1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : العقائد في القرآن : سؤال وجواب :

هل هناك اختلاف وتناقض في القرآن كما ورد عن بعض الزنادقة

المؤلف:  الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

المصدر:  التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )

الجزء والصفحة:  ج1، ص 14-34.

2024-12-01

184

 هل هناك اختلاف وتناقض في القرآن كما ورد عن بعض الزنادقة ؟ !

الجواب / نذكر رواية وردت عن الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسيّ ، في كتاب ( الاحتجاج ) للجواب على هذا السؤال ، قال : جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام وقال له : لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم .

فقال له علي عليه السّلام : « وما هو ؟ » .

قال : قوله تعالى : {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة : 67] ، وقوله تعالى : {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [الأعراف : 51] ، وقوله تعالى : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [مريم : 64] ، وقوله تعالى : {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ : 38] ، وقوله تعالى : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام : 23] ، وقوله تعالى : {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت : 25] ، وقوله تعالى : {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } [ص : 64] ، وقوله تعالى : {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق : 28] ، وقوله تعالى : {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس : 65] ، وقوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة : 22، 23] ، وقوله تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام : 103] ، وقوله تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم : 13، 14] ، وقوله تعالى : {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} [طه : 109] الآيتين ، وقوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى : 51] ، وقوله تعالى : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين : 15] ، وقوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام : 158] ، وقوله تعالى : {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة : 10] ، وقوله تعالى : {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77] ، وقوله تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف : 110] ، وقوله تعالى :

{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } [الكهف : 53] ، وقوله تعالى : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء : 47] ، وقوله تعالى : {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } [الأعراف : 8] ، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف : 9].

قال له أمير المؤمنين عليه السّلام : « فأما قوله تعالى : نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنما يعني نسوا اللّه في دار الدنيا ، لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة ، أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عزّ وجلّ : فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله ، وخافوه بالغيب .

وأما قوله تعالى : وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، فإن ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ، ليس بالذي ينسى ، ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد تقول العرب : نسينا فلان فلا يذكرنا ، أي إنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به » .

قال عليه السّلام : « وأمّا قوله عزّ وجلّ : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ، وقوله عزّ وجلّ : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ، وقوله عزّ وجلّ : يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، وقوله عزّ وجل يوم القيامة : إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، وقوله عزّ وجلّ : لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ، وقوله عزّ وجلّ : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، المراد يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا .

والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : فيبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم ، قول الشيطان : {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم : 22] ، وقول إبراهيم خليل الرحمن : {كَفَرْنَا بِكُمْ} [الممتحنة : 4] ، يعني تبرّأنا منكم ، ثم يجتمعون في مواطن آخر يبكون فيها ، فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لأزالت جميع الخلق عن معايشهم وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء اللّه ، ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع ويفضوا إلى الدماء ، ثم يجتمعون في مواطن أخر فيستنطقون فيه ، فيقولون : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ، وهؤلاء خاصة هم المقرّون في دار الدنيا بالتوحيد ، فلا ينفعهم إيمانهم باللّه تعالى مع مخالفتهم رسله ، وشكّهم فيما أتوا به عن ربهم ، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم ، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فكذّبهم اللّه فيما انتحلوه من الإيمان ، بقوله عزّ وجلّ : {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأنعام : 24] ، فيختم اللّه على أفواههم ، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم : {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت : 21] .

ثم يجتمعون في موطن آخر ، فيفرّ بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظم البلاء ، فذلك قوله عزّ وجلّ : {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [عبس : 34 - 36] الآية ، ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء اللّه وأصفياؤه ، فلا يتكلم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حمّلوها إلى أممهم ، فأخبروا أنهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم ، وتسأل الأمم فتجحد ، كما قال اللّه تعالى : {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف : 6] ، فيقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فتشهد الرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فيشهد بصدق الرسل وتكذيب من جحدها من الأمم ، فيقول لكلّ أمة منهم : بلى قد جاءكم بشير ونذير واللّه على كل شيء قدير ، أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم ، ولذلك قال اللّه تعالى لنبيه : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء : 41] ، فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم على أفواههم ، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ، ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفّارهم بإلحادهم وعنادهم ، ونقضهم عهوده ، وتغييرهم سنته ، واعتدائهم على أهل بيته ، وانقلابهم على أعقابهم ، وارتدادهم على أدبارهم ، واحتذائهم في ذلك سنّة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها ، فيقولون بأجمعهم : {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون : 106].

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وهو المقام المحمود ، فيثني على اللّه عزّ وجلّ بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصدّيقين والشهداء ثم الصالحين ، فيحمده أهل السماوات وأهل الأرضين ، فذلك قوله تعالى : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء : 79] ، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظّ ولا نصيب .

ثم يجتمعون في موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض ، وهذا كله قبل الحساب ، فإذا أخذ في الحساب ، شغل كل إنسان بما لديه ، نسأل اللّه بركة ذلك اليوم » .

قال عليه السّلام : « وأما قوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة : 22، 23] ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء اللّه عزّ وجلّ بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمّى الحيوان ، فيغتسلون فيه ، ويشربون من آخر ، فتبيضّ وجوههم ، فيذهب عنهم كلّ أذى وقذى ووعث « 1 » ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنّة ، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ في تسليم الملائكة عليهم : {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] ، فعند ذلك أثيبوا بدخول الجنّة ، والنظر إلى ما وعدهم اللّه عزّ وجلّ ، وذلك قوله تعالى : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ، والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] ، أي منتظرة بم يرجع المرسلون .

وأما قوله تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14] ، يعني محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق اللّه عزّ وجلّ ، قوله في آخر الآية : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } [النجم: 17، 18] ، رأى جبرئيل في صورته مرتين ، هذه المرّة ، ومرة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل خلق عظيم ، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم ولا صفتهم إلا اللّه رب العالمين » .

قال عليه السّلام : « وأما قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى : 51] كذلك قال اللّه تعالى ، قد كان الرسول يوحي إليه رسل السماء ، فتبلّغ رسل السماء إلى رسل الأرشض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه ، من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء ، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ؛ يا جبرئيل ، هل رأيت ربك ؟ فقال جبرئيل : إن ربي لا يرى . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من أين تأخذ الوحي ؟ قال : آخذه من إسرافيل . قال : ومن أين يأخذه إسرافيل ؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين . قال : ومن أين يأخذه ذلك الملك ؟ قال يقذف في قلبه قذفا . فهذا وحي ، وهو كلام اللّه عزّ وجلّ ، وكلام اللّه عزّ وجلّ ليس بنحو واحد ، منه ما كلّم اللّه به الرسل ، ومنه ما قذف في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ ، فهو كلام اللّه عزّ وجلّ » .

قال عليه السّلام : « وأما قوله تعالى : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين : 15] ، فإنما يعني [ به ] يوم القيامة عن ثواب ربهم لمحجوبون ، وقوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام : 158] يخبر محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبا للّه ولرسوله ، فقال : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ } حيث لم يستجيبوا للّه ولرسوله ، { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ } ، يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذبت القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر به النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عنهم ، ثم قال :

{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ } الآية ، يعني لم تكن آمنت من قبل أن تأتي هذه الآية ، وهذه الآية هي طلوع الشمس من مغربها ، وقال في آية أخرى : {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر: 2] يعني أرسل عليهم عذابا ، وكذلك إتيانه بنيانهم ، حيث قال : {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل : 26] يعني أرسل عليهم العذاب » .

وقال عليه السّلام : « وأما قوله عزّ وجلّ : {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة: 10] ، وقوله تعالى : {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة : 46] ، وقوله تعالى : {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } [التوبة : 77] ، وقوله تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] ، يعني البعث ، سماه اللّه تعالى لقاء ، وكذلك قوله تعالى : {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ } [العنكبوت: 5] ، يعني من كان يؤمن أنه مبعوث فإن وعد اللّه لآت من الثواب والعقاب ، فاللقاءها هنا ليس بالرؤية ، واللقاء هو البعث ، وكذلك {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب : 44] يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون » .

قال عليه السّلام : « وأما قوله عزّ وجلّ : {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف : 53] يعني تيقّنوا أنهم يدخلونها ، وكذلك قوله تعالى : {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة : 20] ، وأما قوله عزّ وجلّ للمنافقين : {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب: 10] فهو ظنّ شك وليس ظن يقين ، والظن ظنان : ظن شك وظن يقين ، فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين ، وما كان من أمر الدنيا من الظن فهو ظن شك » .

قال عليه السّلام : « وأما قوله عزّ وجلّ : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] فهو ميزان العدل ، يؤخذ به الخلائق يوم القيامة ، يديل « 2» اللّه تبارك وتعالى الخلائق بعضهم من بعض ، ويجزيهم بأعمالهم ، ويقتصّ للمظلوم من الظالم .

ومعنى قوله عزّ وجلّ : {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 8، 9] فهو قلة الحساب وكثرته ، والناس يومئذ على طبقات ومنازل ، فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ، ومنهم الذين يدخلون الجنّة بغير حساب لأنهم لم يتلبّسوا من أمر الدنيا بشيء ، وإنما الحساب هناك على من تلبس بها ها هنا ، ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ويصير إلى عذاب السّعير ، ومنهم أئمّة الكفر وقادة الضلالة ، فأولئك لا يقيم لهم وزنا ، ولا يعبأ بهم ، لأنهم لم يعبأوا بأمره ونهيه ، يوم القيامة هم في جهنّم خالدون ، تلفح وجوههم النار ، وهم فيها كالحون » .

ومن سؤال هذا الزنديق أن قال

: أجد اللّه يقول : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ } [النحل : 32] وما أشبه ذلك ، فمرّة يجعل الفعل لنفسه ، ومرة لملك الموت ، ومرة للملائكة ، وأجده يقول : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء : 94] ، ويقول : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه : 82] وأعلم في الآية الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفّر ، وأعلم في الثانية أن الإيمان والأعمال الصالحة لا تنفع إلا بعد الاهتداء .

وأجده يقول : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا } [الزخرف : 45] فكيف يسأل الحي الأموات قبل البعث والنشور ؟

وأجده يقول : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] فما هذه الأمانة ، ومن هذا الإنسان ، وليس من صفة العزيز الحكيم التلبيس على عباده ؟

وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله : {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه : 121] ، وبتكذيبه نوحا لمّا قال : {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] ، بقوله تعالى : {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [هود: 46] ، وبوصفه إبراهيم بأنه عبد كوكبا مرة ، ومرة قمرا ، ومرة شمسا ، وبقوله في يوسف : {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف : 24] وبتهجينه موسى حيث قال : {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] الآية ، وببعثه على داود جبرئيل وميكائيل حيث تسوّروا المحراب إلى آخر القصة ، وبحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضبا مذنبا ، وأظهر خطأ الأنبياء وزللهم ، ووارى اسم من اغتر وفتن خلقه وضل وأضل ، وكنى عن أسمائهم في قوله : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان : 27 - 29] فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء ؟

وأجده يقول : {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ} [الأنعام : 158] ، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام : 94] فمرّة يجيئهم ، ومرّة يجيئونه .

وأجده يخبر أنه يتلو نبيه شاهد منه ، كأن الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره ، وأجده يقول : ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ « 1 » ، فما هذا النعيم الذي يسأل العباد عنه ؟ وأجده يقول : {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [هود: 86] ما هذه البقية ؟

وأجده يقول : {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [الزمر: 56] {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة : 115] و {هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [القصص : 88] {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] و { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ } [الواقعة : 41] ما معنى الجنب والوجه واليمين والشمال ؟ فإن الأمر في ذلك ملتبس جدا .

وأجده يقول : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] ويقول : {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك : 16] و {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] و {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد : 4] و {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] و {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ } [المجادلة : 7] الآية .

وأجده يقول : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } [النساء: 3] ، وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ، ولا كلّ النساء أيتام ، فما معنى ذلك ؟

وأجده يقول : {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة : 57] ،

فكيف يظلم اللّه ، ومن هؤلاء الظلمة ؟

وأجده يقول : {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ : 46] فما هذه الواحدة ؟

وأجده يقول : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، وقد أرى مخالفي الإسلام معتكفين على باطلهم غير مقلعين عنه ، وأرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم يلعن بعضهم بعضا ، فأيّ موضع للرحمة العامة لهم ، المشتملة عليهم ؟

وأجده قد بيّن فصل نبيه على سائر الأنبياء ، ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وانخفاض محله ، وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء ، مثل قوله : {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35] وقوله : {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء : 74، 75] ، وقوله تعالى : {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] ، وقوله : {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف : 9] ، وقال :

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 38] ، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس : 12] فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام المبين وهو وصيّ النبي ، فالنبيّ أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها : وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ وهذه كلّها صفات مختلفة ، وأحوال متناقضة ، وأمور مشكلة ، فإن يكن الرسول والكتاب حقا ، فقد هلكت لشكّي في ذلك ، وإن كانا باطلين فما علي من بأس !

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : « سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، تبارك وتعالى هو الحي الدائم القائم على كل نفس بما كسبت ، هات أيضا ما شككت فيه ؟ » . قال : حسبي ما ذكرت ، يا أمير المؤمنين .

قال علي عليه السّلام : « سأنبئك بتأويل ما سألت عنه ، وما توفيقي إلا باللّه ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وعليه فليتوكل المتوكلون .

فأما قوله تعالى : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر : 42] ، وقوله عزّ وجل : {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة : 11] و {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] و {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل: 32] و {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي} [النحل : 28] فهو تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ، لأنهم بأمره يعملون ، فاصطفى جلّ ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه ، وهم الذين قال اللّه فيهم :

{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج : 75] ، فمن كان من أهل الطاعة ، تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة ، يصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وكل ما يأتون به منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، ففعل ملك الموت فعل اللّه ، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب على يد من يشاء ، وإن فعل أمنائه فعله كما قال : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] .

وأما قوله : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] ، وقوله تعالى : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه: 82] ، فإنّ ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء ، وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنّجاة مما هلك به الغواة ، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها باللّه ، ونجا سائر المقرين بالوحدانية ، من إبليس فمن دونه في الكفر ، وقد بين اللّه ذلك بقوله : {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] ، وبقوله :

{الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] .

وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها ، ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين : إيمان بالقلب ، وإيمان باللسان ، كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف ، فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فالإيمان بالقلب هو التسليم للربّ ، ومن سلّم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره ، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم ، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم ، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل ، فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ، لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة ، فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحق ، وقد قطع اللّه عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله ، لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل ، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه ، ومتعلم على سبيل نجاة ، أولئك هم الأقلّون عددا .

وقد بين اللّه ذلك في أمم الأنبياء ، وجعلهم مثلا لمن تأخر ، مثل قوله

في قوم نوح : {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود : 40] ، وقوله فيمن آمن من أمّة موسى :

{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف : 159] ، وقوله في حواري عيسى ، حيث قال لسائر بني إسرائيل : {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 52] يعني بأنهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم ، ولا يستكبرون عن أمر ربهم ، فما أجابه منهم إلا الحواريون ، وقد جعل اللّه للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله : {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وبقوله : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83] ، وبقوله : {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة : 119] ، وبقوله : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] ، وبقوله : {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة : 189] ، والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء ، وأبوابها أوصياؤهم .

فكل من عمل من أعمال الخير فجرى على غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم ، مردود وغير مقبول ، وأهله بمحلّ كفر وإن شملتهم صفة الإيمان ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54] ؟ وماتوا وهم كافرون ، فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه باللّه مع دفعه حق أوليائه ، وحبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ، وكذلك قال اللّه سبحانه : فَلَمْ يَكُ {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } [غافر: 85] وهذا كثير في كتاب اللّه عزّ وجلّ والهداية هي الولاية ، كما قال اللّه عزّ وجلّ : {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56] ، والذين آمنوا في هذا الموضع ، هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأوصياء في عصر بعد عصر ، وليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا ، إنّ المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمدا رسول اللّه ، ويدفعون عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بما عهد به من دين اللّه وعزائمه وبراهين نبوته إلى وصيّه ، ويضمرون من الكراهة له ، والنقض لما أبرمه منه ، عند إمكان الأمر لهم ، فيما قد بيّنه لنبيّه بقوله : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65] ، وبقوله : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] ، ومثل قوله تعالى : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق : 19] ، أي لتسلكنّ سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء ، وهذا كثير في كتاب اللّه عزّ وجلّ ، وقد شقّ على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ما يؤول إليه عاقبة أمرهم ، واطلاع اللّه إياه على بوارهم ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] و {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة : 68] .

وأما قوله : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف : 45] فهذا من براهين نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التي آتاه اللّه إياها وأوجب به الحجّة على سائر خلقه ، لأنه لما ختم به الأنبياء وجعله اللّه رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل ، خصه اللّه بالارتقاء إلى السماء عند المعراج ، وجمع له يومئذ الأنبياء ، فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه من عزائم اللّه وآياته وبراهينه ، وأقرّوا أجمعون بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده ، وفضل شيعة وصيّه من المؤمنين والمؤمنات الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم ولم يستكبروا عن أمرهم ، وعرف من أطاعهم ، وعصاهم من أممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدّم أو تأخر .

وأما هفوات الأنبياء عليهم السّلام وما بينه اللّه في كتابه ، ووقوع الكناية عن أسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم ، فإن ذلك من أدلّ الدلائل على حكمة اللّه عزّ وجلّ الباهرة وقدرته القاهرة وعزّته الظاهرة ، لأنه علم أن براهين الأنبياء تكبر في صدور أممهم ، وأن منهم من يتخذ بعضهم إلها ، كالذي كان من النصارى في ابن مريم ، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرّد به عزّ وجل ، ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى حيث قال فيه وفي أمّه : {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة : 75] ؟ يعني إن من أكل الطعام كان له ثفل ، ومن كان له ثفل فهو بعيد مما ادّعته النصارى لابن مريم .

ولم يكنّ عن أسماء الأنبياء تجبرا وتعززا ، بل تعريفا لأهل الاستبصار ، أن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى ، وأنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين ، واعتاضوا الدنيا من الدين .

وقد بين اللّه تعالى قصص المغيّرين بقوله : {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة : 79] ، وبقوله : {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} [آل عمران : 78] ، وبقوله {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108] بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل ، وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله : {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] ، يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله اللّه ليلبسوا على الخليقة ، فأعمى اللّه قلوبهم حتى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوا فيه وحرفوا منه ، وبين عن إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ، ولذلك قال لهم : {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران: 71] ، وضرب مثلهم بقوله : {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } [الرعد: 17] ، فالزّبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل ، والذي ينفع الناس فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره .

وليس يسوغ مع عموم التقيّة التصريح بأسماء المبدلين ، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب ، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الائتمار لهم والرضا بهم ، ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق ، ولأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول اللّه عزّ وجلّ لنبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [الأحقاف : 35] ، وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله :

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب : 21] ، فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت ، فإنّ شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه .

وأما قوله تعالى : {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] ، وقوله : {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام: 94] ، وقوله : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام : 158] فذلك كله حق ، وليس مجيئه جل ذكره كمجيء خلقه ، فإنّه رب [ كل ] شيء ، ومن كتاب اللّه عزّ وجلّ ما يكون تأويله على غير تنزيله ، ولا يشبه تأويله كلام البشر ولا فعل البشر ، وسأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إن شاء اللّه تعالى ، وهو حكاية اللّه عزّ وجل عن إبراهيم عليه السّلام حيث قال : {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] ، فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله ! وقال : {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6] ، وقال : {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25] ، فإنزاله ذلك خلقه إياه ، وكذلك قوله : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81] ، أي الجاحدين . فالتأويل في هذا القول باطنه مضادّ لظاهره .

ومعنى قوله : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ }، فإنما خاطب نبينا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : هل ينتظر المنافقون والمشركون إلا أن تأتيهم الملائكة فيعاينوهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني بذلك أمر ربك ، والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون الخالية ، وقال : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد : 41] ، يعني بذلك ما يهلك من القرون ، فسماه إتيانا وقال : {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة : 30] ، أي لعنهم اللّه أنى يؤفكون ، فسمى اللعنة قتالا ، وكذلك قال : {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17] ، أي لعن الإنسان ، وقال : {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال : 17] ، فسمّى فعل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فعلا له ، ألا ترى تأويله على غير تنزيله ! ومثله قوله : {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة : 10] ، فسمى البعث لقاء وكذلك قوله : {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] ، أي يوقنون أنهم مبعوثون ، ومثله قوله : {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } [المطففين : 4، 5] ، يعني أليس يوقنون أنهم مبعوثون ؟ واللقاء عند المؤمن البعث وعند الكافر المعاينة والنظر ، وقد يكون بعض ظنّ الكافر يقينا ، وذلك قوله : {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف : 53] .

وأما قوله في المنافقين : {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب : 10] ، فليس ذلك بيقين ولكنه شكّ ، فاللفظ واحد في الظاهر ومخالف في الباطن ، وكذلك قوله :

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] ، يعني استوى تدبيره وعلا أمره .

وقوله : {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف : 84] ، وقوله : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد : 4] ، وقوله : {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة : 7] ، فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه ، وأن فعلهم فعله ، فافهم عني ما أقول لك ، فإني إنما أزيدك في الشرح لأثلج صدرك وصدر من لعله بعد اليوم يشك في مثل ما شككت فيه ، فلا يجد مجيبا عما يسأل عنه لعموم الطغيان والافتتان واضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب إلى الاكتتام والاحتجاب خيفة أهل الظلم والبغي .

أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا ، والباطل ظاهرا مشهورا ، وذلك إذا كان أولى الناس بهم أعداهم له ، واقترب الوعد الحق ، وعظم الإلحاد ، وظهر الفساد ، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ، ونحلهم الكفار أسماء الأشرار ، فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ، ثم يتيح اللّه الفرج لأوليائه ، ويظهر صاحب الأمر على أعدائه .

_______________
 

( 1 ) الوعث : كلّ أمر شاق من تعب وغيره . « المعجم الوسيط ج 2 ، ص 1043 » .

( 1 ) أدال فلانا وغيره على فلان أو منه : نصره ، وغلبه عليه ، وأظفره به . « المعجم الوسيط ج 1 ، ص 304 » .

------------------------------

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي