تروك الاحرام
المؤلف:
السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي
المصدر:
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع (الغُنية)
الجزء والصفحة:
ص 158-161
2025-05-08
413
إذا انعقد إحرامه حرم عليه أن يجامع ، أو يستمني، أو يقبل ، أو يلامس بشهوة بلا خلاف ، وأن يعقد نكاحا لنفسه أو لغيره ، أو يشهد عقدا ، فإن عقد فالعقد فاسد ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.
ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب (1) ، وفي رواية : ولا يشهد ، وهذا نص. وقولهم: لفظة نكاح حقيقة في الوطء خاصة ، غير مسلم ، بل وفي العقد ، بدليل ظاهر الاستعمال ، قال الله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (2) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (3) (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (4) ولا خلاف أن المراد بذلك العقد.
وإذا كان لفظ النكاح مشتركا وجب حمله على الأمرين ، وما رووه من أنه صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة (5) وهو محرم (6) معارض بما روي عن ميمونة من قولها : خطبني رسول الله وهو حلال وتزوجني وهو حلال (7) وفي خبر آخر : وتزوجني بعد رجوعه من مكة ، وخبر المنكوحة أولى لأنها أعرف بحقيقة الحال ، وأيضا فالعرب تسمي من كان في الشهر الحرام محرما قال الشاعر (8):
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ...
ولم يكن عاقدا للإحرام بلا خلاف ، فيحمل خبرهم على أن الراوي أراد به تزويجها وهو في الشهر الحرام.
ويحرم عليه أن يلبس مخيطا بلا خلاف ، إلا السراويل عند الضرورة عند بعض أصحابنا (9) وبعض المخالفين (10) ، وعند قوم من أصحابنا أنه لا يلبس حتى يفتق ويصير كالمئزر وهو أحوط ، وأن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف ، وأن تلبس المرأة القفازين (11) بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.
ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تنتقب المرأة في الإحرام ولا تلبس القفازين (12) وهو نص.
ويحرم على الرجل تغطية رأسه ، وعلى المرأة تغطية وجهها بلا خلاف ، ويحرم عليه أن يستظل وهو سائر ، بحيث يكون الظلال فوق رأسه كالقبة ، فأما إذا نزل فلا بأس بجلوسه تحت الظلال ، من خيمة أو غيرها ، ويحرم عليه الارتماس في الماء ، وذلك بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.
ويحرم عليه أن يصطاد ، أو يذبح صيدا ، أو يدل على صيد ، أو يكسر بيضة بلا خلاف ، وأن يأكل لحمه وإن صاده المحل ولم تكن منه دلالة عليه ، بلا خلاف من الأكثر ، ودليلنا على ذلك إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، وقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (13) ، لأنه يتناول كل فعل لنا في الصيد من غير تخصيص.
ويحرم عليه أن يدهن بما فيه طيب ، أو يأكل ما فيه ذلك ، وأن يتطيب بالمسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران بلا خلاف ، ويحرم عليه الفسوق وهو عندنا الكذب على الله تعالى ، أو على رسوله ، أو على أحد الأئمة من آل محمد عليهم السلام ، والجدال وهو عندنا قول : (لا والله) و (بلى والله) بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.
وقول المخالف : ليس في لغة العرب أن الجدال هو اليمين ، ليس بشيء ، لأنه غير ممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي ، كما يقوله في لفظة (غائط) ثم الجدال إذا كان في اللغة المنازعة والمخاصمة ، وكان ذلك يستعمل للمنع والدفع ، وكانت اليمين تفعل لذلك كان كافيا فيها معنى المنازعة.
ويحرم عليه أن يقطع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه في ملكه ، وليس من شجر الفواكه ، والإذخر (14) ، وأن يجز حشيشه بلا خلاف ، فأما شجر الفواكه والإذخر وما غرسه الإنسان في ملكه فيجوز قطعه ، وكذا رعي الحشيش بدليل إجماع الطائفة.
وأيضا فتحريم ذلك يفتقر إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل عليه ، ويخص الرعي عمل المسلمين من لدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وإلى الآن من غير إنكار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الصحابة أو أحد العلماء.
ويحرم عليه أن يزيل شيئا من شعره ، أو يقص شيئا من أظفاره ، وأن يتختم للزينة ، أو يدمي جسده بحك أو غيره ، وأن يزيل القمل عن نفسه ، أو يسد أنفه من الرائحة الكريهة ، بلا خلاف أعلمه.
ويحرم عليه أن يلبس سلاحا ، أو يشهره إلا لضرورة ، وأن يقتل شيئا من الجراد والزنابير مع الاختيار ، فأما البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم ، ولا بأس بقتل ما يخافه من الحياة والعقارب والسباع في الحرم وغيره بدليل الإجماع الماضي ذكره.
ويحرم عليه أن يمسك ما كان معه من صيد قبل الإحرام ، وأن يخرج شيئا من حمام الحرم منه ، وأن لا يرده بعد إخراجه ، وأن يمسك ما يدخل به إلى الحرم من الطير بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (15) ، والمراد تحريم أفعالنا فيه ، واستدامة الإمساك بعد الإحرام ، ودخول الحرم ، والإخراج واستدامة فعلنا فيه ، فيجب أن يكون محرما.
___________________
(1) التاج الجامع للأصول: 2 ـ 117 كتاب الحج، وجامع الأصول لابن الأثير : 3 ـ 412.
(2) النور : 32.
(3) النساء : 25.
(4) النساء : 3.
(5) ميمونة بنت الحارث ، تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنة 7 ه ـ روت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنها ابن أختها عبد الله بن عباس وغيره ، ماتت سنة 51 ه ـ ، لاحظ اعلام النساء: 5 ـ 138 وتهذيب التهذيب : 12 ـ 453.
(6) صحيح البخاري: 3 ـ 19 ، والتاج الجامع للأصول : 2 ـ 117 ، ونيل الأوطار : 5 ـ 14.
(7) سنن الترمذي: 3 ـ 201 ، وجامع الأصول : 3 ـ 411 ، والتاج الجامع للأصول : 2 ـ 117.
(8) الشاعر هو الراعي النميري ، ومصرعه الأخير : (ودعا فلم أر مثله قتيلا) ، لاحظ الأغاني : 23 ـ 348 ، وجمهرة العرب : 1 ـ 523.
(9) القاضي ابن البراج: المهذب : 1 ـ 212.
(10) لاحظ صحيح البخاري : 3 ـ 21 كتاب الحج.
(11) القفاز ـ مثل تفاح ـ : شيء تتخذه نساء الأعراب ، ويحشى بقطن يغطي كفي المرأة وأصابعها. المصباح المنير.
(12) صحيح البخاري : 3 ـ 19 كتاب الحج.
(13) المائدة : 96.
(14) الإذخر ـ بكسر الهمزة والخاء ـ : نبات معروف زكي الريح. المصباح المنير.
(15) المائدة : 96.
الاكثر قراءة في الاحرام والمحرم والحرم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة