جنايات عمرو بن العاص وعداوة الشديد لأهل البيت عليهم السلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص133-136
2025-12-10
28
عمرو (ابن عاص) قد كان ممن يؤذي رسول الله بمكّة، ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة، لأنّه كان يخرج من منزله ليلًا فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها[1]. وهو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول الله لمّا خرجت مهاجرة من مكّة إلى المدينة، فرّعوها وقرعوا هودجها بكعوب الرماح، حتى أجهضت جنيناً ميّتاً من أبي العاص بن الربيع بعلها. فلمّا بلغ ذلك رسول الله، نال منه وشقّ عليه مشقّة شديدة ولعنهم[2].
وكان عمرو يعلّم صبيان مكّة شعراً في هجاء النبيّ، فينشدونه ويصيحون برسول الله إذا مرّ بهم. وكان نفسه يهجو رسول الله. فقال رسول الله: وهو يصلّي بحجر إسماعيل: اللهُمَّ أنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَجَانِي ولَسْتُ بِشَاعِرٍ فَالْعَنْهُ بِعَدَدِ مَا هَجَانِي[3].
قال سليم بن قيس: قال أمير المؤمنين: "أنشد عمرو قصيدة في سبعين بيتاً في هجاء رسول الله، فقال رسول الله: اللهمّ العنه بكلّ بيت لعنة"[4].
وروى أهل الحديث أنّ النضر بن الحارث، وعُقبة بن أبي مُعَيْط وعمرو بن العاص عهدوا إلى سلا جمل[5] فرفعوه بينهم، ووضعوه على رأس رسول الله وهو ساجد بفناء الكعبة، فسال عليه، فصبر ولم يرفع رأسه وبكى في سجوده ودعا عليهم. فجاءت ابنته فاطمة عليها السلام وهي باكية، فاحتضنت ذلك السَّلا فرفعته عنه فألقته وقامت على رأسه تبكي فرفع رأسه، وقال ثلاثاً: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيشٍ. ثُمّ قال رافعاً صوته: أنّي مَظْلُومٌ فَانْتَصِرْ. ثمّ قام فدخل منزله، وذلك بعد وفاة عمّه أبي طالب بشهرين[6]. ولشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله، أرسله أهل مكّة إلى النجاشيّ ليزهِّده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده، وهذا مذكور مشهور في السيَر[7].
وأمّا «النابغة» امّ عمرو بن العاص [واسمها سَلْمَي] فقد كانت أمَة لرجل من عَنَزة، فسُبيت، فاشتراها عبد الله بن جُدعان التيميّ بمكّة.
فكانت بغيّاً ثمّ أعتقها، فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطّلب، واميّة بن خلف الجمحيّ، وهشام بن المغيرة المخزوميّ، وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل السهميّ، في طهر واحد، فولدت عَمْراً، فادّعاه كلّهم فَحُكِّمَت امّه فيه، فقالت: هو من العاص بن وائل، وذاك لأنّ العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيراً، وكان أبو سفيان شحيحاً وبخيلًا. ومع أنّ عمرو بن العاص كان أشبه بأبي سفيان لكنّ سلمى نسبته للعاص بن وائل وليس لأبي سفيان[8].
ومجمل الكلام أنّ عمرو بن العاص لم يتوان لحظة واحدة في عدائه لرسول الله حتى آخر غزوة الخندق عند ما رجع المشركون إلى مكّة. يقول عمرو بن العاص: جمعت رجالًا من قريش كانوا يرون رأيي، ويسمعون منّي، فقلت لهم: أنّي واللهِ لأرى أمر محمّد يعلو الامور علوّاً منكراً. وأرى أن نأتى الحبشة فنلحق بالنجاشيّ. فإن ظهر محمّد على قومه، أقمنا عند النجاشيّ، فأن نكون تحت يديه أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمّد. فإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا (ولن يأتينا منهم إلّا خير). قالوا: أنّ هذا لرأي. وجمعوا الهدايا الكثيرة واتّجهوا صوب النجاشيّ.
يقول عمرو بن العاص: كنّا عند النجاشيّ بعد ما جئناه بالهدايا والتحف، إذ قدم عمرو بن امَيَّة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعثه إليه في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه ثمّ خرج من عنده. فقلت لأصحابي: (آن لي أن أنتقم من محمّد) هذا عمرو بن اميّة لو قد دخلتُ على النجاشيّ فسألته إيّاه فضربتُ عنقه. فدخلتُ عليه فسجدتُ له (وبعد السلام والتحيّة) قلتُ له: أيّها الملك! أنّي قد رأيتُ رجلًا خرج من عندك وهو رسول رجل عدوّ لنا فأعطنيه لأقتله، فأنّه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا. يقول ابن العاص: فغضب الملك، ثمّ مدّ يده، فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنّه قد كسره، فلو انشقّت لي الأرض لدخلت فيها فرقاً منه. ثمّ قلتُ: أيّها الملك، والله لو ظننت أنّك تكره هذا، ما سألتكه. فقال: أ تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر (جبرائيل الأمين) الذي كان يأتي موسى لتقتله؟ فقلتُ: أيّها الملك، أ كذلك هو؟ فقال: أي والله! أطعني ويحك واتّبعه، فأنّه والله لعلى حقّ، وليظهرنّ على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قلتُ: فبايعني له على الإسلام، فبسط يده، فبايعته على الإسلام، وخرجتُ عامداً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا قدمت المدينة، جئت إلى رسول الله وقد أسلم خالد بن الوليد، وقد كان صحبني في الطريق إليه. فقلتُ: يا رسول الله، ابايعك على أن تَغفر لي ما تقدّم من ذنبي. ولم أذكر ما تأخر. فقال: "بايِعْ يَا عَمْرُو؛ فأنّ الإسلام يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وأنّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَها". فبايعته وأسلمتُ.[9]
[3] «شرح النهج» ج 6، ص 282.
[4] كتاب «سليم بن قيس» ص 172.
[5] السَّلا رحم يكون فيه الطفل، وإذا انقطع في البطن هلكت الامّ والولد على عكس المشيمة وهي غشاء رقيق داخل الرحم يكون على الطفل ويخرج معه عند الولادة.
[6] «شرح النهج» ج 6، ص 282.
[8] «شرح نهج البلاغة» ج 6، ص 283.
[9] «شرح نهج البلاغة» شرح الخطبة 83، ج 6، ص 318 و319.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة