x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
ارساء قواعد الشخصية
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص375 ــ 380
2023-04-09
1289
إن إرساء قواعد الشخصية والتحلي بالصفات اللازمة للتكيف مع المجتمع من وجهة نظر الإسلام يبدأ من التغلب على الغرائز وقوة الإرادة. بمعنى أن الشاب أو الفتى الذي يرغب في أن تكون له شخصية لائقة تكتنز في أعماقها كل الصفات الحسنة والأخلاق النبيلة، عليه أن يبتدئ من مخالفة هوى النفس وكبح جماح الغرائز.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): خالف نفسك تستقم وخالط العلماء تعلم(1).
عبيد الهوى:
إن أصحاب النفوس الضعيفة والشخصيات المنحطة من عبيد الهوى الذين لن يتوانوا عن ارتكاب المعاصي والآثام ، لا يمكنهم أبداً أن يكتسبوا صفات الإنسان المثالي ، ما لم يتحرروا من قيود غرائزهم ويمسكوا بلجامها .
يعتبر حس التفوق والأفضلية من الرغبات الفطرية في ذات كل فتى وشاب ، وركناً من الأركان الأساسية التي تسهم في رقي الإنسان . والفتى الذي يريد إرضاء هذه الرغبة الطبيعية في ذاته ، تراه ينحو منحى الأبطال ، ويشرع في تقليد مشاهير الرجال ونجوم السينما ، ويبحث من خلال الصراع مع منافسيه الرياضيين مثلا على لقب البطولة ، عن سبيل لإثبات وجوده وتفوقه ، متجاهلا منافسه الباطني الحقيقي - النفس الأمارة - دون أن يفكر في سبيل للإطاحة بهذا العدو المقتدر . لكن الإسلام يرى أن أهم دليل على تفوق الإنسان ، هو صراعه ضد غرائزه والتغلب عليها . وبعبارة اخرى موجزة نقول: إن البطل في نظر الناس هو من يتغلب على منافسه على لقب بطولة ما ، أما البطل في نظر الإسلام فهو ذاك الذي تتغلب إرادته القوية على هواه وغرائزه .
روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال : إن الشديد ليس من غلب الناس ولكن الشديد من غلب على نفسه(2).
البطل الحقيقي:
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال : ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب(3) .
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من قوي على نفسه تناهى في القوة(4).
أقوى من البطل:
مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوم فيهم رجل يرفع حجراً يقال له حجر الأشداء وهم يعجبون منه . فقال : ما هذا ؟ ، قالوا : رجل يرفع حجراً يقال له حجر الأشداء ، قال : أفلا اخبركم بما هو أشد منه ؟ ، رجل سبه رجل فحلم عنه فغلب نفسه وغلب شيطانه وشيطان صاحبه(5).
حس الصبر والثبات:
يرى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن غلبة النفس الأمارة التي فيها يكمن عزم الإنسان وقدرته ، لتبعث على العزة والفخر. والفتى الذي يبحث عن حق وصدق عما يرفع به رأسه بين الناس ، عليه أن يبني شخصيته على أساس من الصبر والثبات والإرادة وغلبة النفس ، ليؤمن سعادته في الدنيا والآخرة .
الخلاص من ذل المعصية :
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : من اراد عزاً بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينتقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته(6).
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : من حصر شهوته فقد صان قدره(7).
إن الفتى الذي يود أن يبني شخصيته وفقاً لتعاليم الإسلام ، ويتحلى بخير الخلق وأفضل الصفات ، عليه أن يتغلب على نفسه الأمارة ، ويرضي حس التفوق لديه بكبح هواه وغرائزه والتفوق عليها .
إحراز الشخصية المعنوية :
إن من ينجح في التغلب على هواه وكبح غرائزه وتسليم عقله لجام رغباته وميوله ، وتعديل وتحديد هذه الرغبات والميول ، يكون قد أحرز شخصية تتسم بجميع الصفات المادية والمعنوية .
الالتزام بمبادئ الأخلاق:
وهكذا إنسان لا يمكن أن يدنو من الرذيلة والمعصية ، ويستحيل أن يرتكب إثماً او جريمة مهما علا مستواه العلمي ، حتى وإن حصل على منصب حكومي أو ارتقى إلى طبقة الأثرياء في المجتمع أو أصبح في عداد الأبطال الرياضيين ، فإنه لا يمكن أن ينحرف، لأنه متغلب على هواه ، ملتزم بمبادئ الأخلاق في تكيفه مع المجتمع.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من قدم عقله على هواه حسنت مساعيه(8).
على عكس ذلك الذي يتمادى في إرضاء غرائزه وميوله دون أن يستجيب لنداء العقل ، ويهمل نفسه الأمارة تفعل ما تريد من المحرمات ، فإنه غارق في ضلاله وانحرافه ، وهو عبد اللذة والشهوة الذي لا يعرف لمفهوم التحرر معنى .
قال أمير المؤمنين على (عليه السلام) من رخص لنفسه ذهبت به في مذاهب الظلم(9).
وعنه (عليه السلام) قال: من أهمل نفسه في لذاتها شقي وبعد(10).
إن الإنسان الذي يكون عبداً لشهواته مطيعاً لهواه لا يمكنه أن يكون ذا شخصية إيجابية مرموقة ، أو أن يرتقي مدارج الكمال الإنساني. لأنه حتى وإن نجح في علومه وجمع من المال ما يكفيه لإحراز مكانة مرموقة في المجتمع ، فإنه سيسخر كل ذلك لمصلحة شهواته لأنه عبد لها ، وسيسير خلافاً لما تقتضيه مصلحته ومصلحة المجتمع ، وهذا ما سيوقعه في التهلكة.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من أطاع نفسه في شهواتها فقذ أعانها على هلكتها(11) .
مما يؤسف له أن غريزة حب الذات وهي من الغرائز الكامنة في أعماق كل منا ، هي بمثابة حجاب مظلم يحول بين المرء والحقيقة ، ويمنعه من إدراك الأمور على حقيقتها .
ولهذا يتصور عبيد الهوى والشهوات أن كل ما يقومون به إنما هو مباح ومحمود ، فيقدمون على ارتكاب الرذائل والمحرمات إرضاء لميولهم وأهوائهم ، ثم يتطلعون إلى ما صنعوه من منظار الأنانية وحب الذات فيرونه حسنا خاليا منكل قيح أو نقص.
قال تعالى في محكم كتابه : {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8].
ثمة عادات اجتماعية مغلوطة انتشرت ومازالت تنتشر بين الناس كشرب الخمر ولعب الميسر والتفسخ الخلقي وما شابه ذلك ، وهذه العادات السيئة تؤول فيما تؤول إليه إلى تضليل الناس ، فتختلط عليهم الأمور، حتى انهم يرون كل ما هو غير مباح مباحاً ، وكل ما هو سيء حسناً، وهذا ما من شأنه أن يشكل سناً بين الإنسان وسعادته الواقعية وكماله الحقيقي.
وهنا ننصح الفتى بالالتزام بالتعاليم الإلهية والإرشادات القرآنية العظيمة كي لا يضل وهو في طريقه لمقارعة هوى النفس وبناء الشخصية ، ولا يختلط عليه صلاح الأمور وفسادها نتيجة الغرور والاستبداد والعادات الاجتماعية والأسروية الخاطئة ، ولكي يقف على حقيقة رغباته ، ما هو ضار منها وما هو مفيد ، ويميز بواقعية بين مساوئ ميوله النفسية ومحاسنها .
قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14].
هناك طائفتان من العبيد متناقضتان متضادتان، الأولى تتشكل من عبيد الله الحقيقيين، والثانية من عبيد الهوى والشهوات، فأتباع الطائفة الاولى يتطلعون في جميع أمورهم المادية والمعنوية إلى أوامر الله تعالى ، ويسعون إلى إرضاء رغباتهم وغرائزهم بما يرتضيه الله ، وهؤلاء هم من يصفهم الإسلام بالمخلصين.
الاخلاص الحقيقي:
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمة وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله(12).
أما أتباع الطائفة الثانية فهم عبيد لأهوائهم ومنقادون لغرائزه. دون وازع أو رادع ، هدفهم إرضاء شهواتهم ليس إلا ، لا تحرك فيهم أوامر الله سبحانه وتعالى ساكناً ، وليس مستبعداً أن يرتكب مثل هؤلاء كبائر الذنوب تحقيقاً لمراميهم ، كما فعل الذين من قبلهم - حسبما ينقله لنا التاريخ - من مفاسد كبيرة وجرائم بشعة ألحقت العار بالبشرية .
__________________________
(1) غرر الحكم، ص 400.
(2و3) مجموعة ورام 2و1 ، ص 10 و122 .
(4) غرر الحكم، ص642.
(5) مجموعة ورام ج2 ، ص 10.
(6) بحار الأنوار ج 15 ، قسم 2 ، ص 164.
(7) تحف العقول ، ص97.
(8و9و10) غرر الحكم، ص645و705و644 .
(11) غرر الحكم، ص 683 .
(12) تحف العقول ، ص91.