النبي محمد رحمة للناس كافة
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص443-445.
2025-08-07
575
النبي محمد رحمة للناس كافة
قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [الأنبياء : 107 - 112].
قال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : وَما أَرْسَلْناكَ يا محمد إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ أي : نعمة عليهم . قال ابن عباس : رحمة للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، فهو رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ، ورحمة للكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والمسخ ، وروي أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال لجبرائيل لما نزلت هذه الآية : « هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ قال : نعم ، إني كنت أخشى عاقبة الأمر ، فأمنت بك لما أثنى اللّه علي بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ » ، وقد قال : « إنما أنا رحمة مهداة ».
وقيل : إن الوجه في أنه نعمة على الكافر أنه عرضه للإيمان والثواب الدائم ، وهداه وإن لم يهتد كمن قدم الطعام إلى جائع فلم يأكل ، فإنه منعم عليه ، وإن لم يقبل . وفي الآية دلالة على بطلان قول أهل الجبر في أنه ليس للّه على الكافر نعمة ، لأنه سبحانه بين أن في إرسال محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نعمة على العالمين ، وعلى كل من أرسل إليهم .
ثم قال له : قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي : مستسلمون منقادون لذلك ، بأن تتركوا عبادة غير اللّه ، وقيل معناه الأمر أي أسلموا كقوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ أي : انتهوا .
فَإِنْ تَوَلَّوْا أي : أعرضوا ، ولم يسلموا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ أي : أعلمتكم بالحرب عَلى سَواءٍ أي : إيذانا على سواء إعلاما نستوي نحن وأنتم في علمه ، لا استيذانا به دونكم لتتأهبوا لما يراد بكم . ومثله قوله : فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ، وقيل : معناه أعلمتكم بما يجب الإعلام به على سواء في الإيذان ، لم أبين الحق لقوم دون قوم ، ولم أكتمه لقوم دون قوم . وفي هذا دلالة على بطلان قول أصحاب الرموز ، وأن للقرآن بواطن خص بالعلم بها أقوام وَإِنْ أَدْرِي أي : وما أدري أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ يعني أجل يوم القيامة . فإن اللّه تعالى هو العالم بذلك . وقيل : معناه أذنتكم بالحرب ، ولا أدري متى أؤذن فيه.
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ أي : أن اللّه يعلم السر والعلانية وَإِنْ أَدْرِي أي : وما أدري لَعَلَّهُ كناية عن غير مذكور فِتْنَةٌ لَكُمْ أي : لعل ما آذنتكم به اختبار لكم ، وشدة تكليف ، ليظهر صنيعكم . . . وقيل : لعل هذه الدنيا فتنة لكم . . وقيل : لعل تأخير العذاب محنة واختبار لكم ، لترجعوا عما أنتم عليه . وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ أي : تتمتعون به إلى وقت انقضاء آجالكم قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي :
فوض أمورك يا محمد إلى اللّه ، وقل : يا رب احكم بيني وبين من كذبني بالحق .
قال قتادة : كان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا شهد قتالا قال : رب احكم بالحق أي : أفصل بيني وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع . وقيل : معناه أحكم بحكمك الحق ، وهو إظهار الحق على الباطل . وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الذي يرحم عباده الْمُسْتَعانُ الذي يعينهم في أمورهم . فجمع بين الرحمة والمعونة اللتين تضمنتا أصول النعم عَلى ما تَصِفُونَ من كذبكم وباطلكم في قولكم : هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وقولكم : اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً وقيل :
معناه وربنا الرحمن المستعان على دفع ما تصفون « 1 ».
____________
( 1 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 121 - 122 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة