سير الإنسان في مراتب الولاية المتنوّعة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص66-69
2025-12-18
31
يمكن أن يكون سير الإنسان باتّجاه الماديّات، وازدياد الشهوات، والجاه، وسائر الشؤون الاعتباريّة الدنيويّة، فيظفر بموقع مرموق في هذا المجال. كما يمكن أن يتركّز نشاطه على مضاعفة المعنويّات، والعلم والفكر، وطهارة الباطن، وصفاء القلب، وتعزيز الفكر، ومن ثمّ اجتياز المراحل المادّيّة الجزئيّة وبلوغ حقائق العلم والقدرة والحياة في آخر المطاف.
أنّ السير إلى الله، وبلوغ مقام العزّ الشامخ للحقّ تعالى جبلّة فطر عليها الإنسان. وإمكان بلوغ هذه الدرجة، من ذاتيات النفس الناطقة.
وقد أثبتنا في الدروس السابقة أنّ الإنسان بوسعه أن يحظى بدرجات وكمالات في السير إلى الله. وأن يصل، في مراحل الفَنَاء في الله إلى، مرحلة الفَناء في الفعل، والفناء في الاسم والصفة، والفناء في الذات.
ويبلغ بذلك مقام الوصول. فطريق العرفان والتكامل مفتوح أمامه.
ولا بدّ أن نعلم- طبعاً- أنّ الإنسان الذي نتكلّم عنه، لا نعني به ذلك الجسم المادّيّ والطبيعيّ المحدود الذي يشغل حيّزاً من الفراغ يبلغ مترين، بل نعني به: نفسه الناطقة وروحه التي يتيسّر لها التحرّك والسير في تلك المراحل.
وعند ما يبلغ الإنسان مقام أيّ اسم من أسماء الحقّ تعالى، فإنّه يصبح مظهراً لذلك الاسم؛ ويتجلّى ذلك الاسم في وجوده. فلو كان مظهراً لاسم الجمال مثلًا، فإنّه يصبح جميلًا. وكذا لو كان مظهراً لاسم الجلال فإنّه يصبح جليلًا. ولو كان مظهراً لاسم العليم، فإنّه يصبح عالماً. ولو كان مظهراً لاسم القدير، فإنّه يصبح قادراً.
وكما تختلف المظهريّة تبعاً لتباين درجات الوصول. فالإنسان العادي هو بالمقدار الملحوظ مظهر اسم العليم، والسميع، والبصير، والقدير، والحيّ.
ولذلك فقد اكتفى بهذا المقدار من الحياة، والعلم، والقدرة، والبصر، والسمع. فكلّما ازداد سير الإنسان نحو الحقّ، واصّاعدت مظهريّة الأسماء والصفات، فإنّ تجلّي هذه الأسماء والصفات يتضاعف أكثر فيه.
أي: كلّما اجتاز الإنسان محدوديّة وجوده ومادّيّته، فإنّه يلج البحر الخضمّ للاسماء والصفات أكثر، فينال بذلك حظّاً أكبر.
حتى يبلغ محلّا يكون فيه المظهر التامّ للاسم والصفة. أي: يصل إلى مقام الفناء المطلق في الاسم والصفة، كما في اسم العالم، والقادر، والرحمن، والرحيم، وغيرها. وفي مثل هذه الحالة، فإنّ ذلك الاسم سيتجلّى في الإنسان بنحو أتمّ وأكمل.
وإذا بلغ أحد مقام الفناء في اسم العالم وصفة علم الحقّ تعالى، فإنّه يصبح المظهر التامّ لاسم العالم وصفة علم الحقّ تعالى. أي: يطّلع على كلّ مكان، وكلّ أحد، وكلّ شيء، ويصبح ما كانَ وما يَكُونُ ومَا هُوَ كَائنٌ عنده سواء. فالعلم بالمجرّدات، والعلم بالمادّيّات، والعلم بالدنيا، والعلم بالآخرة، سيكون بأجمعه حاضراً عنده. أي: أنه يدرك الموجودات بالعلم الشهوديّ، والحضوريّ والوجوديّ.
وإذا بلغ أحد مقام الفناء في اسم الحيّ، وصفة حياة الحقّ تعالى فإنّه يصبح المظهر التامّ لذلك الاسم، ولصفة حياة الحقّ تعالى. أي: أنه موجود مع جميع الموجودات بحياة الحقّ. وتكون له المعيّة في الحياة مع كلّ شيء اعتباراً من الذرّة الصغيرة حتى الأشياء الكبيرة.
وكذلك إذا بلغ أحد مقام الفناء في اسم القادر، وصفة قدرة الحقّ تعالى، فإنّه يصبح المظهر التامّ لذلك الاسم والصفة، ويكون قادراً على القيام بكلّ شيء، الكبير والصغير عنده سواء. ويصبح قادراً على كلّ شيء بقدرة الحقّ المتعال، كالإحياء والإماتة، وشفاء الأمراض، وإحداث تغيير وتبديل في الأمور والأوضاع بإذن الحقّ تعالى.
وإذا بلغ أحد مقام الفناء في اسم «الله» أو في اسم «هُوَ» فلان الله اسم جامع لصفات الحقّ كلّها فإنّه لذلك سيكون مظهراً لكلّ صفة واسم.
وسيكون له الإحياء، والإماتة، والقدرة على كلّ أمر من الامور، والعلم بكلّ حادثة من الحوادث.
ومن الطبيعيّ فإنّ علينا أن لا ننسى بأنّ هذه الأعمال تتحقّق تحت عنوان: المظهريّة والتجلّي. أي: بإذن الله تعالى. وبكلمة بديلة، العمل هو عمل الله ذاته الذي يتجلّى في هذه الآية وهذه المرآة، لأنّ كلّ موجود عدا الحقّ مهما كان العنوان والتعبير- ليس له استقلال في الوجود، أو استقلال
في الاسم والصفة. وفي هذه الحالة، فإنّ الحقّ هو الذي يهب ظهور اسمه وصفته.
كما أنّ الاسم والصفة في جميع الموجودات مختصّان بالحقّ وحسب. غاية الأمر، أنهما يظهران ويتجلّيان في ماهيّات وتعيّنات متباينة بأشكال متنوّعة. وإلّا فإنّ الحقّ المتعال لا يتنازل أبداً عن مقام عزّ قدسه الشامخ، ولا يمنح أيّ موجود صفة أو اسماً بصورة مستقلّة، فإنّ هذا المنح يتنأى مع سعة عزّه، وهو تبارك وتعالى لا يُذلّ ولا ينكسر ولا يعجز أبداً، وما برح ثابتاً في مقام عِزّه.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة