x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
ضرورة الأخلاق في عصرنا
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص415ــ421
2023-09-29
1145
رغم أن إحياء الميول المعنوية والتحلي بمكارم الأخلاق كان على مر العصور ولا يزال معياراً للكمال الحقيقي ومصدراً لسعادة البشر، بيد أن الضرورة للبعد الإيماني والأخلاقي قد ازدادت في عصرنا حيث التطور المستمر في عالم الصناعة والآله وازدياد ساعات الفراغ والبطالة ومختلف أنواع اللذات والشهوات، ومن دون الإيمان والأخلاق تصبح الحياة الإجتماعية مشحونة بشتى المصائب والويلات وقد تطرأ ظروف على الإنسان لا تطاق ، لأن طبيعة الإنسان العدوانية ستؤول إلى التمرد والعصيان إذ لم ينصب الإهتمام على الأمور المعنوية والأخلاقية ولم يكن هناك توازن بين الأبعاد المادية والمعنوية للإنسان في عصرنا الحاضر حيث الاهتمام منصب على الأبعاد الحيوانية؛ والوسائل الخاصة لإشباع الغرائز والشهوات ، التي تؤول بالإنسان إلى ارتكاب شتى أنواع الجرائم وتسلب المجتمع أمنه واستقراره ، متوفرة بشكل كبير .
لم يكن رئيس وزراء الهند الأسبق نهرو يهتم في حياته بمسألة الإيمان والدين وشؤونه ، إلا أن تطور الصناعات وبروز مشكلة ساعات الفراغ ومشاهدة الجرائم وازديادها في البلدان المتطورة ، كل ذلك قد أثر بشدة على أفكار نهرو، الأمر الذي جعله في أواخر حياته يغير من أفكاره ومعتقداته ، حيث أدرك قيمة المعنويات وشعر بضرورة الدين في الحياة ، وهذا ما دفعه إلى الإعتراف في حديث صحفي بتغير أفكاره وأكد أن السبيل الوحيد لإنقاذ المدنية وحل مشكلة ساعات الفراغ والحد من ازدياد الجرائم هو الإيمان والدين ، فبهما تساق المجتمعات إلى الأخلاق والوجدانيات. وفيما يلي عزيزي القارئ نضع بين يديك جانباً مما دار بينه وبين الصحافي «كارانجيا» من حديث:
««كارانجيا»: قرأت أن السوفيات يسعون إلى الإستفادة من ساعات الفراغ والبطالة معتمدين في ذلك أساليب علمية؟».
«نهرو» : نعم نعم إنهم يسعون في هذا المجال ، ولكن ثمة مشاكل برزت حتى في الإتحاد السوفياتي - سابقاً - بالرغم من أنها أقل من المشاكل التي تعانيها سائر البلدان ، وأنا لا أدري من حيث المبدأ هل يمكن حل هذه المشكلة عن طرق اللجوء إلى الأساليب العلمية وتجاهل باقي القيم ؟».
«أعتقد أن هناك شيئاً نشعر بفقدانه ، ولا أعرف كيف أعبر عنه سوى أن أقول إنه ربما كانت الأبعاد الأخلاقية هي ما نحتاج إليه اليوم ، وربما كان ينبغي إيجاد حل (روحي) لهذه المشكلة».
«كارانجيا» : السيد نهرو أليس هناك تناقض بين ما تتحدث به اليوم عن مفهوم الحلول الأخلاقية والروحية وبين أفكار «جواهر لآل» التي كان يطرحها بالأمس ؟، إن ما تقوله يثير التصور بأن السيد نهرو بات يبحث في نهاية عمره عن الله».
دور الدين في سمو الأخلاق :
«نهرو : إذا كنت تريد أن تطرح سؤالك بهذه الطريقة فأنا أقول: نعم، لقد تغيرت. ولا ينبع تأكيدي على الموازين والحلول الأخلاقية والروحية من جهل أو عدم وعي، إنه تأكيد مدروس ومتعمد ونابع عن فهم وإدراك. وثمة دلائل جمة على هذه المسئلة، الأول هو بغض النظر عن التنمية والتطور المادي الذي يعتبر أمراً ضرورياً ولازماً، فإن فكر الإنسان برأيي متعطش لشيء أكثر عمقاً من التطور والتكامل الأخلاقي والروحي الذي من دونه لا قيمة للتطور المادي ولا أهمية ربما. وهنا سؤال يطرح نفسه وهو كيف يمكن الإرتقاء بمستوى الأخلاق والمعنويات؟، وطبيعي أن يكون الدين قد وجد لهذا السبب».
««كارانجيا» : لقد كنا نتحدث عن كيفية الإستفادة من وقت الفراغ والبطالة، كونها من المسائل التي لم يستطع «ماركس» التكهن بها ، وقد قلت إنه لا يمكن حل هذه المسألة عن طريق الأساليب العلمية والحلول الماركسية فقط» .
«نهرو : هذا صحيح ، ففي الحقيقة أن القضية هي قضية تكوين إنسان متكامل. يعني بالإضافة إلى تعزيز القدرات المادية وطرح مشاريع التطور الإقتصادي والمادي بهدف إيجاد إنسان حقيقي، ينبغي أن تكون هناك أشياء اخرى ربما نستطيع أن نسميها بالعوامل الروحية والأخلاقية».
«ان طرح المشاريع والتنمية الإقتصادية والمادية إتخذ اليوم شكل قاعدة علمية ورياضية إلى حد ما ، بحيث كلما توفرت أرضية محكمة وراسخة للإقتصاد، برزت النتائج المطلوبة في مجال قيام رفاه مادي واقتصاد معتمد على الذات - يعني الإكتفاء الذاتي-.».
«ولكن هل يكفي هذا حقاً؟، إنني أتصور ذلك ابداً.
فالتطورات المادية لم تستطع حتى في البلدان المتطورة اقتصادياً من توفير حياة كاملة ولائقة وصحيحة للناس، فهناك برز نوع من الفراغ والنقص وعدم التعادل»(1).
إن الإنسان بتركيبته الطبيعية هو عبارة عن مجموعة متجانسة من الروح والجسم والمادة والمعنى والمحسوس واللامحسوس. فهو يتمتع بغرائز حيوانية ونزوات بهيمية من جهة، ويمتلك رغبات إنسانية سامية واستعدادات اخلاقية وروحية من جهة اخرى.
والإنسان السعيد هو ذاك الذي يسعى إلى تنظيم برنامج حياته بما يتلائم وتكوينه ، ويطابق سلوكه مع مبدأ الخلقة والتكوين ، فيلتفت إلى شؤونه الروحية والجسمية ويهتم بأوضاعه المادية والمعنوية ، دون أن يقمع رغباته الغريزية في سبيل تعزيز البعد المعنوي والسمو النفسي لديه، ودون أن يصبح عبداً ذليلاً لغرائزه ضارباً بميوله المعنوية عرض الحائط من أجل اصابة اللذات الحيوانية ، بل يجدر به أن ينقاد إلى قانون الفطرة ونظام التكوين وأن يشبع كل رغباته المادية والمعنوية دون استثناء ولكن بشرط أن يتمم ذلك وفق المقاييس الصحيحة ، وأن يهتم بالجوانب الحيوانية والإنسانية في نفسه كل في مكانه، ويسعى لأن يبلغ بكل منها الكمال اللائق بها.
فإذا ما تم التخطيط لبرنامج أوقات الفراغ على الأساس ذي البعدين الإنساني والطبيعي في عالمنا الصناعي المتطور اليوم ، وإذا ما انصرف الشاب عن التفكير في إشباع غرائزه الحيوانية والمادية في ساعات فراغه ، وخصص جانباً منها لإشباع أمانيه الإنسانية وبلوغ اللذات الروحية ، وعمل بما يبعث على راحته وسروره بالإعتماد على الله وخدمة عباده ، فإنه دون شك سيعيش حياة إنسانية شريفة ونزيهة ، وسيبقى في مأمن من الطبيعة الوحشية وأخطار الجرائم المتفاقمة.
أما إذا كان هدف الشاب من وقت فراغه ينحصر في اكتساب اللذات المادية وإشباع الغرائز والشهوات متجاهلاً الأبعاد الروحية والمعنوية، فإنه يكون في طريقه نحو الوضاعة والإنحطاط والسقوط ، حيث الطبيعة الحيوانية ستتغلب عليه ويصبح على أتم الإستعداد لارتكاب أي نوع من الجرائم .
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : ولوع الرجل باللذات يغوي ويردي(2).
من المؤسف أن الكثيرين من الناس قد انحرفوا في عالمنا الصناعي المتطور عن صراط الفطرة المستقيم ، فهم باتوا يهتمون بالجانب المادي والمحسوس للإنسان ويستخدمون كل إمكانياتهم في هذا الطريق ، متجاهلين الجانب المعنوي اللامحسوس الذي يعتبر القاعدة الأساس لحياة الإنسان ، وفي تصورهم أن الهدف الأساس من حياة الانسان هو إرضاء غرائزه الحيوانية واشباع ميوله ورغباته النفسيه وتحقيق مزيد من الذات.
ويرى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن مثل هذا التصور الباطل الذي يهين مكانة الإنسان إنما هو ناجم عن الجهل ، وأن من يحمل في نفسه مثل هذا التصور يستحق عذاب الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من لم ير أن لله نغمة إلا في مطعم او مشرب فقد جهل وكفر نعم الله وضل سعيه ودنا منه عذابه(3).
ان حصر الإنسان في الشؤون المادية والحيوانية وقمع الأبعاد المعنوية والروحية هو تخلف عن قانون الفطرة وتمرد على سنة التكوين الحكيمة ، والمتخلف عن قانون الخلقة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لن يبقى دون عقاب.
تحصد البلدان الصناعية المتطورة التي انحدرت إلى هذا السلوك اللافطري بنسب متفاوتة نتائجه المشؤومة والمدمرة ، وباتت تواجه عقاب تخلفها عن قانون الخلقة ونظام التكوين ، فقد أكدت إحصائيات رسمية أن نسبة الجرائم في تلك البلدان في ارتفاع مطرد ومخيف، وهنا نورد وعلى سبيل المثال مقارنة تشير إلى الجرائم التي وقعت في أمريكا في العامين 1967 و1968.
(جاء في تقرير نشره رئيس الشرطة الفيدرالية الأمريكية أف. بي. آي «إدغار هوفر» أن نسبة الجرائم في أمريكا ارتفعت في العام 1967 بمعدل 3،15%. ويضيف التقرير أنه ربما لم يبلغ الميل إلى الجريمة في تاريخ بلادنا أبداً المعدل الذي بلغه اليوم. فالإحصائيات المأخوذة من سجلات الشرطة المحلية والحكومية تشير إلى وقوع أكثر من38 مليون جريمة حقيقية وعنيفة في أمريكا في العام1967).
«وقد أكد التقرير أن السلاح الناري (المسدس والبندقية) كان الأكثر استخداماً في هذه الجرائم . ففي العام ذاته وقعت 7600 جريمة قتل و 52000 جريمة اعتداء وهجوم و 73000 جريمة سرقة جميعها تمت بواسطة المسدس».
«وتشير الإحصائيات الواردة في التقرير المذكور إلى أن احتمال مقتل الفرد الأمريكي العادي قد ازداد من معدل 2% في العام 1966 إلى 15% في العام 1967».
«وجاء في جانب آخر من التقرير أن معدل الجرائم بلغ في المدن التي يزيد عدد سكانها على 250 ألف نسمة 17% وفي ضواحي المدن 16% وفي القرى والأرياف 12%».
«وقد جرى تحديد عدد الجرائم نسبة إلى الزمن على الشكل التالي : حادثة قتل كل43 دقيقة، حادثة اغتصاب كل 19 دقيقة، هجوم وتهديد بالسلاح كل دقيقتين، سرقة عادية كل دقيقتين ونصف الدقيقة ،سرقة منزل كل 20 ثانية ، سرقة سيارة كل 48 ثانية ، وأخيراً حادثة نشل كل 30 ثانية»(4).
«تحت عنوان «الجرائم تزداد في امريكا» كتبت الشرطة الفيدرالية الأمريكية أف . بي . آي . تقريراً أكدت فيه ان معدل الجرائم الحقيقية قد ارتفع في العام 1968 بنسبة 17%، كما ارتفعت نسبة الجرائم المصحوبة بالعنف إلى 19% وارتفعت نسبة السرقات إلى 29% ، أما معدل جرائم القتل والإغتصاب فقد ازداد بنسبة 14% عما كان عليه في العام 1967. وقال «إدغار هوفر» رئيس الشرطة الفيدرالية إن السرقة المسلحة ازدادت بنسبة 34% وشكلت بذلك 61% من مجموع الجرائم التي وقعت في العام الماضي. وتأتي نيويورك التي شهدت 904 جرائم قتل في صدارة المدن الأمريكية الاخرى»(5).
«لقد صرح نيكسون قائلاً : إن المجتمع يمر اليوم بأزمة كبيرة نتيجة ارتفاع نسبة الجرائم بشكل يومي ، ويبدو أن أجهزة العدل الأمريكية عاجزة عن مواجهة ذلك ، وقد بلغ ارتفاع نسبة الجرائم الحد الذي بات معه الناس يخشون الخروج من منازلهم ويرجحون البقاء فيها ، ولو استمر الوضع على هذا المنوال حتى عام 1972 ، فإن نسبة الجرائم التي تحصل اليوم في أمريكا ستزداد إلى الضعف» (6).
__________________________
(1) أفكار نهرو، ص219و222.
(2) غرر الحكم، ص 781.
(3) تحف العقول، ص52.
(4) صحيفة كيهان، العدد7533.
(5) صحيفة إطلاعات، العدد 12857 .
(6) صحيفة كيهان، العدد 7434.