آيات الله الكبرى لموسى عليه السلام
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص347-349.
2025-08-24
537
آيات الله الكبرى لموسى عليه السلام
قال تعالى : {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } [طه : 23 - 36].
قال الشيخ الطوسي ( رحمه اللّه تعالى ) : وقوله لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى معناه قلب العصا حية لنريك من آياتنا وحججنا الكبرى منها ، ولو قال الكبر على الجمع كان وصفا لجميع الآيات . وكان جائزا.
ثم قال تعالى له اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ أي امض إليه وادعه إلى اللّه ، وخوفه من عقابه ، فإنه طغى ، أي تجاوز قدره في عصيان اللّه ، وتجاوز به قدر معاصي الناس ، يقال : طغى يطغى طغيانا ، فهو طاغ ، ونظيره البغي على الناس ، وهم الطغاة والبغاة .
فقال عند ذلك موسى يا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي أي وسع صدري ، ومنه شرح المعنى أي بسط القول فيه .
وقوله وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي قال : وهذا أيضا إخبار عما سأل اللّه تعالى موسى ، فإنه سأل أن ييسر له أمره ، أي يسهله عليه ويدفع المشقة عنه ويضع المحنة ، يقال : يسره تيسيرا ، فهو ميسر ونقيضه التعسير ، ومنه اليسر واليسير .
والحل نفي العقد بالفرق ، حله يحله حلا ، فهو حال والشيء محلول . وضد الحل العقد ، ونظيره الفصل والقطع . والعقدة جملة مجتمعة يصعب حلها متفلكة ، عقد يعقد عقدا وعقدة ، فهو عاقد والشيء معقود .
ويقال : إنه كان في لسان موسى عليه السّلام رثة وهي التي لا يفصح معها بالحروف شبه التمتمة وغيرها . وقيل : إن لسبب العقدة في لسانه أنه طرح جمرة في فيه لما أراد فرعون قتله ، لأنه أخذ لحيته وهو طفل فنتفها ، فقالت له آسية : لا تفعل ، فإنه صبي لا يعقل ، وعلامته أنه أخذ جمرة من طست فجعلها في فيه . . . وقوله يَفْقَهُوا قَوْلِي أي يفقهوه إذا حللت العقدة من لساني أفصحت بما أريد .
وسأله أيضا أن يجعل له وزيرا يؤازره على المضي إلى فرعون ويعاضده عليه . والوزير حامل الثقل عن الرئيس ، مشتق من الوزير الذي هو الثقل ، واشتقاقه أيضا من الوزر ، وهو الذي يلجأ إليه من الجبال والمواضع المنيعة .
وقوله هارُونَ أَخِي . . . فقيل : إن اللّه جل أكثر ما كان بلسانه إلا بقية منه بدلالة قوله {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف: 52] . . .
وقيل : إن اللّه استجاب دعاءه ، فحل العقدة من لسانه . وهو الصحيح ، لقوله تعالى : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ويكون قول فرعون وَلا يَكادُ يُبِينُ أنه لا يأتي ببيان يفهم كذبا عليه ليغوي بذلك الناس ويصرف به وجوههم عنه .
وقوله : اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ، قال : قرأ ابن عامر وحده اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي بقطع الهمزة وَأَشْرِكْهُ بضم الألف . الباقون بوصل الهمزة الأولى ، وفتح الثانية . فوجه قراءة ابن عامر : أنه جعله جزاء الباقون جعلوه : دعاء . وضم ألف أَشْرِكْهُ في قراءة ابن عامر ضعيف ، لأنه ليس إليه إشراكه في النبوة بل ذلك إلى اللّه تعالى .
والوجه فتح الهمزة على الدعاء إلا أن يحمل على أنه أراد إشراكه في أمره في غير النبوة وذلك بعيد ، لأنه جاء بعده ما يعلم به مراد موسى ، لأنه قال : {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص : 34] فقال اللّه تعالى : {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص : 35].
قوله اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي فالشد جمع يستمسك به المجموع يقال : شده يشده شدا ، فهو شاد وذاك مشدود ، ومثله الربط والعقد . والأزر الظهر يقال :
آزرني فلان على أمري أي كان لي ظهرا ، ومنه المئزر ، لأنه يشد على الظهر ، والإزار لأنه يشد على الظهر ، والتأزير لأنه تقوية من جهة الظهر . ويجوز أن يكون أزر لغة في وزر ، مثل أرخت وورخت ، وأكدت ووكدت . وقوله وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فالإشراك الجمع بين الشيئين في معنى على أنه لهما ، يجعل جاعل . وقد أشرك اللّه بين موسى وهارون في النبوة . وقوى اللّه به أزره ، كما دعاه .
وقوله : كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً فالتسبيح التنزيه للّه عما لا يجوز عليه من وصفه بما لا يليق به ، فكل شيء عظم به اللّه بنفي ما لا يجوز عليه ، فهو تسبيح ، مثل : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر .
وقوله وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً معناه نذكرك بحمدك والثناء عليك بما أوليتنا من نعمك ، ومننت به علينا من تحميل رسالتك إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً أي عالما بأحوالنا وأمورنا .
فقال اللّه إجابة له قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى أي أعطيت مناك فيما سألته . والسؤال المنى فيما يسأله الإنسان ، مشتق من السؤال ، ويجوز بالهمز وترك الهمز « 1 ».
_____________
( 1 ) التبيان : ج 7 ، ص 170 ، 171 ، 172 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة