قصّة ليلة المبيت وإيثار وتضحية أمير المؤمنين عليه السّلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص131-135
2025-10-11
287
ايثار وتضحية أمير المؤمنين لرسول الله: لقد لازم أمير المؤمنين عليه السلام النبيّ في جميع المراحل، وكان يفديه بروحه ولا يتوانى دقيقة عن الإيثار، وكان كفّار قريش يعذّبون المسلمين كثيراً حتى أجبروهم على الهجرة إلى الحبشة بإذن رسول الله.
وقد ذهب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مرّة إلى الطائف لطلب النصرة والمساعدة واستنصرهم قائلًا: لا اكره أحداً منكم، انّما أريد ان تمنعوني ممّا يُراد بي من القتل حتى ابلغ رسالات ربّي[1].
فلم يقبله أحد، وقعدوا له صفّين، فلما مرّ رسول الله رجموه بالحجارة حتى أدموا قدمه، ثم أخرجوه من الطائف.
ولمّا توفّي أبو طالب اجترأت قريش على رسول الله، فلم يعودوا يتورّعون عن إصابته بكلّ أنواع الأذى، وكانوا يرجمون بيته دوماً بالخشب والحجارة، ويُهيلون عليه التراب في الطريق.
وعاد رسول الله إلى بيته يوماً وآثار التراب على رأسه ووجهه، فكانت احدى بناته تغسل التراب عن رأسه ووجهه وتبكي فيقول لها: لا تبكي يا بُنيّة! انّ الله مانعٌ أباك![2].
ثمَّ انّ الانصار قدموا إلى رسول الله وآمنوا به وبايعوه على انّه اذا ذهب اليهم في المدينة لحفظوه ممّا يحفظون منه أنفسهم وأولادهم، ولمنعوه من عدوّه.
ومن جانب آخر فقد رأى كفّار قريش بأنهم عجزوا عن الوقوف أمام دعوته بمختلف الحيل، ولو بالوعد والوعيد، وانّ عدد المسلمين كان يتزايد يوماً بعد آخر، حتى صمّموا في النهاية أن يجتمعوا في دار الندوة ليتّخذوا قرارهم النهائي في شأنه، فاجتمع منهم في دار الندوة أربعون رجلًا مجرّباً، ثم صمّموا على قتل النبّي بعد مناقشات طويلة، فاختاروا من كلّ قبيلة رجلًا للاشتراك في قتله، على أن يضربوه ضربة رجل واحد فيضيع دمه بين القبائل، ولا يستطيع بنو هاشم ان يحاربوا كلّ هذه القبائل فيقنعوا بالدية، فلا يضيرهم أن يسلموا الدية إلى بني هاشم.
لقد اتّفقوا على موعد معيّن، فاختاروا من كلّ قبيلة رجلًا شجاعاً ليتسلّلو إلى بيت الرسول ليلًا دون أن يعلم بهم أحد فيقطّعونه بسيوفهم إرباً ارباً.
وكانوا جادّين في قرارهم غاية الجدّ، وكتموا ذلك عن الجميع فلم يخبروا به أحداً، وعند ما حلّ الموعد المعيّن، وكانوا يتأهّبون لاقتحام منزل النبّي ليلًا، نزل عليه جبرئيل فأطلعه على الأمر: زول آية {وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...} في ليلة المبيت {وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ}[3].
وأمره أن يترك علياً أمير المؤمنين مكانه ويهاجر إلى المدينة، فأرسل الرسول الأكرم إلى على وقال له: "يا علي، ... انّه قد اوحى إلى جبرئيل عن ربّي عزّ وجل أن أهجر دار قومي، وانّه أمرني ان آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفى بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل أو صانع؟" فقال علي عليه السلام: "أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ الله".
قال نعم.
فتبسّم علي عليه السلام ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً لما نبّأه رسول الله صلى الله عليه وآله من سلامته. فكان عليّ عليه السلام اول من سجد لله شكراً، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة. روى ابن الأثير بإسناده عن ابن اسحق قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم، يعني بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة، ينتظر مجيء جبرئيل عليه السلام وأمره له أن يخرج من مكّة، بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة، حتى اذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبيّ وأرادوا برسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم ما أرادوا، أتاه جبرئيل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه. فدعا رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم عليّ بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجّي ببُردٍ له أخضر ففعل، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه [و آله] سلم على القوم وهم علي بابه[4].
وروى كذلك بإسناده عن أبي رافع قال: وخلّفه رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم، يعني خلف عليّاً يخرج اليه بأهله، وأمره أن يؤدي عنه أمانته. ووصايا من كان يوصي اليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدّى علي أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراه ليلة خرج وقال: إنّ قريشاً لم يفقدوني ما رأوك! فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلم فيرون عليه علياً فيظنّونه النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلم، حتى اذا أصبحوا رأوا عليه علياً فقالوا: لو خرج محمّد لخرج بعلي معه، فحبسهم الله بذلك عن طلب النبّي حين رأوا عليّاً.
نزف الدم من أقدام عليّ عند الهجرة إلى المدينة: وأمر النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلم عليّاً أن يلحقه بالمدينة، فخرج عليّ في طلبه بعد ما أخرج اليه أهله، يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلّم قال: ادعُوا لي عَليًّاً قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ لا يَقْدِرُ أنْ يمشِي، فأتاه النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلم، فلما رآه اعتنقه وبكى رحمةً لما بقدميه من الورم وكانتا تقطران دماً، فتفل النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلم في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما حتى استشهد [عليه السلام][5].
[1] (تاريخ اليعقوبي)، ج 2، ص 36.
[2] (تاريخ الطبري)، ج 2، ص 80.
[3] الآية 30، من السورة 8: الأنفال.
[4] (أسد الغابة)، ج 4، ص 18 و19.
[5] (أسد الغابة)، ج 4، ص 19.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة