x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : النقد : النقد القديم :

الطبع و الصنعة

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  الفن ومذاهبه في الشعر العربي

الجزء والصفحة:  ص19-21

6-9-2016

16638

الطبع و الصنعة من المصطلحات المختلفة التي كان يتقيد بها الشاعر الجاهلي تجعلنا نؤمن بأنه لم يكن حرًّا في صناعة شعره يصنعه كما يريد، فإن حريته كانت معطلة إلى حد ما؛ إذ كان يخضع لتقاليد تتناول ما يقوله وكيف يقوله، تتناول ما ينظم فيه والطريقة التي ينظمه بها، وبعبارة أخرى تتناول الموضوعات التي يعالجها وما يتخذه فيها من طرق فنية في التعبير والموسيقى والتصوير. وإذن فالشعر الجاهلي ليس تعبيرًا فنيًّا حرًّا؛ بل هو تعبير فني مقيد، ليس تعبير الطبيعة والطبع، بل هو تعبير التكلف و الصنعة، أما الفكرة التي تذهب عندنا إلى تقسيم الشعراء إلى أصحاب طبع وأصحاب صنعة، والتي نرى امتدادها في العصر الحديث(1)؛ فأكبر الظن أنها في حاجة إلى شيء من التصحيح؛ فإن أقدم آثار الشعر العربي ونماذجه لا تؤيد هذا التقسيم الذي لا يتفق وطبيعة الشعر العربي وحقائقه؛ فكله شعر مصنوع فيه أثر التكلف و الصنعة، ولعل الجاحظ أول من أذاع هذه الفكرة ودعا إليها حين كان يعارض الشعوبية في بيانه؛ فادعى عليهم أنهم يقولون الشعر عن صناعة، أما العرب فيقولونه عن طبع وسجية؛ إذ يقول: وكل شيء للعرب؛ فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليس هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة ولا استعانة؛ وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام، أو حين يمتح على رأس بئر، أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة والمناقلة، أو عند صراخ أو في حرب؛ فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالًا(2) وتنثال عليه الألفاظ انثيالًا، ثم لا يقيِّده على نفسه ولا يُدَرِّسُه أحدًا من ولده(3).
وليس من شك في أن الجاحظ بالغ في وصف الموهبة العربية والطبع العربي ليرد على الشعوبية؛ فإذا العرب يقولون بديهة وارتجالًا على خلاف غيرهم من الشعوب؛ فإنهم يقولون متكلفين، وأكبر الظن أنه لم يكن جادًّا حين ذهب هذا المذهب، إنما هو بصدد أن يفضل العرب على غير العرب، ولو ترك نفسه على طبيعتها في البحث والتحقيق لرأيناه يثبت للعرب صعوبة في القول، وبخاصة في صنع الشعر فهو نفسه يقول في البيان والتبيين: من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولًا كريتًا كاملًا وزمنًا طويلًا يردِّد فيها نظره ويجيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، اتهامًا لعقله وتتبعًا على نفسه؛ فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله من نعمته، وكانوا يسمون تلك القصائد: الحوليات والمقلدات والمنقَّحات والمحكمات ليصير قائلها فحلًا خِنذيذا وشاعرًا مفلقًا،(4) ويقول أيضًا: كان زهير بن أبي سُلْمى يسمِّي كبار قصائده الحوليات؛ ولذلك قال الحطيئة: خير الشعر الحولي المحكَّك، وقال الأصمعي: زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جَوَّدَ في جميع شعره ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر، حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة. وكان يقال: لولا أن الشعر قد كان استعبدهم، واستفرغ مجهودهم، حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة، ومن يلتمس قهر الكلام واغتصاب الألفاظ لذهبوا مذهب المطبوعين الذين تأتيهم المعاني سهوًا ورَهْوًا، وتنثال عليهم الألفاظ انثيالًا(5).
وإذن فالجاحظ ينقض دعواه بما يذكره من أنه وُجدتْ طائفة عند العرب كانت تكد طبعها في عمل الشعر وصنعه، وكانت تقابلها طائفة أخرى لا تبلغ من التكلف غايتها، وهي طائفة المطبوعين كما يسميهم الأصمعي، وعبر ابن قتيبة عن الطائفتين في صورة أوضح؛ إذ يقول: ومن الشعراء المتكلف والمطبوع؛ فالمتكلف هو الذي قَوَّمَ شعره بالثقات، ونقحه بطول التفتيش، وأعاد فيه النظر، كزهير والحطيئة(6). وهذا التقسيم من حيث هو صحيح؛ ولكن ينبغي أن نتلقاه بشيء من الحذر، فإن هؤلاء المطبوعين لم يكونوا يلغون التكلف إلغاء. كما أن هؤلاء المتكلفين لم يكونوا يلغون الطبع إلغاء؛ ولذلك كنا نرى أن نعمم التكلف في الشعر القديم ونجعله على درجات يبلغ أعلاها عند زهير وأصحابه الذين كانوا يعملون شعرهم عملًا، ويأخذونه بالتفكير الدقيق، والبحث والتحقيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1- انظر كتاب شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي لعباس محمود العقاد؛ فقد هاجم كثيرًا من الشعراء المحدثين وعلي رأسهم شوقي بحجة أنهم من شعراء الصنعة وليسوا من شعراء الطبع.
2- أرسالًا: أفواجًا.
3- البيان والتبيين 3/ 28.
4- البيان والتبين 2/ 9.
5-البيان والتبين 2/ 13.
6- الشعر والشعراء لابن قتيبة طبعة دي جويه ص17.