1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : الآباء والأمهات :

هداية الرغبات

المؤلف:  الشيخ محمد تقي فلسفي

المصدر:  الشاب بين العقل والمعرفة

الجزء والصفحة:  ج1 ص244 ــ 249

2023-05-18

1299

من الوظائف المهمة الملقاة على عاتق الآباء والأمهات في مجال تربية الأطفال، هداية رغباتهم الفطرية هداية صحيحة . فلكل طفل غرائز وميول طبيعية ، وإذ ما وجهت توجيهاً صحيحاً واستخدمت بشكل سليم ، فإنها ستكون عاملاً من عوامل سعادته في الحياة ، أما إذا اهملت وانحرفت عن جادة الصلاح فإنها ستجر عليه دون شك ويلات وأخطاراً جمة.

«تلعب الغريزة في سلوك الأشخاص دور الوسيط . والأخلاق هي في الحقيقة عبارة عن سعي يبذل للحصول على أرضية مناسبة لإبراز الغرائز، ونجاح هذ المسعى ليس بالأمر اليسير طبعاً ، فالغرائز التي لا تستخدم في سبيل الإصلاح وتجديد القوى، تجد لنفسها وبشكل تلقائي أرضية غير مناسبة لإبراز نفسها بصورة رتيبة وهمجية، أو أنها تتحول إلى مرض نفسي»(1).

الميل لإبراز الشخصية :

إن من الاسباب الرئيسية التي تؤدي إلى سوء سلوك الشباب وخُلقهم ، هو خطأ يرتكبه الآباء والأمهات أو تهاون في توجيه وهداية غرائز أبنائهم وميولهم النفسية خلال فترة الطفولة.

إن الميل إلى التفوق والرغبة في اكتساب القدرة والأهمية، هما من الميول الطبيعية لأي إنسان، ومن فروع غريزة حب الذات. فالطفل يميل من جهة إلى جلب انتباه الآخرين نحوه واستعراض شخصيته أمام هذا وذاك، ومن جهة أخرى يشعر في قرارة نفسه بالضعف والحقارة بسبب ضعف جسمه، وهذا التناقض الداخلي يدفع بالطفل إلى القيام بمزيد من الحركة والنشاط ، فهو يسعى بكل ما بوسعه إلى تفجير طاقاته الكامنة ، لإبراز شخصيته وإثبات وجوده أمام الآخرين.

جلب انتباه الآخرين:

إن الطفل ليفرح كثيراً لأدنى درجة من النجاح يحققها في هذا المجال. فتراه وعلامات البهجة والفرح تغمره عندما يمسك شيئاً ما بيديه الصغيرتين ، أو يسمع صوتاً آتياً من لعبة يهزها بيديه ، أو حينما يبدأ بالوقوف لأول مرة على قدميه. وفي مثل هذه الحالات يتوقع الطفل ممن يعيشون معه الانتباه إليه ومشاركته فرحه وسروره وتشجيعه على ما حققه من تقدم.

تربية الشخصية :

إن الآباء والأمهات إذا ما اهتموا بهذا الميل الفطري، وعملوا على إرضاء ميل الطفل إلى إبراز نفسه بشكل لائق، واعتبروه إنساناً كسائر أفراد الأسرة وأدوا له كل احترام وتقدير، واهتموا بتصرفاته وسلوكه رغم طفوليتها دون تحقير او استهزاء يعكر صفو مزاجه ويجرح شعوره ، فإنهم بذلك كله يحققون نتيجتين مهمتين : الاولى ، أنهم تمكنوا من توجيه ميوله ورغباته الفطرية التوجيه الصحيح ، والثاية ، أنهم استطاعوا أن يجعلوا منه فرداً مستقلاً له شخصيته ومكانته .

عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): اكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم(2).

إن الطفل الذي يتم إرضاء ميله إلى إبراز عزة نفسه وشخصيته ، ويحظى بحفاوة التكريم والاحترام، لا يمكن أن يصاب بانهيار نفسي أو يشعر في قرارة نفسه بالحطة والحقارة ، ويبقى ليس فقط في فترة الطفولة بل وفي فترة الشباب مصاناً حتى نهاية العمر من الأعراض والعواقب السيئة الناجمة عن الاحساس بالحقارة .

الرغبة المكبوتة :

إن الطفل الذي لا ينال في محيط اسرته قسطاً وافراً من الاهتمام والتقدير من قبل أبويه ، والطفل الذي يتم قمع غريزة حب الذات وإبراز الشخصية في نفسه ويتعرض إلى تحقير وإهانة بصورة دائمة ، والطفل الذي يشعر بعدم احترامه كإنسان ، أو يعتقد بأنه عالة على أسرته لا أحد يرغب في وجوده ، سيتألم ويغضب لا محالة ، ويلجأ إلى اتباع أساليب خاطئة وأحياناً خطيرة للتعويض عن الإحساس الداخلي بالحقارة وإشباع رغباته المكبوتة، وذلك في محاولة منه لإثبات وجوده وإبراز شخصيته وجلب انتباه الآخرين إليه.

تدارك خطأ تربوي :

إذا لم يتدارك الآباء والأمهات أخطاء هم التربوية، ولم يسارعوا إلى احترام شخصية الطفل واستغلال الفرص المناسبة لإبراز الود له، وذلك لحل عقده الداخلية وتوجيه غرائزه وميوله توجيهاً صحيحاً، فإنه سيغالي في انحرافه وسلوكه المشين ، وسيواصل ارتكاب الممارسات الطفولية الخاطئة في شبابه وربما حتى نهاية عمره .

إن بعض الأطفال الذين يفتقرون لاهتمام الأبوين يشعرون بأنهم لو كانت لديهم حاجة مشروعة يطلبونها بشكل عادي ، فإنهم لن يحصلوا عليها وسيتم تجاهلهم وتجاهل مطاليبهم. لذا فهم يلجأون إلى القوة لبلوغ مرادهم وإثبات شخصيتهم، فتراهم يصرخون ويلقون بأنفسهم أرضاً ويغلقون الأبواب بقوة ويحطمون الزجاجيات ، محدثين بذلك جواً من الرعب والخوف. وباختصار فهم ينالون مبتغاهم عن طريق التخريب والتدمير وإلحاق الضرر بهذا أو بذاك.

مسؤولية الوالدين :

وفي مثل هذه الحالات يتوجب على الوالدين الاهتمام بشخصية أبنائهم وأمانيهم، والاستجابة لكل حاجة يطلبونها ضمن حدود المنطق، وذلك لمنعهم من اللجوء إلى القوة من جهة، وإفهامهم بأن مثل هذا السلوك المرفوض لا يمكن أن يكون سبيلاً للنجاح من جهة ثانية.

«إن الطفل في بدايات حياته ربما تصور أن السبيل الوحيد لتحقيق مبتغاه هو إلحاق الأذى بنفسه وبالآخرين ، فهو يتصور على سبيل المثال أنه لو صرخ بأعلى صوت وضرب الأرض بقدمه بقوه ولطم وجهه وجرحه، قد يثير مخاوف أبويه ويدفعهما إلى الرضوخ لمطاليبه)).

توقف النمو العقلي :

«إذا كان للطفل أبوان على مستوى من الوعي والتعقل، فإنهما سيعملان على إفهامه بأن تعامله بهذه الطريقة ليس صحيحاً، أما إذا كان اعلى مستوى متدن من الوعي، ويحاولان في كل مرة عبر أساليب خاطئة زحزحة ثقته بهما، فإن هذا السلوك الطفولي سيرسخ في ذهنه شيئاً فشيئاً ، مما يحد من رقي فكر الطفل ويتسبب في توقف نموه العقلي».

«وإذا تربى الطفل على هذا السلوك فإنه قد يلجأ في سن الشباب أو حتى في سن الأربعين إلى الغضب والعصبية وضرب الزوجة والأطفال وسب وشتم من هم تحت كفالته، وذلك لبلوغ مراده. أما إذا دخل مثل هذا الرجل حقل السياسة ، فإنه سيقدم على قمع كل مخالفيه ومعارضيه متوسلا بالعنف الذي يشبه إلى حد كبير عنف سني الطفولة من ضرب وسباب وركل، بدل أن يسعى إلى النجاح عن طريق انتهاج سبل منطقية»(3).

ويعمد بعض الأطفال ممن حُرموا من اهتمام الآخرين بهم واحترامهم، إلى التعرض بالسخرية لبعض الأفراد مقلدين طريقتهم في الكلام والمشي، محاولين بذلك إضحاك الناس وجلب اهتمامهم وأنظارهم، وقد ينجح الطفل بهذا الأسلوب الخاطئ في جلب أنظار الناس، لكن نجاحه سوف يكون مقطعياً.

العادات السيئة:

إذا لم يعمد الآباء والأمهات إلى إفهام أبنائهم بطريقة أو بأخرى بقبح سخريتهم من الناس، ولم يسارعوا إلى تربيتهم تربية صالحة وسليمة، وإذا لم يحاولوا توجيه غريزة حب الذات واستعراض الشخصية في نفوسهم توجيهاً سليماً، ومنعهم من اعتماد مثل هذا الأسلوب الخاطئ ، فإن أطفالهم سيتطبعون تدريجياً على هذه العادات السيئة والصفات الضارة ، مما سيجعلهم يتمادون في سلوكهم هذا حتى بعد البلوغ، يهينون الناس ويستهزئون بهم.

((يقول الدكتور هير. أ أوفرسترايت أستاذ جامعة كاليفورنيا حول بعض الفتيان في أمريكا ممن تلقوا تربية سيئة خلال طفولتهم : إنهم يضعون في جيوبهم احياناً علبة من السجائر التي تحمل مواد خفيفة الانفجار ، ويقدمونها لمن يرغبون أن تنفجر بهم ، أو يشبعون زهرة ما برائحة كريهة ويقدمونها لشخص ما لكي يشمها، وذلك بهدف إضحاك الآخرين على من يشم الزهرة وعلامات الاشمئزاز والنفور ترتسم على وجهه، أو يضعون قنبلة صوتية تحت عجلة سيارة الضيف الذي ما أن يودع المستضيفين له ويستقل سيارته لينطلق بها حتى تنفجر محدثة صوتاً قوياً إلى حد ما ، يرعبه ويضحك الآخرين ، وأحياناً تراهم يعمدون إلى تمزيق أثاث الفنادق أو ملابس النساء. إن البعض منهم لا يزال يرى في نفسه ذلك الصبي الشيطان رغم كبر سنه وتساقط شعره وانتفاخ بطنه«(4).

______________________________  

(1) الأخلاق والشخصية ، ص160.

(2) بحار الأنوار ج23 ، ص 114.  

(3) العقل الكامل، ص23.

(4) نفس المصدر، ص24. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي