التحكم في مقاومة مفصليات الأرجل للمبيدات
Management of resistance in arthropods
1 - مقدمة
اهتم علماء الحشرات والمبيدات منذ ظهور مقاومة الحشرات لفعل المبيدات بفهم العوامل المسئولة عن نمو ، وتطور ، وإظهار المقاومة . وقد أشار ميلاندر عام 1914 إلى أن مقاومة الحشرة القشرية ( سان جوزي ) تجاه مخلوط الجير والكبريت ترجع إلى عدم التغطية الكاملة للسطح المعامل بالمبيد ، وإلى أسباب وراثية ، كما أشار إلى توقع حدوث مقاومة الحشرة القشرية لزيوت الرش ، ولذا اقترح إدخال سلالة ضعيفة تشترك مع السلالة الشديدة المقاومة الموجودة فعلا ، حتى تعيد التجمع الحشري الحساس مرة ثانية . وقد ازدادت حدة المقاومة بعد إدخال الـ د.د.ت ، حيث ارتفعت معدلات نمو المقاومة تجاه المبيدات الكلورينية ، والفوسفورية العضوية ، والبيرثرويدات المخلقة حديثاً ، وتشمل القائمة الآن حوالى 428 نوعاً من مفصليات الأرجل التي أظهرت مقاومة للمبيدات . وقد تقدمت الدراسات الوراثية ، والفسيولوجية ، والبيوكيميائية الخاصة بالمقاومة ، بينما لم يكن هناك تقدم جوهري في كيفية التغلب على الحشرات ، أو تأثير تطور المقاومة ، ولعل الدراسات والاكتشافات الحديثة للمبيدات ، وزيادة الاتجاه نحو استراتيجية التحكم المتكامل للآفات تضفى جوا من التفاؤل في هذا الصدد .
ومن أمثلة المبيدات الحديثة المكتشفة أخيرًا ، مشابهات هرمون الشباب ، ومثبطات تخليق الكيتين ، وبعض مشتقات المركبات الفوسفورية العضوية ، والكاربامات ، وبعض البيرثرويدات المخلقة ، وكذا بعض سلالات البكتيريا المفرزة للتوكسين . ولهذه الاكتشافات دور معنوي في إمدادنا ببعض المركبات الجديدة التي تخفف من حدة الاعتماد على مبيد واحد . ويصبح التوصل إلى حل مشكلة المقاومة أمرًا بالغ الصعوبة ، مع ظهور المركبات الحديثة طالما أن هناك صعوبة في التعرف على مناعة المبيد في نمو المقاومة .
وقد تصاعدت الآن فكرة برامج IPM بشكل هائل ، إذ تتكامل الوسائل الكيميائية مع غير الكيميائية بغرض تقليل الضغط الانتخابي الكيميائي ، وتأخير نمو المقاومة بالتالي . وهناك الآن اقتناع بأن استراتيجية IPM هي الحل الأمثل لظاهرة المقاومة . وحتى تبقى هذه الفلسفة صالحة للتطبيق ، لابد من التأكد من عدم ظهور المقاومة ، وذلك لأن أي تغير في المبيد قد يؤدى إلى إنهاء دور المكافحة الحيوية داخل نظام IPM ، لذا .. فهناك حاجة ماسة لمركبات كيميائية حديدة نستخدمها دون مخاطر .
أشار معظم العلماء إلى أن هناك حلولاً دائمة لمشكلة المقاومة ، تعتمد على تقليل الضغط الانتخابي بالمادة الكيميائية ، ونحن هنا نهتم في المرتبة الأولى بالتقدم في دراسة ديناميكية المقاومة ، وقياسها حتى تساعدنا في التحكم فيها .
2 - ديناميكية المقاومة Dynamics of resistance
من الحقائق الثابتة أن معدل نمو المقاومة ظاهرة تختلف كثيرا باختلاف الأنواع ، حيث تظهر المقاومة ببطء في بعض الأنواع ، بينما تنمو بسرعة في البعض الآخر . وقد تظهر المقاومة في النوع الواحد بسرعة تحت ظروف معينة وقد تتباطئ ، أو تنعدم تحت ظروف أخرى . ومن المعتقد أن أهم المتطلبات في الكيميائيات المستخدمة في المكافحة هي معرفة مدى تأثير زيادة الضغط بالمبيد الحشري على التعداد المستهدف ، أو بمعنى آخر معرفة مدى أبسط مخاطر حدوث المقاومة في التعداد المستهدف . وقد أشار علماء الوراثة منذ ثلاثين عاما إلى أن المقاومة عبارة عن ظاهرة تطورية Evolutionary phenomenon. وقد اختبر معظم العلماء مدى نمو وثبات وانحدار المقاومة في أنواع حشرية مختلفة ، خاصة البعوض ، والذباب المنزلي . وتظهر حالات المقاومة ، في معظم أنواع الحشرات ، العديد من الخصائص البيولوجية والوراثية ، وقد أصبح من السهل اختبار ديناميكية المقاومة . كما أتاحت علوم الحاسبات الإلكترونية كثيراً من التقدم في سبيل معرفة ، وإلقاء الضوء على أهم العوامل المؤثرة على تطور المقاومة .
وهناك اقتناع كامل بأن تطور المقاومة يتحدد بواسطة كثير من العوامل الوراثية ، والبيولوجية ، والتطبيقية والتي تهدد درجة الضغط الانتخابي تحت الظروف البيئية . وقد قسمت هذه العوامل حديثا إلى مجموعة من الأقسام هي :
(أ) عوامل وراثية
1 - تكرار جين المقاومة .
2 - عدد جينات المقاومة .
3 - سيادة جينات المقاومة .
4 - الانتخاب السابق بالمبيدات الأخرى .
5 ـ مدى تكامل جين المقاومة مع عوامل البقاء .
(ب) عوامل بيولوجية
1 - عوامل بقائية :
- دورة الجيل .
- التعداد في كل جيل .
- نوع التكاثر، وعدد مرات التزاوج .
2 ـ عوامل سلوكية :
- الحركة ، والهجرة .
- طبيعة التغذية ( قليل العوائل - عديد العوائل ) .
- استمرار البقاء ، أو الدخول في طور البيات .
(جـ) عوامل تطبيقية
1 - المبيد الكيميائي :
- طبيعة المبيد الكيميائي .
- العلاقة مع المبيدات المستخدمة من قبل .
- ثبات متبقيات المبيد ، ونوع المستحضر .
2 ـ الاستخدام :
- الحد الحرج للاستخدام .
- طريقة الاستخدام .
- الطور المنتخب .
- المساحة التي تم فيها الانتخاب .
وتعتبر العوامل الوراثية والبيولوجية عوامل متعلقة بالعشيرة ، وبالتالي فهي خارجة عن سيطرة ، وتحكم الإنسان ، ولكن من الضروري تقديرها لتحديد مخاطر المقاومة على المجموع المستهدف . وعلى العكس .. نجد أن العوامل الخاصة بالتطبيق Operational Factor من صنع الإنسان ، وبالتالي فهي تقع في مجال سيطرته وتحكمه ، ويمكن تعديلها بناءً على مخاطر المقاومة الناجمة عن العوامل الوراثية والبيولوجية .
وقد تؤثر بعض هذه العوامل تحت ظروف خاصة على المقاومة ، لذا يلزم إجراء دراسات خاصة للتوصل إلى الطرق العملية لتنظيم المقاومة . وقد اختبرت الدراسات الحديثة بشكل خاص الدور النافع للأفراد الحساسة التي تهاجر إلى البيئة المعاملة ، وكذلك تأثير الجرعة على سيادة جين المقاومة ، ودور تدهور معدلات متبقيات المبيدات . وقد أعطت هذه الدراسات معلومات مفيدة عن التحكم في المقاومة . ويبقى الوصول إلى هذا الهدف أمرًا بالغ الصعوبة نظرا للنقص في النتائج الكمية لمعظم المعايير الحرجة . والمثال الناجح في التوصل إلى التحكم في المقاومة يرتبط بوضع استراتيجية طويلة المدى في ظل المكافحة المتكاملة لقراد الماشية في استراليا . وتتضمن هذه الاستراتيجية استخدام نوع قراد الماشية المقاوم كأساس في مكافحة القراد ، وعمل حجر زراعي دقيق لمنع انتشار القراد المقاوم ، مع مراعاة التوقيت المناسب للمكافحة ، وتخفيف عدد مرات المكافحة بالمبيدات الأكاروسية لتقليل مرات الانتخاب ، واستخدام تركيز عال من المبيد الأكاروسي لتقليل احتمال حياة الأفراد المقاومة .
3 ــ التحكم في المقاومة Resistance Management
يعتبر خفض الضغط الانتخابي وسيلة لتأخير أو تجنب تطور المقاومة ، وتقدم برامج IPM الآن الفرصة لإحداث النقص في الضغط الانتخابي الكيميائي ، وذلك بإدخال وسائل أخرى للمكافحة ، مثل : الأعداء الحيوية ، وأمراض الحشرات ، والوسائل الزراعية ، ومقاومة العائل النباتي ، وغيرها من الوسائل غير الكيميائية . وقد أشار Brown عام (1976) إلى أن استخدام جميع وسائل المكافحة معا فيما يسمى بالمكافحة المتكاملة - أو التحكم المتكامل ـ في الآفات يعتبر من أفضل الطرق لخفض مستوى المقاومة . وقد أوضح أن استمرار اعتماد المحاصيل الزراعية على المبيدات الكيميائية لحمايتها يتطلب التحكم في استخدام المبيدات .
يعتمد التطبيق الأمثل لبرامج IPM على استراتيجية واضحة لاستخدام المبيدات التي تظهر الآفة تجاهها أقل مستوى من المقاومة ، وتعرف الحساسية للمبيدات في هذه الحالة بأنها استنزاف للوسائل الطبيعية .
وتقع وسائل التحكم في المقاومة تحت ثلاث مراتب رئيسية :
(أ) التحكم بالاعتدال .
(ب) التحكم بالتشبع .
(جـ) التحكم بالهجوم المتعدد .
وقد أدخل اصطلاحا التحكم بالاعتدال ، والتحكم بالتشبع بواسطة Sutherst & Comins عام ( 1979 ) ، للتعبير عن استخدام التباين ( تركيزات عالية وتركيزات منخفضة ) على العشيرة المستهدفة ، وذلك إما أن تبدل العشيرة العجز الشديد في جينات الحساسية ، أو تبطلها كلها ، بينما نجد أن اصطلاح الهجوم المتعدد يستخدم لتعريف المعاملة ذات التعدد المباشر للضغط الانتخابي الكيميائي سواء على المدى القصير أو الطويل . ولا تعتبر هذه الوسائل الثلاث بدائل لبعضها البعض ، بل يمكن استخدامها معا من خلال التكامل . وفيما يلي أهم عناصر استراتيجية التحكم في المقاومة :
(أ) التحكم بالاعتدال
1 - خفض الجرعة .
2 - تقليل مرات المعاملة .
3 - استخدام مبيدات لها فترة ثبات بيئي قصير .
4 - توجيه الانتخاب إلى طور الحشرة الكاملة .
5 - المعاملة المحلية ، وتخفيف مستوى التطبيق على نطاق واسع .
6 ـ ترك مجموعة من الأجيال دون معاملة .
7 - زيادة مستوى الحد الحرج الاقتصادي .
(ب) التحكم بالتشبع
1- إبطال مفعول نظم السمية باستخدام المنشطات
2- إبقاء جين المقاومة على الحالة المتنحية .
(جـ) التحكم بالهجوم المتعدد
1 - مخاليط الكيميائيات .
2 - تغير الكيميائيات .
(أ) التحكم بالاعتدال Management by moderation
بنيت فلسفة هذه الطريقة على أن جينات الحساسية هي عبارة عن مواد هامة يجب الحفاظ عليها ، ويمكن التوصل لذلك من خلال خفض الضغط الانتخابي . ويمكن توضيح عملية الانتخاب من خلال منحنيات التوزيع التكراري للأفراد الحساسة (ss) ، والهجين (Hybrid (Rs ، والمقاومة (RR) .
وعموماً .. نجد أن الجينوتايب الحساس Genotypes هو الأكثر شيوعًا ، مع وجود حالات نادرة تحتوي على عدم التماثل Heterozygous الخاصة بالمقاومة . ويوجد تكرار جينات المقاومة في عشيرة حقلية غير منتخبة ( بناءً على معدلات الطفرات ) ما بين 0,001 - 0,0001 ، وعموماً .. تطبق المبيدات دائما بجرعات مميتة للأفراد الحساسة ، ولكنها تستبقى الأفراد المقاومة المحتوية على صفة التماثل ، أو عدم التماثل في المقاومة . وعليه نجد أن استمرار الضغط يؤدى إلى تبديل الجينوتايب جهة المقاومة .
نلاحظ أن لا يتم قتل كل الأفراد الحساسة عند المعاملة بجرعة منخفضة LD90 ، أو أقل حيث يمكن الاحتفاظ بجينات الحساسية بمعدل كاف في العشيرة ، مما يؤخر ظهور المقاومة . وبنفس الكيفية .. نجد أن عدم التغطية الكاملة تسمح للأفراد الحساسة بالحياة في المناطق غير المعاملة ، أو ما يطلق عليه Refugia . بالإضافة إلى ذلك .. نجد أن بقاء حد عال حرج من الكثافة العددية للمعاملة بالمبيدات يؤدى إلى تقليل عدد مرات المعاملة ، وبالتالي خفض الضغط الانتخابي الكلى .
وقد تبدو وسائل التحكم بالاعتدال غير عملية ، ولكن لو تذكرنا مدى ما يمكن أن تحدثه المقاومة ، فسوف نعيد التفكير مرة ثانية في إمكانية هذه الوسائل التي تحتاج إلى التكامل مع طرق فعالة غير كيميائية .
(ب) التحكم بالتشبع Management by saturation
بينما لا يؤثر التحكم بالاعتدال على الوسائل البيولوجية ، إلا أن مدى انعكاس ذلك الأسلوب على إنتاجية المحصول غير معروف ، كما أن إمكانية بقاء الحشرات الناقلة للأمراض في مستوى كثافة منخفض أمر مشكوك فيه ، لذا ظهرت وسيلة التحكم بالتشبع وهي لا تعنى تشبع البيئة بالمبيدات ، بل تعنى تشبع نظم المقاومة داخل الحشرة بجرعات من المبيد بحيث يبطل مفعولها .. ويمكن تحقيق ذلك بالوسائل التالية :

شكل يبين : التغير في تكوارات الأفراد الحساسة ، ذات المقاومة غير المتماثلة والأفراد ذات المقاومة المتماثلة تحت الضغط الانتخابي المستمر من أ حتى جـ .
1 - الإبقاء على جين المقاومة بشكل متح
Rendering resistant genes functionally recessive
من المعروف أن المقاومة تنمو وتطور بسرعة في حالة سيادة جين المقاومة Dominant ، بينما تنمو ببطء إذا كان جين المقاومة متنحيا Recessive ، وعليه .. فإن التحكم بالتشبع يهدف إلى الإبقاء على جين المقاومة بشكل متنح ، وذلك باستخدام جرعات عالية من المبيد مميتة لكل من الأفراد الحساسة ، والأفراد المقاومة غير المتماثلة . وعند قتل الأفراد التي تحتوي على جينات غير متماثلة ، تقل جينات المقاومة ولا تظهر المقاومة . ومن المعروف عدم وجود الأفراد المقاومة التي تحتوي على جينوتايب متماثل في العشائر غير المعاملة ، ويرجع ذلك للانخفاض المتناهي في تكرار جين المقاومة قبل استخدام المبيد ، وعليه تعتبر هذه الوسيلة فعالة ضد العشائر غير المنتخبة ، ولا ينصح باستخدامها بعد تمام الانتخاب. كما تعتبر هذه الوسيلة عملية عندما تستخدم جرعات عالية من المبيد ، تتميز بقدرتها على التحلل السريع ، أو قلة سميتها للثدييات ، مثل : مشابهات هرمون الشباب ، أو توكسينات البكتيريا . ولعل الحاجة قد أصبحت ماسة الآن لاستحداث وسائل أخرى للتطبيق ، يمكن من خلالها استخدام تركيزات عالية من المبيد تصل إلى الآفة المستهدفة فقط ، مثل : استخدام المبيدات الجهازية ، أو الجاذبات ، أو استخدام المبيد في كبسولات صغيرة .
2 - إبطال فقد مفعول السم بالمنشطات Suppression of detoxication by synergists
تعمل المنشطات على تثبيط فعل الإنزيمات المحدثة لفقد السمية في المبيدات ، وبالتالي تعمل على خفض الميزة التخصصية للأفراد في إنتاج مثل هذه الإنزيمات . وقد عرفت هذه الميزة الحيوية للمنشطات عند استخدام مركب Chlorfenthol كمنشط مع ال.د.د.ت ، حيث يعمل كمثبط منافس لإنزيم Dehydrochlorinate ، بينما أدى الانتخاب تحت ظروف المعمل باستخدام الكارباريل مع الببرونيل بيوتو كسيد ( كمثبط لإنزيمات الأكسدة Oxidases ) إلى النمو المرتفع للمقاومة تجاه المخلوط .
ويعتمد استخدام المنشطات في وقف المقاومة على غياب النظام الميكانيكي البديل والفعال لإظهار المقاومة في العشيرة المستهدفة . وقد عوملت حديثاً سلالات بعوض الكيولكس ذات المقاومة المرتفعة لبعض المبيدات الفوسفورية العضوية . ولم ينجح استخدام الببرونيل بيوتوكسيد في مخلوط من هذه المبيدات التي تتميز بمشابهتها للأوكسون في إظهار التنشيط ، مما يوضح أن المقاومة لا تعزى إلى إنزيمات Oxidases . وفي المقابل .. تعمل المعاملة بمخلوط من مثبط الإستريز (DEF) على خفض المقاومة للمستوى الموجود في السلالة الحساسة ، وذلك يبرهن على أن هذه السلالة تحتوى فقط على الإستريزات كنظام ميكانيكي مقاوم .
وقد ظهرت حديثاً بعض مثبطات نظم المقاومة ، مثل : Kitazin -P) IBP) وهو عبارة عن مبيد فطرى يستخدم في مكافحة مرض ذبول الأرز Rice blast ، وله القدرة على التنشيط القوى للملاثيون في السلالات المقاومة لهذا المبيد ، وذلك من خلال قدرته على تثبيط إنزيم Carboxyl esterase . كما يظهر الفعل التنشيطي الضعيف للـ IBP مع المبيدات التي لا تحتوي على مجموعات كربوكسيل إستر . ويوضح ذلك أن هذا المنشط قد يثبط طرق فقد السمية الأخرى مثل : -GSH-S transferase ، أو Phosphotriesterase . وسوف تتم مناقشة التعرض لهذه المنشطات فيما بعد تفصيليا .
(جـ) التحكم بالهجوم المتعدد Management by multiple attack
تهدف هذه المجموعة من الوسائل الكيميائية إلى الوصول للمكافحة من خلال الفعل المتعدد المستقل . وقد يكون أي ضغط انتخابي لإحدى هذه الوسائل أقل من الحد اللازم لتطور ونمو المقاومة . وتنشأ الفكرة من التأثير على أهداف متعددة Multi-site action بواسطة السموم التي استخدمت قديما ضد الحشرات ، وأمراض النبات ، مثل : الزرنيخات ، وكبريتات النحاس ، وبالرغم من أن هذه المركبات الكيمائية ليست منيعة تماماً ضد إظهار المقاومة ، إلا أن استمرار استخدامها لفترة طويلة يرجع إلى تأثيرها على أكثر من نظام بيوكيميائي . وبالطبع لا يمكن الرجوع مرة ثانية إلى استخدام الزرنيخات في المكافحة . ولكن يعتبر استخدام مخاليط المبيدات ، ودورة التطبيق من وسائل التأثير على أهداف متعددة . كما تعتبر المخاليط ، والدورات من الوسائل التي تعمل على خفض مدة الضغط الانتخابي .
1 - مخاليط المبيدات Insecticide mixtures
يفترض استخدام المخاليط كوسيلة مضادة للمقاومة Anti- resistance ، ويلاحظ أن ميكانيكية المقاومة تختلف باختلاف المجموعات الكيميائية ، كما توجد بمعدل تكراري منخفض ، فضلاً على أنها لا توجد معاً في أي فرد من أفراد العشيرة .
وهناك بعض المتطلبات التي يلزم توافرها حتى يكتب للمخلوط النجاح ، حيث يقلل الفعل التنشيطي بين مكونات المخلوط ميزة الاختلاف بين الأفراد ، والتي تظهر المقاومة ، وتسرع بالتالي من درجة نجاح المخلوط . ولهذا الفعل ميزات اقتصادية ، فقد أشار Nolan & Roulston عام 1979 إلى أن التجارب الحقلية ضد قراد Boophilus microptus باستخدام مخلوط من Pyrethroid ، Ethion تحتاج فقط إلى جرعة LD50 ،LD25 من كل من مكونات المخلوط على الترتيب ، حتى تعطى إبادة كاملة ، بالإضافة إلى وجوب تشابه معدل تحلل مكونات المخلوط ، وضرورة تميزه بثبات بيئي قصير ومتساو . ويجب أن يبدأ استخدام المخلوط مبكراً ، وقبل أن يتم انتخاب المقاومة لإحدى مكونات المخلوط . وذلك على الرغم من أن هذا المطلب غير عملي ، خاصة إذا كان المخلوط مكوناً من زوج من المركبات لهما ارتباط سلبي في السمية Negatively correlated toxicity ، أي أن المقاومة لإحدى مكونات المخلوط تكون مصحوبة بالإسراع من حساسية المكون الآخر ، والعكس صحيح .
وقد عرف استخدام المخاليط ضد أكثر من افة منذ فترة طويلة ، إلا أنه لم يدرس مدى تأثير المخاليط على تأخير المقاومة بالقدر الكافي . ويجب أن يكون واضحًا أن فكرة المخاليط كمثبطات ، أو مانعات للمقاومة تحتاج إلى دراسات واسعة عن كيفية اختيار المركبات ، والمستحضرات وطريقة المعاملة . وقد يكون لاستخدام المخاليط تأثيرًا إيجابيا أو سلبيا أو عدم التأثير على المقاومة ، وقد ظهر في حالات قليلة أن استخدام مكونات مخلوط مختلفة في طريقة فعلها ، أو نظم فقدها للسمية يؤدى إلى تأخر واضح لمستوى نمو وتطور المقاومة .
وقد درس حديثاً الاستخدام المشترك للكيمائيات باستخدام ثلاثة مبيدات موصى بها تتميز بقلة مقاومتها المشتركة وهى : Permethrin ,Propoxur, Temephos. وقد أجريت هذه الدراسة على بعوض الكيولكس Calex quinquefascintas ، والذي يحتوي على جين المقاومة لكل من المركبات الثلاثة بمعدل تكراري منخفض (0,02) بعد ستة أجيال من التربية ، وتعريضها بعد ذلك لضغط انتخابي لكل من المركبات الثلاثة منفصلة ، أو في مخاليط زوجية . وبعد الجيل التاسع تم انتخاب كل عشيرة بمبيد واحد ، وأظهرت كل عشيرة مقاومة عالية لهذا المركب . ومما يؤكد ذلك أن الجينات المسئولة عن المقاومة (R) قد ظهرت عند استخدام مبيد واحد ، بينما أظهرت المخاليط بعض المقاومة فقط تجاه الـ Propoxur حينما كان هذا المبيد إحدى مكونات المخلوط . وقد توقفت المقاومة تجاه كل من Temephons ، Permethrin مع المخاليط والجرعات المستخدمة .
وتظهر أفضلية استخدام المخاليط لمكافحة الملاريا ، وذلك عند تطبيق المبيدات عديمة الصلة في قطاعات مختلفة تشبه التبقع أو البرقشة Mosaic ، أو في شكل متقاطع Grid، وهذا بهدف تجنب انتخاب العشيرة بنفس نظام المقاومة الميكانيكي في كل المناطق المعاملة ، وعليه .. فإن الحشرات التي لم تقتل وتنجح في الهجرة إلى منطقة أخرى سوف تقتل عند تعرضها للمبيد المستخدم في المنطقة المجاورة . وتعتمد هذه الاستراتيجية على معدلات الهجرة العالية بين القطاعات المختلفة . ويمكن رش كل حائط ، داخل المنازل ، بمبيد مختلف .
2 - دورات المبيدات Insecticide rotation
تفترض فكرة دورة الكيمائيات كوسيلة مضادة للمقاومة أن للأفراد المقاومة للمركب الكيميائي كفاءة حيوية منخفضة عن الأفراد الحساسة . وعليه .. ينخفض تكرارها خلال الفترات بين تطبيق هذا المركب . وهناك الكثير من الدراسات التي توضح انخفاض الكفاءة الحيوية في الكثير من مفصليات الأرجل المقاومة للمبيدات ولكنها حالة غير ثابتة ، إذ قد يتحسن مستوى الكفاءة باستمرار الانتخاب من خلال ما يسمى بالتأقلم المشترك Co adaptation .
ويوضح الشكل التالي التسجيل المفترض في الأفراد الحساسة المعرضة لأربع مواد كيميائية مستخدمة في دورة ما ، حيث ترتفع المقاومة للمركب (أ) ببطء في الجيل التي عوملت فيه ، ثم تنخفض بالتدريج خلال الأجيال الثلاثة التالية ، والتي لم يتم فيها المعاملة ، ثم ترتفع مرة ثانية في الجيل الخامس عند معاملة المركب مرة ثانية ، ولكنها تنخفض مرة ثانية في الأجيال ( 8،7،6 ) . ويظهر نفس الشكل أو الاتجاه للمركبات (أ، ب، ج، د) . ومن الضروري عمل توليفة خاصة بالتتابع الأمثل للمبيدات ، وتحديد المرحلة التي يتم فيها التغيير. وكما في حالة المخاليط .. فإن فكرة دورات المبيدات تحتاج إلى عدد من الكيميائيات لا تظهر مقاومة مشتركة لبعضها .
لاحظ Heather عام 1979 أن نجاح استخدام المدخنات لمكافحة آفات الحبوب المخزونة يكون نتيجة لتبادل الوسائل الكيميائية غير المرتبطة . وأشار إلى أن طول فترة استخدام المدخنات أبطأ من ظهور المقاومة للملاثيون المستخدم ضد الحبوب في المزرعة . كما أشار Kantack وآخرون عام (1976) إلى نجاح الدورة بين الكاربو فيوران ، والمبيدات الفوسفورية العضوية على أساس سنوي في وقف نمو المقاومة للكاربامات .

شكل يبين : الاساس الافتراضي للتغير في حساسية التعداد للأفة التي عرضت لأربع مواد كيميائية غير مرتبطة ببعضها خلال دورة معينة في الأجيال المتعاقبة .
وفي الدراسات الأولية ، التي انتخبت فيها ثلاث سلالات بواسطة Propoxur Temephos ، Permethrin لوحظ وجود معدلات مختلفة ضعيفة من فقد المقاومة عند إبعاد هذه السلالات عن الضغط الانتخابي ، كما انخفضت المقاومة للتيميفوس بسرعة ، بينما انخفضت ببطء مع البروبوكسر . أما مقاومة البرمثرين فقد انخفضت بمعدل متوسط . وتوضح هذه النتائج أن معدل الانعكاس تجاه الحساسية قد يرجع إلى جين المقاومة نفسه .
وقد تلت ذلك دراسة دورة انتخاب التيمفوس ، والبروبوكسر ، والبرمثرين ضد تحت سلالات السلالة الأصلية ، من السلالة الاصلية ، وذلك مع التتابعات الست الممكنة ، كما انتخب كل تحت سلالة بثلاثة مركبات خلال دورة كاملة . وفي كل حالة يتم التغير للمركب التالي بعد حوالى 5 أجيال من الانتخاب ، أو عندما تظهر المقاومة لإحدى المركبات المستخدمة . ولعل الانحدار السريع للمقاومة لكل من التيمفوس ، والبرمثرين ، من أهم الملاحظات التي ظهرت. من هذه الانتخابات عندما يتم الانتخاب بإحدى هذه المركبات بعد المركب الآخر . وعليه . تنحدر مقاومة التيمفوس بسرعة عندما يحل البرمثرين محل التيمفوس كعامل منتخب Selecting agent ، والعكس صحيح . ويظهر هذا الانحدار بسرعة أكثر مما سبق في السلالات التي تبعد تماما عن الضغط الانتخابي . ولا تظهر هذه العلاقة الحسابية بين البروبوكسر ، والبرمثرين ، أو بين البروبوكسر والتيمفوس . وقد يعرف الانحدار السريع لمقاومة التيمفوس خلال الانتخاب بالبرمثرين على أنه صورة من المقاومة المشتركة السلبية للبير ثرويدات تجاه الحشرات المقاومة للمبيدات الفوسفورية العضوية .
الخاتمة Conclusion
من المعروف أن التوصية بحلول لمشكلة المقاومة عملية بالغة التعقيد ، إذ أنها تدخل في الاعتبار العوامل الوراثية ، والبيولوجية ، والبيئية المؤثرة على العشائر الطبيعية . وهناك العديد من الوسائل التكتيكية التي يمكن استخدامها لتأخير المقاومة كعنصر هام ورئيسي في برامج IPM . وتشمل هذه الوسائل التكتيكية الاعتدال Moderation في استخدام المبيدات ، مع أن هناك بعض الاستراتيجيات التي توصى بالاهتمام بعناصر التشبع Saturation ، والهجوم المتعدد Multiple attack للحد من المقاومة . ولعل فكر استخدام المبيدات في مخاليط ، أو دورات ، أو تتابع نموذجي قد تكون محددة في حالات كثيرة باعتبارات اقتصادية وتطبيقية . وعند استخدام وسائل المكافحة على نطاق واسع ، وبنوع من التنظيم المركزي ، فقد يكون لهذه العناصر ميزات واضحة كوسيلة لتأخير تطور المقاومة ، خاصة عند دخولها ضمن عناصر IPM . ولعلنا الآن في مسيس الحاجة إلى أنواع جديدة من السموم Toxophores ، مثل : المواد الكيميائية ذات الأصل الطبيعي . كما أننا في حاجة إلى منشطات جديدة تعمل على وقف المقاومة . وفي حالة اكتشاف سموم جديدة يجب أن يتم اختبارها على سلالات قياسية تمثل النظم ، والتقنيات السائدة في المقاومة . ومن خلال درجة الإسراع في انتخاب العشائر الممثلة يمكن تقدير نوع ومستوى المقاومة لهذه الكيميائيات . ويحتاج الأمر إلى اختبارات بيوكيميائية وتوكسيكولوجية بسيطة لإظهار مستوى المقاومة لكل نوع من المبيدات ، ذلك المستوى المبنى على معرفة نظم المقاومة . ولعل الدراسات الحديثة لاكتشاف اختبارات بسيطة تمكننا من تقدير فقد سمية المبيدات الفوسفورية بفعل Detoxifying esterases ، أو انخفاض حساسية إنزيم الكولين إستريز ، فتنير الطريق لمعرفة جينات المقاومة ذات التكرار المنخفض .
كما يجب أن تتجه الدراسات نحو الجديد في مستحضرات المبيدات ، وتقنية طرق المعاملة للوصول إلى الجرعة المؤثرة التي يمكن وضعها على الهدف في حالة تشبع Saturation . ومن هنا تلزم دراسة إمكانية استخدام مخاليط المبيدات مع الجاذبات ، والمبيدات مع المنشطات بمعدل يعطى تأثيرا مثاليا ، بالإضافة إلى تميزه بخصائص ثابتة تعمل على التخلص من الانتخاب لفترة طويلة ، وذلك على العشيرة المستهدفة .
وعموماً .. فإن أي استراتيجية للتحكم في المقاومة تحتاج إلى جهد إشرافي دقيق يشمل استخدام المبيد وتسويقه . وهناك بعض الاستراتيجيات التي توقف ، أو تضاد المقاومة ، والتي قد تتميز بالمنفعة على المدى القصير . وعلى أية حال فسوف تظل ظاهرة المقاومة هي التحدي الحقيقي للإنسان في مكافحة الآفات في المستقبل القريب والبعيد .
الاكثر قراءة في المبيدات الزراعية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة