1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

الاخلاق و الادعية : الفضائل : الايمان واليقين والحب الالهي :

الإيمان بين الحسّ والعقل.

المؤلف:  الشيخ علي حيدر المؤيّد.

المصدر:  الموعظة الحسنة

الجزء والصفحة:  ص 351 ـ 368.

2023-03-09

1282

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): "يا علي، أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض" (1).

 

الإيمان بين القلب والعقل:

الإيمان من أكبر النعم الإلهيّة على الإنسان وله فيه المنّة علينا سبحانه.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17] له المنّة علينا سبحانه في الإيمان وفي تحبيبه إلينا وتزيينه في قلوبنا لنهتدي إليه فطرياً وروحياً. والإيمان مراتب كما يذكر علماء الكلام من مراتبه رسوخ الاعتقاد في القلب وبعده يأتي اليقين وهو من أشرف المراتب؛ لأنّه يصبغ روح الإنسان وعقله وضميره بحب الله والاعتقاد به سبحانه حتّى يصبح الإنسان وكأنّه يرى ما يعتقد به ولذا جاء في الرواية أنّ حد اليقين ألّا تخاف مع الله شيئاً (2) أي استشعار عظمة وقدرة الله عزّ وجلّ والعيش وسط هذا الشعور الاطمئنانيّ وأيضاً قيل فيه: "والراحة في اليقين" (3).

ولأنّ الإيمان من الحقائق المشكّكة - كما يعبّر المناطقة - التي لها مراتب ومستويات يتفاوت الناس في إيمانهم فمنهم من يعبد الله على حرف ومنهم من يعبد الله على يقين ومن هنا قسم البعض الإيمان إلى:

1- الإيمان القلبي.

 2- الإيمان العقلي.

أو قل الإيمان العملي والإيمان النظريّ وكثيرون هم أصحاب الإيمان العقلي أو النظري فهم يعيشون الإيمان فكرة عقلية عقائديّة ولكن عندما نلاحظ سلوكهم ترى شتّان بين ما يعملون وما يعتقدون وهذا كاشف عن عدم نزول العقائد إلى القلب والفؤاد أو أنّ فكرة الإيمان تعيش في أذهانهم بصورة سطحية حتى إذا جاءتها الرياح والعواصف الثقافية والفكرية المعادية تنهزم عند الإنسان أو بالأحرى يتخلى عنها بكل بساطة. أمّا أصحاب الإيمان العمليّ فليسوا كذلك لأنّ الإيمان تجذّر في قلوبهم وعاش في أعماقهم حتى إنّهم لا يفكّرون في الأمور إلّا من زاوية الإيمان ولا يحكمون على الأمور إلّا بمقايستها بالإيمان أيضاً وجاء في الرواية المشهورة: (ما عُرض عليّ عمل إلّا ورأيت الله معه وقبله وبعده" وهذا هو منهج أهل البيت (عليهم السلام) فأئمتنا الهداة عُرفوا بسلوكهم من خلال سلوكهم الربانيّ الكامل توصل الناس إلى علومهم ومقاماتهم السامية.

ومن هذا المنطلق نرى أنّ القرآن الكريم دائماً يذكر العمل مع الإيمان فهو على الدوام يكرّر: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النساء: 57]

 ومن هذا يتقرّر أنّ الإيمان العمليّ هو المنهج الصحيح والمطلوب أمّا الإيمان العقليّ فغير كافٍ ومن هنا قسّم الفقهاء الإيمان إلى عقيديّ وعمليّ في مقابل الكفر الذي قسّموه إلى كفر عقيديّ وعمليّ ولكلّ واحدٍ منها ذكروا أحكاماً خاصة.

 

حقيقة الإيمان:

يُحكى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله فقال: ما أنتم؟ فقالوا: نحن مؤمنون يا رسول الله. قال: فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله فقال رسول الله: علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون (4).

نلاحظ أن الرسول بعد أن استعلم منهم الإيمان النظريّ أكّد لهم الإيمان العمليّ أي أن لا يأتوا بأعمال مناقضة للإيمان والاعتقاد.

 

كيف يحصل الإيمان:

قلنا سابقاً إنّ الإيمان صفة مشكّكة تختلف من شخص إلى آخر فيمكن أن يؤمن أحد الأشخاص لمجرّد كلمة أو موقف أخلاقيّ أو استدلال عقليّ أو وجدانيّ ورُبّ شخصٍ لا يؤمن حتّى لو حصلت له ألف حجة وبرهان.

 ذلك لأنّ هناك عوامل وأسباب تؤثّر على قلب الإنسان وعلى نمط تفكيره فتجعل القلب قاسياً وتغلق أمامه آفاق الفكر فلا ينطلق الإنسان الإنطلاقة الواعية والصحيحة المناسبة للعقل. ومن هذه المؤثّرات الاستغراق في الأفكار الإلحاديّة والأخلاق المنحرفة والمصالح الشخصيّة وحب الدنيا وغيرها، ولكن القرآن الكريم جعل للإيمان طريقين ليكون مطابقاً لمستويات الناس ومراتبهم، والطريقان هما:

1 - الطريق الحسّي.

2- الطريق العقليّ.

فالذي يحتاج إلى المشاهدات المحسوسة جاء له بالآيات الحسّية الملموسة والذي يريد مستوى أعلى من الحس جاءه بالبرهان العقليّ.

قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].

 قال علماء الكلام: إن هذه الآية حوت على الدليلين الحسّي والعقليّ معاً لأنّ الله تعالى يدلّ الناس عليه ويهديهم إليه سبحانه بواسطة الآيات الكونية والظواهر المادية كالشمس والقمر والنجوم والمطر والجبال وكلّ ما يدل على أنّه مخلوق من لدن حكيم قدير هذه الآيات يسمّيها القرآن (الآيات الآفاقيّة) وبواسطة الآيات الأنفسيّة التي يعيشها الإنسان في نفسه ووجدانه إذ كلّ عاقل بصير إذا التفت إلى نفسه وقواه وأنّه كائن حيّ مفكّر متحرّك يدرك أنّ هذه القوى والقدرات المودعة في نفسه ليست منه بل إنّه اكتسبها من جهة أخرى وعقله هو الذي يدلّه على ذلك الغير وهو الله سبحانه وتعالى. فالله عزّ وجلّ دائماً يعرض مسألة التوحيد وإثبات الصانع وكأنّها أمور فطريّة قد فطر الإنسان على معرفتها ولكن عندما تغلق الذنوب قلب الإنسان وتحجبه عن عالم المعرفة والحق، عندها يحتاج إلى إيقاظ وومضة لكي يعود إلى الصراط المستقيم.

ولذلك نرى أن الله سبحانه يستنكر على الذين يقولون بعدم وجود الله أو الإشراك به، يقول تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10].

القرآن يعرضها وكأنّها من المسلّمات فلماذا يحاول الإنسان أن يتكبّر على فطرته التي تشير إلى التوحيد ولماذا يستعلي على الله؟

وهكذا يحاول القرآن دائماً أن يعرض الأدلة الواضحة التي يخاطب بها الفطرة والوجدان وهو أقرب الطرق لإرجاع الإنسان إلى عالم التوحيد.

ومن أهم الآيات الحسيّة التي استعملها الأنبياء لهداية الناس إلى الله سبحانه (المعجزة) وأكثر الناس آمنوا بواسطة هذا الطريق لأنّه لا يدع مجالا للشك والريب.

معنى المعجزة:

والمعجزة هي خرق العادات بثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد وحتى تكون المعجزة دالة على صحة دعوى النبي يجب أن تكون مطابقة للدعوى أي أن يأتي النبي بأمر غير مألوف ولم يعتد الناس عليه مثل شق القمر أو أن ينفي عنهم أمراً اعتادوا عليه كما هو الحال عندما أبطل النبي موسى (عليه السلام) السحر؛ لأنّه كان معتاداً عندهم ثم لا بدّ من المطابقة بين دعوى النبي ومعجزته فالنبي عيسى (عليه السلام) كان يقول لهم: إنّي أبرئ الأعمى فلكي يكون صادقاً لا بدّ أن تطابق معجزته دعواه فيبرأ الأعمى لا كما فعل مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبوة فجاءوا إليه بصبي كلّما يخرج شعر رأسه يأخذ بالسقوط فمسح مسيلمة على رأسه فأصابه الصلع إلى آخر حياته وقيل له: إنّ بئراً فيه ماء قليل فهل لك أن تفعل شيئاً ليكثر ماؤه؟ فتفل فيه فغار الماء وجفّ البئر.

 

معجزة انشقاق القمر:

ومعجزة انشقاق القمر التي كانت على يد نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) في مكة المكرمة. ومن الأدلة الثابتة حول معجزة انشقاق القمر هو القرآن حيث يذكر ها فيقول تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1، 2] وهناك أدلّة من السنّة المطهّرة حول الحادثة وهي مما تسالم عليه المسلمون كافة.

ولو تأمّلنا المعجزة رأينا أولا أنّها كانت خارقة للعادة وأمراً ليس بمعتاد وما يعجز عنه الجميع ثم إنّها كانت مطابقة لما طلبوا هم من الرسول فوعدهم الرسول بذلك وفعلاً قد انشق القمر ولكن استكباراً منهم: (قالوا سحر مستمر) أي سحر صحيح (5)، وبعدها جرت معجزات عديدة على يد النبي (صلى الله عليه وآله) منها تكلّم الحصى وتحوّل الشجرة (6) من مكان إلى آخر، ومن معجزاته المهمّة المعراج وأهمّ منها القرآن الكريم وسيأتي الكلام عنه مفصّلاً ولم يبعث الله نبيّاً إلّا ومعه معجزة ليدلّ على سفارته واتصاله بالسماء وأنّه رسول الله والقرآن يذكر الكثير من معجزات الأنبياء أمثال إبراهيم وعيسى وموسى وغيرهم من خوارق العادات كل ذلك ليقود الناس الذين لا يؤمنون إلا بواسطة الحس والمشاهدات العينيّة إلى الإيمان فتكون له الحجة البالغة عليهم يوم القيامة.

 

الطريق العقلي:

والعقل السليم أيضاً جعله الله سبحانه حجة على الإنسان فبه يميّز الحقّ من الباطل والهدى من الضلال والله سبحانه إنّما يعاقب ويثيب على العقل.

جاء في الحديث: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك ولا أكملتك إلا فيمن أحبّ أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أعاقب وإيّاك أثيب" (7).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: العقل ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجنان (8).

إذاً فالعقل هو أساس الإنسان وبه يفترق عن الحيوان - مضافاً إلى الاختيار - والعقل يقود الإنسان إلى الإيمان بواسطة أحد برهانين:

1- البرهان الآنيّ.

 2 -البرهان اللمّيّ.

 ويطلق عليهما أيضاً الدليل الآنيّ والدليل اللمّيّ.

أمّا الأول: وهو الانتقال من وجود المعلول إلى وجود العلة أو معرفة المعلول إلى معرفة العلة. أضرب مثالين لتوضيح المطلب:

أ- إيماننا بوجود الكهرباء في السلك المعدني مع أنّنا لم نرَ الكهرباء وإنّما رأينا آثارها كاشتغال الضوء مثلاً، فالكهرباء تسمّى علّة ولكنّنا حكمنا بوجودها من خلال المعلول وهو الضوء.

ب- إذا دخلت في غرفة ووجدتها دافئة ولكنّك لم تجد مصدر الدفء الذي هو النار في المدفئة ولكن بمجرد إحساسك بالدفء تقطع بوجود النار مصدر الدفء مع أنّك قد لا تراه بعينك إمّا لوجود مانع بينك وبينها أو كانت قد وضعت في زاوية من الغرفة ولكنّك لا تراها إذن من وجود الدفء تعرف وجود علته وهو النار والأمثلة على ذلك كثيرة.

وقد استعمل بعض الحكماء البرهان الآنيّ أيضاً لإثبات وجود الله سبحانه والإيمان به تبارك وتعالى بهذا البيان (مع التسامح في بعض تعابيره لتوضيحه).

 

البرهان الآني:

قالوا: إنّ الوجود حقيقة واقعيّة لا يمكن إنكارها وبواسطة البرهان الآني نريد أن نصل إلى الإيمان بوجود الله من خلال الوجود، فنقول: إنّ الموجودات كلّها لا تخرج عن ثلاثة احتمالات إمّا أنّها واجبة الوجود أو أنّها ممكنة الوجود أو ممتنعة الوجود؛ أمّا الاحتمال الثالث فهو مرفوض لأننا قلنا: إنّ الوجود حقيقة واقعيّة والممتنع الوجود يعني أنّه معدوم والمعدوم لا واقعيّة له.

ومعنى ممكن الوجود أنّه بحاجة إلى علّة أو موجد أمّا واجب الوجود فهو ما لا يحتاج إلى علة موجدة. وهنا بقي لدينا احتمالان إمّا أن نقول: إنّ الوجود والموجودات كلّها ممكنة الوجود وهذا القول يقودنا إلى التسلسل وهو باطل أي أنّنا سنظل نبحث عن العلّة الموجودة والنهائية لهذا العالم وإذا لم نصل يكون الأمر مخالفاً للعقل والواقع، فبطل هذا الفرض. وإمّا أن نقول: إنّها كلّها واجبة الوجود وهذا الفرض يوصلنا إلى الدور وهو أن يكون المخلوق أ قد خلق ب وب قد خلق ج والأخير خلق أ فيكون الوجود أو الموجود الواحد خالق ومخلوق في آنٍ واحد وهو واضح البطلان.

يبقى هناك احتمال رابع وهو أن نقول: إنّ الموجودات بعضها واجب وبعضها ممكن ونحن نريد أن نثبت أنّ الواجب واحد وهو الذي خلق الوجود وأبدعه وبث فيه المخلوقات - إن صحّ التعبير- وهنا يمكن أن نقول: إنّ هذا البعض عبارة عن اثنين وإذا استطعنا أن نبطل الإثنينيّة في الوجوب يكون من باب أولى بطلان الأكثريّة فيثبت الواحد الخالق.

 وللاستدلال نقول: لو كان الهين واجبين وتحقّقت إرادتهما معاً على أنّ الإله أ أراد تقويم يوم القيامة والإله ب أراد تأخيره لاجتمع المتنافيان وهو باطل. وإن لم تتحقّق إرادتهما معا لظهر عجزهما وهو باطل على الإله وإن تحقّقت إرادة أحدهما فهو ترجيح بلا مرجّح وثبوت عجز الإله الآخر والعجز ممتنع على الإله وهو باطل أيضاً.

ثم لو فرضنا أنّهما اثنين للزم أن تكون هناك نقطة تشابه ونقطة تمايز بينهما وإلّا لِمَ صارا إثنين فإذا كانت جهة الاشتراك بينهما الوجود فما هي جهة الافتراق؟ إذا قلنا العدم فالقول باطل إذ لا تمايز في العدم وإذا قلنا الزمان فإنّه من مختصّات المادة والإله مجرّد عنها وإذا قلنا المكان كذلك الإله مجرّد عن المكان لأنّه ليس بمادة وإذا لم نثبت جهة افتراق إذاً هو واحد وليس اثنين وبذلك ثبت لهذا العالم خالقاً واحداً حكيماً ونلاحظ أنّنا وصلنا إلى هذه الحقيقة من خلال المعلول وهو الوجود وهذا هو البرهان الآنيّ. وقد ذكره ابن سينا في كتاب الإشارات (9).

 

 البرهان اللمّيّ:

وهو عكس البرهان الآنيّ أي أنّنا من خلال العلّة نستدلّ على وجود المعلول وأيضاً أضرب مثالين لبيان الأمر:

أ- عندما نلاحظ ناراً في غرفة بعيدة، فإنّنا نحكم بوجود الدفء في الغرفة؛ لأنّ الحرارة لا تنفكّ عن النار. والنّار علة للحرارة التي يمكن تسميتها بـ(المعلول).

ب- أو عندما نرى الشمس نتوصّل إلى أنّ النهار قد طلع وإن كنّا في مكان لا نراه لأنّ الشمس علّة لطلوع النهار وبعض الحكماء استدلّوا بهذا البرهان على لزوم إرسال الأنبياء والإيمان بهم قالوا - مع التسامح في التعبير -إنّ الله عزّ وجلّ من صفاته الحكمة والعدالة، ومن خلال ذلك نستدلّ أنّه أرسل أنبياء ورسلاً إلى خلقه لأنّه مقتضى الحكمة الإلهيّة لأنّ الإنسان بمفرده قاصر عن البلوغ إلى كماله بعجزه ومحدوديّته ولذا كان على الله سبحانه بمقتضى الحكمة إنقاذه وسوقه نحو الكمال لأنّه لم يخلقه سدى وبذلك نقول إنّ إرسال الأنبياء واجب عقلاً على الله عزّ وجلّ. نلاحظ في الاستدلال أنّنا انطلقنا من العلة إلى المعلول وهو المسمى بالبرهان اللمي. وتنضوي تحت هذين البرهانين براهين عديدة كلّ منها يوصل الإنسان إلى حقيقة الإيمان بالله ورسوله وكتبه وملائكته.

 

دور العقل في الإيمان:

من الواضح أنّ الطريق الحسّيّ - مثل المعجزات - ينحصر دوره عادة بالمعاصرين للأنبياء والرسل لأنّه يتوقّف على الحس أمّا الذين يأتون بعد فترات الرسل فإن طريقتهم عادة هي البراهين العقيلّة الآنيّة واللمّيّة ولعلّ من هنا قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "فآمنوا بسواد على بياض".

والظاهر أنّ هذا النوع من الإيمان يكون أعلى رتبة في القوة والرسوخ من الإيمان الحسي لأنّ العقل أقوى في الدرك والاعتقاد من الحواس وأرقى في المعرفة. ولأنّ العقل من أشرف مخلوقات الله إذ لم يخلق الله خلقاً أشرف منه فالإيمان الذي يكون عن طريقه أشرف من الإيمان الذي يكون عن طريق الحس والمشاهدة ولعل لهذا السبب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أعظمهم يقيناً). وقد تواترت الروايات عن أئمة الهدى سلام الله عليهم في فضل العقل ومنزلته ودوره في حياة الإنسان.

فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «مَن كان عاقلاً كان له دين ومن كان له دين دخل الجنّة» (10).

 وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]» (11).

وعنه أيضاً قال: "إنّ العقل مع العلم فقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]" (12).

 

كيف آمنا بالرسول (صلى الله عليه وآله):

إنّ إيماننا بالرسول الأعظم مبتنٍ على أمرين: الأوّل هو الطريق العقليّ والثاني: هو الطريق النقليّ.

أمّا الأول فهو متفرّع عن موضوع الخاتميّة حيث لا يمكن أن تختم الرسائل والشرائع السماوية بالنبي عيسى (عليه السلام) لعدّة أسباب:

1- إنّ رسالته.. كانت لمرحلة خاصة من الدهر.

2 - إنّ المسيحيّة قد حُرّفت ولم يبقَ منها إلّا الرسم فلا يمكن أن يحتجَّ الله سبحانه على العباد في اليوم الآخر بشريعة محرّفة، ومن ثم يعاقبهم على انحرافهم. ومسألة تحريف الإنجيل معروفة وواضحة فكما حرّف اليهود التوراة بعد أن سيطرت الدولة الرومانيّة عليهم وسبتهم وبطشت بهم رأى الكهنة أنّ المهادنة مع السلطة الحاكمة أسلم وأنجى لهم بعد أن يئسوا من التخلص منهم فعمل الكهان بدافع منهم وتأثير من السلطة الرومانيّة على تحريف التوراة وقتل الأنبياء إلى أنّ بعث الله النبي عيسى (عليه السلام) ليجدّد للنّاس معالم الدين ومعارف التوحيد فكان يدعوهم إلى التوحيد الصحيح والإيمان العمليّ والتواضع للناس لأنّ اليهود عندما حرّفوا التوراة جعلوا أنفسهم شعب الله المختار وأضفوا عليه شيئاً من القدسية فصار عقيدة عندهم فلمّا جاء عيسى (عليه السلام) أراد أن يهدم هذه العقائد التي ما أنزل الله بها من سلطان وكان يحثّهم على الأخلاق والفضيلة والرجوع إلى الشريعة وعدم مهادنة الظلمة، فلم يطيعوا النبي عيسى (عليه السلام) فعملوا على قتله وصلبه ولكنّ الله رفعه إليه في قصة مفصّلة.

 

الطريق النقليّ:

1- إنّ الإنجيل غير المحرّف يبشّر بنبوة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وذلك من خلال اليهود الذين كان يلتقون بالنبي أيام صباه أو شبابه أو حتّى بعد البعثة أمثال بحيرا الراهب والقرآن يذكر هذه الحقيقة.

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6].

2- ما نقل في الكتب المختلفة وبلغ حدد التواتر حول معجزاته ممّا يثبت لنا بشكل قطعي نبوته «والتواتر هي قضايا تسكن إليها النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع وذلك بواسطة أخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ويمتنع اتفاق خطئهم في فهم الحادثة» (13) فمثلاً لو أخبرنا شخص بوجود دولة النمسا ثم جاء آخر وقال: كنت في النمسا ثم جاء شخص آخر لا يعرف الأخيرين وقال: مررت بدولة النمسا وهكذا إلى عدد ضخم أو لا بأس به فهؤلاء لم يتفقوا على الكذب؛ لأنّ كلاً منهم ليس له مصلحة في الكذب وليست هناك نقاط التقاء بينهم لكي نقول إنّهم تواطئوا على الكذب. فهذا ما يسمّى بالتواتر - باختصار- وهو عبارة عن ازدياد احتمالات اليقين والصدق ومقابلها تضاؤل احتمالات الكذب فالمسلمون على اختلاف مذاهبهم وأماكنهم ولغاتهم كلّهم يعترفون بمعجزة شق القمر ومعجزة ازدياد الأكل في حادثة يوم الدار عندما جمع النبي عشيرته ودعاهم إلى الإسلام. وكلّهم يعترفون بمعجزة الإسراء والمعراج.

 فهذا التواتر يزيل كلّ الشكوك ويثبت مكانها اليقين بنبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

3- القرآن الكريم باعتباره معجزة خالدة فهو يثبت ضمن آياته أنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو من أعظم الأدلة النقليّة على نبوّة نبيّنا الكريم. ولكن يمكن أن يعترض علينا بالقول: من يقول إنّ القرآن من الله لعلّه من صناعة الرسول أو ممّن أعانه عليه؟ أي يجب علينا الآن أن نثبت أنّ القرآن قد صدر من عند الله عزّ وجلّ. فإذا ثبت ذلك ثبت كلّ ما يخبر به القرآن من نبوة الأنبياء والحوادث التاريخية والحقائق العلمية والقضايا العقائدية وغير ذلك.

 

مصدر القرآن:

1 - إنّ النبيّ كما فى بعض الأخبار كان رجلاً أمّياً قبل البعثة ولا يعقل أنّ الإنسان الأمّيّ يأتي بكتابٍ عالميّ يحوي معارف رفيعة وعقائد متكاملة فإلى اليوم لم نسمع أنّ إنساناً لا يعرف يقرأ ويكتب قد ألّف كتاباً في علم النفس التحليليّ مثلاً فالعقل يستغرب هذا المعنى. وإذا كان النبيّ أمّيّاً قبل البعثة فلا يعقل أنّه هو الذي ألّف القرآن الكريم. إذن لا بدّ أنّه قد صدر من جهة أخرى لها من الاطّلاع على خفايا وطيّات النفس الإنسانيّة وتعالج أدق المسائل العقائديّة وتتنبّأ بحوادث مستقبليّة ولا يمكن تصوّر هذا المعنى إلّا في الله عزّ وجلّ.

2 - إنّ النبيّ دائماً كان ينسب القرآن إلى الله عزّ وجلّ ولم ينسبه إلى نفسه أبداً. والذي يكتب مثل هذا الكتاب يكون الأليق به أن ينسبه إلى نفسه لتظهر شخصيّته ومكانته الرفيعة. ولكنّنا نجد الرسول (صلى الله عليه وآله) يعمل عكس هذا.

3- ولا يمكن تصوّر شخصيّة أخرى قد أعانت النبي في كتابة القرآن إذ إنّ عظماء الشعر والبلاغة كانوا معروفين وكلّهم عجزوا عن الإتيان بآية واحدة من مثله. ثم إنّ سلوك الرسول محمد قبل البعثة كان يمتاز بالنزاهة والنظافة الروحية الطاهرة والأخلاق الفاضلة فيستبعد أنه يعمل على خداع الناس فلو أراد ذلك لفعله قبل ذلك. لا سيما أن الدعوة إلى الإسلام قد جلبت له المتاعب والمصائب والخسائر حتّى قال: "ما أوذي أحد ما أوذيت في الله" (14).

ولو أراد خداعهم - والعياذ بالله - لجاءهم بأمور يكسب بها ودّهم وحبهم لينال ما يطمح إليه.

4 - القرآن باعتباره معجزاً قد تحدّى الناس كلّهم على أن يأتوا ولو بآية واحدة أو ينقضوا آية واحدة فقد بلغت بلاغة القرآن الكريم ما عجزت عنه عقول الفحول في العربية وعظماء الشعر وعمالقة البلاغة.

قال الشاعر:

جميع الكتب يدرك من تلاها *** فتوراً أو ملالا أو سآمة

سوى هذا الكتاب فإنّ فيه *** بدائع لا تملّ إلى القيامة

القرآن يتحدّى:

يذكر أنّ لبيد بن ربيعة الشاعر العربيّ الكبير الشهير ببلاغة منطقه وفصاحة لسانه ورصانة شعره عندما سمع أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) يتحدّى الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردّاً على ما سمع وعلّقها على باب الكعبة. وكان التعليق على باب الكعبة امتيازاً لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب. وحين رأى أحد المسلمين هذا أخذته العزة فكتب بعض آيات الكتاب الكريم وعلقها إلى جوار أبيات لبيد ومرّ لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي ولم يكن قد أسلم بعد فأذهلته الآيات القرآنية حتّى إنّه صرخ من فوره قائلاً: والله ما هذا بقول بشر وأنا من المسلمين. وكان عمر بن الخطاب قد طلب منه أيام خلافته أن ينشده شعراً فقال لبيد: ما كنت لأقول شعراً بعد إذ علّمني الله سورة البقرة وآل عمران (15).

 

القرآن يستقطب القلوب:

ويُحكَى أنّ الطفيل بن عمرو السدوسيّ قدم مكة ورسول الله بها وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً معروفاً فخافت قريش أن يتأثّر بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) ويرجع إلى قومه داعياً إليها فمشى إليه جماعة من قريش فحذروه من سحر بيان النبي الذي يفرق بين المرء وأهله - كما يزعمون - وأظهروا خوفهم عليه وقالوا له: إنّنا نرى من الخير لك ولقومك ألّا تكلّم هذا الرجل ولا تسمع أحاديثه. وكان لهذا التحذير ردود فعل في نفس الطفيل مما دفعه إلى الاستماع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال في نفسه: واثّكل أمي والله إنّي لرجل لبيب شاعر لا يخفى عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان حسنا قبلته وإن كان قبيحاً تركته. فمكث حتّى انصرف رسول الله إلى بيته فاتبعه حتّى إذا دخل بيته دخل عليه فقال: يا محمد إنّ قومك قد قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوّفونني أمرك حتّى سددت أذنيّ بكرسف (16) لئلّا أسمع قولك. ثم أبى الله إلّا أن يسمعني قولك فتلا عليه النبي شيئاً من القرآن وهو صامت لا يتكلّم وبمجرّد أن انتهى النبي أعلن إسلامه ثم قال: ما سمعت قولاً قطّ أحسن منه ولا أمراً أعدل منه.

فرجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فاستجاب له فريق (17).

هذه القصص تبيّن لنا أنّ القرآن كتاب إلهيّ محض وأنّه ليس من صنع البشر ولهذه الخاصّيّة فإنّ الكفّار قد عجزوا وأظهروا يأسهم من تحدّيه أو إبطال شيء منه فلذلك دحروا وانهزموا أمام القرآن.

 القرآن المعجزة:

يُحكى عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصانيّ الزنديق وعبد الملك البصري وابن المقفّع عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاج ويطعنون بالقرآن فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كلّ واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل - أي السنة المقبلة - في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كلّه فإنّ في نقض القرآن إبطال للإسلام وفي عكسه إثبات لما نحن فيه. فلما كان من السنة المقبلة اجتمعوا عند بيت الله الحرام فقال ابن أبي العوجاء أمّا أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80] فما أقدر أن أضمّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً فشغلتني هذه الآية عمّا سواها

وقال عبد الملك: أنا منذ فارقتكم كنت أفكّر في هذه الآية {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73، 74] ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

وقال أبو شاكر: وأنا مفكّر في الآية {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] فلم أقدر على الإتيان بمثلها وقال ابن المقفّع: يا قوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر.

 أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44] لم أبلغ غاية المعرفة بها ولم أقدر على الإتيان بمثلها. فبينا هم في ذلك مرّ بهم الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهى أمر وصية محمد إلّا إلى جعفر بن محمد والله ما رأيناه قطّ إلّا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته ثم تفرّقوا مقرّين بالعجز (18).

فنحن من خلال هذه الأمور والطرق آمنا بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه الهداة (عليهم السلام) وقد جاءت روايات كثيرة في مدح الإيمان الذي يكون في آخر الزمان أي عن طريق الاستدلال العقليّ والتصديق بالتواتر الخبريّ.

 

فضل القرآن:

من خلال ما مرّ يتبيّن أنّ للقرآن دوراً عظيماً في حياة الإنسان المسلم فهو ملهم الإيمان عندما يتدبّر الإنسان آياته ومدلولاتها الروحيّة وهو شفاء للقلوب التي أصابتها كدورة الذنوب فمرضت فكان القرآن شفاءً لها ونوراً من الجهل وحياة بعد موت.

 

يقول أمير المؤمنين في فضل القرآن: "نور لمن استضاء به وشاهد لمن

خاصم به" (19).

ودليلاً على التوحيد ودالاً على الرسل وبرهاناً قوياً للربوبيّة ونبوة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله). فالقرآن كتاب هداية يزرع في قلوب الناس الإيمان بالله من خلال ترغيبه وترهيبه ومن خلال عرضه لصفات الحق سبحانه كالرحمة والرأفة والستر والتجاوز وقبول التوبة ومحو السيئات ورفع الحسنات. ومن خلال تحريضه على العمل الصالح والقول الحسن والأخلاق الرفيعة وغيرها من المطالب التي تصب في محور الإيمان والهداية ولذلك يؤكد الأمير ع هذا المورد بقوله: «اتّبعوا النور الذي لا يطفأ والوجه الذي لا يبلى» (20).

وجذب الإنسان من الواقع السيء إلى حبّ الله والعيش في ظل الإيمان ولذلك جاء التأكيد على قراءة القرآن والاستمرار في قراءته وعدم تركها والفضل في قراءته لأنّ الإنسان كلّما استمرّ في قراءة القرآن كلّما فتحت أمامه أبواب الهداية والعلم والقرب من الله ولقد جاءت الروايات مستفيضة في الدعوة إلى ذلك.

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «لقاح الإيمان تلاوة القرآن» (21).

ويقول: «مَن أنس بتلاوة القرآن لم توحشه مفارقة الإخوان» (22).

وهناك روايات تحكي لنا الأثر الخارجيّ الملموس لآيات القرآن فقد جاء في الرواية الشريفة: «مَن قدّم "قل هو الله أحد" بينه وبين جبار منعه الله عز وجل منه يقرأها من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فإذا فعل ذلك رزقه الله عز وجل خيره ومنعه من شره» (23).

وغير ذلك من فضائل القرآن الماديّة والروحيّة فضلاً عن دوره في الآخرة ويوم الحساب.

فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنّ القرآن شفيع يوم القيامة، بقول في وصف القرآن: شافع مشفع وقائل مصدق (24).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كلمة الرسول الأعظم: ص 161.

(2) الكافي: ج 2، كتاب الإيمان والكفر، باب اليقين، ص 47، ح 1.

(3) المصدر نفسه: ح 2.

(4) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حقيقة الإيمان، ص 44، ح1.

(5) راجع البحار: ج 17، باب المعجزات، ص 347، وما بعدها ط ـ بيروت.

(6) سيرة المصطفى: للحسني ص 157، ط 3، بيروت.

(7) الكافي: ج 1، كتاب العقل والجهل، ح 1، ص 8.

(8) المصدر نفسه: ح3.

(9) راجع كتاب معالم التوحيد في القرآن: للسبحانيّ ص 176، لزيادة في التفصيل.

(10) الكافي: ج1، كتاب العقل والجهل، ص 9، ح 6.

(11) المصدر نفسه: ح 12، ص 10.

(12) المصدر نفسه: ح 12، ص11.

(13) المنطق للمظفر: ج3، ص319.

(14) نهج الفصاحة: ص543، ح2626.

(15) الإسلام يتحدّى: ص124 و125ط ـ بيروت.

(16) سيرة المصطفى: ص 191 و192؛ سيرة ابن هشام: ج 1، ص382.

(17) الكرسف: القطن.

(18) البحار: ج17، باب إعجاز أم المعجزات القرآن، ح19، ط ـ بيروت.

(19) تصنيف غرر الحكم: ص 110، ح 1967.

(20) تصنيف غرر الحكم: ص 111، ح 1972.

(21) تصنيف غرر الحكم: ص 112، ح 1992.

(22) تصنيف غرر الحكم: ص 112، ح 1993.

(23) الكافي: ج2، باب فضل القرآن، ص621، ح8.

(24) تصنيف غرر الحكم: ص111، ح1982.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي