الشيعة تعتبر أساس تعاليم الإسلام قائم على الإمامة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص200-203
2025-10-18
359
تقول الشيعة انّ أساس تعاليم الاسلام قائمة على الإمامة، ففي زمن رسول الله كان صلى الله عليه وآله هو الإمام، وكان يفيض المعارف على قلوب الأمّة بقلبه اليقظ منبع علوم {فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى}[1]، ثم جرى ذلك بعده؛ بواسطة الأئمة الأطهار الواحد بعد الأخر، وصولًا إلى حضرة بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فَرَجه الشريف؛ ريّ كلّ قلب بقدر سعته من قبل مراكز الحياة والمعرفة تلك.
أمّا الموضوع الأخر وهو التسليم والخضوع والاتّباع للإمام، الذي يُعدّ القلوب لتلقّي واكتساب المعارف والعلوم، فهذه الخصوصيّة موجودة لدى الشيعة، لذا يُشاهد أنّ الشيعة يفوقون العامّة بقدر ملحوظ في صفات المحبّة والوفاء والصفاء والإنفاق والإيثار وقضاء حوائج الناس وفي رقّة القلب والعاطفة ونظائرها من الصفات الحميدة، وهذا ناجم عن روح التسليم والخضوع مقابل معلم البشريّة ومبدأ التعليم والتربية، سواءً كان الإمام حاضراً أو غائباً، لأنّ تأثير وتأثّر الأرواح لا حاجة له كثيراً إلى الحضور، لأنّه ليس مادّه ليشترط لتأثيرها في مادّة أخرى القُرب المكاني والتماسّ الخارجي، بل هو تأثير فعلية النفس الفعّالة في قابليات النفوس المستعدّة.
ولأنّ عالم الملكوت خارج عن الزمان والمكان، لذا يمكن أن نجد تأثير فعلية الآثار الحياتيّة للإمام في كلّ قلب، فإن كان الإمام في مشرق العالم وكان تابعه في المغرب، فانّ قلب التابع مع ذلك سيحصل على استفادته، كما انّ الانسان- على أثر محبّته لولده- في ذكره دوماً، سواءً كان ولده قربه أو مسافراً بعيداً عنه، فصورة الولد لا تفارقه بل مطبوعة في قلبه. وكذلك إذا ما وجدت تجليّات الإمام في قلب المؤمن أينما كان ذلك المؤمن، فانّه سوف يستمدّ ماء الحياة من ذلك المعدن اللامتناهي اثر انعكاس الصورة الحقة.
لذا فانّ الشيعة يفيدون- ولو في زمن الغيبة- من ذلك المركز للعلم والمعرفة، بسبب التفاتهم الكامل إلى مصدر الخيرات والعلوم، مع انّه لا شك هناك ولا ريب في انّ أثر حضور الإمام وفوائده أكثر وأوفر؛ خلافاً لغير الشيعة الذين لا ترتبط قلوبهم بهذا المعدن، لذا فانّ نفوسهم حائرة متردّدة ليس لها إلى الخروج عن ذواتها من سبيل.
الشيعة يمتلكون اللطف والرقّة والمداراة: يقول ابن أبي الحديد بعد أن يذكر قدراً من صفات أمير المؤمنين عليه السلام: وَقَدْ بَقِيَ هَذا الخُلُقُ مُتَوارَثاً مُتَنَاقَلًا في مُحِبّيهِ وأوليائِهِ إلى الآن، كما بَقِيَ الجَفَاءُ والخُشونَةُ والوُعُورَةُ في الجَانبِ الآخرِ، ومَن لَهُ أدْنى مَعرفَةٌ بِأخلاقِ النَّاسِ وعَوَائِدِهِمْ يَعْرفُ ذَلكَ[2].
انّ المعارف والعلوم الالهيّة تجري في قلوب اتباع الإمام اثر اتّصال قلوبهم بقلبه، كما انّ السبب في انّ للمؤمنين أنهاراً من ماء زلال في الجنّة يعود إلى تأثير ذلك الاتصال القلبي والإفادة من نبع فضائل الأئمة. ونرى كثيراً في القرآن الكريم أنّ الله تعالى يعد المؤمنين {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} مثل: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}[3].
الجنّة تجلّي الصفات والأفعال: وكما ذكرنا فانّ الجنّة هي ظهور وبروز عالم نفس المؤمن في الأخرة، ولأنّ نفس المؤمن قد نجت، بسبب الاطمئنان بالله وبالسكينة التي حصلت عليها، من حرارة ولسع اليأس والفشل ومن طوفان خواطر الشيطان والاضطرابات الفكريّة والأخلاقيّة، فهم مسرورون فرحون في رحمة الله ومقام أمنه وأمانه، فقد عشقوا الله بنشاط ولذّة كاملين حتى في أدقّ لحظات سكرات الموت، فهم في سكينة واطمئنان، لذا فعند ما يظهر ملكوت الأشياء في الأخرة، فانّ ملكوت نفس المؤمن سيكون بصورة جنّة متشابكة الأشجار، تشابكت فيها فروع الأعمال الصالحة وأوراقها، فألقت ظلالها على الأرض، فلا مجال هناك لأشعّة الشمس اللاهبة ولا لطوفان الحوادث أو غبار الخيالات والخواطر الشيطانية.
سواءً اعتبرنا انّ الجنّة من جهة تجسّم أعمال المؤمن وظهور ملكوت النفس المؤمنة، أو بعنوان الجزاء المترتّب على العمل، فانّ النتيجة ستكون واحدة. يشهد على هذا المعنى خطاب الله تعالى إلى آدم أبي البشر قبل وروده في هذه النشأة: {فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ ولِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرى ، وأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها ولا تَضْحى}[4].
فقد خاطب الله آدم: انّ هذه الجنّة لا خواطر نفسانية فيها ولا اضطرابات للخيال والقوى الواهمة، هناك حيث لا تجوع ولا تعرى، ولا تظمأ ولا تضحى بحرارة الشمس، فالجوع والعُرى والحرارة والانصهار كلها من أثر تسلّط النفس الأمّارة بالسوء على الإنسان، أمّا في الجنّة حيث قلب الإنسان مطمئنّ هادئ بعيد عن الخواطر والانفعالات، هناك حيث الاستقرار والاستراحة في {مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[5].
فالذين يغادرون الدنيا إلى الله بالإيمان والأعمال الصالحة هم الذين يدخلون الجنّة ويتمتّعون فيها تحت ظلال الأشجار المتكاثفة.
[1] الآية 10، من السورة 53: النجم.
[2] (شرح نهج البلاغة)، الطبعة ذات العشرين مجلّداً، ج 1، ص 26.
[3] الآية 14 و23، من السورة 22: الحجّ؛ والآية 12، من السورة 47: محمد.
[4] الآية 117- 119، من السورة 20: طه.
[5] الآية 55، من السورة 54: القمر.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة