الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
ما للمحبة من ثمن
المؤلف: مجتبى اللّاري
المصدر: المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر
الجزء والصفحة: ص19 ــ 21
18/12/2022
1393
إن الحب أحد الإحساسات الطبيعية للإنسان، ولهذا فنحن نرى أن في الإنسان قوة خفية تدفعه إلى تعلق قلبه بالآخرين من أبناء نوعه، ولا يمكن أن يضادّ هذا الميل الناشئ من ذلك الإحساس الطبيعي، وعلى هذا فيجب أن تشبع هذه الحاجة الغريزية فيه، فيقرر كل فرد مع جماعة من أبناء نوعه روابط أخوية لكي يستفيد من الأنس بهم والتآلف معهم.
إن المحبة منبع الأمن والطمأنينة، وهي من أحسن اللذائذ الروحية التي تتقوى على مر الأيام وتتكامل، ولا نجد في هذا الفضاء الرحيب شيئاً أثمن منها.
وإن الم الوحدة والغربة وفراق الأحبة من أشد المصائب. إن المودة لو لم تربط روحنا بأحد لكي يأوي روحنا إلى روحه فإننا سوف نقع لعبة بيد القلق والاضطراب، ويظلم علينا عالمنا الموجود. يقول أحد العلماء (أن سر السعادة في أن تكون روابطنا مع عالمنا روابط أخوية لا عدوانية، فإن من لا يستطيع أن يحب أبناء نوعه في الطبيعة لا يستطيع أن يمتلك حياة فارغة من القلق والاضطراب).
إن المناسبات التي تربط المجتمع بعضه ببعض على أحسن الوجوه هي الروابط التي تستند على أصول العاطفة والمودة الواقعية. إن توافق الروحين هو الذي يؤلف بينهما في عوالم الوحدة والمحبة، ومن هنا تتأسس أسس المودّة السعيدة ذات الرونق البهي. ولأجل أن يدوم وصل حبل المودّة لا بد أن يطرح الإنسان فوارق الاختلاف جانباً وأن يجيب إلى ما يدعوه إليه الآخرون من الواقعية. إن أثمن الصداقات هي الصداقة غير المبتنية على المنافع الشخصية، والتي تكون توأماً مع الإحساس بشعور الإخوة، والتي تتمكن من أن ترضي الروح الإنسانية التي يعوزها المحبة والدفء. إن الذي يصور نفسه بصورة الصديق الوفي يجب أن لا تتزلزل أسس المحبة فيه في أي حال من الأحوال، بل يزيل في الشدائد وآلام الحياة ما يخيم على قلب حبيبه من السحب السوداء ويروي في رياض قلبه فسيل الأمل والطمأنينة. ينبغي أن لا يطلب محبة الآخرين ولا أن يعيش في ظل عواطفهم إلا من يكون قلبه مليئاً من حبهم وودهم. يقول أحد العلماء: (أن حياتنا كمنطقة جبلية كلما نادى فيها الإنسان سمع صدى صوته، فالذي يكون قلبه مليئا من حب الآخرين لا يرى منهم إلا المحبة والوفاء. إن حياتنا المادية مبنية على أسس التبادل، ولا نريد أن نقول أن الحياة المعنوية أيضاً تبتني على نفس هذا الأساس، ولكن كيف يجوز لك وأنت لا تفي للآخرين أن تنتظر منهم الوفاء لك؟ وكيف تطلب منهم المحبة الدائمة وأنت لا تثبت على حبك لهم).
إن معاشرة الآخرين لو كانت من دون مودة من الطرفين ولم يكن بينهما رابطة المحبة القلبية، فإنها ستصبح لهم منبع المرارة والعذاب. إنه إذا استولى كابوس الرياء على القلوب وعلى حياة الناس، وإذا قام التملق من اجل المادة مقام الصداقة والصفاء، وإذا ذبحت فراشة المودة الواقعية في خربة إجرام المجتمع، حينئذ تضعف عواطف المواساة والتعايش، ويسلب من ذلك المجتمع روح التعاون.
لا شك أنّكم قابلتم خلال معاشرتكم في المجتمع اشخاصاً لم تجدوا في أعماق قلوبهم أي محبة أو عاطفة، ولكنهم أخفوا وجوههم تحت ستار من مراءاة المحبّة، وكثيراً ما تستطيعون أنتم أن تصلوا إلى صورهم الواقعية وما في عواطفهم من العيوب، فيمزق التفاتكم إليهم ما على وجوههم من البراقع.
إن أحد شروط السعادة، وأن إحدى وسائل التربية الروحية هي الصداقة الواقعية مع الصلحاء من الناس، فإن أفكار الفرد تتربى في ظل معاشرتهم، وتتصاعد روحه من بيئته العادية إلى معارج التقوى والفضيلة. ولذلك يجب على الإنسان أن يمعن النظر في اختيار الأصدقاء، فإن من الخطأ أن يصادق الإنسان من لا يعتمد على طهارته ونزاهته، إذ أن الإنسان خلق مكتسباً في أحواله الروحية ممن يعاشره في الحياة، وهذا ما يخاف منه على صرح سعادة الإنسان أن يتصدّع ويهوي.