تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الاية (26) من سورة البقرة
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .......
11-2-2017
11751
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة : 26] .
{ إن الله لا يستحيي} أي لا يدع و قيل لا يمتنع لأن أحدنا إذا استحيى من شيء تركه و امتنع منه و معناه أن الله لا يدع ضرب المثل بالأشياء الحقيرة لحقارتها إذا رأى الصلاح في ضرب المثل بها و قيل معناه هو أن الذي يستحيي منه ما يكون قبيحا في نفسه و يكون لفاعله عيب في فعله فأخبر الله تعالى أن ضرب المثل ليس بقبيح و لا عيب حتى يستحيي منه و قيل معناه أنه لا يخشى أن يضرب مثلا كما قال {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } [الأحزاب : 37] أي تستحيي الناس و الله أحق أن تستحييه فالاستحياء بمعنى الخشية هنا كما أن الخشية بمعنى الاستحياء هناك و أصل الاستحياء الانقباض عن الشيء و الامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح و قال علي بن عيسى معناه أنه ليس في ضرب المثل بالحقير للحقير عيب يستحيي منه فكأنه قال لا يحل ضرب المثل بالبعوض محل ما يستحيي منه فوضع قوله { إن الله لا يستحيي} موضعه و قوله { ما بعوضة فما فوقها} أي ما هو أعظم منها عن قتادة و ابن جريج و قيل فما فوقها في الصغر و القلة لأن الغرض هاهنا الصغر و قال الربيع بن أنس أن البعوضة تحيى ما جاعت فإذا سمنت ماتت فكذلك القوم الذين ضرب لهم هذا المثل إذا امتلئوا من الدنيا ريا أخذهم الله عند ذلك ثم تلا {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } [الأنعام : 44] و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره و زيادة عضوين آخرين فأراد الله تعالى أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه و عجيب صنعه و قد استشهد على استحسان ضرب المثل بالشيء الحقير في كلام العرب بقول الفرزدق :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها *** وقضى عليك به الكتاب المنزل
و بقوله أيضا
و هل شيء يكون أذل بيتا *** من اليربوع يحتفر الترابا
و قوله {فأما الذين آمنوا } أي صدقوا محمدا و القرآن و قبلوا الإسلام {فيعلمون أنه الحق من ربهم } مدحهم الله تعالى بأنهم تدبروا حتى علموا أنه من ربهم و أن المثل وقع في حقه {وأما الذين كفروا} بالقرآن { فيقولون} أي فلإعراضهم عن طريق الاستدلال و إنكارهم الحق قالوا {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة : 26] أي ما ذا أراد الله بهذا المثل فحذف الألف و اللام و قوله { يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا} فيه وجهان ( أحدهما ) حكي عن الفراء أنه قال أنه حكاية عمن قال ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا أي يضل به قوم و يهتدي به قوم ثم قال الله تعالى {وما يضل به إلا الفاسقين} فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا وهذا وجه حسن و الآخر أنه كلامه تعالى ابتداء و كلاهما محتمل و إذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله { يضل به كثيرا} إن الكفار يكذبون به و ينكرونه و يقولون ليس هو من عند الله فيضلون بسببه و إذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه و قوله { ويهدي به كثيرا } يعني الذين آمنوا به و صدقوه و قالوا هذا في موضعه فلما حصلت الهداية بسببه أضيف إليه فمعنى الإضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال و ذلك بأن ضرب لهم الأمثال لأن المحنة إذا اشتدت على الممتحن فضل عندها سميت إضلالا و إذا سهلت فاهتدى سميت هداية فالمعنى إن الله تعالى يمتحن بهذه الأمثال عباده فيضل بها قوم كثير و يهتدي بها قوم كثير و مثله قوله {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم : 36] أي ضلوا عندها و هذا كما يقال للرجل إذا أدخل الفضة النار لينظر فسادها من صلاحها فظهر فسادها أفسدت فضتك و هو لم يفعل فيها الفساد و إنما يراد أن فسادها ظهر عند محنته و قريب من ذلك قولهم فلان أضل ناقته و لا يريدون أنه أراد أن يضل و إنما يريدون ضلت منه لا من غيره و قولهم أفسدت فلانة فلانا و أذهبت عقله و هي ربما لم تعرفه و لكن لما ذهب عقله و فسد من أجلها أضيف الفساد إليها و قد يكون الإضلال بمعنى التخلية على جهة العقوبة و ترك المنع بالقهر و منع الألطاف التي يفعل بالمؤمنين جزاء على إيمانهم و هذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه أفسدت سيفك أريد به أنك لم تحدث فيه الإصلاح في كل وقت بالصقل و الإحداد و قد يكون الإضلال بمعنى التسمية بالضلال و الحكم به كما يقال أضله إذا نسبه إلى الضلال و أكفره إذا نسبه إلى الكفر قال الكميت :
فطائفة قد أكفروني بحبكم *** وطائفة قالوا مسيء و مذنب
وقد يكون الإضلال بمعنى الإهلاك و العذاب و التدمير و منه قوله تعالى { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر : 47 ، 48] و منه قوله تعالى {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة : 10] أي هلكنا و قوله {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 4] أي لن يبطل سيهديهم و يصلح بالهم فعلى هذا يكون المعنى أن الله تعالى يهلك و يعذب بالكفر به كثيرا بأن يضلهم عن الثواب و طريق الجنة بسببه فيهلكوا و يهدي إلى الثواب و طريق الجنة بالإيمان به كثيرا عن أبي علي الجبائي و يدل على ذلك قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } لأنه لا يخلو من أن يكون أراد به العقوبة على التكذيب كما قلناه أو يكون أراد به التحيير و التشكيك فإن أراد الحيرة فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة التي بها صاروا فساقا من فعله إلا إذا وجدت حيرة قبلها أيضا و هذا يوجب وجود ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة لا إلى أول أو ثبوت إضلال لا إضلال قبله و إذا كان ذلك من فعله فقد أضل من لم يكن فاسقا و هو خلاف قوله { وما يضل به إلا الفاسقين} و على هذا الوجه فيجوز أن يكون حكم الله تعالى عليهم بالكفر و براءته منهم و لعنته عليهم إهلاكا لهم و يكون إهلاكه إضلالا و كل ما في القرآن من الإضلال المنسوب إلى الله تعالى فهو بمعنى ما ذكرناه من الوجوه و لا يجوز أن يضاف إلى الله تعالى الإضلال الذي أضافه إلى الشيطان و إلى فرعون و السامري بقوله و لقد أضل منكم جبلا كثيرا و قوله {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ } [طه : 79] و قوله {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } [طه : 85] و هو أن يكون بمعنى التلبيس و التغليط و التشكيك و الإيقاع في الفساد و الضلال و غير ذلك مما يؤدي إلى التظليم و التجويز على ما يذهب إليه المجبرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
____________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص 135-137 .
الحياء :
إذا نسب الحياء إلى الإنسان فمعناه تغير حاله الطبيعية إلى حال أخرى ، لسبب من الأسباب ، وحياء الإنسان حسن وقبيح ، والحسن منه أن يستحي المرء من فعل القبائح والرذائل ، ولذا يقال لمن يفعلها دون مبالاة : إذا لم تستح فاصنع ما شئت . . وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : لا حياء لمن لا إيمان له .
أما القبيح من هذا الحياء فهو أن يترك المرء فعل ما ينبغي فعله تخوفا وتهيبا ، كالاستحياء من التعلم وطلب المعرفة ، وما إلى ذاك ، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) :
قرنت الهيبة بالخيبة ، والحياء بالحرمان ، والفرص تمر مر السحاب . . وقديما قيل : لا حياء في الدين .
هذا إذا نسب الحياء إلى الإنسان ، أما إذا نسب إليه سبحانه فيراد به ترك الفعل ، ومن ذلك ما جاء في الأخبار : ان اللَّه يستحي من الشيخ الكبير ، أي يترك عذابه وعقابه .
ومحصل معنى الاية ان اللَّه لا يترك ضرب الأمثال بما يراه الجهلة والسفلة حقيرا كالعنكبوت والذباب والبعوضة ، وغيرها ، لأن اللَّه خالق كل شيء ، ورب كل شيء ، يستوي لديه جناح البعوضة ، والكون بكامله . . هذا ، إلى ان ضرب الأمثال موجود في جميع اللغات ، والغاية منه جلاء الأفكار المجردة
بمقارنتها بشيء محسوس ، فكل ما يحقق هذه الغاية يصح جعله مثلا ، صغيرا كان أو كبيرا ، وبه تتم الحجة على كل من خالف وعاند .
وقد امتحن اللَّه الناس بهذه الأمثال كما امتحنهم وابتلاهم بغيرها من الدلائل والآيات ، فعمل بها كثير ، وأعرض عنها كثير ، والذين عملوا بها هم الطيبون المؤمنون ، والذين أعرضوا هم الفاسقون الضالون ، وصحت إضافة الهداية والضلال إليه سبحانه بالنظر إلى أنه هو الذي ضرب الأمثال التي كانت رحمة على من اتعظ بها ، ونقمة على من لم يتعظ .
ومن المفيد ان نقدم مثالا لتوضيح هذه الفكرة : عالم ارتفع به علمه إلى أعلى المناصب ، فحسده من حسده ، حتى بلغ الحسد منه مبلغا أودى بجسمه وعقله - ملحوظة قال أمير المؤمنين : صحة الجسد من قلة الحسد - فيصح أن نقول تجوزا : العالم هو الذي أدّى بالحاسد إلى هذه النتيجة السيئة ، تماما كما تقول : أفسدت فلانة الحسناء فلانا ، وأذهبت عقله ، وربما لم تكن تعرف عنه شيئا ولكن لما فسد عقله من أجلها أضيف الفساد إليها ، وبهذا الاعتبار ساغت نسبة الضلال إلى اللَّه مجازا ، لأنه هو الذي أبان الحجة الدامغة وأعلنها ، وترتب على اعلانها مخالفة المبطل وضلاله ، ولو سكت اللَّه عن بيان الحجة لانتفى موضوع الطاعة والعصيان ، ولم يكن هناك ضال ومهتد .
وقد وصف اللَّه من لا يتعظ بالأمثال ، وصفه بالفسق ، ونقض العهد ، وقطع ما أمر اللَّه بصلته من متابعة الأخيار ، وملازمة الجماعة ، وغير ذلك مما فيه التعاطف والتعاون على الخير .
_____________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص69-72 .
قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} ، البعوضة الحيوان المعروف و هو من أصغر الحيوانات المحسوسة و هذه الآية و التي بعدها نظيرة ما في سورة الرعد " {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد : 19 - 21] .
وكيف كان فالآية تشهد على أن من الضلال و العمى ما يلحق الإنسان عقيب أعماله السيئة غير الضلال و العمى الذي له في نفسه و من نفسه حيث يقول تعالى : {وما يضل به إلا الفاسقين} ، فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدما عليه هذا .
ثم إن الهداية و الإضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة و الخذلان التي ترد منه تعالى على عباده السعداء و الأشقياء ، فإن الله تعالى وصف في كلامه حال السعداء من عباده بأنه يحييهم حياة طيبة ، و يؤيدهم بروح الإيمان ، و يخرجهم من الظلمات إلى النور و يجعل لهم نورا يمشون به ، و هو وليهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، و هو معهم يستجيب لهم إذا دعوه و يذكرهم إذا ذكروه ، و الملائكة تنزل عليهم بالبشرى و السلام إلى غير ذلك .
ووصف حال الأشقياء من عباده بأنه يضلهم و يخرجهم من النور إلى الظلمات و يختم على قلوبهم ، و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة ، و يطمس وجوههم على أدبارهم و يجعل في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ، و يجعل من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فيغشيهم فهم لا يبصرون ، و يقيض لهم شياطين قرناء يضلونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون ، و يزينون لهم أعمالهم ، و هم أولياؤهم ، و يستدرجهم الله من حيث لا يشعرون ، و يملي لهم إن كيده متين ، و يمكر بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون .
فهذه نبذة مما ذكره سبحانه من حال الفريقين و ظاهرها أن للإنسان في الدنيا وراء الحياة التي يعيش بها فيها حياة أخرى سعيدة أو شقية ذات أصول و أعراق يعيش بها فيها ، و سيطلع و يقف عليها عند انقطاع الأسباب و ارتفاع الحجاب ، و يظهر من كلامه تعالى أيضا أن للإنسان حياة أخرى سابقة على حياته الدنيا يحذوها فيها كما يحذو حذو حياته الدنيا فيما يتلوها .
و بعبارة أخرى إن للإنسان حياة قبل هذه الحياة الدنيا و حياة بعدها ، و الحياة الثالثة تتبع حكم الثانية و الثانية حكم الأولى ، فالإنسان و هو في الدنيا واقع بين حياتين : سابقة و لاحقة ، فهذا هو الذي يقضي به ظاهر القرآن .
لكن الجمهور من المفسرين حملوا القسم الأول من الآيات و هي الواصفة للحياة السابقة على ضرب من لسان الحال و اقتضاء الاستعداد ، و القسم الثاني منها و هي الواصفة للحياة اللاحقة على ضروب المجاز و الاستعارة هذا ، إلا أن ظواهر كثير من الآيات يدفع ذلك .
أما القسم الأول و هي آيات الذر و الميثاق فستأتي في مواردها ، و أما القسم الثاني فكثير من الآيات دالة على أن الجزاء يوم الجزاء بنفس الأعمال و عينها كقوله تعالى : { لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [التحريم : 7] ، و قوله تعالى : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} [البقرة : 281] ، و قوله تعالى : {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [البقرة : 24] ، و قوله تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [العلق : 17 ، 18] ، و قوله تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران : 30] ، و قوله تعالى : {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة : 174] ، و قوله : {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء : 10] ، إلى غير ذلك من الآيات .
و لعمري لو لم يكن في كتاب الله تعالى إلا قوله : " {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق : 22] ، لكان فيه كفاية إذ الغفلة لا تكون إلا عن معلوم حاضر ، و كشف الغطاء لا يستقيم إلا عن مغطى موجود فلو لم يكن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجودا حاضرا من قبل لما كان يصح أن يقال للإنسان إن هذه أمور كانت مغفولة لك ، مستورة عنك فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء ، مزالة منها الغفلة .
و لعمري إنك لو سألت نفسك أن تهديك إلى بيان يفي بهذه المعاني حقيقة من غير مجاز لما أجابتك إلا بنفس هذه البيانات و الأوصاف التي نزل بها القرآن الكريم .
و محصل الكلام أن كلامه تعالى موضوع على وجهين : أحدهما : وجه المجازاة بالثواب و العقاب ، و عليه عدد جم من الآيات ، تفيد : أن ما سيستقبل الإنسان من خير أو شر كجنة أو نار إنما هو جزاء لما عمله في الدنيا من العمل .
و ثانيهما : وجه تجسم الأعمال و عليه عدة أخرى من الآيات ، و هي تدل على أن الأعمال تهيئ بأنفسها أو باستلزامها و تأثيرها أمورا مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيرا أو شرا هي التي سيطلع عليه الإنسان يوم يكشف عن ساق .
و إياك أن تتوهم أن الوجهين متنافيان فإن الحقائق إنما تقرب إلى الأفهام بالأمثال المضروبة ، كما ينص على ذلك القرآن .
و قوله تعالى : {إلا الفاسقين} ، الفسق كما قيل من الألفاظ التي أبدع القرآن استعمالها في معناها المعروف ، مأخوذ من فسقت التمرة إذا خرجت عن قشرها و جلدها و لذلك فسر بعده بقوله تعالى : " {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } [البقرة : 27] " الآية .
___________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص80-82 .
هل الله يضرب المثل ؟!
الفقرة الاُولى من الآية تقول : {إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها} .
ذلك لأن المثال يجب أن ينسجم مع المقصود ، بعبارة اُخرى ، المثال وسيلة لتجسيد الحقيقة حين يقصد المتحدث بيان ضعف المدّعي وتحقيره فإنّ بلاغة الحديث تستوجب انتخاب موجود ضعيف للتمثيل به ، كيما يتضح ضعف أُولئك .
في الآية (73) من سورة الحج مثلا يقول سبحانه : {اِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} .
يلاحظ في هذا المثال أن الذباب وأمثاله أحسن وسيلة لتجسيد ضعف هؤلاء .
وهكذا في الآية (41) من سورة العنكبوت ، حين يريد القرآن أن يجسد ضعف المشركين في انتخابهم أولياء من دون الله ، يشبههم بالعنكبوت التي تتخذ لنفسها بيتاً ، وهو أضعف البيوت وأوهنها : {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .
من المؤكد أن القرآن لو ساقَ الأمثلة في هذه المجالات على الكواكب والسماوات لما أدّى الغرض في التصغير والتحقير ، ولما كانت أمثلته متناسبة مع أصول الفصاحة والبلاغة ، فكأن الله تعالى يريد بهذه الامثلة القول : بأنه لا مانع من التمثيل بالبعوضة أو غيرها لتجسيد الحقائق العقلية في ثياب حسّيّة وتقديمها للناس .
الهدف هو إيصال الفكرة ، والأمثلة يجب أن تتناسب مع موضوع الفكرة ، ولذلك فهو سبحانه يضرب الأمثلة بالبعوضة فما فوقها .
وما المقصود من {فَمَا فَوْقَهَا} للمفسرين في هذه رأيان :
الأوّل : {فوقها} في الصغر ، لأن المقام مقام بيان صغر المثال . وهذا مستعمل في الحوار اليومي ، نسمع مثلا رجل يقول لآخر : ألا تستحي أن تبذل كل هذا الجهد من أجل دينار واحد؟! فيجيب الآخر : لا ، بل أكثر من ذلك أنا مستعد لأبذل هذا الجهد من أجل نصف دينار! فالزيادة هنا في الصغر .
الثّاني : «فوقها» في الكبر . أي إن الله يضرب الأمثال بالصغير وبالكبير ، حسب مقتضى الحال .
لكن الرأي الأوّل يبدو أنسب .
ثم تقول الآية : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} . فهؤلاء ، بإيمانهم وتقواهم ، بعيدون عن اللجاجة والعناد والحقد للحقيقة . ويستطيعون أن يروا الحق بجلاء ويدركوا أمثلة الله بوضوح .
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثيِراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} .
هؤلاء يعترضون على هذه الأمثلة لأنّها لا تهدي الجميع ، ويزعمون أنها لو كانت من عند الله لاهتدى بها النّاس جميعاً ، ولما أدّت الى ضلال أحد!
فيجيبهم الله بعبارة قصيرة تحسم الموقف وتقول : {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} .
فكل هذه الأمثلة من الله ، وكلها نور وهداية ، لكنها تحتاج إلى عين البصيرة التي تستفيد منها ، ومخالفة المخالفين تنطلق من نقص فيهم ، لا من نقص في الآيات الإِلهية (2) .
________________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص113-114 .
2 ـ جمع من المفسرين قالوا : إن عبارة (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً . . .) ليس حكاية عن لسان المشركين ، بل هو حديث الله . ويكون المعنى بذلك «أن الله يجيب على هؤلاء المعترضين الذين قالوا : (مَاذَا أَرادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا)؟ ويقول سبحانه : إن الله يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً ، ولكن لا يضل إلا الفاسقين» . (أما التّفسير الأول فيبدو أنه أصح) .