رسالة معاوية إلى عمرو بن العاص واستعانته به
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص136-139
2025-12-10
25
يقول ابن عبد البرّ: أنّ إسلام عمرو بن العاص كان سنة ثمان، وأنّه قدم، وخالد ابن الوليد، وعثمان بن طلحة المدينة، فلمّا رآهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: "رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأفْلَاذِ كَبِدِهَا"[1].
يتّضح لنا من هذه الرواية جيّداً أنّ إسلام عمرو بن العاص لم يكن من دافع خلوص السريرة، وعزم سابق، وإرادة حقيقيّة، بل أنّه لمّا جوبه برفض النجاشيّ عند ما التجأ إليه بعد أن ارتكب كلّ جريمة، ودعاه النجاشيّ إلى الإسلام. لم يجد بدّاً له ولديناه إلّا البيعة والتسليم في آخر المطاف.
وبعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى ذات السلاسل من بلاد قُضاعة في ثلاثمائة ليدعوهم إلى الإسلام. وكانت جدّته امّ العاص بن وائل من بَلِيّ، فبعثه رسول الله إلى أرض بَلِيّ وعُذْرة، وفي الطريق كتب إلى النبيّ يستنجده، فأمدّه بجيش فيه مائتا فارس بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح[2]. ثمّ ولّاه رسول الله عُمان، فلم يزل عليها حتى قُبض رسول الله[3]. وكان عمر بن الخطّاب ولّاه بعد موت يزيد بن أبي سفيان فلسطين والاردن. وولّى معاوية دمشق، وبعلبك، والبلقاء. وولّى سعيد بن عامر بن خذيم حِمْص. ثمّ جمع الشام كلّها لمعاوية، وكتب إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر. فسار إليها ابن العاص فافتتحها، فلم يزل عليها والياً حتى مات عمر. فأمرّه عثمان عليها أربع سنين ونحوها، ثمّ عزله عنها وولّاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريّ[4].
يقول ابن عبد البرّ: أنّ عمرو بن العاص ادّعى [في زمان ولايته] على أهل الإسكندريّة أنّهم قد نقضوا العهد الذي كان عاهدهم، فعمد إليها فحارب أهلها، وافتتحها، وقتل المقاتلة وسبي الذرّيّة. فنقم ذلك عليه عثمان، ولم يصحّ عنده نقضهم العهدَ، فأمر بردّ السبي الذين سبقوا من القرى إلى مواضعهم، وعزل عمراً عن مصر، وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سُرْح العامريّ مصراً بدله. فكان ذلك بدو الشرّ بين عمرو بن العاص وعثمان بن عفّان. فلمّا بدا بينهما من الشرّ ما بدا، اعتزل عمرو في ناحية فلسطين بأهله[5] وبعد قتل عثمان، وبيعة المهاجرين والأنصار أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام بالخلافة، وتمرّد معاوية بادّعائه حكومة الشام، ورفض الإمام ذلك، كتب معاوية إلى عمرو بن العاص في فلسطين يستنجده لقتال أمير المؤمنين. وهذه هي الرسالة التي نقلناها آنفاً. وذكرنا جواب عمرو بن العاص مفصّلًا. وعند ما وصل جوابه إلى معاوية، كتب إليه معاوية كتاباً آخر وعده فيه بحكومة الأمصار والأموال الطائلة، وكتب في آخره هذه الأبيات الثلاثة.
جَهِلْتَ ولَمْ تَعْلَمْ مَحِلَّكَ عِنْدَنَا *** وَأرْسَلْتَ شَيْئاً مِنْ عِتَابٍ ومَا تَدْرِي
فَثِقْ بِالذي عِنْدي لَكَ الْيَوْمَ آنِفاً *** مِنَ الْعِزِّ والإكْرَامِ والْجَاهِ والْقَدْرِ
فَأكْتُبُ عَهْداً تَرْتَضِيهِ مُؤَكَّداً *** وَاشَفِّعُهُ بِالْبَذْلِ مِنِّي وبِالْبِرَّ
فكتب إليه عمرو بن العاص مجيباً بهذه الأبيات:
أبي الْقَلْبُ مِنِّي أنْ اخَادَعَ بِالْمَكْرِ *** بِقَتْلِ ابْنِ عَفّانٍ اجَرُّ إلى الْكُفْرِ
وَأنّي لَعَمْرٌ وذُو دَهَاءٍ وفِطْنَةٍ *** وَلَسْتُ أبيعُ الدِّينَ بِالرِّبْحِ والْوَفْرِ
فَلَوْ كُنْتَ ذَا رَأي وعَقْلٍ وحِيلَةٍ *** لَقُلْتَ لِهَذَا الشَّيْخِ إنْ خَاضَ في الأمْرِ
تَحِيَّةُ مَنْشُورٍ جَلِيسِ مُكَرَّم *** بِخَبْطٍ [بِخَطٍّ] صَحِيحٍ ذِي بَيَانٍ على مِصْرِ
ألَيْسَ صَغيراً مُلْكُ مِصْرَ بِبَيْعَةٍ *** هِيَ الْعَارُ في الدُّنْيَا على الْعَقبِ مِنْ عَمْرِو
فَإنْ كُنْتَ ذَا مَيْلٍ شَديدٍ إلى الْعلى *** وَإمرَةِ أهْلِ الدِّينِ مِثْلَ أبي بَكْرِ
فَأشْرِكْ أخا رَأي وحَزْمٍ وحِيلَةٍ *** مُعَاوِيَ في أمْرٍ جَلِيلٍ لِذي الذِّكْرِ
فَأنّ رِواءَ اللَّيْثِ صَعْبٌ على الْوَرى *** وَإن غَابَ عَمْرٌو زيدَ شَرٌّ إلى شَرِّ[6]
وخلاصة الكلام أنّ عمرو بن العاص يقول هنا بأنّه حازم فطن ذو دهاء. وأنّ معاوية إذا أشركه في الرئاسة، فأنّهما يستطيعان الوقوف بوجه الليث الباسل عليّ بن أبي طالب. وإلّا فأنّ معاوية وحده لا يستطيع ولا يجني من عمله إلّا الدمار والشرّ. وبعد أن قرأ معاوية كتاب عمرو كتب إليه كتابه في تولية مصر.
[1] «الاستيعاب» ج 3، ص 1185.
[2] «شرح النهج» ابن أبي الحديد ج 6، ص 320؛ و«الاستيعاب» ج 3، ص 1186.
[3] «شرح النهج» ج 6، ص 320.
[4] «نفس المصدر السابق» و«الاستيعاب» ج 3، ص 1187.
[5] «شرح النهج همان» والاستيعاب همان
[6] «مناقب» الخوارزميّ ص 130و 131.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة