تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير آية (29) من سورة النساء
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .......
10-2-2017
11242
قال تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء : 29] .
لما بين سبحانه تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة عقبه بتحريم الأموال في الوجوه الباطلة فقال : ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ : أي صدقوا الله ورسوله ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم﴾ ذكر الأكل وأراد سائر التصرفات وإنما خص الأكل لأنه معظم المنافع ، وقيل : لأنه يطلق على وجوه الإنفاقات اسم الأكل ، يقال : أكل ماله بالباطل وإن أنفقه في غير الأكل ومعناه لا يأكل بعضكم أموال بعض وفي قوله ﴿بالباطل﴾ قولان (أحدهما) : أنه الربا والقمار والبخس (2) والظلم عن السدي وهو المروي عن الباقر . (والآخر) : إن معناه بغير استحقاق من طريق الأعواض عن الحسن قال وكان الرجل منهم يتحرج عن أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية إلى أن نسخ ذلك بقوله في سورة النور وليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله ﴿أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا﴾ والأول هو الأقوى لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق لا يكون أكلا باطلا . (وثالثها) : إن معناه أخذه من غير وجهه وصرفه فيما لا يحل له .
﴿إلا أن تكون تجارة﴾ : أي مبايعة ثم وصف التجارة فقال ﴿عن تراض منكم﴾ : أي يرضى كل واحد منكما بذلك . وقيل : في معنى التراضي في التجارة قولان : (أحدهما) : أنه إمضاء البيع بالتفرق أو التخاير بعد العقد وهو قول شريح والشعبي وابن سيرين ومذهب الشافعي والإمامية لقوله (البيعان) بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار وربما قالوا أو يقول أحدهما للآخر اختر (والثاني) : أنه البيع بالعقد فقط عن مالك وأبي حنيفة ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ فيه أربعة أقوال (أحدها) : إن معناه لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد وأنتم كنفس واحد كقوله (سلموا على أنفسكم) عن الحسن وعطا والسدي والجبائي . (وثانيها) : أنه نهى الإنسان عن قتل نفسه في حال غضب أو ضجر عن أبي القاسم البلخي . (وثالثها) : إن معناه لا تقتلوا أنفسكم بأن تهلكوها بارتكاب الآثام والعدوان في أكل المال بالباطل وغيره من المعاصي التي تستحقون بها العذاب . (ورابعها) : ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن معناه لا تخاطروا بنفوسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه .
﴿إن الله كان بكم رحيما﴾ : أي لم يزل بكم رحيما وكان من رحمته أن حرم عليكم قتل الأنفس وإفساد الأموال .
_____________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص68-69 .
2. وفي بعض النسخ " النجش " وهو أن يمدح السلعة في البيع لينفقها أو يزيد في قيمتها وهو لا يريد شرائها ليقع غيره فيها .
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ} . سبقت هذه الجملة بحروفها مع تفسيرها في الآية 188 من سورة البقرة . . ونعطف على ما سبق ما روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : ان من كان عليه دين ، وعنده مال ، فأنفقه في حاجته ، ولم يف به الدّين فقد أكل المال بالباطل ، بل عليه أن يفي به دينه ، حتى ولو احتاج إلى الصدقة . . أجل ، يجوز له أن يستثني منه مئونة يوم وليلة .
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} . ولفظة ( منكم ) إشارة إلى انه لا بد من رضى الطرفين . . ويدل هذا الاستثناء على ان التجارة لا يشترط فيها أن يكون العوضان متساويين ، بحيث يكون كل منهما على قدر الآخر بالقسطاس المستقيم ، لأن ذلك يكاد يكون مستحيلا ، ومن ثم أذن اللَّه سبحانه لكل من المبتاعين أن يأكل الزائد عن ماله ، ما دام الطرف الآخر أوقع الصفقة برضاه واختياره ، على شريطة عدم الغش والكذب .
وتسأل : إذا أبدى التاجر براعة في الدعاية لسلعته وتزيينها وترويجها ، فهل يكون هذا من باب الغش ، وأكل المال بالباطل ؟ .
الجواب : كلا ، ولكن إذا وقع البيع على السلعة بشرط أن تكون على وصف خاص ، ثم تبين العكس كان للمشتري الخيار في أن يفسخ البيع ، ويرجع السلعة لصاحبها ، ويسترد الثمن .
{ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} . أي لا يقتل بعضكم بعضا ، وفيه أشعار بوحدة الإنسانية وتكافلها . وفي الحديث الشريف : « المؤمنون كنفس واحدة » . وقيل معنى {لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بفعل ما نهاكم اللَّه عنه . .
وهذا المعنى صحيح في نفسه ، ولكنه خلاف ظاهر الآية .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 304-305 .
في الآية شبه اتصال بما سبقتها حيث إنها تتضمن النهي عن أكل المال بالباطل وكانت الآيات السابقة متضمنة للنهي عن أكل مهور النساء بالعضل والتعدي ففي الآية انتقال من الخصوص إلى العموم .
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ } إلى قوله : { مِنْكُمْ } الأكل معروف وهو إنفاد ما يمكن أن يتغذى به بالتقامه وبلعه مثلا ، ولما فيه من معنى التسلط والإنفاد يقال : أكلت النار الحطب شبه فيه إعدام النار الحطب بإحراقه بإنفاد الأكل الغذاء بالتناول والبلع ، ويقال أيضا : أكل فلان المال أي تصرف فيه بالتسلط عليه ، وذلك بعناية أن العمدة في تصرف الإنسان في الأشياء هو التغذي بها لأنه أشد ما يحتاج إليه الإنسان في بقائه وأمسه منه ، ولذلك سمي التصرف أكلا لكن لا كل تصرف بل التصرف عن تسلط يقطع تسلط الغير على المال بالتملك ونحوه كأنه ينفده ببسط سلطته عليه والتصرف فيه كما ينفد الأكل الغذاء بالأكل.
والباطل من الأفعال ما لا يشتمل على غرض صحيح عقلائي ، والتجارة هي التصرف في رأس المال طلبا للربح على ما ذكره الراغب في مفرداته قال : وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ انتهى ، فتنطبق على المعاملة بالبيع والشرى .
وفي تقييد قوله : { لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ } بقوله : { بَيْنَكُمْ } الدال على نوع تجمع منهم على المال ووقوعه في وسطهم إشعار أو دلالة بكون الأكل المنهي عنه بنحو إدارته فيما بينهم ونقله من واحد إلى آخر بالتعاور والتداول ، فتفيد الجملة أعني قوله : { لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ } ، بعد تقييدها بقوله : { بِالْباطِلِ } النهي عن المعاملات الناقلة التي لا تسوق المجتمع إلى سعادته ونجاحه بل تضرها وتجرها إلى الفساد والهلاك ، وهي المعاملات الباطلة في نظر الدين كالربا والقمار والبيوع الغررية كالبيع بالحصاة والنواة وما أشبه ذلك.
وعلى هذا فالاستثناء الواقع في قوله : { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ } ، استثناء منقطع جيء به لدفع الدخل فإنه لما نهى عن أكل المال بالباطل ـ ونوع المعاملات الدائرة في المجتمع الفاسد التي يتحقق بها النقل والانتقال المالي كالربويات والغرريات والقمار وأضرابها باطلة بنظر الشرع ـ كان من الجائز أن يتوهم أن ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع وتلاشي أجزائها وفيه هلاك الناس فأجيب عن ذلك بذكر نوع معاملة في وسعها أن تنظم شتات المجتمع ، وتقيم صلبه ، وتحفظه على استقامته ، وهي التجارة عن تراض ومعاملة صحيحة رافعة لحاجة المجتمع ، وذلك نظير قوله تعالى : { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } : [ الشعراء : 89 ] فإنه لما نفي النفع عن المال والبنين يوم القيامة أمكن أن يتوهم أن لا نجاح يومئذ ولا فلاح فإن معظم ما ينتفع به الإنسان إنما هو المال والبنون فإذا سقطا عن التأثير لم يبق إلا اليأس والخيبة فأجيب أن هناك أمرا آخر نافعا كل النفع وإن لم يكن من جنس المال والبنين وهو القلب السليم.
وهذا الذي ذكرناه من انقطاع الاستثناء هو الأوفق بسياق الآية وكون قوله : { بِالْباطِلِ } قيدا أصليا في الكلام نظير قوله تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ } الآية : [ البقرة : 188 ] وعلى هذا لا تخصص الآية بسائر المعاملات الصحيحة والأمور المشروعة غير التجارة مما يوجب التملك ويبيح التصرف في المال كالهبة والصلح والجعالة وكالأمهار والإرث ونحوها.
وربما يقال : إن الاستثناء متصل وقوله : { بِالْباطِلِ } قيد توضيحي جيء به لبيان حال المستثنى منه بعد خروج المستثنى وتعلق النهي ، والتقدير : لا تأكلوا أموالكم بينكم إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فإنكم إن أكلتموها من غير طريق التجارة كان أكلا بالباطل منهيا عنه كقولك : لا تضرب اليتيم ظلما إلا تأديبا ، وهذا النحو من الاستعمال وإن كان جائزا معروفا عند أهل اللسان إلا أنك قد عرفت أن الأوفق لسياق الآية هو انقطاع الاستثناء.
وربما قيل : إن المراد بالنهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله ، وبالتجارة صرفه فيما يرضاه. وربما قيل : إن الآية كانت تنهى عن مطلق أكل مال الغير بغير عوض ، وأنه كان الرجل منهم يتحرج عن أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية حتى نسخ ذلك بقوله في سورة النور : { وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ) ـ إلى قوله ـ ( أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً } : [ النور : 61 ] وقد عرفت أن الآية بمعزل عن الدلالة على أمثال هذه المعاني.
ومن غريب التفسير ما رام به بعضهم توجيه اتصال الاستثناء مع أخذ قوله : { بِالْباطِلِ } قيدا احترازيا فقال ما حاصله : أن المراد بالباطل أكل المال بغير عوض يعادله فالجملة المستثنى منها تدل على تحريم أخذ المال من الغير بالباطل ومن غير عوض ثم استثنى من ذلك التجارة مع كون غالب مصاديقها غير خالية عن الباطل فإن تقدير العوض بالقسطاس المستقيم بحيث يعادل المعوض عنه في القيمة حقيقة متعسر جدا لو لم يكن متعذرا.
فالمراد بالاستثناء التسامح بما يكون فيه أحد العوضين أكبر من الآخر ، وما يكون سبب التعاوض فيه براعة التاجر في تزيين سلعته وترويجها بزخرف القول من غير غش ولا خداع ولا تغرير كما يقع ذلك كثيرا إلى غير ذلك من الأسباب .
وكل ذلك من باطل التجارة أباحته الشريعة مسامحة وتسهيلا لأهلها ، ولو لم يجز ذلك في الدين بالاستثناء لما رغب أحد من أهله في التجارة واختل نظام المجتمع الديني. انتهى ملخصا .
وفساده ظاهر مما قدمناه فإن الباطل على ما يعرفه أهل اللغة ما لا يترتب عليه أثره المطلوب منه ، وأثر البيع والتجارة تبدل المالين وتغير محل الملكين لرفع حاجة كل واحد من البيعين إلى مال الآخر بأن يحصل كل منهما على ما يرغب فيه وينال إربه بالمعادلة ، وذلك كما يحصل بالتعادل في القيمتين كذلك يحصل بمقابلة القليل الكثير إذا انضم إلى القليل شيء من رغبة الطالب أو رهبته أو مصلحة أخرى يعادل بانضمامها الكثير ، والكاشف عن جميع ذلك وقوع الرضا من الطرفين ، ومع وقوع التراضي لا تعد المبادلة باطلة البتة.
على أن المستأنس بأسلوب القرآن الكريم في بياناته لا يرتاب في أن من المحال أن يعد القرآن أمرا من الأمور باطلا ثم يأمر به ويهدي إليه وقد قال تعالى في وصفه : { يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } : [ الأحقاف : 30 ] ، وكيف يهدي إلى الحق ما يهدي إلى الباطل ؟ .
على أن لازم هذا التوجيه أن يهتدي الإنسان اهتداء حقا فطريا إلى حاجته إلى المبادلة في الأموال ثم يهتدي اهتداء حقا فطريا إلى المبادلة بالموازنة ثم لا يكون ما يهتدي إليه وافيا لرفع حاجته حقا حتى ينضم إليه شيء من الباطل وكيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى أمر لا يكفي في رفع حاجتها ، ولا يفي إلا ببعض شأنها؟ وكيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى باطل وهل الفارق بين الحق والباطل في الأعمال إلا اهتداء الفطرة وعدم اهتدائها؟ فلا مفر لمن يجعل الاستثناء متصلا من أن يجعل قوله : { بِالْباطِلِ } قيدا توضيحيا.
وأعجب من هذا التوجيه ما نقل عن بعضهم أن النكتة في هذا الاستثناء المنقطع هي الإشارة إلى أن جميع ما في الدنيا من التجارة وما في معناها من قبيل الباطل لأنه لا ثبات له ولا بقاء فينبغي أن لا يشتغل به العاقل عن الاستعداد للدار الآخرة التي هي خير وأبقى انتهى .
وهو خطأ فإنه على تقدير صحته نكتة للاستثناء المتصل لا الاستثناء المنقطع ، على أن هذه المعنويات من الحقائق إنما يصح أن يذكر لمثل قوله تعالى : { وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ } [العنكبوت : 64 ] وقوله تعالى : { ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ } : [ النحل : 96] ، وقوله تعالى : ( قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ } : [ الجمعة : 11] ، وأما ما نحن فيه فجريان هذه النكتة توجب تشريع الباطل ، ويجل القرآن عن الترخيص في الباطل بأي وجه كان.
قوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } ظاهر الجملة أنها نهي عن قتل الإنسان نفسه لكن مقارنتها قوله : { لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ } ، حيث إن ظاهره أخذ مجموع المؤمنين كنفس واحدة لها مال يجب أن تأكلها من غير طريق الباطل ربما أشعرت أو دلت على أن المراد بالأنفس جميع نفوس المجتمع الديني المأخوذة كنفس واحدة نفس كل بعض هي نفس الآخر فيكون في مثل هذا المجتمع نفس الإنسان نفسه ونفس غيره أيضا نفسه فلو قتل نفسه أو غيره فقد قتل نفسه ، وبهذه العناية تكون الجملة أعني قوله : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } مطلقة تشمل الانتحار ـ الذي هو قتل الإنسان نفسه ـ وقتل الإنسان غيره من المؤمنين .
وربما أمكن أن يستفاد من ذيل الآية أعني قوله : { إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً } أن المراد من قتل النفس المنهي عنه ما يشمل إلقاء الإنسان نفسه في مخاطرة القتل والتسبيب إلى هلاك نفسه المؤدي إلى قتله ، وذلك أن تعليل النهي عن قتل النفس بالرحمة لهذا المعنى أوفق وأنسب كما لا يخفى ، ويزيد على هذا معنى الآية عموما واتساعا ، وهذه الملاءمة بعينها تؤيد كون قوله : { إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً } تعليلا لقوله : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } فقط .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص268-272 .
سلامة المجتمع ترتبط بسلامة الإِقتصاد :
هذه الآية تشكل ـ في الحقيقة ـ القاعدة الأساسية للقوانين الإِسلامية في مجال المسائل المتعلقة «بالمعاملات والمبادلات المالية» ولهذا يستدلّ بها فقهاء الإِسلام في جميع أبواب المعاملات والمبادلات المالية .
إِنّ هذه الآية تخاطب المؤمنين بقولها : {يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وهذا يعني أنّ أي تصرف في أموال الغير بدون حق أو بدون أي مبرر منطقي ومعقول ، ممنوع ومحرم من وجهة نظر الإِسلام ، فقد أدرج الإِسلام كل هذه الأمور تحت عنوان «الباطل» الذي له مفهوم واسع وكبير .
والباطل كما نعلم يقابل «الحقّ» وهو شامل لكل ما ليس بحقّ وكلّ ما لا هدف له ولا أساس .
وفي آيات أُخرى من القرآن الكريم أكّد هذا المعنى بعبارات شبيهة بالعبارة المذكورة في الآية الحاضرة ، فعندما يشنع على اليهود ويذكر أعمالهم القبيحة يقول : {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء : 161] ويقول في الآية (188) من سورة البقرة {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} كمقدمة للنهي عن جر الناس إِلى المحاكم وأكل أموالهم بحجج واهية غير منطقية .
وعلى هذا الأساس يندرج تحت هذا العنوان الكلي كل لون من ألوان العدوان ، والغش ، وجميع المعاملات الرّبوية ، والمعاملات المجهولة الخصوصيات تماماً ، وتعاطي البضائع التي لا فائدة فيها بحكم العقلاء ، والتجارة بأدوات اللهو والفساد والمعصية وما شاكل ذلك .
وتفسير بعض الروايات كلمة «الباطل» بالقمار (2) والرّبا (3) وما شابه ذلك إِنّما هو في الحقيقة من باب ذكر المصاديق الواضحة لهذا المفهوم ، وليس من باب الحصر والقصر.
ولعلّنا لا نحتاج إِلى التذكير بأنّ التعبير بـ «الأكل» كناية عن كل تصرف ، سواء تمّ بصورة الأكل المتعارف أو اللبس ، أو السكنى أو غير ذلك ، تعبير رائج في اللغة العربية وغير العربية ، غير غريب على الإِستعمال .
ثمّ إِنّ الله سبحانه يقول معقباً على العبارات السابقة : {إِلاّ أن تكون تجارة عن تراض} .
وهذه العبارة استثناء من القانون الكلي ، وهو بحسب الإِصطلاح «استثناء منقطع» (4) وهو يعني إِن ما جاء في هذا العبارة لم يكن مشمولا للحكم السابق من الأساس ، بل قد ذكر تأكيداً وتذكيراً ، فهو في حدّ ذاته قانون كلي، وضابطة عامّة برأسها ، لأنّه يقول : إِلاّ أن يكون التصرف في أموال الآخرين بسبب التجارة الحاصلة في ما بينكم ، والتي تكون عن رضا الطرفين .
فبناء على هذا تكون جميع أنواع المعاملات المالية والتبادل التجاري الرائج بين الناس ـ في ما إذا تمّ برضا الطرفين وكان له وجه معقول ـ أمراً جائزاً من وجهة نظر الإِسلام (إِلاّ الموارد التي ورد فيها نهي صريح لمصالح خاصّة) .
ثمّ أنّه تعالى ينهى في ذيل هذه الآية عن قتل الإِنسان لنفسه إِذ يقول : (ولا تقتلوا أنفسكم) وظاهر هذه الجملة بقرينة قوله : (إِنّ الله كان بكم رحيماً) النهي عن الإِنتحار ، يعني أنّ الله الرحيم كما لا يرضى بأن تقتلوا أحداً، كذلك لا يسمح لكم ولا يرضى بأن تقتلوا أنفسكم بأيديكم ، وقد فسّرت الآية الحاضرة في روايات أهل البيت (عليهم السلام) بالانتحار أيضاً (5) .
سؤال : وهنا يطرح سؤال وهو : أي ارتباط بين مسألة قتل الإِنسان لنفسه، و«التصرف الباطل في أموال الناس» ؟
والجواب : إنّ الجواب على هذا السؤال واضح تماماً ، وفي الحقيقة يشير القرآن بذكر هذين الحكمين بصورة متتالية إِلى نكتة إجتماعية مهمّة ، وهي أنّ العلاقات الإِقتصادية في المجتمع إِذا لم تكن قائمة على أساس صحيح ، ولم يتقدم الإِقتصاد الإِجتماعي في الطريق السليم ، ووقع الظلم والتصرف العدواني في أموال الغير أصيب المجتمع بنوع من الإِنتحار ، وآل الأمر إِلى تصاعد حالات الإِنتحار الفردي مضافاً إِلى الإِنتحار الجماعي الذي هو من آثار الإِنتحار الفردي ضمناً .
إِنّ الحوادث والثورات التي تقع في المجتمعات العالمية المعاصرة خير شاهد وأفضل دليل على هذه الحقيقة ، وحيث أنّ الله لطيف بعباده رحيم بخلقه فقد أنذرهم وحذرهم من مغبة الأمر ، وحثّهم على تجنب المبادلات الإِقتصادية المالية الغير الصحيحة، وأخطرهم بأن الإِقتصاد المريض يؤدي بالمجتمع إِلى السقوط والإِنهيار ، والفناء والإِندحار .
________________
1- تفسير الأمثل ، ج3 ، ص104-106 .
2- وسائل الشيعة ، ج17 ، ص 166 ، 167 .
3- تفسير علي بن إبراهيم قمي ، ج1 ، ص136 .
4- الإِستثناء المنقطع يأتي ـ غالباً ـ لتأكيد عمومية الحكم العام ، وهو أمر صادق في المقام ، هذا مضافاً إِلى أنه يكشف عن هذه الحقيقة ، وهي أن تحريم التصرفات الباطلة لا يقفل عليكم أبواب الرزق والحياة ، بل في إمكانكم أن تحققوا أهدافكم عن طريق التجارة المشروعة والكسب المباح شرعاً .
5- تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث ؛ وتفسير نور الثقلين ، ج1 ، ص 472 .