1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التنمية البشرية :

التقدير والتنمية

المؤلف:  محمد الريشهري

المصدر:  التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنة

الجزء والصفحة:  ص303-308

19-4-2016

2107

الله هو الرزّاق ؛ رزّاق الإنسان وكل الكائنات الحيّة وما يدبّ في هذا الوجود الرحيب... فما من دابة إلا وقد قدر لها الله رزقها، وهو سبحانه شاء أن يبسط الرزق ويقبضه بمقتضى حكمته، ولأجل ابتلاء الإنسان وامتحانه، فلا حِرص الحريص يزيد الإنسان من الرزق المقدر له، كما لا يردّه عنه كراهية كاره، وإن بمقدور الإنسان أن يُرزق بتقوى الله والتوكل عليه بغير الأسباب الطبيعية ومن حيث لا يحتسب ولا يعلم.

السؤال الآن: ما هو الهدف من وراء الإيمان بمثل هذه الاسس والمرتكزات؟

ثم هل تعد هذه المعتقدات منطلقا للتنمية، أم هي لها موانع وآفات؟

.. إن معرفة لغة القرآن والحديث ووعي منطقهما هما من ضرورات الفهم الصحيح لمعارف الإسلام؛ فإذا ما توفرت للإنسان معرفة هذا المنطق أو لاحظ السيرة العملية للعارفين به؛ سيكون من السهل عليه أن يرى بأن هذه المعتقدات ليست أنها لا تحول دون التنمية وحسب، بل هي أفضل عامل ذاتي لتحقق التنمية النموذجية المنشودة.

في ما يلي من نقاط نقدم شرحا مختصرا للعناوين المذكورة أعلاه:

أ - الرازقية الإلهية :

(الرزق)(1) في لغة القرآن والحديث هو كل ما يكون ضروريا لتأمين الحياة المادية والمعنوية للموجودات الحية. أما (الرازقية الإلهية) فهي بمعنى أن الله سبحانه قد أمَّن "رزق" جميع الموجودات الحية في نظام الخليقة والتكوين، ويسّر لها سبيل بلوغ تلك الأرزاق، كما زودها بالأدوات التي تستطيع من خلالها استيفاء رزقها.

في الرؤية الكونية التوحيدية ما من ظاهرة - تتحرك بإرادة الإنسان أو لا دور لإرادة الإنسان فيها - إلا وتنتهي إلى علّة العلل وتنتسب إلى الله سبحانه مسبب الأسباب، و"الرزق" أحد هذه الظواهر، ومن ثم فهو لا يشذ عن هذه القاعدة. على هذا لا ينفي مبدأ "رازقية" الله سبحانه الإرادة الإنسانية وحرية الاختيار الإنساني، كما لا يعطّل دوره في تحديد مصير حياته المادية والمعنوية. فالله ـ جل جلاله - "رازق" ، بيد أنه ترك الإنسان حرا لكي يمضي في تعيين مصيره بنفسه(2).

ب - التقدير وتقسيم الأرزاق :

على ضوء ما مرّ، من الضروري الانتباه إلى عدد من الملاحظات لتبيين معنى التقدير وتقسيم الأرزاق في الرؤية الكونية التوحيدية وموقعهما من التنمية الاقتصادية. هذه الملاحظات هي:

الاولى: حين النظر إلى مصطلح "التقدير" من خلال ارتباطه بالظواهر الكونية، فهو يحكي صيرورة كل ظاهرة ودوامها على أساس نظام دقيق وحكيم. فمن وجهة نظر الإسلام ما من ظاهرة إلا وقد خلقت بقدر وعلى أساس الحكمة الإلهية(3)، وليس هناك في نظام الوجود أمر جزافي، بل كل شي‏ء يمضي بسبب‏(4) وله مساره الخاص، بحيث يؤدي دوره الوجودي في نطاق شروط خاصة.

على هذا، لن تشذ ظاهرة "الرزق" والتنمية الاقتصادية أو التخلف عن هذا القانون التكويني الإلهي العام، بل لهذه الظواهر أسبابها الخاصة وعواملها التي تتحرك من خلالها على أساس

الحكمة الإلهية البالغة، وبالنتيجة لا معنى لتقدير الأرزاق غير هذا.

الثانية : ثمّة دور للاختيار في مقدرات الموجودات ذات الإرادة كالإنسان بحيث لا يتعارض التقدير مع مبدأ الاختيار، بعكس الموجودات التي لا إرادة لها حيث تعد مقدراتها جبرية.

على سبيل المثال: قدر الله سبحانه للشمس والقمر مسارا خاصا يتحركان فيه في نظام التكوين،(5) وهذا التقدير الحكيم يتحقق على نحو جبري. أما بشأن ما له إرادة من الموجودات فقد اقتضى‏ التقدير الإلهي أن لا يتحقق فعل من دون إرادتها وتبعا لقدرتها على الاختيار.

يصرّح القرآن بهذه الحقيقة وهو يقول:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39]. على هذا، مادام الإنسان موجودا ذا إرادة فإن ما يقضي به التقدير الإلهي أنه كلما بذل جهودا أكبر فإنه يتقدم صوب مقدراته أكثر. من هذه الزاوية جاء تركيز الأحاديث الإسلامية على أن الله سبحانه ضمن رزق الإنسان، بيد أن هذا الضمان مشروط لصاحبه بالطلب والعمل والحركة وبذل الجهد(6).

الثالثة : ما يعنيه تقسيم الأرزاق في نظام التكوين؛ هو أن مقدرات كل إنسان متناسبة مع بنيته الجسمية ومقتضياته الروحية والفكرية، وهي على اتّساق مع محيطه الطبيعي وفضائه العائلي والاجتماعي، ومن ثم فإن جهوده ستتكلل بالنجاح في حال اتّساقها مع مسير مقدراته.

يمكن مقاربة الحالة من خلال مثال عرفي: فكما هناك فارق بين المقدرات العلمية للإنسان الذي ينطوي على ذاكرة قوية وبين مقدرات الإنسان الذي له ذاكرة متوسطة أو ضعيفة، فكذلك الحال بالنسبة إلى المقدرات المالية والاقتصادية للأفراد التي تختلف هي الاخرى‏. أما الحكمة من وراء هذه الاختلافات فهي تتمثل في أن يتجه كل إنسان لإيفاء جزء من احتياجات المجتمع.(7)

إن الإيمان بالتقدير وتقسيم الأرزاق على هذا النحو من التفسير، يفضي إلى ترتب أثرين مهمين وفاعلين على صعيد النشاطات الاقتصادية، هما:

الأثر الأول: أن تتجه الجهود وتساق نحو مسارها الصحيح، بحيث يختار كل إنسان طريقا لتحصيل رزقه يتناسب مع طاقاته واستعداداته الوجودية. وهذا ما حثت عليه الروايات الإسلامية بهذا الشأن وأوصت به: «من رُزق في شيء فليلزمه » (8).

الأثر الثاني: استشعار الاستقرار النفسي وهدوء البال، فالإنسان الذي يؤمن بالتقدير وتقسيم الأرزاق سيدرك أن الجهود التي تبذل في نطاق المقدرات التي تستند إلى الاستعدادات ستثمر وتؤتي اُكُلها، وأن ليس بمقدور كل إنسان أن ينال كل شي‏ء، ومن ثم سيتخلص من آثار الحرص والطلب الشديد، ولا يلقي بنفسه في لهوات معاناة لا معنى لها ولا ثمرة من ورائها، فيستشعر عندئذ - ومن خلال الرضا بالتقدير - حالة الهدوء والاطمئنان.

يمكن القول باختصار: إن الحكمة التي تُستشف من وراء تركيز النصوص الإسلامية على تقدير الأرزاق وتقسيمها تبرز من جهة في سَوق الجهود ووضعها في المسار الصحيح، كما تتجلى من جهة اخرى بالاستقرار النفسي الذي يحظى به الإنسان الذي يبذل الجهد على كل حال، بحيث لا يبتلى بمرض الحرص، ولا يدفعه تأمين المعاش إلى الاعتداء على حقوق الآخرين واجتراح ما لا يليق .

هذه هي الحكمة التي تلوح للنظر، لا أن يكف الإنسان عن العمل ويعزف عن الطلب بدعوى‏ الإيمان بالتقدير وتقسيم الأرزاق.

__________

1ـ يقول عبد الرحمان بن خلدون في تعريف الرزق: «ثم إن ذلك الحاصل (من سعي الإنسان

وكسبه) أو المقتنى‏، إن عادت منفعته على العبد وحصلت له ثمرته من إنفاقه في مصالحه وحاجاته سمي ذلك رزقا... وإن لم ينتفع به في شيء من مصالحه ولا حاجاته فلا يسمى بالنسبة إلى المالك رزقا، والمتملك منه حينئذ بسعي العبد وقدرته يسمى كسبا» (مقدمة ابن خلدون، الفصل الخامس من الكتاب الأول‏/ الفصل الأول: في المعاش ووجوبه، ص 381).

بيد أن تتبع مواضع استعمال هذه المفردة في القرآن والحديث والتأمل في ذلك، يشير إلى أن الرزق يطلق على مطلق الأشياء الضرورية لإدامة الحياة المادية والمعنوية للموجودات الحية.

2ـ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 11].

3ـ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }[القمر: 49].

4ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام):«أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب»الكافي:1/182/ 7.

5ـ {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}[يس: 38، 39].

6ـ انظر: ص 331 (مضمون لطالبه).

7ـ {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: 32].

8ـ انظر: ص 172 (ملازمة ما تيسر له من المكسب).

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي