القواعد الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها داعية الحق
المؤلف:
السيد بدري عباس محمد الاعرجي
المصدر:
كيف تدخل الى تفسير القران
الجزء والصفحة:
ص 133 -138
2025-05-08
604
إن أهم القواعد الأخلاقية التي يجب أن يتحصن بها الانسان عند مواجهة المخالفين في العقيدة على أساس منطقي والتي تمثل منهج الحوار معهم في الإسلام.
ويتلخص هذا المنهج الرباني للحوار بعدة أصول ويعتبر قانون كلي وشامل في كل زمان ومكان. وهذه الأصول تم ترتيبها حسب تسلسل الآيات الواردة في هذا المجال. في قوله تعالى: {ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ 125 وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ 126 وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ 127 إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ { [النحل: 125-128]
1-{ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ { [النحل: 125]: أي بمعنى العلم والمنطق والاستدلال وأصل الحكمة المنع وأطلقت على الأصول الثلاثة لقدرتها على منع الانسان عن الفساد وفق المنطق السليم والنفوذ الى داخل فكر الناس ومحاولة تحريك عقولهم.
2- {وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖﵞ [النحل: 125] وهي الخطوة الثالثة في طريق الدعوة الى الله. وتخص تخلية ذهن الطرف المخالف من الشبهات العالقة فيه والأفكار المغلوطة ليكون مستعدا لتلقي الحق عند المناظرة.
3- إذا حصل الحوار والمواجهة مع المخالفين ولم يقبلوه واعتدوا عليكم فهنا يقول القرآن {وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ { [النحل: 126] وهذا الأصل بعد الأصول الثلاثة المتقدمة.
4- {وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ { [النحل: 126] والصبر يجب أن يكون بقصد رضوان الله تعالى ولا يراد به أي شي أخر.
5- إذا لم ينفع الصبر في الدعوة الى الله ولم ينفع العفو والتسامح فيجب أن لا ييأس المؤمن وعليه الاستمرار في التبليغ بسعة صدر وهدوء أعصاب أكثر. ولذلك يقول القرآن {وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ { [النحل: 127] فمهما كانت دسائس العدو واسعة وخطرها كبير فلا يجوز ترك الميدان ولا بد من التوكل على الله تعالى لإفشال كل الدسائس بقوة الايمان والمثابرة والحكمة.
6- { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ { [النحل: 128] التقوى في جميع أبعادها الواسعة في مواجهة المخالفين مع مراعاة أصول الأخلاق عند الحوار والمواجهة معهم.
7- ويجب على المؤمن أن يقابل الإساءة بالاحسان لقوله تعالى {وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ { [النحل: 128] وبهذه السلوكية الرائعة قد ينتقل ذلك الجاهل من ألد الخصام الى أحسن الأصدقاء وإذا عمل بالاحسان في محله المناسب فإنه أفضل أسلوب للحوار والمواجهة مع المخالفين في العقيدة. ماهو منهج القرآن في معالجة الغرور عند الانسان؟ لقد استخدم القرآن الكريم أحسن الأساليب في معالجة حالة الغرور عند الانسان لأنها صفة شيطانية تدمر المجتمع وتنشر فيه الحقد والكراهية والفساد. وتسلب منه الورع والتقوى ولذلك عالجها القرآن بوضعه لعدة قواعد منها:
1- يجسد القرآن الكريم أمام الإنسان صورة فناء الثروات المادية في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ { [يونس: 24] وقوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا { [الكهف: 42]
2- القرآن الكريم يحذر الانسان من إمكانية تحول الثروات المادية والبشرية التي يمتلكها الى عدو له في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى: {فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَﵞ [التوبة: 55] وقال تعالى: {ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَﵞ [الحجر: 3] وقال تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ { [محمد: 12]
3- القرآن الكريم يحذر الانسان ويوقظه عندما يستعرض أمامه عاقبة الطواغيت من أمثال فرعون وقارون وغيرهم في قوله تعالى: {ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ 91 فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ { [يونس: 91-92]
وقوله تعالى: {فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ { [القصص: 81]
وقال تعالى: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ 78 فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيم ٖ{ [القصص: 78-79]
{بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ {{أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ 44 وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ { [إبراهيم: 44-45]
4- القرآن الكريم يذكر الانسان بما ضيه عندما كان نطفة تافهه أو ترابا لا يذكر ويوضح له مستقبله الذي سيأول اليه من الضعف والعودة الى حالته الأولى.
قال تعالى: {فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ 5 خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِق ٖ{ [الطارق: 5-6]
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖﵞ [السجدة: 8]
وقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ { [القيامة: 38]
وقال تعالى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ { [الروم: 54]
5- إستخدم القرآن الكريم أحسن الأساليب لمعالجة غرور الإنسان لأن هذه الصفة هي مصدر للكثير من الجرائم على مر التاريخ البشري.
6- القرآن الكريم يظهر للإنسان إن المؤمنين الحقيقين لا يصابون بالاضطراب وفقدان التوازن عندما يتملكون المال أو السلطة. ولا يحدث تغيير في برنامج حياتهم يعتبرون كل هذه الأمور زينة عابرة وبضاعة زائلة مصيرها الفناء.
قال تعالى: {وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ { [الأنعام: 32]
وقال تعالى: { تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ { [القصص: 83]
وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ 36 رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ 37 لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ { [النور: 36-38]
وقال تعالى: {مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗ{ [الأحزاب: 23]
الاكثر قراءة في قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة