ليس بغريب على اليهود ان يقفوا من الاسلام وغيره من الأديان ذلك الموقف المعادي ، لأن اللّه سبحانه على حد زعمهم قد اختصهم من بين الأمم بما لم يخص أحدا سواهم وجعلهم شعبه المختار لم يرد الخير لغيرهم ولا الهداية لأحد سواهم وقضى ان لا يكون لغير دينهم مهما سمت أهدافه وغاياته الا الفشل والضياع ولذلك وقفوا من الأديان الأخرى موقفا يتسم بالعداوة والبغضاء ، لا يرتبطون بأحد الا من زاوية المصالح والمنافع ، ولا تجمعهم مع شعب من الشعوب أهداف لا تجر عليهم نفعا أو تدفع عنهم شرا ، ومن اجل ذلك كانوا مبغوضين من جميع الشعوب ومطرودين من كل بلد ، وثارت عليهم الأحقاد وتوالت عليهم الكوارث كما يؤيد ذلك تاريخهم الطويل المشحون بالفتن والحروب والفوضى أينما حلوا وأقاموا ، وكان ولعهم بجمع المال واستغلال ثروات البلاد التي يلجئون إليها من أبرز خصائصهم ، ومكنتهم وفرة المال بين أيديهم من السيطرة والنفوذ في شبه الجزيرة ، لأن العرب كانوا لفترة من الزمن في وضع سيئ تتحكم في مصيرهم الروح القبلية بما لها من عادات وأعراف وتجر عليهم الويلات والكوارث في كثير من الأحيان ، واليهود الذين حلوا بينهم وفي جوارهم كانوا يبتسمون لما يجري ، ويزيدون النار تأججا واشتعالا من حيث لا يشعر جيرانهم العرب بذلك .
وظلوا على ذلك زمنا طويلا ، إلى أن جاء وقت ظهور الاسلام ، فكان اليهود بما لديهم من إشارات في كتبهم كما يذهب إلى ذلك الأخباريون يتوقعون ظهور نبي قد أطل زمانه على حد تعبير بعضهم ويهددون به مواطينهم من العرب كما نقل ذلك المؤرخون وكتاب السيرة ، ونقلنا نبذا من هذا النوع في الفصول السابقة من هذا الكتاب .
ولما دخل النبي ( ص ) المدينة وأسلم أكثر الأوس والخزرج تقبل اليهود فكرة المهادنة بينهم وبين المسلمين والتعاون المشترك لمصلحة الطرفين ومدوا أيديهم إلى النبي ( ص ) وتعاهدوا معه كما تبين ذلك من الوثيقة التي وضعها النبي بينه وبين يهود المدينة وجوارها ، ولكن اتجاه الاسلام وأهدافه التي تقوم على التآخي والعدالة والمساواة وتحريم الربا والغش والاستغلال واحترام جميع الأديان والمعتقدات هذا الاتجاه الذي كان من أبرز سمات الاسلام لا يتفق مع أماني اليهود ورغباتهم ونواياهم السيئة التي كانوا يبيتونها لجميع الناس لا سيما وقد لمسوا ان محمدا لا يخدع ولا يستسلم لضغط من الضغوط مهما كان نوعها ، ولا يمكن ان يستغل لصالح فريق على فريق ، ووجدوا ان الاسلام يغزو النفوس ويسيطر على العقول ويسير في شبه الجزيرة بسرعة غير عادية بالرغم من ضراوة اخصامه ومواقفهم المتصلبة في وجهه ، فلم يعد لهم من سبيل حسب تقديرهم إلا أن يقفوا موقف الحذر الذي يستغل الفرصة للوقيعة بخصمه .
وقد عد المؤلفون في السيرة النبوية جماعة من زعماء اليهود كانوا يكيدون للاسلام ويسألون الرسول عن أشياء بقصد تعجيزه والسخرية منه أحيانا من مختلف القبائل اليهودية كبني النضير ، وبني ثعلبة ، وبني قينقاع ، وكعب بن راشد ، ورافع بن أبي رافع وبني قريظة وغيرهم .
ويدعي ابن هشام في سيرته ان لبيد بن عاصم قد سحر النبي ( ص ) ومنعه من الاتصال بنسائه ، وظل مدة يخيل إليه انه قد فعل الشيء ولم يفعله ، على حد تعبير المعلق على السيرة الهشامية .
وأضاف المعلق إلى ذلك ان حديث سحر النبي موجود في كتب الصحاح ولم يطعن فيه الا المعتزلة وطائفة من أهل البدع إلى غير ذلك مما ورد في التعليقة ص 515 من المجلد الأول من السيرة .
وقد نقلت حديث سحر النبي ( ص ) عن صحيح البخاري في كتابي « دراسات في الكافي والصحيح للبخاري » ، وأثبت بالأرقام التي لا تقبل الجدل والمراجعة ان الحديث من موضوعات المنافقين أو الصحابة ، بقصد التشكيك في رسالة محمد ( ص ) وحتى في القرآن الكريم ، لأنه إذا جاز على النبي أن يصبح في مرحلة يخيل إليه انه يقول ويفعل بدون وعي ولا تفكير يجوز عليه ان يقول على اللّه ما لم يقله .
وإذا جاز عليه ذلك كما يزعمون ، لم يعد لكلامه ولا لحديثه قيمة يعتد بها ، بل يصبح أقل شأنا من كلام غيره ممن لم يفقدوا عقولهم ومداركهم .
وفي عقيدتي ان النبي والاسلام بريئان من كل من ينسب للنبي شيئا من ذلك أو يدافع عن هذه الأسطورة ويدونها بين المرويات التي تنسب إلى النبي .
وأضاف المؤلفون في سيرة النبي إلى من ذكرناهم من أحبار اليهود وزعمائهم ممن وقفوا موقفا معاديا للاسلام ، جماعة من بني حارثة وبني عمرو وبني النجار كانوا يحاولون الوقيعة بين المسلمين أنفسهم ويثيرون الأحقاد بين الأوس والخزرج على امل أن تنشب بينهم الحروب والمعارك ويتخلوا عن محمد ورسالته عندما يشتغلون بأنفسهم .
ورووا ان شاس بن قيس كان شيخا مسنا شديد الحقد على المسلمين والحسد لهم مر يوما على نفر من أصحاب رسول اللّه من الأوس والخزرج في مجلس كان لهم يتحدثون فيه بروح الأخوة والألفة التي طبعهم عليها الاسلام ، فغاظه ما رأى من ألفتهم واجتماع شملهم وتناسيهم الماضي على ما فيه من ثارات واحقاد وحروب فأوعز إلى فتى كان معه من اليهود ان يجلس معهم ، ويذكر لهم يوم بغاث[1] وما كان قبله من حروب طاحنة بين الفريقين وينشدهم ما كانوا يتقابلون به من الأشعار ، فجلس الشاب بينهم واخذ يحدثهم وينشدهم اشعار الفريقين وأراجيزهم في ذلك اليوم ، فتغيرت وجوه القوم عندما أعاد إلى أذهانهم تلك الذكريات ورجعوا إلى طبيعتهم الأولى ، فتنازعوا وتفاخروا ، ثم تواثب منهم رجلان أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما للآخر إن شئت رددناها جذعة ، فغضب الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا موعدكم الظاهرة وتنادوا بالسلاح فخرج الفريقان وكادت الحرب ان تقع بينهما فبلغ الخبر رسول اللّه ( ص ) فخرج إليهم بمن معه من أصحابه المهاجرين ، فقال لهم :
يا معشر الأنصار اللّه اللّه أفبدعوى جاهلية وأنا بين أظهركم بعد ان هداكم اللّه للاسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر والف بين قلوبكم ؛ فأدرك القوم انها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فندموا على ما كان منهم وتعانق الفريقان وانصرفوا مع رسول اللّه سامعين مطيعين وانزل اللّه فيهم وفيمن حاولوا تأجيج الفتنة بينهم قوله :
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .
وانزل في الأوس والخزرج قوله :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ( آل عمران 101 ) .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
وقد أسلم جماعة من أحبارهم ووجهائهم وصدقوا في اسلامهم كما تظاهر فريق منهم بالاسلام وأبطنوا الكفر والنفاق ، وكان من بين من أسلم وصدق في اسلامه كما يبدو من كتاب السيرة والمؤرخين عبد اللّه بن سلام من يهود بني قينقاع ، فقد روى ابن إسحاق عن جماعة ممن تربطهم رابطة القربى بابن سلام انه كان من أحبار اليهود وعلمائهم فقال : لما سمعت برسول اللّه وعرفت اسمه وصفته وزمانه الذي كنا نترقب وكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول اللّه ( ص ) المدينة ، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل فأخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة فلما سمعت خبر قدومه كبرت ، فقالت عمتي حين سمعت تكبيري خيبك اللّه ، واللّه لو أنك سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت على ذلك ، فقلت لها : أي عمة هو واللّه أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به فقالت : أي ابن أخي أهو النبي الذي كنا نخبر انه يبعث مع نفس الساعة ، فقلت لها نعم ، ثم خرجت إلى رسول اللّه فأسلمت ورجعت إلى بيتي فأمرتهم بالاسلام فأسلموا وكتمت اسلامي عن اليهود .
ثم جئت رسول اللّه يوما وقلت له : يا رسول اللّه ، ان اليهود قوم على الباطل واني أحب ان تدخلني في بعض بيوتك وتغيبني عنهم ، ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف انا فيهم قبل ان يعلموا باسلامي فإنهم ان علموا به بهتوني وعانوني ، قال فأدخلني رسول اللّه في بعض بيوته ، ولما دخلوا عليه كلموه وسألوه عما يريد ، فقال لهم : أي رجل الحصين[2] بن سلام فيكم قالوا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وعالمنا فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم وقلت لهم : يا معشر اليهود اتقوا اللّه واقبلوا ما جاءكم به فو اللّه انكم لتعلمون انه لرسول اللّه تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته ، فاني اشهد أنه رسول اللّه وأؤمن به وأصدقه وأعرفه ، فقالوا كذبت ثم دفعوا بي .
فقلت لرسول اللّه ألم أخبرك يا رسول اللّه انهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور ، ثم أظهرت اسلامي وأسلم أهل بيتي وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث وحسن اسلامها .
وممن وفى بما عاهد عليه رسول اللّه من أحبارهم مخيريق من بني ثعلبة ابن الفطيون[3].
وجاء في كتب السيرة والتاريخ انه كان حبرا كبيرا وعالما من علمائهم ، وكان مع ذلك غنيا يملك الكثير من النخيل وغيره ، ويعرف رسول اللّه بصفته وما يجد في علمه ، وغلب عليه إلف دينه على حد تعبير ابن هشام ، ولكن غيره نص على اسلامه ولم يزل وفيا للاسلام وملتزما بعهد رسول اللّه حتى كانت الحرب في أحد ، وصادف انها كانت يوم السبت ، فقال لليهود : يا معشر يهود واللّه لتعلمن ان نصر محمد عليكم لحق ، فقالوا : ان اليوم يوم السبت ، فقال : لا سبت لكم ، ثم اخذ سلاحه وخرج حتى اتى رسول اللّه ، وعهد إلى من ورائه من قومه انه إذا قتل فأمواله لمحمد ( ص ) يصنع بها ما يريد ، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل ، فكان رسول اللّه يقول إنه خير اليهود ، وقبض رسول اللّه أمواله وكانت منها أكثر صدقات رسول اللّه بالمدينة .
وحدث ابن إسحاق وغيره عن صفية بنت حيي بن اخطب انها قالت :
كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولد لهما الا أخذاني دونهم ، فلما قدم رسول اللّه ( ص ) المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن اخطب وعمي أبو ياسر بن اخطب مغلسين ، فلم يرجعا إلا مع غروب الشمس ، فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهويني ، فهششت إليهما كما كنت أصنع فو اللّه ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم ، وسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال :
نعم واللّه ، قال أتعرفه وتثبته قال : نعم ، قال فما في نفسك منه ، قال عداوته واللّه ما بقيت .
وظل أكثر اليهود يتظاهرون بالسلم للنبي ويسرون الغدر ويستغلون المناسبات لإثارة الفتن وايجاد الفجوات بين المسلمين أنفسهم ، بين الأوس والخزرج تارة وبينهم وبين المهاجرين أخرى ، وانضم إليهم جماعة من المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام وأسروا النفاق كبديل بن الحارث ، وعبد اللّه بن أبي بن سلول رأس الشرك والنفاق ، وكان أشد خطرا على الاسلام من اليهود ، وفيه وفي أمثاله أنزل اللّه في كتابه :
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ * .
واشتهر من بين المنافقين جلاس بن سويد بن الصامت ، وكان قد تظاهر بالإسلام وانصرف إلى التآمر على المسلمين .
وجاء عنه في كتب السيرة انه كان يقول عن النبي ( ص ) : واللّه لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن أشر من الحمير ، فبلغ قوله رسول اللّه عن طريق عمير بن سعد ربيب جلاس ، فقال له عمير بن سعد ، واللّه يا جلاس انك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدا ، وأعزهم علي ان يصاب بشيء يكرهه ، ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك ، ولئن صمت عليها ليهلكن ديني ، ولأحدهما أيسر علي من الآخر ، ثم مشى إلى رسول اللّه ( ص ) فأخبره ، فجاءه جلاس وحلف باللّه انه لم يقل شيئا مما وشى به عمير فأنزل اللّه فيه :
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا * وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ * وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا * وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ * فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ * وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ( سورة التوبة 74 ) .
ومن المنافقين من الأوس مربع بن قيظي ، وهو الذي قال لرسول اللّه ( ص ) حينما مر بحائطه في طريقه إلى أحد : لا أحل لك يا محمد ان كنت نبيا أن تمر في حائطي وتناول بيده حفنة من التراب ثم قال : واللّه لو اعلم اني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به فابتدره أصحاب النبي ليقتلوه ، فقال لهم دعوه انه لأعمى القلب والبصيرة ، فضربه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل بالقوس فشجه .
ومنهم اخوه أوس بن قيظي القائل لرسول اللّه يوم الخندق ان بيوتنا عورة فائذن لنا لنرجع إليها فأنزل اللّه فيه : يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً .
ومن المنافقين الذين تستروا بالاسلام خلال السنة الأولى لدخول النبي إلى المدينة أبو حبيبة بن الأزعر وثعلبة بن حاطب ، وهلال بن أميّة ومعتب بن قشير ووديعة بن ثابت ، وعباد بن حنيف وكانوا قد اشتركوا في بناء المسجد الذي نهى اللّه نبيه عن الصلاة فيه وسماه مسجد ضرار كما جاء في الآيات 107 و 108 و 109 من سورة التوبة وسنتعرض لذلك المسجد وما جرى عليه عند الحديث عن غزوة تبوك حيث إن المنافقين قد كلفوا النبي ( ص ) ان يصلي فيه ووعدهم ان يلبي طلبهم بعد رجوعه من تبوك وكان من امره ان أمره اللّه بهدمه كما سيأتي ذلك عند الحديث عنه .
ومعتب بن قشير وهو أحد المنافقين وهو الذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا فأنزل اللّه تعالى في ذلك : وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا ( آل عمران 154 ) .
وقال يوم الأحزاب : كان محمد يعدنا ان نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن ان يذهب إلى الغائط فأنزل اللّه فيه : وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً .
وجاء عن زيد بن الصلت أحد يهود بني قينقاع حين ضلت ناقة رسول اللّه : يزعم محمد انه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري اين ناقته ، ولما بلغ كلامه رسول اللّه ( ص ) قال : ان قائلا يقول . يزعم محمد انه يأتيه خبر السماء ولا يدري اين ناقته ، واني واللّه لا أعلم إلا ما علمني ربي وقد دلني عليها الآن فهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها ، فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول اللّه وكما وصفها لهم . وكان جماعة من المنافقين يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزءون بدينهم خافتين أصواتهم قد التصق بعضهم ببعض ، فأمر بهم رسول اللّه فأخرجوا من المسجد اخراجا عنيفا .
وقام أبو أيوب الأنصاري إلى عمرو بن قيس أحد بني غنم من بني النجار فأخذ برجله وسحبه حتى اخرجه من المسجد وهو يقول : أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ، وأقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة فلببه بردائه ثم نثره نثرا شديدا ولطم وجهه وأخرجه من المسجد ، وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو وكان رجلا طويل اللحية فأخذ بلحيته وقاده قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد وجمع يديه ولدمه بهما لدمة خر منها إلى الأرض .
وقام جماعة من المسلمين إلى بقية المنافقين فأخرجوهم من المسجد بعنف وشدة حتى لا يعودوا لمثلها ، وتوالت الآيات الكريمة على النبي بشأنهم ليكون على بصيرة من امرهم فقال تعالى في سورة البقرة :
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ . فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ . وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ .
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ . قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ . وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ .
إلى كثير من الآيات التي بلغت أكثر من ثمانين آية في سورة البقرة ، بالإضافة إلى الآيات التي وردت في التوبة والمنافقين وغيرهما من السور حسب المناسبات الداعية إلى التنديد بأعمالهم ونواياهم السيئة التي كانت تظهر في أقوالهم وأفعالهم بين الحين والآخر .
وفي الوقت الذي اشتد فيه الجدال بين محمد واليهود ومن انضم إليهم من المنافقين كتب رسول اللّه ( ص ) إلى يهود خيبر كتابا جاء فيه : من محمد رسول اللّه صاحب موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى من قبل ، ألا ان اللّه قال لكم يا معشر أهل التوراة وانكم لتجدون ذلك في كتابكم :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ، فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً .
واني أنشدكم باللّه وأنشدكم بما انزل عليكم وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى ، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله الا أخبرتموني ، هل تجدون فيما أنزل اللّه عليكم ان تؤمنوا بمحمد فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم قد تبين الرشد من الغي ، فأدعوكم إلى اللّه وإلى نبيه .
فكان جواب زعيمهم كما جاء في شهادة صفية بنت حيي بن أحطب بعد أن وجد في ملامحه وصفاته علامات النبي الذي بشرت به التوراة ، كان جوابه أني ماض في حربه وعداوته ما بقيت .
ومضى اليهود كلهم إذا استثنينا افرادا معدودين أسلموا وأخلصوا في اسلامهم كعبد اللّه بن سلام وأمثاله القلائل ، ومضوا يأتون إلى النبي كل يوم بطلب جديد فإذا جاءهم بما عرفوا من الحق أنكروا وتنكروا له وولوا مستكبرين .
وفي الوقت الذي تأزمت فيه الأمور وتكشف اليهود على واقعهم ، وفد على النبي ( ص ) وفد من نصارى نجران عدته ستون راكبا ، من بينهم من شرف فيهم ودرس كتبهم وحسن علمه في دينهم ، وكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه ومولوه واخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات .
ورجح الأستاذ هيكل ان هذا الوفد أقبل على المدينة حين علم بما بين النبي واليهود من الخلاف ، طمعا ان يزيد الخلاف شدة والنار اشتعالا ، وعندما تتأزم الأمور بين الطرفين تصبح النصرانية المتاخمة للعرب من ناحية الشام ، والمتاخمة لهم في اليمن في امن من دسائس اليهود وعدوان العرب .
واجتمعت الأديان الثلاثة من أصحاب الكتب السماوية بمجيء هذا الوفد ودار بين الأطراف الثلاثة جدل عنيف ، وأدلى كل منهم بما عنده ، فأنكر اليهود رسالة عيسى ومحمد انكارا لا يعتمد الا على التعنت والمزاعم الفاسدة التي لا يؤمنون هم أنفسهم بها ، وزعموا مع ذلك ان عزير ابن اللّه ، وقال النصارى بالتثليث ، وألوهية عيسى ، ودعاهم محمد ( ص ) إلى عبادة واحد أحد لا شريك له ولا ولد وإلى وحدة روحية تنتظم العالم من أزله إلى أبده .
يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
وسأله اليهودي والنصراني عما يؤمن به من الرسل فقال :
آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى ، وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . وكان ينكر عليهم أشد الانكار كل ما يلقون عليه من شبهة تتنافى مع التوحيد ويتلو عليهم من القرآن ما يدل على أنهم قد حرفوا ما جاءت به التوراة والإنجيل ، وانهم يذهبون إلى غير ما ذهب إليه النبيون من قبلهم ، وان ما جاء به موسى وعيسى ومن سبقهم من النبيين لا يختلف عما جاء به .
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ اي انهم لم يختلفوا الا بعد ان جئتهم بالتوحيد وانه واحد لا شريك له ولا ولد ولا نظير ، وبهذه الحقيقة الخالدة جاء الأنبياء ولم يخالف أحد منهم في ذلك ، ولكن الأصحاب والاتباع المتاجرين بالدين حرفوا وغيروا وبدلوا وكذّب بعضهم بعضا ، فقالت النصارى : ليست اليهود على شيء ، وقالت اليهود : ليست النصارى على شيء .
ثم ذكر لهم النبي ما كان من امر عيسى وكيف رفعه اللّه إليه حين اتفق اليهود على قتله فقال : وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ، ثم أخبرهم ورد عليهم فيما أقروا به في صلب اليهود لعيسى ، فقال إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، ثم أخبرهم عن عيسى وعن ولادته بقوله : إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، اي انهم إذا قالوا كيف خلق عيسى من غير ذكر فقل خلقته كما خلقت آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وكان كعيسى انسانا من لحم وشعر وبشر ، فليس عيسى بأعجب من آدم ان لم يكن آدم أعجب وأغرب منه .
ثم قال فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ، إذا حاجوك من بعد ما قصصت عليك من اخبارهم وأسرار خلقهم وكيف كان امرهم .
فادعهم إلى المباهلة وقل لهم :
تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ .
وجاء في كتب الحديث والسيرة انهم لما نظروا إلى النبي ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين انسحبوا من موقفهم وقالوا يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا وغدا نأتيك فيما نريد ان نفعل ، ثم انصرفوا عنه واجتمعوا يتشاورون مع كبيرهم أبي حارثة العاقب ، فقالوا يا عبد المسيح ما ذا ترى ، فقال واللّه يا معشر النصارى لقد عرفتم ان محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وانه للاستئصال ان فعلتم ، فإن كنتم أبيتم الا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ، ثم انصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول اللّه وقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا الا نلاعنك ، وان نتركك على دينك ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث رجلا معنا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضا .
وفي سيرة ابن هشام انه ارسل معهم أبا عبيدة بن الجراح ، وان عمر بن الخطاب قد تمنى ان يكون هو المبعوث من قبل النبي ( ص ) ، وكان يقول على حد زعم الراوي ، ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء ان أكون صاحبها .
وينقل عن عمر بن الخطاب انه ذهب إلى صلاة الغداة مبكرا ، فلما صلى رسول اللّه وسلم نظر عن يمينه وعن يساره فجعل عمر يتطاول ليراه رسول اللّه فلم يزل النبي ( ص ) يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه وقال : اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه ، فذهب أبو عبيدة .
هذه صورة مجملة عما دار بين الوفد وبين النبي ( ص ) من المناظرات حول الأديان وانتهت بعجزهم وانسحابهم من المعركة وطلبوا من يعلمهم ويقضي بينهم اقتضبناها مما جاء في سيرة ابن هشام ، ولقد ذكر ابن هشام وغيره وفد نجران من حوادث السنة الثانية ، وتبعه على ذلك ابن سعد في طبقاته .
والواقع ان الوفد كان في السنة السادسة أو السابعة من هجرة النبي ( ص ) لأن الآية التي تنص على المباهلة من سورة آل عمران بأن يباهلهم بنفسه وأبنائه وقد خرج لهم ومعه علي وفاطمة والحسنان ( ع ) ، وفي السنة الثانية من الهجرة لم يكن علي ( ع ) قد تزوج بفاطمة ، فقد تزوج بها في أواخر الثانية أو الثالثة كما جاء في بعض المرويات ، وفي السنة السادسة كان الحسنان يدرجان .
وجاء في تفسير الثعلبي عن مجاهد والكلبي انه ( ص ) لما دعاهم للمباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فلما اجتمعوا ، قالوا للعاقب وكان ذا رأي فيهم : يا عبد المسيح ما ترى فقال : واللّه لقد عرفتم يا معشر الأنصار ان محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من امر صاحبكم ، واللّه ما باهل قوم قط نبيا وعاش كبيرهم ونبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فإن أبيتم الا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم .
فأتوا رسول وقد غدا محتضنا الحسن وآخذا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول : إذا انا دعوت فآمنوا ، فقال أسقف نجران :
يا معشر النصارى اني لأرى وجوها لو سألوا اللّه ان يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم : رأينا ان لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا ، فقال : إذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا ، قال فاني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب من طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ألفا في صفر وألفا في رجب ، وثلاثين درعا من حديد فصالحهم على ذلك .
وأضاف الراوي ان النبي ( ص ) قال : والذي نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الجبال ولما حال عليهم الحول .
وفي تفسير الميزان ان ابن إسحاق في كتاب المغازي رواها قريبا من ذلك كما رواها المالكي في الفصول المهمة والحموي عن جريح بما يقرب من رواية الثعلبي .
وجاء في صحيح مسلم في وصف حوار بين سعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان جاء فيه ان معاوية طلب من سعد بن أبي وقاص ان يسب عليا ، قال له سعد : ما دمت أذكر ثلاثا قالها الرسول لعلي فلن أسبه ، ولأن يكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم :
سمعت رسول اللّه يقول له يوم خلفه على المدينة وشق ذلك على علي ( ع ) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله فتطاولنا لها ، فقال ادعوا لي عليا : فأتى به وهو أرمد العين فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ففتح اللّه على يده .
ولما نزلت الآية : فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين وقال هؤلاء أهل بيتي .
وجاء في رواية اليعقوبي ان ابا الحارثة أحد زعمائهم قال : انظروا من جاء معه ، وغدا رسول اللّه اخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وعلي بين يديه ، فقال أبو حارثة : من هؤلاء معه قالوا هذا ابن عمه وهذه ابنته وهذان ابناها فجثا رسول اللّه على ركبتيه ثم ركع ، فقال أبو حارثة : لقد جثا واللّه كما يجثو النبيون للمباهلة وامتنع الوفد من مباهلته بعد ان رأى من معه .
وقال في تفسير الميزان ان الترمذي رواه في صحيحه ، وأبو المؤيد الموفق بن أحمد في فضائل علي ( ع ) وأبو نعيم في الحلية عن عامر بن سعد ، والحموي في فرائد السمطين .
ورواه الشعبي أيضا عن جابر ، ورواه المغازلي وصاحب الدر المنثور وابن جرير وغيرهم .
ورواه الشيعة عن أهل البيت ( ع ) ودونه المؤلفون من الشيعة في مجاميعهم ولم يتردد في صحته أحد من المؤلفين إذا استثنينا بعض السنة الذين لم يستطيعوا انكاره ولكنهم وقفوا منه كعادتهم من الأحاديث الواردة في علي وآل علي حيث اعتادوا ان يصفوها بالكذب لأن فيها رائحة التشيع حتى ولو كان رواتها من السنة ، وبالنسبة لحديث المباهلة فقد ادعوا بأن تفسير أنفسنا ونساءنا وأبناءنا بفاطمة وبعلها وولديها هذا التفسير لا مصدر له إلا الشيعة كما يزعمون والسنة اخذوه منهم ، وأضافوا إلى ذلك ان النساء في لغة العرب لا تستعمل إلا في الزوجات ما دام الإنسان متزوجا إلى غير ذلك من المغالطات[4].
 
[1] هو من أيام حروبهم الشديدة وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج وزعيم الأوس يوم ذاك حضير بن سماك الأشهل ، وزعيم الخزرج النعمان البياض فقتلا معا .
 
[2] الحصين اسمه الأول ، ولما اسلم سماه رسول اللّه عبد اللّه .
 
[3] وكلمة الفطيون كما جاء في التعليقة كلمة عبرانية تطلق على كل من تولى امر اليهود .
 
[4] انظر تفسير الميزان ج 3 ص 229 وما بعدها .
 
 
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  قضايا عامة					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة