المناخ المؤثر في النقل
المؤلف:
د. محمد خميس الزوكة
المصدر:
جغرافية النقل
الجزء والصفحة:
ص 31 ـ 36
2025-10-29
47
من العوامل الهامة المؤثرة فى طرق النقل المختلفة وشبكاتها من حيث الخصائص والتوزيع الجغرافي ، كما أنه من أهم العوامل الطبيعية المؤثرة في الانتاج البشري وأكثرها تحكما فيه حيث أن قدرة الانسان على التحكم في هذا العامل محدودة للغاية ، وتكاد تقتصر جهوده في هذا الصدد على التقليل من تأثير العناصر المناخية ومحاولة التكيف معها وللمناخ تأثير مباشر فى تخلف الانسان في بعض أقاليم العالم ، ففي الاصقاع الشمالية حيث تنخفض درجة الحرارة طول العام ، وفي المناطق المدارية حيث تقترن درجة الحرارة المرتفعة مع نسبة الرطوبة العالية مما يقلل من قدرة الانسان على العمل والانتاج ، وبالتالي يعجر عن مد الطرق بالاضافة الى ضعاف طاقته الدهنية وانتشار الأوبئة والأمر ص المختلفة التي تصيب الانسان والحيوان على حد سواء ، لذا تتسم مثل هذه الأقاليم بضعف شبكات الطرق في نطاقات منها وانعدامها في نطاقات أخرى ، وفي وجودها يرجع انشائها الى الأوربيين الذين سعوا الى استغلال الثروات الطبيعية الموجودة في مثل هذه الأقاليم ، ويؤكد ذلك أن أنماط الطرق بها تتمثل في خط أساسي للنقل يربط بين المناطق الداخلية وخط الساحل حيث الموانى التى تمثل مراكز لتجميع ثروات هذه الأقاليم ، سواء كانت معدنية أو زراعية أو غابية تمهيدا لنقلها الى أسواق الدول الاستعمارية وتوجد مثل هذه الطرق في العديد من دول القارتين المشار اليهما بعد التحرير على انشاء شبكة جيدة من الطرق المختلفة كأساس لتطوير التالي منها كما في كينيا وساحل العاج في افريقيا ، والمكسيك والبرازيل في أمريكا اللاتينية وساهم عامل المناخ مع عوامل أخرى في تحديد وسيلة النقل الشائعة فى بعض الأقاليم المشار اليها كاستخدام الكلاب في جر الزحافات في المناطق الجليدية، والانسان في الحمل بأقاليم الغابات المدارية:
1ـ درجة الحرارة : من عناصر المناخ الهامة المؤثرة في مجال النقل ، فكثيرا ما يكون انخفاض درجة الحرارة خلال شهور الشتاء في بعض أقاليم العالم سببا في التحول من وسيلة إلى أخرى للنقل أكثر تكلفة ، ومن أمثلة ذلك تذكر ما يلي :
أ - يؤدي الانخفاض الشديد لدرجة الحرارة خلال شهور الشتاء في أمريكا الشمالية الى تجمد مياه نهر السانت لورانس لمدة أربعة شهور تقريبا ، مما يعطل نقل خامات الحديد من مناطق تعدينها في مسابى و ماركيت و مينومينى وجوجبيك وفرمليون عن طريق النقل المائي الرخيص طريق البحيرات العظمى / السانت لورانس خلال هذه الفترة من السنة ، وهذا يؤدي الى ارتفاع نفقات النقل لاستخدام السكك الحديدية بدلا من السفن عبر البحيرات مما يزيد من تكاليف الانتاج والتي ينتج عنها في النهاية ارتفاع أسعار الخامات ينتج عن الانخفاض الشديد لدرجة الحرارة خلال شهور في شمالي أوربا الى تجمد مياه البحر البلطى وبالتالي تعذر نقل خامات حديد منطقة كيرونا في السويد عن طريق البحر البلطى من ميناء لولى لذا مد خط للسكك الحديدية يربط منطقة كيرونا السويدية بميناء نارفيك في الترويج المفتوح للملاحة طول العام بتأثير تيار الخليج الدافئ والذي يتم عن طريقه تصدير خامات حديد كيرون الى حيث العب وتعطيل الملاحة البحرية لبعض دول العالم خلال فصول السنة المختلفة كما فى روسيا الاتحادية وكندا، ويؤدى ارتفاع درجة الحرارة النسبي مع بداية فصل الربيع وما ينتج عنه من تكسر الغطاءات الجليدية في جرينلاند ولبرادور وتحركها فى المياه فى شكل كتل جليدية تعرف بالجبال الثلجية Iceberg من العروض الباردة الشمالية بالمحيط الأطلسي صوب الجنوب بفعل التيارات البحرية ، وهي ظاهرة تشكل خطرا على الملاحة البحرية في هذه النطاقات لذلك تتحرك مسارات طرق الملاحة البحرية في المحيط الأطلسي والتي تربط بين قارتى أمريكا الشمالية واوربا صوب الجنوب خلال نصف الصيفي لتجنب خطر اصطدام السفن بهذه الجبال الثلجية وتؤثر درجة الحرارة في النقل الجوى بشكل كبير حيث أنه مع كما في الأقاليم المدارية تزداد المسافة التي تقطعها الطائرة على الممر الأرضي Runway لكي تتم عمليتي الاقلاع Taking Off والهبوط Landing بأمان ، لذا تتسم مطارات الأقاليم الحارة بأن ممرات مطاراتها أطول من مثيلتها فى مطارات الأقاليم المعتدلة والباردة . ولضمان سلامة الرحلات الجوية تخفض حمولة الطائرات وخاصة العمودية منها في حالة ارتفاع درجة الحرارة وتجاوزها 35 درجة مئوية بمعدل 100 كيلو جرام تقريبا لكل درجة مئوية واحدة.
وتؤثر درجة الحرارة فى النقل فوق اليابس بصور مختلفة حيث نتج عن ارتفاع درجة الحرارة في الأقاليم المدارية استخدام انواع خاصة من القار لا تذوب بفعل الإشعاع الشمس لرصف الطرق، وينتج عن انخفاض درجة الحرارة فى العروض الباردة تساقط الثلوج التي تعطل حركة النقل فوق اليابس ، كما أن تباين درجات الحرارة خلال شهور السنة حتم عند انشاء الخطوط الحديدية ضرورة ترك فراغات مناسبة بين القضبان الحديدية تجنبا لمخاطر تمددها وانكماشها ويقتصر تأثير الضغط الجوي على النقل بالطائرات حيث ينتج عن تباين نطاقات الضغط تكون ما يعرف بالمطبات الهوائية التي تشكل أحيانا خطرا على الملاحة الجوية وخاصة عندما تكون عميقة وتشبه الدوامة ، لذا تزود الطائرات عادة بخرائط دورية تحدد النطاقات التي تكثر فيها هذه الظاهرة والتي تأتي منطقة الكاريبي في مقدمتها وكانت الرياح تمثل العنصر المناخي الأول من حيث التأثير في النقل البحرى خلال العصور القديمة بصفة خاصة، اذ كانت تحدد مسارات رحلات السفن الشراعية ، وأحسن مثال على ذلك دور الرياح الموسمية خلال نصفى السنة الصيفي والشتوى فى تنظيم حركة الملاحة البحرية بين اقاليم جنوبي قارة آسيا وشرقى قارة أفريقيا والتي عرفها الملاحون العرب منذ زمن بعيد ، وبمعاونة أحدهم وهو أحمد بن ماجد استطاع الملاح البرتغالي فاسكو دى جاما أن يبحر من جنوبي افريقيا ويصل الى الهند عام 1497 ، كما أن كريستوفر كولمبس عندما غادر اسبانيا متوجها صوب الغرب لعبور المحيط الأطلسي اتجهت سفنه عوب الجنوب الغربي بوجه عام مستغلا في ذلك اتجاه الرياح التجارية الشمالية الشرقية التي دفعت سفنه في الاتجاه المشار اليه حتى بلغ جزر كناريا التي كانت محطته الأخيرة قبل عبور المحيط الأطلسي والوصول الى عالم الأمريكتين عام 1492 ورغم التوسع فى استخدام الأساليب الآلية الحديثة في النقل البحرى إلا أنه لازال للرياح تأثير واضح على الملاحة البحرية ، فالأعاصير والأنواء والأمواج العالية القوية وهى من آثار الرياح العنيفة لازالت تشكل مخاطر كبيرة على السفن الملاحية سواء في عرض البحار أو قرب السواحل مما يضطر معه الى اغلاق الموانى البحرية خلال فترات التعرض لمثل هذه الظاهرات المناخية المرتبطة بنشاط الرياح.
وبعد النقل الجوي من أكثر أنواع النقل تأثرا بالرياح سواء كانت سفلية أو علوية حيث يوضع النوم الأول من الاعتبار عند تحديد اتجاه الممرات الأرضية بالمطارات أما النوع الثاني وهي الرباح العلمية فتؤدى سرعتها حتى حد معين الى زيادة سرعة الطائرة في حالة الطيران مع اتجاهها ، وينتج عن شدة هذه الرياح ضعف القدرة على السيطرة على الطائرة كنتيجة لتزايد سرعتها ، وكثيرا ما تنتج عن ذلك حدوث كوارث للطائرات ، وتتأثر سرعة الطائرة ويزيد معدل استهلاكها للوقود في حالة طيرانها فى اتجاه معاكس لاتجاه الرياح العلوية وتؤثر الرياح فى النقل فوق اليابس حيث ينتج عن شدة هبوبها تكون العواصف وخاصة الرملية منها والتي تؤدي الى تعطل حركة النقل سواء على الطرق المرصوفة أو على الخطوط الحديدية نظرا لتراكم الرمال فوقها.
ويقتصر تأثير الرطوبة في مجال النقل على فلنكات الخطوط الحديدية حيث تؤدي الى تعرض الفلنكات الخشبية للتعطن والفلنكات الحديدية وللإصابة بالصدأ ، لذا يفضل التوسع في استخدام الفلنكات الخرسانية في الأقاليم الرطبة ويشكل الضباب الذى يحد من مجال ووضوح الرؤية خطرا على كل انواع النقل سواء الجوي أو البحري أو النقل على الطرق المرصوفة وخاصة السريعة منها والأمطار من عناصر المناخ التى توضع في الاعتبار عند تصميم الطرق المرصوفة حيث يراعى عند انشاء شبكات الطرق فى الأقاليم المطيرة أن تزود بالجسور والمصارف التي تجنب حدوث أضرار جسيمة للطرق المرصوفة عند سقوط الأمطار الغزيرة ، والعكس صحيح بالنسبة لشبكات الطرق المرصوفة في الأقاليم الجافة أو شبه الجافة والمعروف أن أخطار الأمطار على الطرق تزداد فى الأقاليم الصحراوية التي تتعرض أحيانا لسقوط أمطار في شكل زخات شديدة مصحوبة بالعواصف الرعدية والتي يترتب عليها حدوث سيول جارفة تعطل حركة النقل على الطرق المرصوفة والخطوط الحديدية ، بل كثيرا ما ينتج عنها حدوث تلفيات شديدة في الطرق والخطوط المشار اليها ويؤدي سقوط الأمطار الى تعطل النقل على الطرق الترابية وعدم صلاحيتها للنقل الميكانيكي خلال فترات سقوط الأمطار ، كما هي الحال بالنسبة لهذا النمط من الطرق المنتشرة في ريف مصر والتي ترتبط في معظمها يجسور المجاري المائية واسعة الانتشار في المناطق الريفية لانخفاض تكلفة تمهيدها وعدم صيانة معظمها بصورة دورية.

الاكثر قراءة في الجغرافية المناخية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة