ايمان سحرة فرعون برب موسى
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص362-365.
2025-08-19
374
ايمان سحرة فرعون برب موسى
قال تعالى : {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى } [طه: 69 - 76].
قال الشيخ الطبرسي ( رحمه اللّه تعالى ) : وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ يعني العصاء تَلْقَفْ ما صَنَعُوا أي : تبتلع ما صنعوا فيه من الحبال والعصي ، لأن الحبال والعصي أجسام ليست من صنعهم ، قالوا : ولما ألقى عصاه صارت حية ، وطافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلهم ، ثم قصدت الحبال والعصي فابتلعتها كلها على كثرتها ، ثم أخذها موسى فعادت عصا كما كانت إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ أي : إن الذي صنعوه ، أو إن صنيعهم كيد ساحر ، أي : مكره وحيلته وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي : لا يظفر الساحر ببغيته إذ لا حقيقة للسحر حَيْثُ أَتى أي : حيث كان من الأرض .
وقيل : لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره لأن الحق يبطله.
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً ها هنا محذوف وهو فألقى عصاه ، وتلقف ما صنعوا ، فألقي السحرة سجدا ، أي : سجدوا و قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى أضافوه سبحانه إليهما لدعائهما إليه ، وكونهما رسولين له قالَ فرعون للسحرة . آمَنْتُمْ لَهُ أي : لموسى ، والمعنى : قد صدقتم له قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي : من غير إذني ، لأنه بلغ من جهله أنه لا يعتقد دين إلا بإذنه .
والفرق بين الإذن والأمر . أن في الأمر دلالة على إرادة الآمر الفعل المأمور به ، وليس في الإذن ذلك . وقوله : وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا إذن ، وقوله أَقِيمُوا الصَّلاةَ * أمر.
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ معناه : إنه لأستاذكم وأنتم تلامذته ، وقد يعجز التلميذ عما يفعله الأستاذ . وقيل : إنه لرئيسكم ومتقدمكم ، وأنتم أشياعه وأتباعه ما عجزتم عن معارضته ، ولكنكم تركتم معارضته احتشاما له واحتراما . وإنما قال ذلك ليوهم العوام أن ما أتوا به إنما هو لتواطؤ من جهتهم ، ليصرفوا وجوه الناس إليهم فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي : أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي :
على جذوع النخل وَلَتَعْلَمُنَّ أيها السحرة أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً لكم وَأَبْقى وأدوم أنا على إيمانكم أم رب موسى على ترككم الإيمان به .
قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ أي : لن نفضلك ، ولن نختارك على ما أتانا من الأدلة الدالة على صدق موسى ، وصحة نبوته ، والمعجزات التي تعجز عنها قوى البشر . وَالَّذِي فَطَرَنا أي : وعلى الذي فطرنا ، أي : خلقنا .
وقيل : معناه لن نؤثرك واللّه الذي فطرنا على ما جاءنا من البينات ، وما ظهر لنا من الحق فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ أي : فاصنع ما أنت صانعه على إتمام وإحكام . وقيل : معناه فاحكم ما أنت حاكم ، وليس هذا بأمر منهم ، ولكن معناه : أي شيء صنعت ، فإنا لا نرجع عنه الإيمان إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا أي : إنما تصنع بسلطانك ، أو تحكم في هذه الدنيا دون الآخرة ، فلا سلطان لك فيها ، ولا حكم . وقيل : معناه إنما تقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا دون الحياة الآخرة
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا من الشرك والمعاصي وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ إنما قالوا ذلك لأن الملوك كانوا يجبرونهم على تعليم السحر ، كيلا يخرج السحر من أيديهم . قيل : إن السحرة قالوا لفرعون : أرنا موسى إذا نام ، فأراهم إياه ، فإذا هو نائم ، وعصاه تحرسه . فقالوا : ليس هذا بسحر ، إن الساحر إذا نام بطل سحره . فأبى عليهم إلا أن يعملوا فذلك إكراههم . . .
وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى أي : واللّه خير لنا منك ، وثوابه أبقى لنا من ثوابك .
وقيل : معناه واللّه خير ثوابا للمؤمنين ، وأبقى عقابا للعاصين منك . وهذا جواب لقوله وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى وها هنا انتهى الإخبار عن السحرة .
ثم قال اللّه سبحانه إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً وقيل : إنه من قول السحرة . قال ابن عباس : في رواية الضحاك المجرم الكافر . وفي رواية عطاء يعني الذي أجرم ، وفعل مثل ما فعل فرعون فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح من العذاب وَلا يَحْيى حياة فيها راحة ، بل هو معاقب بأنواع العقاب .
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً مصدقا باللّه ، وبأنبيائه قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ أي :
أدى الفرائض . . . فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى يعني درجات الجنة ، وبعضها أعلى من بعض . والعلى : جمع العليا ، وهي تأنيث الأعلى جَنَّاتُ عَدْنٍ أي : إقامة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى معناه : إن الثواب الذي تقدم ذكره ، جزاء من تطهر بالإيمان والطاعة عن دنس الكفر والمعصية . وقيل : تزكى طلب الزكاء بإرادة الطاعة ، والعمل بها « 1 ».
_____________
( 1 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 39 - 41.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة