الانشغال بعيوب النفس وترك عيوب الناس
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص411-413.
2025-08-15
547
الانشغال بعيوب النفس وترك عيوب الناس
قال تعالى : {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء : 32 - 35].
قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} يعني من الشياطين ، أي لا يسترقون السمع .
قال : وأمّا قوله : وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ فإنه لما أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بما يصيب أهل بيته من بعده ، وادعاء من ادّعى الخلافة دونهم ، اغتمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ : وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أي نختبركم وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ فأعلم ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أنّه لا بدّ أن تموت كلّ نفس .
وقال أمير المؤمنين عليه السّلام يوما ، وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال : « كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأنّ الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذين نشيّع من الأموات سفر « 1 » عما قليل إلينا راجعون . ننزلهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، كأنّا مخلدون بعدهم ، قد نسينا كلّ واعظة ، ورمينا بكل جائحة « 2 ».
أيّها الناس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وتواضع من غير منقصة ، وجالس أهل الفقه والرحمة ، وخالط أهل الذلّ والمسكنة ، وأنفق مالا جمعه في غير معصية .
أيها الناس ، طوبى لمن ذلت نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من كلامه ، وعدل عن الناس شرّه ، ووسعته السّنّة ، ولم يتعدّ إلى البدعة .
أيها الناس ، طوبى لمن لزم بيته ، وأكل كسرته ، وبكى على خطيئته ، وكان من نفسه في تعب ، والناس منه في راحة » « 3 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من زعم أن اللّه تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على اللّه ، ومن زعم أن الخير والشرّ بغير مشيئة اللّه فقد أخرج اللّه من سلطانه ، ومن زعم أن المعاصي بغير قوّة اللّه فقد كذب على اللّه ، ومن كذب على اللّه أدخله اللّه النار ».
يعني بالخير والشرّ : الصحة والمرض ، وذلك قوله عزّ وجلّ : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً « 4».
وروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام : « أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مرض ، فعاده إخوانه ، فقالوا كيف تجدك ، يا أمير المؤمنين ؟ فقال : بشرّ . فقالوا : ما هذا كلام مثلك . فقال : إن اللّه تعالى يقول : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً فالخير : الصحّة والغنى ، والشرّ : المرض والفقر » « 5 ».
____________
( 1 ) السفر : المسافر ، للواحد والجمع . « المعجم الوسيط - سفر - ج 1 ، ص 433 » .
( 2 ) الجائحة : الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها . « النهاية ج 1 ، ص 311 » .
( 3 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 70 .
( 4 ) التوحيد : ص 359 ، ح 2 .
( 5 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 74 .
الاكثر قراءة في قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة