الجغرافية الطبيعية
الجغرافية الحيوية
جغرافية النبات
جغرافية الحيوان
الجغرافية الفلكية
الجغرافية المناخية
جغرافية المياه
جغرافية البحار والمحيطات
جغرافية التربة
جغرافية التضاريس
الجيولوجيا
الجيومورفولوجيا
الجغرافية البشرية
الجغرافية الاجتماعية
جغرافية السكان
جغرافية العمران
جغرافية المدن
جغرافية الريف
جغرافية الجريمة
جغرافية الخدمات
الجغرافية الاقتصادية
الجغرافية الزراعية
الجغرافية الصناعية
الجغرافية السياحية
جغرافية النقل
جغرافية التجارة
جغرافية الطاقة
جغرافية التعدين
الجغرافية التاريخية
الجغرافية الحضارية
الجغرافية السياسية و الانتخابات
الجغرافية العسكرية
الجغرافية الثقافية
الجغرافية الطبية
جغرافية التنمية
جغرافية التخطيط
جغرافية الفكر الجغرافي
جغرافية المخاطر
جغرافية الاسماء
جغرافية السلالات
الجغرافية الاقليمية
جغرافية الخرائط
الاتجاهات الحديثة في الجغرافية
نظام الاستشعار عن بعد
نظام المعلومات الجغرافية (GIS)
نظام تحديد المواقع العالمي(GPS)
الجغرافية التطبيقية
جغرافية البيئة والتلوث
جغرافية العالم الاسلامي
الاطالس
معلومات جغرافية عامة
مناهج البحث الجغرافي
تعقد وتشابك مشكلات النقل
المؤلف: محمد رياض
المصدر: جغرافية النقل
الجزء والصفحة: ص91 ــ 96
2024-06-26
527
نحب أن نؤكد على بعض النقاط الهامة في دور النقل كعامل مؤثر في النشاط الاقتصادي، ومن بين ما ترجع إليه أسباب هذا التأثير كفاءة الشحن والتفريغ مع قلة الخسائر إلى الحد الأدنى الممكن. فالكفاءة تنطوي على معنيين: الأول سرعة الشحن والتفريغ؛ أي بعبارة أخرى عامل الزمن. والثاني قلة التكلفة في الشحن والتفريغ؛ أي مدى الاقتصاد في الأيدي العاملة التي تتولى هذه العمليات، ومدى استخدام الآلات الحديثة من روافع مختلفة الأحجام، ثابتة أو متحركة على محرّكات صغيرة والتقليل من العمالة البشرية يعطي اقتصادًا أكبر في تكاليف الشحن والتفريغ حتى ولو كانت أجور العمال منخفضة في الدول النامية والمختلفة. ويرتبط بالكفاءة أيضًا استخدام نظام الصندقة من صندوق Container System، وهو نظام حديث تُعبَّاً بمقتضاه في داخل صناديق ضخمة حمولات كثيرة ذات اتجاه واحد ؛ ومن ثم ترفعها الأوناش الكبيرة من القطارات أو الشاحنات إلى ظهر السفن، أو بالعكس، وفي هذا توفير للجهد والعمالة وزيادة في الأمان وتقليل التلف إلى الحد الأدنى.
وقلة الخسائر في عمليات الشحن والتفريغ تنطوي هي الأخرى على مفهوم واحد محدد؛ ذلك هو زيادة الأرباح، وعلى الرغم من أن كافة السلع والبضائع معرضة لبعض الخسائر أثناء عمليات النقل، فإن الإقلال من هذه الخسائرـ ما أمكن يؤدي إلى زيادة أرباح النقل من ناحية وأرباح السلعة في السوق من ناحية ثانية؛ وذلك لأن قيمة الخسائر تضاف عادة أو تحسب على سعر السلعة. وأيا كان الأمر، فإن البضائع والسلع تختلف فيما بينها بطبيعة تعرُّضها للخسائر ، أو درجة احتياجها لسرعة النقل. فخام الحديد الناعم يخسر حوالي 25% من وزنه أثناء عملية التفريغ والشحن، وبعض البضائع سريعة العطب؛ مما يؤدي إلى خسارة جزء منها مع طول انتظارها على أرصفة الموانئ أو في مخازنها. النقطة الثانية هي أن شرايين المواصلات المفردة أو الشرايين المزدوجة التي تصبح وحدها دعامة النقل الرئيسية في إقليم أو دولة تتعرض إلى ضغوط شديدة في عمليات النقل؛ مما قد يتسبب عنه تأخير أو تلف في بعض الأحيان والأمثلة على ذلك خطوط السكك الحديدية في أستراليا الغربية أو سيبيريا الشرقية أو كندا الوسطى والغربية، أو أفريقيا الوسطى، أو خط حديد الصعيد في مصر، أو خطوط السكك الحديدية في السودان .. إلخ. والسبب الرئيسي راجع إلى عدم وجود طرق نقل أخرى مساعدة تجري موازية لهذا الخط أو ذاك، بل على العكس نجد أن طرق النقل الأخرى، برية أو نهرية، كثيرًا ما تتعامد على محور النقل الرئيسي وتلقي بحمولاتها على عاتق الخط الرئيسي مما يزيد في أعبائه. وبذلك فإن النمط العام للنقل في مثل هذه الحالات متكاملًا وسيلة النقل، بينما كان يجب أن يكون منافسًا أو مساعدًا بمعنى وجود عدة طرق تجري في محور واحد. ومن الطبيعي أن تزداد الخسائر الناجمة عن كثرة الحركة في هذا النمط من النقل، خاصة إذا تعرّض الخط إلى التعطل بفعل عوامل طبيعية، كالفيضانات أو الانهيارات الثلجية أو السيول المفاجئة، وذلك حسب اختلاف البيئات الطبيعية.
النقطة الثالثة أن وسائل النقل تتعرض لتأثير عدد من الظروف البشرية الطارئة التي تسبب توقف العمل فترات محدودة أو طويلة نسبيًّا. وأهم هذه الظروف إضرابات عمال الشحن من أجل رفع الأجور، ومما لا شك فيه أن الخلل الناجم عن الإضرابات. حتى لو استغرقت وقتًا قصيرًا يتضخم كثيرًا في سير عمليات النقل؛ لأنه يؤدي إلى ارتباك كبير في الزمن المتعاقد عليه من أجل نقل السلع، وتستغرق عملية إعادة الأمور إلى سيرها الطبيعي وقتًا وجهدًا إضافيين.
كذلك يحدث الإضراب بين عمال الشحن احتجاجًا على البطالة التي يتسبب فيها دخول الآلات الحديثة في عمليات النقل بدلا من العامل البشري. ومما يزيد الأمور تكلفة أن هيئات الموانئ أو مرافق النقل تضطر إلى دفع معاشات تقاعد للعمال الذين تسببت الآلات الحديثة في تقاعدهم، وكل هذا يؤدي إلى زيادة رسوم النقل في الموانئ أو محطات السكك الحديدية، وهو بدوره يزيد تكلفة النقل.
وللتكنولوجيا الحديثة دورها أيضًا في إحداث بطالة أو كساد في عدد من الموانئ النشطة سابقًا، فإن كبر غاطس السفن نتيجة لزيادة حمولتها، كثيرًا ما أدى إلى أحد أمرين: أولهما أن تهبط الحركة في الموانئ غير المجهزة لاستقبال هذه السفن من حيث عمق مياه المرفأ وأطوال أرصفته ومساحة مخازنه، وحجم شرايين النقل البري التي تخدم الميناء، ويؤدي ذلك إلى تحول السفن الكبيرة إلى موانئ أرحب وأكثر تلاؤمًا مع متطلبات النقل الحديثة، وفي هذا نلمح اتجاهًا واضحًا نحو ازدياد احتكارية عدد قليل من الموانئ، بينما تكسد الحركة في موانئ كثيرة اعتيادية. والأمر الثاني أن تلجأ الموانئ إلى استثمارات ضخمة لتعميق الميناء وإطالة أرصفته، وتجهيزه بالوسائل الحديثة، وزيادة رقعة المخازن، وإيجاد وسائل نقل برية أكثر كفاءة، لمواجهة الحجم المتزايد للسفن والبضائع.
ومن بين الأسباب البشرية الأخرى التي تؤدي إلى تغير كبير في وظائف الموانئ بالارتباط باحتياجات العصر، نشأة موانئ جديدة أو أرصفة خاصة في الموانئ الواسعة، مخصصة ومجهزة لاستقبال ناقلات البترول الضخمة أو العملاقة، وإذا استمر اتجاه العالم إلى الاعتماد المتزايد على ناقلات ضخمة، فإن ذلك سوف يكون مصدر تهديد خطير للموانئ الصغيرة التي كانت تتعامل مع ناقلات البترول الصغيرة أو الاعتيادية. ومجمل القول في هذا الصدد أن كثيرًا من الموانئ التي لا تستطيع مواجهة أساليب النقل البحري والبري الحديثة، مضطرة للأسف إلى البحث عن أشكال جديدة من الوظائف والنشاطات الاقتصادية في قطاع الصناعة أو قطاع الخدمات؛ لمواصلة إمداد السكان بمصادر للرزق، فإذا كانت هذه الموانئ في مواقع ملائمة فإنها تتحول إلى تكثيف حرفة السماكة، أو الاتجاه إلى الصناعات التحويلية أو الصناعات الخفيفة، أو على الأقل إلى النشاط السياحي والترفيهي، وذلك حسب ظروفها الطبيعية ومواقعها وظهيرها. ورويدا رويدًا قد تهدأ الحركة ويتحول السكان إلى مناطق أخرى، وتصبح هذه المدن الموانئ قرى هادئة يقصدها طلاب الراحة وأصحاب المعاشات ولا شك أن هذه الصورة، مهما كانت درجة قتامتها، قد تكررت كثيرًا في الماضي؛ فإن عهد السفن التجارية وسفن المحركات الموتورات قد قضى على نشاط كثير من الموانئ النشطة في عصر السفن الخشبية ذات الشراع، وأن كثيرًا من هذه الموانئ قد تحولت في بريطانيا وفرنسا والبحر المتوسط وغير ذلك من أماكن، إلى النشاط الترفيهي والسياحي، أو على أحسن الفروض إلى قرى تعيش على السماكة .
ولا يقتصر الأمر على الموانئ البحرية أو النهرية أو مراكز تجمع المواصلات البرية الأخرى، بل إن عصر الطيران النفاث قد أحدث تغيرات سريعة جدا في مواقع المطارات وتجهيزاتها بالقياس إلى ما كانت عليه في عصر طائرات المحرّكات. فاحتياجات النفاثات السريعة إلى مدارج طويلة قد غير مواقع المطارات، وتكنيك الهبوط والإقلاع والشحن والتفريغ وقاعات استقبال الركاب، ويتذكر الكثير منا أحجام المطارات القديمة بالقياس إلى المطارات الحديثة.
وكما كانت هناك في عصر سفن الشراع موانئ بحرية عديدة في الإقليم الواحد، كان هناك في عصر طيران المحركات مطارات عديدة في الإقليم الواحد. وقد كان ذلك مرتبطًا بمدى الطيران القصير لتلك الطائرات، وحاجتها إلى النزول للتزود بالوقود على مسافات معقولة. أما مدى الطيران في العصر النفاث فقد زاد كثيرًا؛ مما دعا من ناحية اقتصاديات النقل إلى ضرورة تباعد المطارات؛ ومن ثم نما نمط الموانئ الجوية الاحتكارية، وأصبح هناك عدد محدود من المطارات في العالم، تشكل نقط التقاء رئيسية في خطوط النقل الجوي العالمية. أما المطارات الصغيرة القديمة فإنها تخدم النقل الجوي الداخلي الذي ما زال يستخدم أنواع الطائرات القديمة، أو نفاثات صغيرة قصيرة المدى بحيث يمكن تشغيلها اقتصاديًا على شبكة الخطوط الداخلية في إقليم أو دولة.
وبرغم الاستثمارات الكبيرة في المطارات الدولية التي تخدم حركة الطيران النفاث،إلا أن التقدم التكنولوجي قد يؤدي بها إلى دور أقل أهمية ويؤدي إلى مزيد من احتكارية عدد أقل من المطارات في شبكة النقل الجوي العالمي. ومصدر هذا الخطر أننا على وشك الدخول في عصر طيران ما فوق حاجز الصوت والسرعة الهائلة التي تطير بها مثل هذه الطائرات تضطر إلى تباعد أكبر بين محطات الإقلاع والهبوط، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن اختراق حاجز الصوت وما يؤدي إليه من ضوضاء قد يكون غير محتمل بالنسبة للمدن التي تمر فوقها، فإن أغلب الظن أن الاتجاه هو إلى إنشاء مطارات خاصة لهذه الطائرات بعيدة نسبيًّا عن المدن الحالية، واتخاذ مسارات جوية بعيدة عن مراكز التجمع المديني، ومعنى ذلك:
(1) استثمارات جديدة مقابل إنشاء المطارات الجديدة.
(2) إطالة خطوط الطيران فوق حاجز الصوت لتجنب مناطق المدن المركزية.
(3) إطالة زمن الانتقال البري من المطار إلى المدينة، أو اتخاذ وسيلة نقل جوية أخرى أكثر ملاءمة وأسرع كالهليكوبتر (الطائرات العمودية).
هذه التغيرات في مجملها تزيد من تكلفة النقل الجوي، وهو ما لا تسعى إليه شركات الملاحة الجوية إلا في أضيق الحدود لكي تصبح وسيلة نقل قادرة على المنافسة. والخلاصة أن هناك عدة عوامل متداخلة تُعقد مشكلات النقل في العصر الحديث،
برغم الاستمرار في كثافته، نوجزها على النحو التالي:
(1) مجموعة متغيرات ذاتية: ونقصد بها المتغيرات التي تطرأ على تكنولوجية وسائل النقل بهدف توسيع أحجامها، ولكنها تؤدي إلى نمو نمط احتكاري في عدد يسير من نقط الانطلاق ونهايات خطوط الحركة أيا كان نوع وسيلة النقل.
(2) مجموعة متغيرات في اقتصاديات النقل: وهذه تؤدي إلى ارتفاع كبير في الاستثمارات والقروض والفوائد المدفوعة على تلك القروض، وكلها تعود وتنصب على أجور النقل وتشكل عبئًا على كاهل الركاب أو الشاحنين.
(3) مجموعة العناصر الطبيعية: وهذه تتحكم أو تعطي أفضليات معينة لخطوط النقل بالارتباط بالتنظيم الطبيعي في الأقاليم أو الدول.
(4) مجموعة العناصر البشرية وترتبط هذه بعدد كبير من العوامل البشرية تبدأ بالتوزيع الإقليمي للكتل السكانية ومراكز الأسواق الرئيسية، والتنظيم الإقليمي للنشاطات الاقتصادية المختلفة، وتنتهي بالتراكيب والمكونات السياسية التي تحدد وتوجه النقل في الإطار القومي أو الإقليمي أو الاتحادي.
(5) وأخيرًا: فإن تفاعل هذه المتغيرات والعوامل معًا يجعل من عملية النقل – وخاصة النقل التجاري الناجح . عملية حساسة وسريعة التذبذب ما لم تكن مرنة المرونة الكافية، ويدعو هذا إلى عقد عدد كبير من الاتفاقات الثنائية أو الإقليمية أو الدولية لتنظيم النقل، وإلى تخطيط مستمر للإبقاء على مرونته في مواجهة التغيرات السريعة الطارئة أو المستحدثة في أشكال الإنتاج وأنماط التسويق. وأخيرًا وليس أخرًا؛ أن يظل النقل نشاطًا اقتصاديا رابحًا، ومن أجل هذا تُعقد كثير من المؤتمرات ويحدث الكثيرمن المشاورات والاستشارات على نطاق محلي ودولي في شتى مجالات النقل، بما في ذلك وسائل المواصلات البريدية والسلكية واللاسلكية.