الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الصداقة بين الأب والابن الفتى
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص392 ــ 400
2023-04-29
1518
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدب سبع سنين وألزمه نفسك سبع سنين(1).
من خلال هذا الحديث ، وبالتحديد من خلال وصية الإمام الصادق (عليه السلام) لكل أب بعبارة (ألزمه نفسك) ، تتضح أهمية احترام الفتى وتقديره. إن الآباء والأمهات يحكمون أبناءهم قبل فترة البلوغ ، لكن الواجب يدعوهم إلى احترام أبنائهم من سن الخامسة عشرة والتقرب إليهم ومصادقتهم.
إن احترام الفتى وتقديره يعتبران من وجهة نظر الإسلام من الواجبات المفروضة على الأبوين وسائر أفراد المجتمع، فتقدير الفتى في جميع شؤون الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والتربوية له مردود إيجابي ولا شك .
أثر التكريم والتقدير في نفس الفتى :
فالفتى الذي يحظى بتقدير أبويه، والفتى الذي يشارك في تسوية مشاكل الأسرة ويؤخذ برأيه ويعمل بموقفه ، والفتى الذي يتعامل معه أبوه وكأنه صديق حميم يكن له كامل الاحترام والتقدير، والفتى الذي يشعر وسط أسرته ومجتمعه أن له شخصية لها احترامها كالكبار ، كل هذه النماذج من الفتيان يحرصون على تجنب الوقوع في الرذيلة، ويسعون لأن يكونوا أهلاً لهذا الاحترام والتقدير، فيراقبون أعمالهم وسلوكهم ويتجنبون كل ما من شأنه أن يشوه شخصيتهم.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته(2).
وروي عنه (عليه السلام) أنه قال : من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية(3).
أما الفتى الذي لم يحظ باحترام وتقدير أبويه ، ولم يُعر مجتمعه اية أهمية لشخصيته، فإنه يشعر في قرارة نفسه بالحطة والحقارة والألم والمرارة، وهو يسعى بشتى الوسائل لإبراز نفسه وإثبات شخصيته في محيط الأسرة والمجتمع ، فإذا عقم مسعاه ولم ينل ما يبتغيه بالطرق والأساليب المشروعة فإنه يجد نفسه مضطراً لسلوك الطرق غير المشروعة لتحقيق أمانيه.
خطر الانحراف والسقوط:
إن وجود مثل هذا الفتى يربك استقرار الأسرة ويشكل خطراً عليها وعلى المجتمع برمته ، لأنه معرض للانحراف والسقوط وارتكاب جرائم لا يمكن تلافي عواقبها.
روي عن الإمام الهادي (عليه السلام) أنه قال: من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره(4).
يعترف علم النفس الحديث أيضاً بأهمية تكريم وتقدير الفتى واحترام شخصيته، والأبوان اللذان لا يهتمان بهذا الحق الطبيعي لابنهما الفتى، وينظران إليه بعين الصغر والطفولة ، يستحقان من وجهة نظر علم النفس الملامة والتوبيخ. ويعتقد علماء الغرب بأن عدم الاهتمام بالمكانة الاجتماعية للفتى، هو من أسباب حالات الفوضى والإرباك واللجاجة وأحياناً الطغيان والتمرد التي تعصف به.
«يتصور بعض الآباء والأمهات أن أطفالهم لن يكبروا أبداً، وهذا التصور الخاطئ يجعل الفتيان يدفعون الثمن غالياً ، إذن فالخطأ خطؤنا ويجب أن لا نندهش أو نعجب إذا ما طغى أبناؤنا وتمردوا .
إن شباب اليوم يفكرون بأنهم سلبوا من المكانة التي تليق بهم ، ويشعرون بأن لا مكانة لهم في مجتمعنا» .
«يقول عالم النفس الأمريكي المعروف «ليوين» وهو يصف مكانة الشباب في مجتمعاتهم اليوم بأنها أقرب إلى مكانة الأقلية العنصرية وسط الأكثرية المطلقة ، يقول : إن الشباب يتخبطون اليوم بين عالمي الطفولة والبلوغ دون أن يتبعوا عملياً أيا منهما .
ويضيف «ليوين»: ان ظروف حياة البالغ حديثاً تشبه إلى حد كبير ظروف حياة المستشري حديثاً ، لا يعلم هل سيقبله العالم الجديد أم سيلفظه ؟ ، إننا في الغالب نطالب الشباب بالتعقل والجد والمثابرة، ليكون لهم سلوك كسلوكنا، ولكننا في الوقت نفسه نسلب منهم حق التحرك والتحرر ، أو نمنحهم أدواراً ثانوية لا أهمية لها».
«وهذا ما يجعلهم يتأرجحون بين عالمين مختلفين ، تارة يميلون إلى هذا وتارة إلى ذاك . ليس هناك أية صحيفة أو مجلة تخصص مواضيعها لجيل الشباب ، وهذا ما يدفعهم إلى قراءة مجلات الأطفال التي تخص اخوتهم الصغار حيناً ، ومطالعة صحيفة «فرانس سوار» التي يقرؤها آباؤهم أحياناً»(5) .
ثمة مشكلة أخرى تعترض مسيرة الشباب الحياتية وتستلزم العمل على إيجاد حل لها، وهي جدارتهم وتأهلهم للتكيف مع المجتمع . والشاب الفتى مكلف بالتعجيل في بناء شخصيته وتنمية عقله استعداداً للتكيف مع المجتمع وتحمل مسؤولياته الاجتماعية .
وتأتي مسألة تكريم الفتى وتقديره واحترام شخصيته داخل أسرته لتلعب دوراً كبيراً في تحقيق الهدف الذي اشرنا إليه قبل قليل. فالفتى الذي يقيم ابوه معه علاقة صداقة وطيدة ، والذي يكون له داخل بلاد الأسرة منصب وزير - كما أشار إلى ذلك الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) - ، يتحمل ما عليه من مسؤوليات ، ويعقد جلسة مشاورات مع أعضاء المجلس الحاكم - الأبوين - للبحث في شؤون الاسرة ، مثل هذا الفتى يحقق نضوجاً عقلياً أسرع من غيره يؤهله للتكيف مع مجتمعه.
«إن المجلس الحاكم في الأسرة - الأبوين - ينبغي عليه ان يدعو بين الحين والآخر بقية أعضائه - الأبناء من الفتيان والفتيات - إلى عقد جلسة عامة للبحث في شؤون بلاد الأسرة ، والتشاور حول المشاكل التي تعانيها، والبت في مسألة النفقات والميزانية السنوية» .
«إن جلسات البحث والتشاور هذه من شأنها أن تزيد من إدراك الأبناء لمسؤوليات الآباء والأمهات وتضحياتهم ، واطلاعهم على مسؤولياتهم في الحياة ، فيعتادون على حياة التفاهم والديمقراطية داخل الأسرة ، ويدركون جيداً ان عليهم ان يتغاضوا بملء إرادتهم عن بعض من رغباتهم أمام رغبات الآخرين، ويطيعوا قوانين مجتمعاتهم، كما أنهم يتعلمون كيف يستطيعون تذليل العقبات والصعاب بقوة تدبيرهم وتكاتفهم مع سائر أفراد اسرهم» .
(وكلما ساهم الشباب في مشاركة أسرهم في شؤونها وهمومها وقراراتها ، كلما ازداد نموهم الفكري ، وباتوا أقرب إلى النجاح والسعادة من أبناء جيلهم»(6) .
إن الفتى ليس كالطفل مطيعاً ولا هو كالكبير ناضجاً ، لذا فإن تُرك حراً دون مراقبة وإشراف على سلوكه وأعماله، فإنه قد ينحرف عن جادة الصواب بسبب عدم نضوجه وقلة تجاربه ، وإن تدخل أبواه في سلوكه وأعماله وعلاقاته وذهابه وإيابه ، جرحت شخصيته وأحاسيسه المرهفة وتألمت نفسيته. ونتيجة لذلك يسود التوتر العلاقات بين الفتى وأبويه وتضطرب الأوضاع داخل محيط الأسرة ، مما يدفع الفتى المغتاظ إلى ارتكاب أعمال غير مشروعة اعتقاداً منه أنها ستعينه على إثبات قدرته وشخصيته .
وهذا التناقض والتضاد النفسي يعتبر مشكلة كبيرة يعاني منها كل الآباء والأمهات في مسيرتهم التربوية لأبنائهم الشباب ، وليس من سبيل لحل هذه المشكلة إلا عبر البرامج العلمية الصحيحة والأساليب العقلانية التي ينبغي على الآباء والأمهات اتباعها.
«إن مشاعر الشاب البالغ حديثاً تجاه الغرباء - المقصود من كلمة غرباء هنا الأصدقاء - تجعل من ذويه أمام جملة من المشاكل ، فهذه منطقته وحدود أسراره - يعني علاقاته مع الأصدقاء - والويل لمن يتسلل إليه دون تخطيط وحساب» .
«إن الأبوين يخشيان كثيراً من العلاقات العشوائية التي يبنيها آبنهما الشاب مع أصدقاء له، وذلك من حقهما الطبيعي ، ولكن ينبغي عليهما أن يتعاملا مع هذه المسألة بوعي وحنكة كبيرين»(7) .
منطق القوة:
إن المواظبة على تكريم وتقدير الفتى واحترام منزلته الاجتماعية، تعتبر عاملاً مؤثراً في حل هذه المشكلة النفسية الكبيرة. فالفتى يعشق التحرر ويميل إلى الاستقلال وإثبات الشخصية ، وهو لا يمانع في تنفيذ نصائح أبويه وتقبل إرشاداتهما وتوجيهات الآخرين من الكبار التي تعينه في معرفة مساوئ الحياة ومحاسنها ، لكنه من المستحيل أن يرضخ لمنطق القوة .
إن الأبوين اللذين لا يعرفان التحدث إلى آبنهما الفتى إلا بمنطق القوة ، ويريدان التسلط عليه كما لو كان صغيراً غير مكترثين لشخصيته وعزة نفسه ، لا يمكنهما أن ينجحا في تربيتهما لابنهما أبداً ، وقد يثيران في نفسه روح العصيان والتمرد .
منطق اللين:
أما الأبوان اللذان يحترمان شخصية ابنهما الفتى ، ويشركانه في قضايا الأسرة، ويستشيرانه في كل صغيرة وكبيرة ، ويأخذان موقفه ورأيه بعين الاعتبار، ويكونان له صديقين حميمين، ويعطيانه مكانته الاجتماعية، ويستطيعان تلقينه التعاليم التربوية بسهولة، ويوجهان إرشاداتهما إليه بمنطق اللين والأدب مما يحفظ شخصيته ، فإنهما دون شك سينجحان في تربيتهما لابنهما الفتى.
الرغبة في إثبات الشخصية:
«يجب على الآباء والأمهات ان يحددوا لأبنائهم الفتيان كل ما يفترض بهم القيام به وتأديته، وليس معنى هذا أن ندع الفتيان وشأنهم ، يفعلون ما يحلو لهم ، بل علينا أن ننتخب لهم أعمالاً ومسؤوليات مفيدة ونافعة يستطيعون أداءها وإثبات شخصيتهم من خلالها» .
«إن الفتى إذا ما نفذ عملا شائناً غير مرغوب فيه بسهولة وسرعة فائقة، فذلك بسبب منعه من تنفيذ هذا العمل ، وقد أراد بعمله هذا ان يحصل على قوة توازي على الأقل قوة الجهة المعارضة أي الأبوين».
«إن المعارضة تعني القضاء على طاقات الشباب الحية ، في حين يتوجب علينا أن نهتم بهذه الطاقات ونعمل على تنميتها ، ويكفينا ان نغير وجهتها لتصبح طاقات خلاقة ومفيدة» .
«إنكم تعلمون جيداً كم هي قريبة المسافة بين الحب والبغض، وطاقات الشباب لها حكم ذلك ، إذ يمكننا أن نفجرها ببضع كلمات أو عدة إشارات» .
«إذن ، علينا أن نعرف أن أهم ما في مرحلة الشباب هو ذلك العنفوان والاندفاع ، ويجب أن لا نعمل على وقف هذا الاندفاع ، لأنه قد يؤدي إلى تحطيم معنوياتهم وضعف نفسياتهم ، بل علينا أن نرشده إلى الطريق القويم بحكمة وروية»(8).
«علينا أن نرفق بالشباب ونداريهم ، ونهتم بمعاناتهم ونقدر لهم جهودهم البناءة ، وعلينا أيضاً أن نراعي عزة النفس لديهم ، فلا نجرحها» .
«فإذا كان تعاملنا معهم تعاملاً سليماً من وجهة نظر علم النفس، فإنهم رغم أعمارهم سيلجأون إلينا كما لو كانوا أطفالاً. ويودون لو أننا نساعدهم وننصحهم ونقدر لهم جهودهم» .
التشجيع والتوبيخ في غير محلهما:
«أما إذا غالينا في تشجيعنا أو توبيخنا لهم في غير محلهما ، فإنهم سيبتعدون عنا لا محالة.
لقد قضى هؤلاء الشبان ثمانية عشر عاماً من عمرهم إلى جانبنا ، كانت كافية تماماً لتعريفهم على واجباتهم ومسؤولياتهم، وحري بنا ان نسعى من الآن وصاعداً لان نثبت لهم اننا لسنا سوى رفاق درب محبين لهم مخلصين»(9).
إن الطفل يعيش قبل مرحلة البلوغ في محيط الأسرة المحدود ، ويختلط بأفراد معدودين ، لكن ظروف الحياة تتغير كلياً بحلول فترة البلوغ ، فيخرج الإنسان من محيط الأسرة الضيق إلى محيط المجتمع المتمادي الأطراف ، فيتعرف على أناس لم يكن يعرفهم ، ويتخذ له اصدقاء جدداً ، ويواجه قضايا وأموراً لم يواجهها من قبل.
وأحياناً يواجه الفتى في مسيرته الحياتية مشكلة ما ، لا يدرك خيرها من شرها ، ولا يستطيع أن يتخذ موقفاً حيالها ، ويرى أن عليه ان يطرحها مع الآخرين، يستشيرهم ليدلّوه على خيرها أو شرها، وإذا لم يقيم المشكلة من جميع جوانبها ، ولم يدقق أو يستشر أحداً ، فإنها قد تعود عليه بالتعاسة والشقاء.
____________________________
(1) وسائل الشيعة ج5، ص 125.
(2) نهج البلاغة، الفيض، ص13.
(3) غرر الحكم، ص77.
(4) تحف العقول ، ص 483 .
(5) مجلة حقوق اليوم ، السنة الاولى ، العدد 6 ، نقلا عن مجلة شهرية فرنسية ، ص77.
(6) البهجة، ص162.
(7) ماذا أعرف؟ البلوغ، ص79.
(8) ماذا اعرف ؟ ، تربية الأطفال الصعبة ، ص 78 .
(9) نحن وأبناؤنا، ص 78 .