إخبار الإمام ( عليه السلام ) بشهادته وأوصى بتجهيزه
1 - في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 95 : « دعا بالمسيب ، وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلاً به ، فقال له : يا مسيب ، قال : لبيك يا مولاي . قال : إني ظاعنٌ هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأعهد إلى عليٍّ ابني ما عهده إليَّ أبي ، وأجعله وصيي وخليفتي ، وآمره أمري !
فقال لي : إرفع رأسك يا مسيب ، واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم ! قال : فبكيت ، فقال لي : لا تبك يا مسيب ، فإن علياً ابني هو إمامك ومولاك بعدي فاستمسك بولايته ، فإنك لن تضل ما لزمته . فقلت : الحمد لله .
قال : ثم إن سيدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي : إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل ، فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني واصْفَرَّ لوني واحْمَرَّ واخْضَرَّ وتلون ألواناً ، فخبر الطاغية بوفاتي ، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحداً ولا من عندي إلا بعد وفاتي !
قال المسيب بن زهير : فلم أزل أرقب وعده ، حتى دعا بالشربة فشربها ، ثم دعاني فقال لي : يا مسيب إن هذا الرجس السندي شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني ، هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً ! فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ، ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي ، فإن الله تعالى جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا .
قال : ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه ، وكان عهدي بسيدي الرضا ( عليه السلام ) وهو غلام ، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى ( عليه السلام ) فقال : أليس قد نهيتك يا مسيب ؟ ! فلم أزل صابراً حتى مضى وغاب الشخص !
ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد ، فوافى السندي بن شاهك ، فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً ! ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه !
فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص : يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن فيَّ فإني أمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي ، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ، ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا فعرفهم وهم له منكرون !
ثم حمُل ( عليه السلام ) حتى دفن في مقابر قريش ، ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به ، ثم رفعوا قبره بعد ذلك ، وبنوا عليه » .
ملاحظات :
أ . قال في تاريخ بغداد عن المسيب بن زهير ( 13 / 138 ) : « كان من رجالات الدولة العباسية ، وولي شرطة بغداد في أيام المنصور والمهدي والرشيد ، وقد كان ولي خراسان أيام المهدي » .
وفي معارف ابن قتيبة / 413 : « هو من ولد ضرار بن عمرو الضبي ، وبنو ضرار من سادة ضبة ، وكان على شُرَط أبي جعفر وولاه المهدي خراسان ، وولي شرطة موسى . وابنه عبد الله بن المسيب ولي مصر وفارس والجزيرة ، ومحمد بن المسيب ولي شرطة محمد الأمين ، والعباس بن المسيب ولي شرطة المأمون ، وزهير بن المسيب ولي كرمان لهارون ، وكان للمسيب بن زهير أخ يقال له عمرو بن زهير ولي لأبي جعفر الكوفة » . وتاريخ خليفة / 380 ، وابن خلدون : 3 / 212 .
وقال الطبري ( 6 / 302 ) إنه كان صديقاً ليحيى بن خالد البرمكي ، لكن المسيب كان يميل إلى العلويين ويتصف بالجرأة ! ففي مروج الذهب ( 1 / 480 ) : « ذكر أن المنصور قال يوماً لجلسائه بعد قتل محمد وإبراهيم ( الحسنيين ) : تاللّه ما رأيتُ رجلاً أنصح من الحجاج لبني مروان ! فقام المسيب بن زهير الضبي فقال : يا أمير المؤمنين ما سبقَنَا الحجاج بأمر تخلَّفْنَا عنه ، والله ما خلق الله على جديد الأرض خلقاً أعز علينا من نبينا ، وقد أمرتَنَا بقتل أولاده فأطعناك وفعلنا ذلك فهل نصحناك أم لا ؟ فقال له المنصور : أجلس لا جلست » !
نلاحظ أن كلمة المسيب لو قالها غيره لكان جزاؤه القتل ، لكن المنصور اكتفى بالغضب والدعاء عليه بسبب دوره التاريخي وولائه للعباسيين ! ورووا عنه من موضوعات العباسيين أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بالخلافة لعمه العباس لكن روى عنه الحاكم ( 3 / 142 ) والخوارزمي ( المناقب / 361 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « النظر إلى وجه علي عبادة » ، وهو يؤكد ميله إلى العلويين .
وكان المسيب مسؤولاً عن سجن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ويظهر أن ذلك في حبسه الأول سنة سبعين ومائة ، فهداه الله على يده . وكان مسؤولاً في المرة الأخيرة
بنحو ما مع مسؤولية السندي المباشرة . وكان عند شهادة الإمام ( عليه السلام ) كبير السن ، فأحضره لإيمانه ومكانته في الدولة ليخبر هارون وحاشيته بما قاله له ( عليه السلام ) .
وذكر في تاريخ بغداد ( 13 / 139 ) أنه توفي سنة ست وسبعين ومائة ، وهو ابن ست وسبعين سنة ، وبما أن شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كانت سنة ثلاث وثمانين ومائة ، فالظاهر أن وفاة المسيب في ست وتسعين ، ووقع تصحيف بين السبع والتسع وهو كثير ، أو يكون الذي دعاه الإمام ( عليه السلام ) وأوصاه ابنه محمد بن المسيب ، ففي تاريخ بغداد : 4 / 65 ، أنه : « ولي الشرطة للرشيد والأمين ، ومات ببغداد » .
ب - نلفت إلى شهادة المسيب بأن الذي غسل الإمام ( عليه السلام ) وكفنه وصلى عليه ابنه الإمام الرضا ( عليه السلام ) على قاعدة أن المعصوم لا يغسله إلا معصوم ، وهو يدل على قدم المسيب الراسخ في التشيع .
وروى في الكافي : 1 / 384 « عن أحمد بن عمر الحلال عن الرضا ( عليه السلام ) : قلت له : إنهم يحاجونا يقولون إن الإمام لا يغسله إلا الإمام ! قال فقال ( عليه السلام ) : ما يدريهم من غسله ، فما قلت لهم ؟ قال : فقلت : جعلت فداك قلت لهم : إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق ، وإن قال غسله في تخوم الأرض فقد صدق ، قال : لا هكذا ، فقلت : فما أقول لهم ؟ قال : قل لهم إني غسلته ، فقلت : أقول لهم إنك غسلته ؟ فقال : نعم . . . عن طلحة قال قلت للرضا ( عليه السلام ) : إن الإمام لا يغسله إلا الإمام ؟ فقال : أما تدرون من حضر لغسله ؟ قد حضره خير ممن غاب عنه : الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته » .
وفي الخرائج : 1 / 264 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « كان فيما أوصى به إلي أبي علي بن الحسين أن قال : يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك ، فإن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله » وبمعناه الكافي : 1 / 459 ، و : 3 / 159 ، ومناقب آل أبي طالب : 3 / 351 و 480 .
ج - قوله ( عليه السلام ) : « ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، فإن الله تعالى جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا » .
يدل على أنه يعرف إيمان شيعته به ، وأنهم سيزورون قبره ، وربما أخذوا من ترابه للتبرك ، فأراد أن يحافظ على الخصوصية الشرعية لتربة جده الحسين ( عليه السلام ) .
وقد بحث الفقهاء هذه المسألة ، وأفتوا بحرمة أكل التراب باستثناء شئ يسير من تربة الإمام الحسين ( عليه السلام ) . قال الشيخ الطوسي في النهاية / 590 : « ولا يجوز أكل شئ من الطين على اختلاف أجناسه ، إلا طين قبر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، فإنه يجوز أن يؤكل منه اليسير للاستشفاء به ، ولا يجوز الإكثار منه على حال » .
وقال صاحب الجواهر ( 36 / 368 ) : « وعلى كل حال فظاهر الفتاوى الاقتصار على استثناء قبر الحسين من بين قبورهم ( عليهم السلام ) حتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . بل المعروف كون ذلك من خواصه ( عليه السلام ) كما ورد به بعض النصوص »
وفي صحيح إسحاق بن عمار ( رحمه الله ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن لموضع قبر الحسين بن علي حرمة معلومة من عرفها واستجار بها أجير . قلت : فصف لي موضعها جعلت فداك . قال : إمسح من موضع قبره اليوم فامسح خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه ، وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه ، وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء ، فليس ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ، ففوج ينزل وفوج يعرج » . ( الكافي : 4 / 588 ) .
د - تقدم أن يحيى بن خالد الأب الرضاعي لهارون ، كان معه في الرقة وشاهد غضب هارون على ابنه الفضل بن يحيى حتى أمر الناس بلعنه لأنه عصاه ولم يقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فهدأه يحيى وتكفل له بأنه يعالج أمر ابنه وينفذ أمره ، فجاء إلى بغداد على البريد بسرعة ورتب أمر سُمِّ الإمام الكاظم ( عليه السلام ) !
وقال المفيد في الإرشاد : 2 / 243 : « ثم خرج يحيى بن خالد على البريد حتى وافى بغداد ، فماج الناس وأرجفوا بكل شئ ، وأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال ، وتشاغل ببعض ذلك أياماً ، ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ، وكان الذي تولى به السندي قتله ( عليه السلام ) سُمّاً جعله في طعام قدمه إليه ، ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً منه ، ثم مات في اليوم الثالث » . « وكانت وفاته ( عليه السلام ) في مسجد هارون الرشيد وهو المعروف بمسجد المسيب ، وهو في الجانب الغربي من باب الكوفة ، لأنه نقل إليه من دار تعرف بدار عمرويه » . ومناقب آل أبي طالب : 3 / 438 .
« وروي : أنه ( عليه السلام ) لما حضرته الوفاة ، سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولى له مدنياً ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ، ففعل ذلك . قال السندي بن شاهك : وكنت أسأله في الإذن لي في أن أكفنه فأبى وقال : إنا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا ، وعندي كفن وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان ، فتولى ذلك منه » . ( الإرشاد : 2 / 243 ، والفقيه : 1 / 189 ) .
المكان الذي استشهد فيه الإمام ( عليه السلام )
عرف السجن الذي كان فيه الإمام ( عليه السلام ) باسم حبس المسيب ، لأن المسيب بن زهير كان رئيس الشرطة قبل السندي ، قال في دلائل الإمامة / 305 : « وكانت وفاته ( عليه السلام ) في حبس المسيب ، وهو المسجد الذي بباب الكوفة الذي فيه السدرة » .
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 92 : « عن جماعه من مشايخ أهل المدينة قالوا لما مضى خمسة عشر سنة من ملك الرشيد استشهد ولي الله موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) مسموماً ، سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة وفيه السدرة . ومضى إلى رضوان الله تعالى وكرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنه ثلاث وثمانين ومائه من الهجرة ، وقد تم عمره أربعاً وخمسين سنه ، وتربته بمدينة السلام في الجانب الغربي بباب التبن في المقبرة المعروفة بمقابر قريش » .
وفي عيون المعجزات / 91 : « عن أحمد بن محمد بن السمط قال : سمعت من أصحاب الحديث والرواة المذكورين ، أن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) كان في حبس هارون الرشيد وهو في المسجد المعروف بمسجد المسيب من جانب الغربي بباب الكوفة ، لأنه قد نقل الموضع إليه من دار السندي بن شاهك ، وهي الدار المعروفة بدار أبي عمرويه » .
وفي المستجاد من الإرشاد / 213 ، والثاقب في المناقب / 512 : « وقد روى أكثر الناس أنه لما توجه أبو جعفر ( عليه السلام ) من بغداد منصرفاً من عند المأمون ، ومعه أم الفضل ابنة المأمون قاصداً بها المدينة ، صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة ، وقام وصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله ، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو الله ، وقنت قبل ركوعه فيها وصل الثالثة وتشهد وسلم ، ثم جلس هنيهة يذكر الله جل اسمه ، وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب تعقيبها ، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج ، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً ! فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوها نبقاً حلواً لا عجم له ! وودعوه ومضى من وقته إلى المدينة » .
إهانة هارون لجنازة الإمام ( عليه السلام ) وتكريم عمه لها
قال الطبرسي في إعلام الورى : 2 / 34 : « ولما استشهد صلوات الله عليه أدخل السندي عليه الفقهاء ووجوه الناس من أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، ثم وضعه على الجسر ببغداد ، وأمر يحيى بن خالد فنودي : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت ، قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت ، ثم حمل فدفن في مقابر قريش ، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والأشراف من الناس قديماً » .
وروى الصدوق ( رحمه الله ) في كمال الدين / 38 : « عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه قال : توفي موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) في يد السندي بن شاهك فحمل على نعش ونودي عليه : هذا إمام الرافضة فاعرفوه ! فلما أتيَ به مجلس الشرطة ، أقام أربعة نفر فنادوا : ألا من أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج ! فخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه : ما هذا ؟ قالوا : السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش ، فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي ، فإذا عبر به فأنزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد ! قال : فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق ، وأقام المنادين ينادون : ألا مَن أراد أن ينظر إلى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليخرج ! وحضر الخلق وغسله وحنطه بحنوط وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمس مائة دينار مكتوباً عليها القرآن كله ! واحتفى ( خلع نعليه ) ومشى في جنازته متسلباً مشقوق الجيب ، إلى مقابر قريش فدفنه هناك . وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر : وصلت رحمك يا عم ، وأحسن الله جزاك والله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا » ! والعيون : 2 / 93 .
وفي الغيبة للطوسي / 23 : « فروى يونس بن عبد الرحمن قال : حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم ( عليه السلام ) فما وضع على شفير القبر إذا رسول من سندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته وكان مع الجنازة ، أن أكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى يروه صحيحاً ، لم يحدث به حدث قال : وكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته ثم غطي وجهه وأدخل قبره صلى الله عليه » .
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 96 : « عن سليمان بن حفص المروزي قال : إن هارون الرشيد قبض على موسى بن جعفر ( عليه السلام ) سنه تسع وسبعين ومائة وتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنه ثلاث وثمانين ومائة وهو ابن سبع وأربعين سنة ، ودفن في مقابر قريش ، وكانت إمامته خمساً وثلاثين سنة وأشهراً وأمه أم ولد ، يقال لها : حميدة وهي أم أخويه إسحاق ومحمد ابني جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ونص على ابنه علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) بالإمامة بعده » .
وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 441 : « قال القاضي :
وهارونكم أردى بغير جريرة * نجوم تُقَىً مثل النجوم الكواكب
ومأمونكم سم الرضا بعد بيعة * فآدت له شم الجبال الرواسب . .
وقال الناشي :
ببغداد وإن ملئت قصورا * قبور أغشت الآفاق نورا
ضريح السابع المعصوم موسى * إمام يحتوي مجداً وخيرا
بأكناف المقابر من قريش * له جدث غدا بهجاً نضيرا
وقبر محمد في ظهر موسى * يغشى نور بهجته الحضورا
هما بحران من علم وحلم * تجاوز في نفاستها البحورا
إذا غارت جواهر كل بحر * فجوهرها ينزه أن يغورا
يلوح على السواحل من بغاه * تحصل كفه الدر الخطيرا » .
سليمان بن أبي جعفر عم هارون
قال عنه في تاريخ بغداد : 9 / 25 : « سليمان بن أبي جعفر المنصور ، وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، يكنى أبا أيوب ، حدث عن أبيه روت عنه ابنته زينب وإليه ينسب درب سليمان ببغداد . » . ثم ذكر أنه مات سنة تسع وتسعين وعمره خمسون سنة ، فعمره قريب من عمر هارون .
وتزوج هارون العباسة بنت سليمان سنة 187 ، وتزوج عزيزة مطلقة سليمان وهي بنت خال هارون . ( الطبري : 6 / 540 ) .
وكان سليمان وبنته زينب يرويان أن جدهم ابن عباس قال لابنه : « يا بني إذا أفضى هذا الأمر إلى ولدك فسكنوا السواد ولبسوا السواد ، وكان شيعتهم أهل خراسان لم يخرج هذا الأمر منهم إلا إلى عيسى بن مريم » ! ( تاريخ بغداد : 14 / 435 ، وتاريخ دمشق : 22 / 336 ) .
وكان سليمان أحد القادة الثلاثة الذين أرسلهم موسى الهادي لقمع ثورة العلويين في مكة بقيادة الحسين بن علي صاحب فخ ( رحمه الله ) ، والآخران : العباس بن محمد بن علي ، وموسى بن عيسى ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 404 ، والوافي : 12 / 282 ) .
وهجا أبو سماعة سليمان فأمر هارون بحلق رأسه ولحيته ! ( تاريخ دمشق : 16 / 8 ) . وكان سليمان والياً على الكوفة عندما خرج محمد بن إبراهيم بن طباطبا وأبو السرايا فهزموا جيش الدولة وملكوا الكوفة ، ثم عاود العباسيون حملتهم لما مات ابن طباطبا ، واسترجعوا الكوفة سنة 199 . ( الطبري : 7 / 117 ) .
كما كان سليمان : « أمير دمشق ، وليها للرشيد ثم للأمين مرتين ، وولي إمرة البصرة مرتين أيضاً » . ( الأعلام : 3 / 128 ) . وفي عهد ولايته للشام خرج شخص من ذرية يزيد وادَّعى أنه السفياني : « وكان بنو أمية يروون فيه الروايات ويذكرون أن فيه علامات السفياني . . وطرد عنها سليمان بن أبي جعفر بعد حصره إياه بدمشق فلم يفلت منهم إلا بعد اليأس ولحقه الغوغاء والرعاع ونهبوا أواخر عسكره » ( تاريخ دمشق : 43 / 29 ) .
وقال في الأعلام : 4 / 303 ، عن هذا السفياني : « كان من أهل العلم والرواية يقول حين يفاخر : أنا ابن شيخيْ صفين ! لأن أمه حفيدة علي بن أبي طالب ، وأباه حفيد معاوية ، ويلقبه خصومه بأبي العميطر وهو الحرذون . . . فدعا إلى نفسه وطرد عامل الأمين على دمشق الأمير سليمان بن أبي جعفر المنصور ، وامتلكها سنة 195 وبويع بالخلافة وهو ابن تسعين سنة ، وكان أصحابه يجولون في أسواق دمشق ويقولون للناس : قوموا بايعوا مهدي الله » !
و « كان الركيبي يأخذ البيعة لأبي العميطر على الناس في الأسواق ، وكان يدور على منازل أهل دمشق فمن خرج إليه أخذ عليه البيعة ، ومن لم يخرج يقول : يا غلام سَمِّر بابه وأشمت به جاره » ! ( تاريخ دمشق : 21 / 97 ) وذكر في الأعلام أنه خرج بعده مسلمة المرواني وزعم أنه السفياني وقبض على السفياني العميطر وحبسه ! ثم هاجم القيسية مسلمة فهرب في ثياب النساء ، وبايع أهل الشام للمأمون .
وكان سليمان المذكور مع الأمين في حربه مع أخيه المأمون ، ولما ضعف أمره راسل سليمان المأمون ! « وكان محمد قد حبس سليمان بن أبي جعفر وإبراهيم بن المهدي لأمر بلغه ، فلما صار هرثمة على باب بغداد أخرجهما من الحبس ، ووجه بهما مع جماعة » ( اليعقوبي : 2 / 441 ) . راجع في حياته : اليعقوبي : 2 / 409 1 ، وتاريخ خليفة / 366 ، وتاريخ بغداد : 1 / 105 ، و 107 ، والوافي : 16 / 383 وتاريخ دمشق : 22 / 337 ، و : 38 / 117 ، و : 43 / 27 ، و : 48 / 236 ، و : 60 / 352 ، والطبري : 6 / 485 ، و : 7 / 25 ، و 50 ، و : 7 / 77 ) .
أقول : يدل تاريخ سليمان بن أبي جعفر المنصور ، على أنه قام بتكريم جنازة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لمصلحة العباسيين ، حتى لا تتفاقم عليهم نقمة الناس ، خاصة وأن العلويين كانوا ثائرين في عدة مناطق .
صار قبر الإمام ( عليه السلام ) مزاراً ومشهداً من أول يوم
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 6 / 273 : « قلت : له مشهد عظيم مشهور ببغداد ، دفن معه فيه حفيده الجواد . ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس . وكانت وفاة موسى الكاظم في رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة . عاش خمساً وخمسين سنة » وقال أبو الفداء / 283 : « وتوفي في هذه السنة أعني سنة ثلاث وثمانين ومائة ، لخمس بقين من رجب ببغداد ، وقبره مشهور هناك ، وعليه مشهد عظيم في الجانب الغربي من بغداد » .
وقال السمعاني في الأنساب : 5 / 405 : « الموسوي : بضم الميم والسين المهملة المفتوحة بين الواوين ، هذه النسبة لجماعة من السادة العلوية ينتسبون إلى موسى الكاظم ، وهو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وفيهم كثرة . . ومشهده ببغداد مشهور يزار ، يقال له مشهد باب التبن ويقال له مقابر قريش أيضاً ، زرته غير مرة ، مع ابن ابنه محمد بن الرضا » .
وقال في وفيات الأعيان : 5 / 310 : « قال الخطيب : توفي في الحبس ودفن في مقابر الشونيزيين خارج القبة ، وقبره هناك مشهور يزار وعليه مشهد عظيم فيه قناديل الذهب والفضة وأنواع الآلات والفرش ما لا يحد ، وهو في الجانب الغربي » .
« قال الرضا ( عليه السلام ) : من زار قبر أبي ببغداد كمن زار قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلا أن لرسول الله ولأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما » ( الكافي : 4 / 583 ) .
الاكثر قراءة في شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة