للسنة ، فان السنة ان تطلق المرأة في اوقات مختلفة ، فاذا تجرا احد على تطليقها دفعة واحدة فقد خالف السنة ، وجزاؤه ان يعامل بقوله زجرا له (67)

ونـاقـش ابن حزم الاندلسي فيما اخرجه النسائي عن طريق مخرمة عن ابيه بكير بن عبد اللّه بن الاشـج انـه سمع محمود بن لبيد الخ بان خبر محمود مرسل لا حجة فيه وان مخرمة لم يسمع من ابيه شيئا.

و كـذا نـاقـش فـيـمـا اخرجه مسلم عن طريق محمد بن رافع باسناده الى ابن عباس ، بجهالة ابن رافع هذا (68)

امـا مـحمود بن لبيد فزعموا انه لم تصح له رؤية ولا سماع من النبي لانه كان طفلا لم يبلغ الحلم يومذاك .

لكن ذكر الواقدي : وغيره انه مات سنة ست وتسعين ، وهو ابن تسع وتسعين سنة ، قال ابن حجر : عـلـى هـذا يـكـون لـه يوم مات النبي ثلاث عشرة سنة ، وهذا يقوي قول من اثبت الصحبة ، وهو قـول الـبـخـاري ومن ثم قال ابن عبد البر : قول البخاري اولى ، يعني في اثبات الصحبة وهو الذي روى ان الـنـبي (صلى الله عليه واله )اسرع يوم مات سعد بن معاذ حتى تقطعت نعالنا قال الترمذي : رأي النبي وهو غلام صغير (69)

قلت : لا يقل هذا عن ابن عباس الذي كان يوم مات النبي ابن ثلاث عشرة سنة ايضا.

امـا عـدم سـماع مخرمة من ابيه فليس يضره ، بعد ان كان يروي من كتاب ابيه قال ابو طالب : سالت احمد عنه ، قال : ثقة ولم يسمع من ابيه انما يروي من كتاب ابيه وقال مالك : حدثني مخرمة بن بكير وكـان رجـلا صـالـحـا قـال ابـو حاتم : سالت اسماعيل بن ابي اويس ، قلت : هذا الذي يقول مالك بن انس : حدثني الثقة ، من هو ؟قال مخرمة بن بكير بن الاشج وقال الميموني عن احمد : اخذ مالك كتاب مـخرمة فنظر فيه ، فكل شيء يقول فيه : بلغني عن سليمان بن يسار ، فهو من كتاب مخرمة ، يعني عن ابيه عن سليمان (70)

واما المناقشة في اسناد مسلم بجهالة ابن رافع ولا حجة في مجهول فيدفعها ان مسلما رواه من طريق اسحاق بن ابراهيم ومحمد بن رافع ، جميعا عن عبد الرزاق .

امـا محمد بن رافع فقد وثقه الائمة كلمة واحدة قال البخاري : حدثنا محمد ابن رافع بن سابور ، وكـان مـن خـيـار عباد اللّه وقال النسائي حدثنا محمد بن رافع الثقة المأمون وقال ابو زرعة : شيخ صدوق وقال الحاكم : هو شيخ ‌عصره بخراسان في الصدق والرحلة (71)

وهـكذا اسحاق بن ابراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه المروزي ، هو احد الائمة المرموقين بـخراسان ممن قل نظيره قال ابو زرعة : ما رؤي احفظ من اسحاق وقال احمد : لم يعبر الجسر الى خراسان مثله قال : لا اعرف له بالعراق نظيرا (72)

فقد صح قول الجزيري : لم يطعن احد في حديث مسلم حيث كان طعن ابن حزم موهونا الى حد بعيد .

وبـعـد فـمـمـا يبعث على الاعتزاز ، ذلك موقف فقها الامامية جنبا الى جنب من صراحة الكتاب والـصـحـيـح مـن سـنة الرسول (صلى الله عليه واله ) حتى وان خالفهم الجمهور وهذا من بركات تعاليم ائمة اهل البيت (عليه السلام ) الثابتين على صلب الشريعة والحافظين لناموس الدين ، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم .
_______________________________

1- الكافي الشريف ، ج3 ، ص 30 رقم 4 والاية من سورة المائدة .

2- قال ابن مالك : علامة الفعل المعدي ان تصل ها غير مصدر به نحو عمل .

3- تفسير المنار ، ج6 ، ص 226 ـ 227.

4 احكام القرآن للشافعي ، جمع وترتيب ابي بكر البيهقي صاحب السنن ، ج1 ، ص 44.

5الام للشافعي ، ج1 ، ص 41.

6- هـو ابـراهـيـم بـن يـزيـد النخعي الكوفي الفقيه ، كان مفتي اهل الكوفة ، قال ابن حجر : كان رجلا صالحا فقيها متوقيا قليل التكلف ، مات سنة (96) وهو مختف من الحجاج (تهذيب التهذيب ، ج1 ، ص 177).

7- احكام القرآن لابي بكر الجصاص ، ج2 ، ص 341.

8- التفسير الكبير ، ج11 ، ص 160.

9- راجع : الفقه على المذاهب الاربعة للجزيري ، ج1 ، ص 60ـ 61.

10- زعما بان المطلوب هو بل بعض الراس بالماء بأي سبب كان حتى وان لم يصدق عليه المسح الشريعة .

11- راجع : الفقه على المذاهب ، ج1 ، ص 56 و58 و61.

12-المصدر ، ص 161.

13- تفسير القرطبي ، ج6 ، ص 87.

14-الاستبصار ، ج1 ، ص 64 رقم 189/1.

15-التمهيد ، ج2 ، ص 159 و232.

16- اي الاستيعاب طولا من رؤوس الاصابع الى الكعبين فقد روى الكليني باسناده الصحيح الى احـمـد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن الامام ابي الحسن الرضا(ع ) قال : سالته عن المسح على الـقـدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم فقلت : لو ان رجلا قال بأصبعين من اصابعه هكذا؟ قال : لا الا بكفه (الكافي الشريف ، ج3 ، ص 30 رقم 6). امـا ما ورد من الاجتزاء بثلاثة اصابع (ان المسح على بعضها ـ المصدر رقم 4) فهو ناظر الى جانب العرض .

17- راجع : الوسائل للحر العاملي ، ج1 ، ص 295 رقم 1095/ 8.

18- المصدر رقم 7.

19- تفسير المنار ، ج6 ، ص 227 ـ 235.

20- مجمع البيان ، ج3 ، ص 101.

21- تفسير الصافي ، ج1 ، ص 388 ـ 389.

22- قال ياقوت الحموي : بضم اوله وثانيه ، واد على مسيرة ليلة من المدينة معجم البلدان ، ج2 ، ص 372.

23- من لا يحضره الفقيه ، ج1 ، ص 278 ـ 279 رقم 1266.

24- الدر المنثور ، ج3 ، ص 187 والطبري ، ج10 ، ص 3.

25- المصدر نفسه ، ص 185.

26- راجع : الوسائل ، ج6 ، ص 349.

27- الوسائل ، ج6 ، ص 349 رقم 5 / 12586.

28- المصدر نفسه ، ص 350 رقم 6.

29- مجمع البيان ، ج4 ، ص 544.

30- الدر المنثور ، ج3 ، ص 186.

31-الوسائل ، ج6 ، ص 357.

32- تـفـسـيـر الـعـيـاشي ، ج1 ، ص 319 ـ 320 وراجع : الوسائل ، ج18 باب 4 حد القطع ، ص 489ـ 491 والاية من سورة المائدة / 38.

33- الفقه على المذاهب ، ج5 ، ص 159.

34- المحلى ، ج11 ، ص 357 رقم 2284.

35- الكافي الشريف ، ج6 ، ص 406.

36-مجمع البيان للطبرسي ، ج4 ، ص 414.

37-مرآة العقول بشرح الكافي ، ج22 ، ص 264.

38- اخـرج الـكـلـيني باسناده الى ابي عبد اللّه ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله ) (ان الخمر راس كل اثم ) (الكافي الشريف ، ج6 ، ص 403).

39- مجمع البيان ، ج4 ، ص 414. والخنا : الفحش من الكلام واستعير لكل امر قبيح وقد كنى بالإثم عن الخمر فإنها ، اذ لوكان بمعنى الوزر لم يكن يوجب الوزر ، ولم يصح تعلق الشرب به .

40- ذكره ابن سيده (ابن منظورـ لسان العرب ). والصواع : انا يشرب فيه ومستعار : متداول ، اي نتعاوره بأيدينا نشتمه .

41- لسان العرب لابن منظور ، ج12 ، ص 7.

42- تاج العروس بشرح القاموس ، ج8 ، ص 179.

43- تفسير القرطبي ، ج7 ، ص 201.

44- فـي الـجـز الـثـالـث مـن الـتـمهيد ، ص 408 ـ409 والجز الثاني ، بحث المنسوخات رقم52 /21 ، ص 339.

45- فـي حـديث طويل رواه الكليني في الكافي الشريف ، ج2 ، ص 31 والوسائل ، ج19 ، ص 10 رقم 2.

46- الـكـافـي الـشريف ، ج7 ، ص 275 ـ 276 وراجع : تفسير العياشي ، ج1 ، ص 267 رقم 236.

47- راجـع : الـتـبـيـان لـلـطوسي ، ج3 ، ص 295 ومجمع البيان للطبرسي ، ج3 ، ص 93 والـصـافـي للكاشاني ، ج 1 ، ص 382 والميزان للطباطبائي ، ج5 ، ص 42 وكنز الدقائق للمشهدي ، ج2 ، ص 576 والعياشي ج 1 ، ص 267.

48- راجـع : الـرازي ، ج10 ، ص 237 والـقـرطـبـي ، ج5 ، ص 329 وابـن كـثـير ، ج1 ، ص 536والمنار ، ج5 ، ص 339.

49- قرب الاسناد للحميري ، ص 30 الوسائل ، ج15 ، ص 317 رقم 25.

50- قرب الاسناد ، ص 60 والوسائل رقم 26.

51- تفسير التبيان ، ج10 ، ص 29 ـ 30.

52- كتاب الخلاف ، ج2 ، ص 224 كتاب الطلاق .

53- السنن الكبرى ، ج7 ، ص 327.

54- الشواذ لابن خالويه ، ص 158.

55- مجمع البيان ، ج10 ، ص 302 ـ 303.

56- الكشاف ، ج4 ، ص 552.

57- التفسير الكبير ، ج30 ، ص 30.

58- الكشاف ، ج4 ، ص 499.

59- راجع : الخلاف ، ج2 ، ص 224 م 2 وص 226 م 3.

60- راجع : صحيح النسائي ، ج6 ، ص 116 الهامش .

61-الفقه على المذاهب الاربعة ، ج4 ، ص 341. لـكـن فـي كـتاب مسائل الامام احمد بن حنبل الذي جمعه ابو داود السجستاني صاحب السنن (ص 169) : ان ابا داود قال : سمعت احمد ، سئل عن الرجل يطلق امراته ثلاثا بكلمة واحدة ، فلم ير ذلك لـكنه في موضع آخر (ص 173) في البكر تطلق ثلاثا ، قال : هي ثلاث لاتحل له حتى تنكح زوجا غيره .

62- وسائل الشيعة للحر العاملي ، ج15 ، ص 319 رقم 28.

63- سنن النسائي ، ج6 ، ص 116و راجع : ابن جزم ، المحلى ، ج10 ، ص 167.

64- هامش النسائي ، ج6 ، ص 116 ، الطلاق / 1.

65- سنن البيهقي ، ج7 ، ص 339.

66- صحيح مسلم ، ج4 ، ص 183.

67- الفقه على المذاهب ، ج4 ، ص 341 ـ 342.

68- المحلى ، ج10 ، ص 168.

69- تهذيب التهذيب ، ج10 ، ص 65 ـ 66.

70- المصدر نفسه ، ص 70.

71- تهذيب التهذيب ، ج9 ، ص 161.

72- المصدر ، ج1 ، ص 217 و218.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي