القول الحسن فريضة أخلاقية
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص199-202.
2025-08-31
569
القول الحسن فريضة أخلاقية
قال تعالى : {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } [الإسراء: 53 - 57].
قال الشيخ الطبرسي ( رحمه اللّه تعالى ) : ثم أمر سبحانه عباده باتباع الأحسن من الأقوال والأفعال ، فقال : وَقُلْ يا محمد لِعِبادِي وهذا إضافة تخصيص وتشريف ، أراد به المؤمنين . وقيل : هو عام في جميع المكلفين يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي : يختاروا من المقالات والمذاهب ، المقالة التي هي أحسن المقالات ، والمذاهب . وقيل : مرهم يقولوا الكلمة التي هي أحسن الكلمات ، وهي كلمة الشهادتين ، وكل ما ندب اللّه إليه من الأقوال . وقيل : معناه يأمروا بما أمر اللّه به ، وينهوا عما نهى اللّه عنه . وقيل :
معناه قل لهم يقل بعضهم لبعض أحسن ما يقال ، مثل : رحمك اللّه ، ويغفر اللّه لك .
وقيل : معناه قل لعبادي إذا سمعوا قولك الحق ، وقول المشركين ، يقولوا ما هو أولى ، ويتبعوا ما هو أحسن ، عن أبي مسلم ، وقال نظيره :
{فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }.
{إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} أي : يفسد بينهم ، ويغري بعضهم ببعض ، ويلقي بينهم العداوة إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ في جميع الأوقات لِلْإِنْسانِ أي :
لآدم وذريته عَدُوًّا مُبِيناً مظهرا للعداوة .
ثم خاطب سبحانه الفريقين ، فقال : رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ معناه : إنه أعلم بأحوالكم ، فيدبر أموركم على ما يعلمه من المصلحة لكم إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ، قيل : أراد أنه سبحانه مالك للرحمة والعذاب ، فيكون الرجاء إليه ، والخوف منه . . .
وقيل : معناه إن يشأ يرحمكم بالتوبة ، أو إن يشأ يعذبكم بالإصرار على المعصية . . . وقيل : معناه إن يشأ يرحمكم بإخراجكم من مكة ، وتخليصكم من إيذاء المشركين ، أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم . وقيل : إن يشأ يرحمكم بفضله ، وإن يشأ يعذبكم بعدله ، وهو الأظهر .
ثم عاد إلى خطاب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : {وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } أي :
وما أرسلناك موكلا عليهم . حفيظا لأعمالهم ، يدخل الإيمان في قلوبهم ، شاؤوا أم أبوا . ومعناه : إنك لا تؤاخذ بأعمالهم ، فإنا أرسلناك داعيا لهم إلى الإيمان ، فإن أجابوك وإلا فلا شيء عليك ، فإن عتاب ذلك يحل بهم ، واللائمة تلزمهم
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي : هو أعلم بمن في السماوات من الملائكة ، وبمن في الأرض من الأنبياء ، بين سبحانه بهذا أنه لم يختر الملائكة والأنبياء للميل إليهم ، وإنما اختارهم لعلمه بباطنهم . وقيل : معناه إنه أعلم بالجميع ، فجعلهم مختلفين في الصور والرزق والأحوال ، كما اقتضته المصلحة ، كما فضل بعض النبيين على بعض وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ والمعنى : إن الأنبياء وإن كانوا في أعلى مراتب الفضل ، فإنهم طبقات في ذلك ، وبعضهم أعلى من بعض ، بزيادة الدرجة والثواب ، وبالمعجزات والكتاب . ولما كان سبحانه عالما ببواطن الأمور ، إختارك للنبوة وفضلك على الأنبياء ، كما فضل بعضهم على بعض ، فسخر لبعضهم النار ، وألان لبعضهم الحديد ، وأتى بعضهم الملك ، وكلم بعضهم ، وكذلك خصك بخصائص لم يعطها أحدا ، وختم بك النبوة .
ثم قال : وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً قال الحسن : كل كتاب زبور ، إلا أن هذا الاسم غلب على كتاب داود عليه السّلام ، كما غلب اسم الفرقان على القرآن ، وإن كان كل كتاب من كتب اللّه فرقانا ، لأنه يفرق بين الحق والباطل . وقال الزجاج : معنى ذكر داود هنا : إنه يقول لا تنكروا تفضيل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وإعطاءه القرآن ، فقد أعطينا داود الزبور.
ثم قال سبحانه لنبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : قُلِ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير اللّه ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ أنها آلهة عند ضر ينزل بكم ، ليكشفوا ذلك عنكم ، أو يحولوا تلك الحالة إلى حالة أخرى .
فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا للحالة التي تكرهونها إلى حالة تحبونها ، يعني تحويل حال القحط إلى الخصب ، والفقر إلى الغنى ، والمرض إلى الصحة . وقيل : معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلى غيركم . بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة ، فإنه لا يصلح للإلهية ، ولا يستحق العبادة . والمراد بالذين من دونه هم الملائكة ، والمسيح ، وعزير . . . .
وقيل : هم الجن ، لأن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن . . . . وقال :
وأسلم أولئك النفر من الجن ، وبقي الكفار على عبادتهم . قال الجبائي :
ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى ، فقال : أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ومعناه : أولئك الذين يدعون إلى اللّه تعالى ، ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات أَيُّهُمْ أَقْرَبُ أي : ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه ، وتأويله : إن الأنبياء مع علو رتبهم ، وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير اللّه ، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير اللّه ، وإنما ذكر ذلك حثا على الاقتداء بهم . وقيل : إن معناه أولئك الذين يدعونهم ويعبدونهم ، ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة ، يبتغون الوسيلة والقربة إلى اللّه تعالى ، بعبادتهم ، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته ، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب إلى رحمته ، أو إلى الإجابة .
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ أي : وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته ، إن أطاعوا ، ويخافون عذابه إن عصوا ، ويعملون عمل العبيد ، إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً ، أي : متقى يجب أن يحذر منه لصعوبته . . . « 1 ».
________________
( 1 ) مجمع البيان : ج 6 ، ص 261 - 263 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة