الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
كمال الإنسان
المؤلف: مركز المعارف للتأليف والتحقيق
المصدر: دروس في التربية الأخلاقية
الجزء والصفحة: ص31-39
2024-07-14
511
لقاء الله
لا يوجد كمالٌ للإنسان أجلّ وأرفع من لقاء الله سبحانه وتعالى، وهو من أسمى مقامات الإنسانية الشامخة، ولا سعادة أكبر للمؤمن من التقرّب إلى الله تعالى صاحب الكمال المحض، والقدرة اللامحدودة، والعلم المطلق، ولا راحة أعلى من اليقين بأنّ الإنسان لا محالة راجعٌ إلى ربٍّ ودودٍ رحيمٍ.
وقد بشّر عزّ وجلّ المؤمنين بلقائه، فقال ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[1].
ووعد الذين يرجون لقاءه بأنّ لهم ما يأملون ﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[2].
ووصف تعالى المكذّبين بلقائه بأنهم خاسرون وغير مهتدين ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾[3].
وأنّ الكافرين بلقائه هم في الحقيقة يائسون من رحمة الله، ولهم عذابٌ أليم ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[4].
وأنّه تعالى سوف يكلهم إلى أنفسهم ويذرهم في عماهم ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾[5].
أما أهل الإيمان والخشوع فإنهم على يقينٍ بلقاء ربّهم وأنّهم إليه راجعون ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[6].
بل وإنّ قلوبهم وجلةٌ وفرحةٌ برجوعهم إليه سبحانه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾[7].
لأنّهم على يقينٍ أنّ الله تعالى لم يخلقهم عبثاً ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾[8].
بل يعلمون علم اليقين أنّه اصطنعهم لنفسه ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾[9].
لذا تكون نفوس المؤمنين مطمئنةً بالرجوع إلى ربِّها ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾[10]، راضيةً بالدخول في عباده الصالحين والوفود إلى جنّة لقائه ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[11].
حضور الله في حياتنا
لقاء الله تعالى على نحوين، لقاءٌ في الدنيا ولقاءٌ في يوم القيامة عند البعث والحساب. وكلامنا الآن يتمحور حول لقاء الله في الدنيا قبل الآخرة. وليس المقصود بلقاء الحق تعالى اللقاء الحسّي ورؤيته تعالى بالبصر المادي، لأنّ الله تعالى ليس بجسمٍ، ولا يحدّه مكان، ولا يُرى بالعين، فإنه ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[12]. بل المراد به اللقاء المعنوي، بمعنى حضوره تعالى الدائم في حياتنا، وعدم الغفلة عنه أبداً، والتوجّه إليه باستمرار، ومشاهدة آياته وآثار قدرته تعالى في كلّ شيءٍ. فلا نعبد غيره، ولا ندعو سواه، ولا نطلب حوائجنا إلّا منه، فالإنسان عندما يدرك أن الله تعالى خالقه، ومالك كل شيء، وبيده الأمر كله، وهو في السماء إله وفي الأرض إله، وهو ربّ العالمين، فمن الطبيعي أن يتوجّه إليه بالعبوديّة له والتسليم.
والوصول إلى هذه المنزلة الإنسانية الرّفيعة، من لقاء الحق والحضور في محضره إنِّما يصبح ميسوراً في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي عندما يصبح الله تعالى حاضراً دائماً في حياة الإنسان، فيرى الإنسان خالقه حاضراً وموجوداً في جميع شؤون حياته، ويشاهد نفسه دائماً في مشهد الله العظيم وفي ساحة حسابه يوم القيامة.
وكيف لا يكون ذلك وهو تعالى معه أينما ولّى وجهه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[13].
وهو أقرب إليه من حبل الوريد ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[14].
وهو شاهدٌ على كلّ حركةٍ يقوم بها وكلّ لفظةٍ ينطق بها ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾[15].
فالإنسان إذا أراد أن يحصل على مقعد صدقٍ عند الله، ينبغي له في البداية أن يرى الله حاضراً وناظراً إليه في جميع شؤونه، ثم بعد ذلك يؤدّي على أساس هذا الشهود جميع الأعمال خالصةً لوجه الله. فممّا أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذر رضوان الله عليه أن قال له: "يا أبا ذرّ إنك منّا أهل البيت، وإني موصيك بوصيّة فاحفظها، فإنّها جامعة لطرقِ الخير وسبلِه، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان، يا أبا ذرّ اعبد الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واعلم أن أول عبادة الله المعرِفة به"[16]. وهذه الحالة تحصل للإنسان في هذه الدنيا نتيجة الطّهر والتقوى والعبادة وتهذيب النفس. وقد سأل رجلٌ يقال له ذعلب أمير المؤمنين (عليه السلام): "هل رأيت ربك؟ قال عليه السلام: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربّاً لم أره، فقال: يا أمير المؤمنين: كيف رأيته؟ قال (عليه السلام): "ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائقِ الإيمان"[17].
أثر حضور الله في حياتنا
إذا أدرك الإنسان أنّه في محضر الله تقدّست ذاته، وأنه مطّلعٌ على جميع حركاته وسكناته، فلن يقوم بالأعمال التي لا ترضي الله، ولن يعصيه أبداً، بل سوف يسعى دائماً لأن يجعل كلّ أعماله موافقةً لإرادته تعالى وخالصةً لوجهه سبحانه. فالله تعالى يرى ويشاهد أعمال الإنسان، وليس هو وحده وإنما رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) شاهدون على أفعالنا أيضاً ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[18]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "تُعرَض الأعمال على رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعمالُ العبادِ كلّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى ﴿اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾، وسكت"[19].
وعندما سئل (عليه السلام) عن "المؤمنون" في الآية الكريمة قال (عليه السلام): "هم الأئمة عليهم السلام".
فإذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة وهي أن كل أعماله مشهودةٌ عند الله وملائكته الذين يكتبون كل شيء، وكذلك الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، عندها سوف يسعى لاجتناب المعاصي وفعل الصّالحات. أما إذا لم يطّلع الإنسان على أصل أن "الله معه" دائماً، وظنّ أنه غائبٌ عنه، فإنه سوف يغرق بالغفلة، وسوف يتهاون في أداء الأعمال الواجبة عليه، ولن يهتمّ باجتناب المحرّمات. بخلاف ما إذا أدرك أنّ الله تعالى محيطٌ به ووجد نفسه دائماً في مشهده ومحضره، فإنه يسعى لأداء كل الأعمال طبق الإرادة الإلهية.
وهذه الأعمال التي تؤدّى وفق إرادة الله هي أعمالٌ مقرّبةٌ إلى الله، كالصلاة مثلاً التي هي "قربان كل تقي"[20] ،كما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام). وإذا وصل الإنسان إلى هذا الحدّ فاعتقد أن الله ناظرٌ إلى أعماله، راعى الخلوص أيضاً في كل أعماله. فهو من جهةٍ يؤدّي الأعمال بحسب أوامر الله، ومن ناحيةٍ ثانية يكون مخلصاً في القيام بأعمال البرّ والخير.
وهذه منزلةٌ رفيعةٌ يصل إليها الإنسان وهي متيسّرة للجميع، فما أخسر الذين يبيعون أنفسهم للدنيا وهم مدعوّون للوصول إلى هذا المقام الرفيع.
الشهداء هم أهل الحضور واللقاء
إنّ أكثر من يستشعر هذه المعاني السامية جيداً، ويتوق إلى هذه المنازل الرفيعة، ويصبو إليها دائماً هو ذلك الإنسان العاشق للشهادة في متراس الحرب وثغور الجهاد، لأنّ قلبه لم يتعلّق بشيءٍ إلا بالله تعالى الحيّ الذي لا يفنى.
فالشهادة تعني الحضور، ويقابلها الغيب والضياع، وهي عبارةٌ عن حضور الإنسان في المحضر الإلهي باختياره وإرادته حيث يصل المجاهد في عشقه لله إلى درجةٍ من الشوق والوله للقاء المحبوب لا يرى معها الدنيا إلا سجناً وقيداً ومانعاً من الوصول إلى السعادة المطلقة، فيرفع حجاب الجسم المادّي عن وجه الروح وحياتها الأبدية.
فالشهيد عندما يدرك أنّ الله تعالى محيطٌ به، ومعه دائماً، وأقرب إليه من نفسه، فإنّه لا يتورّع عن تقديم كل وجوده في سبيله. الشهيد هو الذي عرف أسرار الحياة، فشهد الدنيا بعين الحقيقة, أنها دار الغرور والقرية الظالم أهلها، ولم يغفل عن الآخرة التي هي دار الحيوان أي الحياة الحقيقية، ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[21]. فصار الموت عنده أمنيةً، لأنه باب الوصول إلى تلك الحياة الحقيقية، وباتت الدنيا ساحة جهادٍ دؤوبٍ للقاء المحبوب، فهو يتمنّى الموت طلباً للآخرة، ويرى الدنيا حجاباً ومانعاً من الوصول إلى غايته الكبرى. فاختار أن يسلك الطريق الأسرع والأقصر للقاء الله ونيل رضوانه، وهل من طريقٍ أسرع إلى رضوان الله من بذل المهج وخوض اللجج والقتل في سبيله؟! وهو غاية منى العاشقين وأقصى مراد الطالبين!
لذا كان الشهداء في مقامهم العالي عند الله وليس عند أحدٍ سواه، أحياء في كنفه بالحياة الحقيقية، لهم رزقٌ لا حدّ له، وعطاءٌ غير مجذوذ، ﴿وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾[22]، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[23]. لا معنى للخوف أو الحزن لديهم، لأنّ الإنسان إنما يحزن ويغتمّ على المفقود والزائل، وهم إنّما تعلّقت قلوبهم بالحيّ الذي لا يزول ولا يفنى، لذا لا يطرق الخوف أو الحزن ساحتهم على الإطلاق بل ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[24]، لأن الشهداء جسّدوا في حياتهم كل معاني التضحية والوفاء والصبر والإقدام والصدق والإخلاص والعشق والفناء في المحبوب، فكان لهم ما أرادوا ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾[25]. لذا كان عيد الإمام الخميني هو اليوم الذي يرزقه الله تعالى الشهادة في سبيله: "إن يوم فرحتنا وسعادتنا هو يوم نرتاح من هذه الدنيا الملوّثة والمليئة بالآلام والعذاب والبلاء. إن عيدنا ويومنا السعيد هو الشهادة"[26].
كيف يصبح الله حاضراً في حياتنا؟
إذا كان كمال الإنسان وسعادته الحقيقيّة تكمن في التقرّب إلى الكمال المحض وصيرورته عند الله كما هو حال الشهداء، فإن تحقّق ذلك إنما يكون من خلال أمرين أساسيّين هما: المراقبة والمحاسبة، فالإنسان إذا أدرك أنه في محضر الله لا بد له من مراقبة أعماله والانتباه لتصرّفاته من جهة، ومن جهةٍ أخرى عليه أن يحاسب نفسه باستمرار، فالمراقبة الدائمة والحساب المستمرّ هما اللذان يوصلان الإنسان إلى المكان الذي لا ينظر فيه إلا إلى الله. ويبيّن القرآن الكريم هذين الأصلين في سورة الحشر المباركة بقوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[27]. فهذه الآية تدعونا إلى أصلين أخلاقيين، الأوّل المراقبة، والثاني المحاسبة. فكلّ إنسانٍ مكلّفٌ بمراقبة نفسه ومحاسبتها، فيراقبها في أفعالها وتصرّفاتها وأقوالها ويحاسبها، فإذا عمل خيراً شكر الله، وإذا عمل سوءاً استغفر الله وتاب إليه.
1- المراقبة:
معنى المراقبة مشتقّ من "الرقبة"، فالذي يرفع رقبته ليشاهد أكثر يكون مراقباً. وعلى الإنسان أن يراقب كلّ شيء في حياته من الكلام والفعل والنّظر وغيرها... لكي لا يقع فيما لا يرضي الله، وما يخالف أمره، فهو عزّ وجلّ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾[28]، ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[29]، وهو مستعدّ وجاهز ليسجّل كلّ شيء ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾[30]، والإنسان الذي يراقب نفسه باستمرار سوف يحرص على أن لا يرتكب أية مخالفة، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبة له قال: "فرحم الله من راقب ربه، وخاف ذنبه، وجانب هواه، وعمل لآخرته، وأعرض عن زهرة الحياة الدنيا"[31]. ومما وصّى به إمامنا الصادق (عليه السلام): "واقصد في مشيِك, وراقب الله في كل خطوة، كأنك على الصراط جائز، ولا تكن لفّاتا"[32].
2- المحاسبة:
وأما المحاسبة فأن يحاسب الإنسان نفسه من خلال البحث والتدقيق في أعماله ليرى إن كان قد أدّى التكاليف الإلهية على أكمل وجه أم لا، فإذا اكتشف أنه ارتكب ما يخالف أمر ربّه استغفر وأناب إليه نادماً عازماً على أن لا يعود إلى معصيته مطلقاً، وسعى مباشرة لإصلاح الأمر وجبران ما فاته. وإذا اكتشف أنه أدّى ما عليه حمد الله وشكره على ما وفّقه إليه، وهو مدرك أنه لا مجال للمقارنة بين طاعاته ونعم الله السابغة عليه، لذا يجد نفسه مقصّراً دائماً في محضر الحق، ولا يفتأ عن إظهار العجز والضّعف أمام ساحته، فلا يبتعد عن العبودية له قيد أنملة، ولا يجد نفسه في محضره إلّا عبداً، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض خطبه قال: "أيها الناس لا يشغلنّكم دنياكم عن آخرتكم، فلا تؤثروا هواكم على طاعة ربكم، ولا تجعلوا أيمانكم ذريعة إلى معاصيكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ومهّدوا لها قبل أن تعذّبوا، وتزوّدوا للرحيل قبل أن تُزعَجوا، فإنّها موقِفُ عدل، واقتضاء حقّ، وسؤالٌ عن واجبٍ، وقد أبلغ في الإعذار من تقدّم بالإنذار"[33].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ووازنوها قبل أن توازنوا، حاسبوا أنفسكم بأعمالها، وطالبوها بأداء المفروض عليها والأخذ من فنائها لبقائها"[34].
[1] سورة البقرة، الآية: 223.
[2] سورة العنكبوت، الآية: 5.
[3] سورة يونس، الآية: 45.
[4] سورة العنكبوت، الآية: 23.
[5] سورة يونس، الآية: 11.
[6] سورة البقرة، الآيتان: 45 - 46.
[7] سورة المؤمنون، الآية: 60.
[8] سورة المؤمنون، الآية: 115.
[9] سورة طه، الآية: 41.
[10] سورة العلق، الآية: 8.
[11] سورة الفجر، الآيات: 27 - 30.
[12] سورة الأنعام، الآية: 103.
[13] سورة الحديد، الآية: 4.
[14] سورة ق، الآية: 16.
[15] سورة يونس، الآية: 61.
[16] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 76.
[17] الشيخ الكليني، الكافي: ج 1، ص 138.
[18] سورة التوبة، الآية: 105.
[19] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 219.
[20] م.ن: ج 3، ص 265.
[21] سورة العنكبوت، الآية: 64.
[22] سورة الحديد، الآية: 19.
[23] سورة آل عمران، الآية: 169.
[24] سورة آل عمران، الآية: 170.
[25] سورة النساء، الآية: 69.
[26] صحيفة الإمام، ج 1، ص 196.
[27] سورة الحشر، الآية: 18.
[28] سورة غافر، الآية: 19.
[29] سورة ق، الآية: 18.
[30] سورة يس، الآية: 12.
[31] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 18.
[32] م.ن: ج 73، ص 167.
[33] م. س، ج74، ص183.
[34] الطبرسي، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل، ج 12، ص 154، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1988م، الطبعة 2، باب وجوب محاسبة النفس كل يوم...، ح 5.