روايات ابن عباس وأنس في أنّ المراد من الشاهد أمير المؤمنين
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص127-133
2025-12-10
26
وردت حول هذه الآية روايات جمّة عن طريق الشيعة والسنّة، وهي تنصّ على أنّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام هو المقصود بهذه الآية. وفيما يلي عدد منها اثِرَ بمضامين متنوّعة، نذكرها هنا كمثال على ما نقول:
الاولى: طائفة من الروايات نقلت عن عبد الله بن عبّاس. قال الموفّق بن أحمد الخوارزميّ في قوله تعالى: {أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُوَ عَلِيّ يَشْهَدُ لِلنَّبِيّ وهُوَ مِنْهُ[1]. ونقل العلّامة الطباطبائيّ هذه الرواية أيضاً من «تفسير البرهان» عن الخوارزميّ[2].
ونقل إبراهيم بن محمّد الحموينيّ، وهو من فضلاء العامّة، في «فرائد السمطين» بسلسلة سنده المتّصل عن إبن عبّاس أنّه قال: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ} رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} عَلِيّ عليه السلام خاصَّةً[3]. وذكر الحاكم الحسكانيّ هذه الرواية أيضاً وبالعبارة نفسها[4]. وذكرها الثعلبيّ بالعبارة ذاتها في تفسيره عن ابن عبّاس[5]. ونقلها العلّامة الطباطبائيّ عن الثعلبيّ[6]، وكذلك ذكرها عليّ بن عيسى الأربليّ في «كشف الغمّة» عن ابن عبّاس[7].
الثانية: روايات نقلت عن أنس بن مالك. روى حمّاد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أنّه قال: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} قَالَ: هُوَ رَسُولُ اللهَ صلّى الله عليه وآله وسلّم {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} هُوَ عَلِيّ بْنُ أبي طَالِبٍ عَلَيهِ السَّلَامُ. كَانَ واللهِ لِسَانَ رَسُولِ اللهِ[8].
ونقل الحاكم الحسكانيّ هذه الرسالة أيضاً عن أنس بسلسلة سنده المتّصل، إلّا أنّه أضاف إليها جملة في آخرها: كَانَ واللهِ لِسَانَ رَسُولِ اللهِ إلى أهلِ مَكَّةَ في نَقْضِ عَهْدِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم[9].
الثالثة: روايات اثرت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه. يقول ابن المغازليّ الشافعيّ: قوله تعالى: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}. قالَ رَسُولُ اللهِ: {أنَا عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وعَلِيّ الشَّاهِدُ}[10]. ونقل الحاكم الحسكانيّ هذه الرواية عن رسول الله نفسه بسندين: أحدهما عن محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد[11]. والآخر عن ابن عبّاس[12]. وذكر السيوطيّ هذا الحديث أيضاً عن رسول الله مع اختلاف يسير في اللفظ[13].
الرابعة: روايات جاءت عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام. فقد روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره بإسناده المتّصل عن أبي بصير، والفضيل، قالا: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "أنّما نَزَلَتْ: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} يعْني رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم {شاهِدٌ مِنْهُ ومِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً ورَحْمَةً}[14]. وصفة الإمام والرحمة في الآية تخصّ عليّاً لا التوراة، ولكن حصل تقديم وتأخير لكي توصف التوراة.
الخامسة: رواية مأثورة عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. فقد روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ بسنده المتّصل عن أحمد بن عمر الحلّال أنّه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: {أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} فَقَالَ: أميرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ الشَّاهِدُ مِنْ رَسُولِ اللهِ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ[15].
السادسة: رواية جاءت عن قيس بن سعد بن عبادة. يقول سليم بن قيس الهلاليّ الكوفيّ[16]: أنقلُ هذا الحديث عن قيس بن سعد بن عبادة في مشاجرة بينه وبين معاوية. قال قيس: لقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاجتمعت الأنصار إلى أبي بكر، فقال: تبايع سعداً (ابن عبادة)؟ فجاءت قريش فخاصموا بحجّة عليّ وأهل بيته وخاصمونا بحقّه وقرابته. فما يعدوا فعقد قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار وآل محمّد. ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا من قريش، ولا من العرب، ولا من العجم في الخلافة حقّ ولا نصيب مع عليّ بن أبي طالب وولده من بعده. فغضب معاوية، وقال: يا بن سعد عمّن أخذتَ هذا، وعمّن ترويه، وممّن سمعته؟ أبوك حدّثك بهذا وعنه أخذته؟ فقال له قيس بن سعد: أخذته عمّن هو خير من أبي وأعظم حقّاً من أبي. قال: من هو؟ قال: عليّ ابن أبي طالب؛ أخَذْتُهُ مِنْ عَالِمِ هَذِهِ الأمَّةَ ورَبَّانِيِّهَا وصِدِّيقِهَا وفَارُوقِهَا الذي أنْزَلَ اللهُ فِيهِ مَا أنْزَلَ: {قُلْ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} فَلَمْ تَكُنْ أيةٌ نَزَلَتْ فِيهِ إلّا ذَكَرَهَا.
فقال معاوية: أنّ صدّيقها وفاروقها عمر، والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام. قال قيس: أحقّ بهذه الأشياء وأولى بها الذي أنزل الله فيه: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}. الذي أنْزَلَ اللهُ فِيهِ: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} والذي نَصَبَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ. يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ فَقَالَ: "مَنْ كُنْتُ أولى بهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَعَلِيّ أولى بهِ مِنْ نَفْسِهِ وقَالَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ: أنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلّا أنّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي"[17].
السابعة: الرسالة التي كتبها عمرو بن العاص إلى معاوية، وذكر فيها نزول هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام وذلك لمّا كتب معاوية إلى عمرو بن العاص، وهو في فلسطين، يدعوه إلى قتال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. كتب ابن العاص في جوابه: «مِن عمرو بن سعد بن أبي العاص[18] إلى معاوية بن أبي سفيان؛ أمّا بعد، فقد وصل لي كتابك فقرأته وفهمته. فأمّا ما دعوتني إليه من خلع رِبقة الإسلام من عنقي، والتهوّر في الضلالة معك وإعانتي إيّاك على الباطل واختراط السيف في وجه عليّ وهو أخو رسول الله، ووصيّه، ووارثه، وقاضي دينه، ومنجز وعده، وزوج ابنته سيّدة نساء الجنّة، وأبو السبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة (فلن يكون)[19].
وأمّا ما قلت أنّك خليفة عثمان فقد صدقت، ولكن تبيّن اليوم عزلك عن خلافته، وقد بويع لغيره، فزالت خلافتك.
وأمّا ما عظّمتني به ونسبتني إليه من صحبة رسول الله، وأنّي صاحب جيشه، فلا أغترّ بالتزكية ولا أميل بها عن الملّة.
وأمّا ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله ووصيّه إلى البغي والحسد لعثمان وسمّيت أصحابه فسقة، وزعمت أنّه أشلاهم على قتله، فهذا كذب وغواية.
ويحك يا معاوية، أمّا علمت أنّ أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبات على فراشه! وهو سابق السَّبق إلى الإسلام والهجرة، وقد قال فيه رسول الله: هو منّي وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. وقد قال فيه يوم غدير خمّ: ألا ومَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
وهو الذي قال فيه رسول الله يوم خيبر: لُاعطينّ الراية غداً رجلًا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. وهو الذي قال فيه عليه السلام يوم الطير: اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك[20]. فلمّا دخل عليه قال: وإلَيّ وإلَيّ.
وقد قال فيه يوم النظير: عليّ إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله. وقد قال فيه: عليّ وليّكم من بعدي، وأكّد القول عليك وعَلَيّ وعلى جميع المسلمين وقال: أنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي. وقد قال: أنا مدينة العلم وعليّ بابها.
وقد علمتَ يا معاوية ما أنزل الله تعالى في كتابه فيه من الآيات المتلوّات في فضائله التي لا يشركه فيها أحد، كقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ؛ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ؛ أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ومِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى؛ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ؛ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}.
وقد قال رسول الله: "أمّا ترضى أن تكون منيّ بمنزلة هارون مِن موسى؟ سلمك سلمي وحربك حربي، وتكون أخي ووليّ في الدّنيا والآخرة. يا أبا الحسن، من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني. ومن أحبّك أدخله الله الجنّة ومن أبغضك أدخله الله النار، وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس ممّا ينخدع به من له عقل أو دين، والسلام"[21].
وينبغي أن نعلم أنّ عمرو بن العاص لم ينطلق في هذه الرسالة من وحي الإخلاص والحبّ لسيّدنا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وإن كان مقرّاً بهذه الفضائل لعليّ بن أبي طالب، بَيدَ أنّه كتب هذه الرسالة إنكاراً لمعاوية وردّاً عليه حين رام أن يخدعه برسالته التي كتبها إليه. على أيّ حال فأنّ معاوية قد دعاه ووعده بحكومة مصر. وكم نصحه ولده عبد الله وغلامه وَردان أن لا ينجرف في تيّار معاوية، لكنّه لم يسمع. وبعد مراسلات جرت بينه وبين معاوية حول حكومة مصر المطلقة بلا قيد أو شرط، رضخ لمعاوية. وأخذ من معاوية الأمر في توليته مصر على شرط القتال مع عليّ بن أبي طالب[22]. وكان له في حرب صفّين مقام الصدارة والوزارة في جيش معاوية.
ذكر ابن أبي الحديد شرحاً مفصّلًا في ترجمة عمرو بن العاص ضمن شرح الخطبة الثالثة والثمانين من خطب نهج البلاغة[23]. ونذكر هنا نبذة منها في غاية الإيجاز. يقول: أبوه العاص بن وائل أحَدُ الْمُسْتَهزِءِينَ بِرَسُولِ اللهِ والْمُكَاشِفِينَ لَهُ بِالْعَدَاوَةِ وفيه أنزل قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[24]. ويلقّب العاص بن وائل في الإسلام بالأبتر، لأنّه كان يقول: سيموت هذا الأبتر غداً، فينقطع ذكره، يعني رسول الله، فأنزل الله سبحانه: {إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[25].
[1] «غاية المرام» ص 359 الحديث الثاني؛ وجاء في «ينابيع المودّة» ص 99 باختلاف يسير في اللفظ.
[2] تفسير «الميزان» ج 10، ص 201.
[3] «غاية المرام» ص 359، الحديث الثالث.
[4] «شواهد التنزيل» ج 1، ص 201.
[5] «غاية المرام» ص 360، الحديث الثامن؛ ونقل ذلك في «تفسير أبي الفتوح» ج 6 ص 256 عن الثعلبيّ.
[6] تفسير «الميزان» ج 10، ص 201.
[7] «غاية المرام» ص 362، الحديث الحادي عشر.
[8] «غاية المرام» ص 362، الحديث الثالث عشر.
[9] «شواهد التنزيل» ج 1، ص 280.
[10] «غاية المرام» ص 360، الحديث السابع عشر.
[11] «شواهد التنزيل» ج 1، ص 276.
[12] «المصدر السابق» ج 1، ص 275.
[13] «الدرّ المنثور» ص 324.
[14] «غاية المرام» ص 361، الحديث الأوّل. وجاء أيضاً في هذا الكتاب نفسه، ص 362، الحديث الثامن عن العيّاشيّ في تفسيره عن الإمام الباقر عليه السلام، وقال الإمام في آخرها: "ثُمَّ أوْصِيَاؤُهُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ."
[15] «غاية المرام» ص 361، الحديث الثاني؛ وتفسير «الميزان» ج 1، ص 199. وجاء في «الكافي» باللفظ التالي: "أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الشَّاهِدُ مِنْ رَسُولِ اللهِ، ورَسولُ اللهِ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ."
[16] نقلنا هذه الرواية عن «غاية المرام» ص 361، الحديث السابع، الطبعة الحجريّة الرحليّة ولكنّها جاءت مفصّلة ومشروحة مع مقدّمات المفاوضات التي جرت بين قيس ومعاوية في «كتاب سليم بن قيس» من 199 إلى ص 202. طبع النجف.
[17] «غاية المرام» ص 361، الحديث السابع.
[18] ذكر ابن أبي الحديد نسب عمرو بن العاص في شرحه ج 6، ص 281. قال: هو عمرو بن العاص بن وائل، أبوه العاص بن وائل أحد المستهزئين برسول الله، والمكاشفين له بالعداوة والأذى. وفيه وفي أصحابه أنزل قوله تعالي: {أنّا كَفَّيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ}.
[19] العبارة بين الأقواس عن مناقب الخوارزميّ.
[20] وفي مناقب الخوارزميّ (بأحبّ خلقك إليك).
[21] «غاية المرام» ص 359، الحديث الأوّل، و«المناقب» للخوارزميّ، طبع النجف ص 129 و130.
[22] ذكر ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» ج 2 من ص 61 إلى 73 طريقة التحاق عمرو بن العاص بمعاوية مفصّلًا ضمن شرح الخطبة السادسة والعشرين.
[23] «شرح النهج» ج 6 من ص 280إلى 330.
[24] «المصدر السابق» ج 6، ص 282.
[25] «نفس المصدر السابق».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة