البورجوازية الزراعية
المؤلف:
أ. د. عبد العظيم رمضان
المصدر:
تاريخ أوربا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوربية الى الحرب الباردة
الجزء والصفحة:
ج1 ص 40 ــ 43
2025-12-06
47
وقد كان من الطبيعي أن تتطرق جهود الحقوقيين البورجوازيين إلى حق الملكية. وكانت الملكية في ذلك الحين غير محددة تماما، وكانت كل الكتابات التي دارت حول هذا الموضوع منذ العصور الوسطى تتجه نحو تأكيد الملكية الشخصية، وملكية الأرض وما تنتج، ولكن إذا أردنا أن نعرف تماما من كان المالك في تلك العهود، لوجدنا أن القن كان له الحق في استخدام الأرض وزرعها والحصول على قسم من إنتاجها، ورعى مواشيه فيها، وكان له أيضا أن يورث حقه من بعده لأبنائه، ولكن لم يكن له أن يتخلى عن الأرض أو يتصرف فيها أي تصرف.
أما البارون، فقد كان هو الحاكم فيما تحت يده من الأراضي ومن عليها من السكان، وذلك مقابل قسم إقطاعي يقسمه للملك أو السيد اللورد على أن يؤدى له خدمات حربية معينة. ومن الناحية النظرية كان من الممكن أن يسترد السيد اللورد الأرض متى يشاء، إذا أخل البارون بشرط من شروط القسم الإقطاعي أو مات ولم يترك وريثا.
وبطبيعة الحال فإن هذا المفهوم لم يكن يتفق مع العقلية البورجوازية التي قامت على التجارة، ومن طبيعتها أن تبيع وتشترى وتتصرف كما تشاء فيما تشترى منذ أن تدفع ثمنه. ولما كانت نظرة القانون الروماني إلى الملكية في عصر العبودية، تقول بأن للمالك الحق في التصرف فيما يملك حسبما يشاء». فقد اتفقت هذه النظرة مع نظرة الحقوقيين البورجوازيين، لأنها تلائم حاجات وضعهم الاقتصادي ووضع طبقتهم.
وفي ذلك الحين كان نظام الأجر يحل شيئا فشيئا محل نظام تبادل الحقوق والواجبات. فبعد أن كانت العلاقة بين السيد والقن تقوم على أن يقدم السيد الأرض للقن، ويقوم هذا بزراعتها للسيد
مقابل حصة منها يشغلها لحسابه الخاص أصبحت العلاقة هي بين صاحب عمل وعامل، يهيئ الأول للعامل العمل، ويتقاضى هذا عمله أجرة مالية. وفى الوقت نفسه لم تعد الأرض ذاتها مجرد ملك مادي، وانما أصبحت ذات قيمة مالية معينة، فهي سلعة كباقي السلع.
وقد عمق البورجوازيون هذا المفهوم، وأخذوا يشترون أراضي الكثيرين من النبلاء المفلسين وشاعت ظاهرة التملك بين القضاة والتجار وأصبحت الأرض قاعدة للإثراء أكثر من المال وكانت الإقطاعية في طريق الانهيار المادي شيئا فشيئا، ومن حولها الطامعون من البورجوازيين الذين يملكون المال والذين تكونت منهم طبقة بورجوازية زراعية، كانت بالنسبة للفلاحين أسوأ من سادتهم الإقطاعيين السابقين، فقد أحالوا هؤلاء الفلاحين إلى أُجراء.
وفي الوقت نفسه أخذ هؤلاء الأسياد الجدد يعملون على إعادة النظم الجائرة السابقة، وإعادة ما كان لها من فاعلية، ودرجت مجموعة منهم على محاولات ضم الأراضي الصغيرة بعضها إلى بعض، وتوحيد الأراضي التي جزاها التقسيم بسبب الإرث والبيع وغيره، فبدأت الملكية تتسع وتكبر على حساب صغار المنتجين، ولم يعد الفلاح الصغير في نظام الملكية الجديدة ذا سلطة على الأرض، بل غدا مجرد عامل لا علاقة له بالأرض إلا أن يعمل فيها ويحصل على أجره، مما جعل الفلاحين يطالبون بإعادة النظام الإقطاعي القديم، الذي كان يسهل لهم حياتهم رغم القيود المفروضة عليهم!
اما بعد تملك البورجوازيين للأرض فقد فقدوا تقريبا كل وسيلة للعيش وكل علاقة بالأرض.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة