x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

القانون العام

القانون الدستوري و النظم السياسية

القانون الاداري و القضاء الاداري

القانون الاداري

القضاء الاداري

القانون المالي

المجموعة الجنائية

قانون العقوبات

قانون العقوبات العام

قانون العقوبات الخاص

قانون اصول المحاكمات الجزائية

الطب العدلي

التحقيق الجنائي

القانون الدولي العام و المنظمات الدولية

القانون الدولي العام

المنظمات الدولية

القانون الخاص

قانون التنفيذ

القانون المدني

قانون المرافعات و الاثبات

قانون المرافعات

قانون الاثبات

قانون العمل

القانون الدولي الخاص

قانون الاحوال الشخصية

المجموعة التجارية

القانون التجاري

الاوراق التجارية

قانون الشركات

علوم قانونية أخرى

علم الاجرام و العقاب

تاريخ القانون

المتون القانونية

دساتير الدول

أسباب الحظر والتقييد في استخدام الاسلحة

المؤلف:  رشاد محمد جون الليثي

المصدر:  حظر وتقييد استخدام الاسلحة في القانون الدولي العام

الجزء والصفحة:  ص17-27

25/9/2022

1276

يمكن القول إن الأساس النظري لحظر او تقييد استخدام الاسلحة هو القاعدة العامة التي تقضي ان ( حق المتحاربين في اختيار وسائل الإضرار بالعدو ليس حقاً مطلقاً من أية قيود او حدود ) ومعنى ذلك ان أطراف النزاع المسلح لم يعودوا مطلقي اليد في اختيار وسائل وأساليب القتال ، وإنما أضحى سلوكهم في هذا الشأن خاضعاً لما يسمى بمبدأ التقييد(1)

لقد ظهرت هذه القاعدة لأول مرة في لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام  1907 وذلك ضمن صياغة قانونية احتوتها المادة (2 ) منها(2).

ومبدأ تقييد حقوق المتحاربين من المبادئ التي استقرت عليها الأعراف الدولية في الحروب والمنازعات المسلحة على اختلاف أنواعها وطبيعتها , مما يضفي على المبدأ وصفي العموم والشمول, وبالتالي لابد من التسليم أن هناك عدة قيود ترد على حرية المتحاربين في استخدام وسائل القتال سوف نتناولها في الفروع التالية .

الفرع الأول – مبدأ تقييد أو حظر الآثار العشوائية

الفرع الثاني – مبدأ حظر الآلام التي لا مبرر لها

الفرع الثالث – مبدأ حظر أو تقييد الإضرار بالبيئة

الفرع الأول

مبدأ  تقييد أو حظر الآثار العشوائية

  الأسلحة ذات الآثار العشوائية هي الأسلحة التي لا يمكن حصر آثارها بالمقاتلين وإنما يشمل المدنيين أيضا ، والعبرة في حظر هذه الاسلحة هو عدم قدرتها على التمييز بين المقاتلين والمدنيين, علماً ان هذا المبدأ يعد من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني فلما كان هدف الحرب هو إضعاف القوة العسكرية للعدو فان امتداد آثار السلاح الى المدنيين سيجعلهم طرفاً في الحرب بالرغم من عدم مشاركتهم فيها ، ويقصد بهذا المبدأ عدم توجيه أعمال القتال إلا ضد الأشخاص المحاربين من الطرفين , دون المدنيين الذين لا يحملون السلاح في وجه العدو , ولا يساهمون في الأعمال الحربية(3).

  لقد اهتم فقهاء القانون والفلاسفة بوضع قواعد لتنظيم المنازعات المسلحة ومن هؤلاء              (جان جاك روسو) الذي كان له الفضل في القرن الثامن عشر في وضع التصور التالي لتطور الحرب بين الدول بقوله „ ان الحرب ليست على الإطلاق علاقة بين إنسان وأخر ولكنها علاقة بين دول لا يصبح فيها الأفراد أعداء إلا على نحو عارض ليس بحكم كونهم بشراً او مواطنين بل بحكم كونهم جنوداً(4). وبعد ذلك انضم الى روسو في أوائل القرن التاسع عشر عدد من الفقهاء , بحيث بات فقه روسو سائداً ووجد طريقه الى التطبيق في حروب القرن التاسع عشر, وأصبح ينظر الى التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين من المدنيين المسالمين بوصفه أعظم انتصارات القانون الدولي(5).

 ويجد هذا المبدأ أساسه في  لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية في المادة (25 ) منها بقولها( تحظر مهاجمة او قصف المدن والقرى والأماكن السكنية والمباني المجردة من وسائل الدفاع أيا كانت الوسيلة المستعملة )، كما أكد البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 على هذا المبدأ كقاعدة أساسية حيث نص على ان ( تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الاعيان المدنية والأهداف العسكرية ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها وذلك من اجل تامين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية )(6) . ولكن الصعوبة تبرز في الممارسة العملية, فمن الصعب حقاً أن نرسم خطاً يفصل بين المقاتلين وغيرهم(7).

وبعد أن تم بيان موقع هذا المبدأ من القانون الدولي الإنساني فلا بد من التطرق الى علاقة حظر او تقييد استخدام الأسلحة بهذا المبدأ والتي تتجسد فيما يسمى بفكرة الهجمات العشوائية . تناولت المادة (51) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 تحديد المقصود بالهجمات العشوائية في الفقرة (4) بالنص على (تحظر الهجمات العشوائية . وتعتبر هجمات عشوائية .

أ. تلك التي لا توجه الى هدف عسكري محدد .

ب. او تلك التي تستخدم طريقة او وسيلة للقتال لا يمكن ان توجه الى هدف عسكري محدد.

ج. او تلك التي تستخدم طريقة او وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو الذي يتطلبه هذا البروتوكول , ومن ثم فإن من شأنها أن تصيب في كل حالة كهذه الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين او الاعيان المدنية دون تمييز)

  في حين أوردت الفقرة (5) من نفس المادة أمثلة على هذه الهجمات بنصها (تعتبر الأنواع التالية من الهجمات من بين هجمات اخرى بمثابة هجمات عشوائية :

أ. الهجوم قصفاً بالقنابل أيا كانت الطرق والوسائل الذي يعالج عدداً من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتميز بعضها عن البعض الآخر, والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخرى تضم تركزاً من المدنيين أو الأعيان المدنية على إنها هدف عسكري واحد.

ب. الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابتهم أو أضرار بالأعيان المدنية, او ان يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار يفرط في تجاوز ما ينتظر ان يسفر عنه ذلك الهجوم عن ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة)

وقد ثار التساؤل هنا عن ماهية السمات التي تجعل من سلاح ما يوصف بأنه سلاح عشوائي الأثر؟ . للإجابة على هذا التساؤل يرى جانب من الفقه أن السلاح المقصود به هنا هو السلاح الذي يكون بطبيعته ذو أثار عشوائية لا يمكن حصرها بالهدف العسكري وحده, او أن الاستخدام العادي له لا يجعل من آثارها مقصورة على الهدف العسكري وحده ومثلها الاسلحة البيولوجية والكيمياوية والسمية(8) . ويرى جانب أخر من الفقه بان الاسلحة العشوائية الأثر لا تقيم وفق طبيعتها فقط, وإنما تقيم كذلك بحسب قوتها التي تؤدي الى نفس الآثار التي لا يمكن حصرها, ويضرب هؤلاء مثلاً بانه إذا ما تم استخدام قنبلة تزن 10 طن لتدمير مبنى واحد فانه من المحتم أن تؤدي هذه القنبلة الى إحداث أثار مفرطة الضرر وتؤدي كذلك الى تحطيم المباني المجاورة(9) .

  وبالرجوع الى نص الفقرتين(4 , 5) من المادة (51) من البروتوكول التي تكفلت بمعالجة الهجمات العشوائية نجد إنهما تضمنتا, حظر مطلق لاستخدام الاسلحة وتقييد استخدام البعض الاخر منها, فبالنسبة للحظر المطلق نجده في الفقرة (4/ج) من المادة نفسها والسبب في اعتباره كذلك هو عدم تعليقه على تحقيق امر او شرط معين كتحقيق فائدة او ميزة عسكرية . أما فيما يخص تقييد الاستخدام فقد ورد في المادة ذاتها أعلاه الفقرة (5/ب) من المادة المذكورة إذ لم تجز الهجوم بالأسلحة غير العشوائية الأثر, إذا كان هذا الهجوم يمكن أن يتوقع منه ان يسبب خسارة في أرواح المدنيين او إصابتهم او أضرار بالأعيان المدنية, او ان يحدث خلطاً من هذه الخسارة والأضرار يفرط في تجاوز ما ينتظر ان يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة مباشرة, وحسب المفهوم المخالف للفقرة المذكورة فإنه يمكن استخدام الاسلحة التي تسبب خسارة في أرواح المدنيين أو أضرار بالأعيان المدنية, إذا كان هذا الاستخدام يحقق ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة تفوق تلك الخسائر في الأرواح أو الأضرار بالأعيان المدنية لكي لا يعد هذا الاستخدام من قبيل الهجمات العشوائية .

  وفي رأينا أن هذا يعتبر ضعف في الحماية الواجب توفيرها للمدنيين والأعيان المدنية, تلك الحماية التي تستند على مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين والذي يعتبر من المبادئ الأساسية والمسلم بها في نطاق القانون الدولي الإنساني.

 وتجدر الإشارة الى أن هناك بعض الاسلحة ذات الآثار العشوائية ولكن لا توجد معاهدة خاصة بتحريم استخدامها ومن ضمنها سلاح اليورانيوم المستنفذ(10). وبالرجوع الى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 نجده اعتبر استخدام الاسلحة ذات الآثار العشوائية جرائم حرب وذلك بنصه (استخدام أسلحة او قذائف او مواد او أساليب حربية تسبب بطبيعتها إضراراً زائدة او آلاماً لا لزوم لها او تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة(11).

الفرع الثاني

مبدأ حظر الآلام التي لا مبرر لها

 من المعلوم أنه بخصوص العلاقات العسكرية بين الأطراف المتحاربة يهدف قانون الحرب إلى إيجاد حل وسط بين اعتبارين متناقضين ، فمن ناحية بما أن النتيجة التي يهدف إليها كل محارب هي تحقيق النصر على الطرف الأخر وبالتالي السماح له باستخدام كل الإمكانات والوسائل التي تتحقق له ذلك, ومن ناحية أخرى تقضي اعتبارات الإنسانية بضرورة احترام الحياة وذلك لتجنيبها كل أنواع المعاناة غير المفيدة(12).

وإن الأساس الذي يرتكز عليه هذا المبدأ هو مبدأ الإنسانية الذي يدعو الى تجنب أعمال القسوة والوحشية في القتال, ولاسيما إذا كان استعمال هذه الأساليب لا يجدي لتحقيق الهدف من الحرب وهو إحراز النصر وكسر شوكة العدو(13). لقد عرف هذا المبدأ أساس وجوده في إعلان ( سان بيترسبورغ ) لعام 1868 الذي عد الوثيقة الأولى التي دلت عليه، كما تمت الإشارة الى هذا المبدأ في أعمال مؤتمر ( بروكسل ) الذي عقد بناءاً على دعوة حكومة روسيا في عام 1874, ومن الجدير بالذكر أن مؤتمري ( سان بيترسبورغ ) و ( بروكسل ) لم يتمخضا عن أعمال مؤتمر دبلوماسي, وإنما عن أعمال لجنة عسكرية ولذلك من الصعب نعتهما بالمثالية(14) . إلا ان الصورة الواضحة لهذا المبدأ لم تظهر كقاعدة تعاهديه إلا في الفقرة (هـ) من المادة (23) من لائحة لاهاي الرابعة لعام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية, حيث نصت على انه ( علاوة على المحظورات المنصوص عليها في اتفاقيات خاصة يمنع بالخصوص استخدام الاسلحة والقذائف والمواد التي من شانها إحداث إصابات والآلام لا مبرر لها). وتبنى البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 هذا المبدأ في الفقرة (2) من المادة (35) المسماة بـ( قواعد أساسية ) بالقول ( يحظر استخدام الاسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات او الآلام لا مبرر لها).  

 وقد أكدت القاضية ( هيغينز)(Higgins) في رأيها المخالف للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 1996 بشأن مدى مشروعية استخدام الأسلحة النووية , وذلك بناءاً على الطلب الذي تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم ( 75/49) في 1994 فيما يخص انطباق القانون الدولي العرفي وانطباق القانون الدولي الإنساني على استخدام الأسلحة النووية , حيث رأت ( ليس بوسع المرء إلا أن يتأثر بمعرفة ما يمكن أن تحدثه الأسلحة النووية من آلام لا تطاق وبإمكاننا أن نفهم بسهولة لماذا يتوقع ممن يهمهم امر تلك الآلام أن يعلنوا عدم مشروعية مصدرها )(15).

وكما هو معروف أنه لا يوجد سلاح لا يسبب آلاماً والقول بخلاف ذلك يؤدي الى مخالفة طبيعة الحرب ولكن ما هو المقصود بالآلام وما هي المعاناة المفرطة والآلام التي لا مبرر لها والذي يؤدي تحقيقهما الى تحريم استخدام سلاح معين؟ يجيب جانب من الفقه على هذا التساؤل بالقول إن فكرة الآلام المفرطة او المعاناة غير المبررة تشير الى أكثر من مجرد الآلام او المعاناة التي تصيب الإنسان بصورة حرفية, فبحسب هؤلاء ان مبدأ الآلام المفرطة او المعاناة غير الضرورية وعلى النحو الذي ورد في نص الفقرة (هـ ) من المادة (23) من لائحة لاهاي  والفقرة (2) من المادة (35) من البروتوكول الإضافي الأول, تعني في الدرجة الأولى أي تعد على السلامة البدنية او الذهنية او على حياة الأشخاص الذين يكونون – من الناحية القانونية – عرضة لأعمال عنف مشروعة على النحو الذي يشير اليه القانون الدولي العرفي المتعلق بالحرب, وكذلك احكام البروتوكول الإضافي الأول كما إنها تعني كذلك الأضرار التي تلحق بالأعيان المادية إذ ان مفهوم (الأضرار قد ورد ذكره في المداولات التي أدت الى اعتماد إعلان سان بترسبورغ الذي تبنى مفهوم الآلام التي لامبرر لها )(16)

  في حين يرى البعض الأخر أن المقصود من عبارة التي لامبرر لها المضافة الى الآلام, هو الآلام التي تنتج نتيجة استخدام أسلحة لتحقيق مزايا يمكن تحقيقها باستخدام وسائل القتال الاعتيادية(17) . إذ إن الغاية من تحريم هذه الأسلحة, هي ضمان عدم تسببها في إحداث الآلام للمقاتلين تتجاوز ما يعتبر ضرورياً لجعل الخصم عاجزاً عن القتال, وأن هناك مبدأ يقضي بان المحاربين ليس لهم حق مطلق في اعتماد وسائل الإضرار بالعدو(18) . وبذلك نلاحظ بان قواعد القانون الدولي قد حظرت استخدام الاسلحة التي تسبب آلاما لامبرر لها ولم تتطرق الى مسألة تقييدها, أي بعبارة اخرى إذا كان السلاح يسبب آلاما غير ضرورية ففي هذه الحالة يعتبر محظور الاستعمال وبصورة كاملة ولا توجد درجات او مراحل لهذا الاستعمال. وهذا ينطبق على سلاح اليورانيوم المنضب الذي يسبب آلاما لا مبرر لها, خصوصا إذا علمنا أن استخدامه يؤدي الى إصابة المقاتلين بأمراض قاتلة من أهمها السرطان بالإضافة الى توليد حرارة تساعد على احتراق الفولاذ ولا يمكن تبرير ذلك بالضرورة العسكرية, إذ يجب أن يكون هناك توازن بينها وبين الاعتبارات الإنسانية, ويعد مبدأ التناسب واحدا من المبادئ المهمة في القانون الدولي الإنساني(19).

ومن خلال دراسة القواعد القانونية المطبقة على النزاعات المسلحة نجد أن حظر الأسلحة التي تسبب آلاما لا مبرر لها يطبق على النزاعات المسلحة الدولية دون التطرق إلى تنظيم ذلك في المنازعات المسلحة غير الدولية  ونحن نعتقد إمكانية تطبيق هذا المبدأ ( حظر الآلام التي لا مبرر لها) في النزاعات المسلحة غير الدولية أيضاً طالما انه ينطبق في النزاعات المسلحة الدولية وذلك لأسباب إنسانية لا خلاف عليها . وبالرجوع إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 نجده اعتبر استخدام اسلحة او قذائف او مواد او أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضرار زائدة أو ألاما لا لزوم لها جريمة حرب(20).

الفرع الثالث

مبـدأ حظـر أو تقييـد الإضـرار بالبيئـة

 لاشك أن حماية البيئة والمحافظة عليها أصبحت من المسائل التي تهم البشرية لما لها من تأثير على التقدم والرفاهية لكل شعوب العالم، ومن بين أوجه الاهتمام بالبيئة على الصعيد الدولي إبرام الاتفاقيات والمعاهدات وعقد المؤتمرات والندوات, وكذلك إصدار الإعلانات والتصريحات والتوجيهات المتعلقة بضرورة حماية البيئة والحفاظ عليها. وقد تناولت بعض هذه الاتفاقيات وتلك الإعلانات نصوصاً تتعلق بضرورة تحسين ظروف الحياة, كما نصت بعضها على حق الإنسان في العيش في بيئة صحية ونظيفة وخالية من التلوث, وترمي القواعد القانونية في مجال حماية البيئة الى ضبط وتنظيم نشاط وسلوك الإنسان في علاقته بالبيئة, والوسط الطبيعي الذي يعيش فيه و بيان الأنشطة التي تؤدي الى الاختلال في التوازن الطبيعي القائم بقدرة الله وحكمته بين العناصر والموارد البيئية(21)

وقبل الدخول في علاقة البيئة بحظر أو تقييد استخدام بعض الاسلحة لابد لنا من التطرق الى تحديد ما المقصود بالبيئة وما الذي يعنيه هذا المصطلح عندما يرد ذكره في المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، إن مصطلح البيئة قد عرف من أقدم العصور وكتب عنه علماء الإغريق واليونان وأول من استخدم هذا المصطلح هو العالم الألماني (ارنست) هايكل سنة 1866, وقد توصل الى ذلك بدمج الكلمتين اليونانيتين   ( Oikos ) معناها المسكن و ( Logos ) معناها العلم, وهكذا عرف ذلك المصطلح بأنه "العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه "(22) . وقد ذهب البروفيسور جين مورك  ( Gean morc ) الى تعريف البيئة في معناها الواسع, حيث عرفها بأنها "نظام يتعايش فيه جميع الأحياء علاوة على الغلاف الجوي وما يتبعه من هواء وغازات وأيضا العناصر المائية من محيطات وبحيرات وانهار وذلك علاوة على الظواهر الطبيعية من غابات وأشجار(23).

 أما فيما يخص البيئة باعتبارها قيداً على استخدام الاسلحة ومن ثم الأمر الذي يؤدي إلى حظر استخدامها او تقييد استخدام البعض الاخر, منها فيمكن أن نلاحظ ذلك من خلال المعاهدات الدولية التي عقدت من اجل إنقاذ البشرية من ويلات الحروب (24).

ومثال ذلك اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية او لأية أغراض عدائية أخرى لعام 1976 ومن خلال تحليل المواد العشرة للاتفاقية, نجد أنها لا تحظر او تقيد استخدام سلاح معين بسبب حماية البيئة, ولكنها تحظر استخدام البيئة بوصفه سلاح عسكرياً من خلال اللجوء إلى الوسائل التي تنصب على التدخل المتعمد في عملياتها, ومن ثم استخدام البيئة لأغراض عسكرية او لأية أغراض عدائية والحظر هنا طبعاً الغاية منه هو حماية البيئة, إذ كشفت دراسة لمعهد السلام الدولي في ستوكهولم, أن استمطار الغيوم على نطاق واسع يمكن أن يؤدي الى الفيضانات وتعرية التربة وإفساد الحياة البرية والى وصول الفضة واليود لسلسلة الطعام (25).

 أما البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949, فقد نص في الفقرة (3) من المادة (35) على ان ( يحظر استخدام وسائل وأساليب القتال التي يقصد بها او يتوقع منها ان تلحق بالبيئة الطبيعية أضرار بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة او بقاء السكان ) كما نصت المادة (55) من نفس البروتوكول في الفقرة (1) منها على ( تراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة والأمد ) ونصت في الفقرة (2) منها على ان ( تحظر هجمات الردع التي تشن ضد البيئة الطبيعية ).

      أما الاتفاقية الخاصة بحظر أو تقييد استعمال اسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر او عشوائية الأثر  لعام 1980 فقد نصت في ديباجتها على ان ( يحظر استخدام أساليب او وسائل حربية يقصد بها او يتوقع منها ان تسبب للبيئة الطبيعية إضرارا واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة الأثر ).

كذلك البروتوكول الثالث الملحق بهذه الاتفاقية , فقد اعتبر حماية البيئة من أهم القيود على استخدام الاسلحة حيث ُنص على ( يحظر ان تجعل الغابات وغيرها من أنواع الكساء النباتي هدف هجوم بأسلحة محرقة )(26). وان النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 نجده اعتبر تعمد إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية جريمة حرب(27).

وأن قواعد القانون الدولي المتعلقة بحظر او تقييد استخدام الاسلحة وعلاقتها بحماية البيئة, لا تنطبق فقط أثناء المنازعات المسلحة, ولكن أيضا تطبق على المناورات العسكرية التي تقوم بها للتمرين سواء أكانت بين قواتها او بينها وبين قوات دولة صديقة, ومثال ذلك أن البحرية الأمريكية تستخدم جزيرة (Vieques) البورتوريكية منذ عام 1941 كموقع للمناورات العسكرية وقد أسقطت طائرة (F18) قنبلة بحجم 500 رطل مسببة ضرراً بيئياً واسع الانتشار, واثر في الحياة الطبيعية للجزيرة وبخاصة الكائنات الحية البحرية حولها(28) .

 

_____________

1- د. علي حميد العبيدي ، مدخل لدراسة القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني ، المكتبة القانونية ، بغداد، 2006 ص226

2- نصت المادة المذكورة على انه ( ليس للمحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو).

3- د. محمد فهاد الشلالدة ، القانون الدولي الإنساني ، بلا , 2005 ص130 .

4- اللجنة الدولية للصليب الأحمر, القانون الدولي الإنساني ، إجابات من أسئلتك ،ط6 ،منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، القاهرة  ، 2007 ، ص7 .

5- ومن هؤلاء الفقهاء ( بورتاليس )( portalies )  و ( تاليران ) Talieran) ) و ( مارتينز ) ( martines)  و ( كنت )( kient)  و ( ليبر ) ( Liper) د. صلاح الدين عامر ، التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين ، القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني ،ط3 ، منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، القاهرة  ، 2006 ، ص130

6- المادة ( 48) من البروتوكول

7- Closca ,new code for the protection civilian popilation and property during armrd       conflict , I.R.R.G , VOL(219),1980,P.293.                                                                             

8- سما سلطان الشاوي ، استخدام اليورانيوم المنضب والقانون الدولي ، أطروحة دكتوراه, كلية القانون ، جامعة بغداد ،  2000، ص31 .

9- المصدر السابق ، ص31  .

10- اليورانيوم المنضب , منتج متخلف , ينشأ نتيجة معالجة اليورانيوم الخام , الذي يدخل في إنتاج الاسلحة النووية , او الذي يستخدم وقوداً في محطات الطاقة النووية , وعندما يحترق تنبعث منه جسيمات دقيقة من اوكسيد اليورانيوم السام والمشع , في شكل رذاذ ينتقل عدة كيلو مترات في الهواء , يسبب استنشاق هذه الجزيئات أمراض متعددة من أكثرها شيوعاً السرطان القاتل . انظر د0عبد الحسين مهدي عواد ، سلاح اليورانيوم المستنفذ وتأثيرات استخداماته الأمريكية في حربي الخليج والبلقان ، ط1، مؤسسة العارف للمطبوعات ، بيروت ، 2003 ، ص25

11- الفقرة (2) من المادة (8) من النظام الأساسي .

12- د. احمد ابو الوفا ، القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة ، ج1  , منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2010 ، ص195 .

13- د. اسماعيل عبد الرحمن ، الأسس الأولية للقانون الدولي الإنساني ، القانون الدولي الإنساني  دليل للتطبيق على الصعيد الوطني ،  ط3 , منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر , القاهرة , 2006 ، ص33 .

14- شكلت اللجنة من وفود حكومات لك من ألمانيا, النمسا ,المجر ,بلجيكا ,الدانمارك , إسبانيا , فرنسا , بريطانيا, اليونان ,ايطاليا, هولندا, روسيا ,السويد, النرويج وتركيا وهدفها إعداد مشروع اتفاقية دولية تتعلق بقوانين وأعراف الحرب إلا أن هذا المشروع لم يتحول إلى اتفاقية دولية نافذة وسارية , للمزيد ينظر: د. هنري ميرو فيتز ، مبدأ الآلام التي لا مبرر لها ، دراسات في القانون الدولي الإنساني ، ط1 ، منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، القاهرة ، 2000 ، ص325 .

15-   International Court of Justice, Reports , 1996 , P. 373 .

16- سما سلطان الشاوي ، استخدام اليورانيوم المنضب والقانون الدولي ، أطروحة دكتوراه, كلية القانون ، جامعة بغداد ،  2000، ص43.

17- د. احمد سي علي ، دراسات في القانون الدولي الإنساني ، ط1 ، دار الأكاديمية ،  الجزائر ، 2011 ، ص457 .

18- جون ماري هنكرتس ولويز دوزوالد , القانون الدولي الإنساني العرفي , اللجنة الدولية للصليب الأحمر , القاهرة , ص24 .

19- Robin coupland , Hunmanity : what is it and how does it in fluence international law ,internahonal Review of the Red Gross ,Vol(83) , p.984.                                               

20- الفقرة (2) من المادة (8) من النظام الأساسي .

21- د. محسن افكيرين ، القانون الدولي للبيئة ،ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006 ، ص9.

22- د. محمد خالد جمال ، التنظيم القانوني للبيئة في العالم ،ط1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ،2006 ، ص9 .

23- د. صالح محمد محمود ، الالتزام الدولي لحماية البيئة من التلوث ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006 ، ص18.

24- ويكفي ان ندرك ان أكثر من خمسة ألاف ياباني يلقون مصرعهم كل عام بسبب الآثار الصحية طويلة المدى نتيجة القاء القنابل النووية على هيروشيما وناكازاكي رغم مرور أكثر من 68 عام من تلك الحادثة ، د. معمر رتيب ، القانون الدولي للبيئة وظاهرة التلوث ، دار شتات للنشر ، مصر ،2010 ، ص177 .

25- د. رشاد عارف السيد ،  حماية البيئة في المنازعات المسلحة الدولية ، مجلة القانون والاقتصاد ، كلية القانون ، جامعة القاهرة ،ع (62) ، 1992 ، ص22.

26- الفقرة (4) من المادة (2) من البروتوكول .

27- ينظر الفقرة (2) من المادة  (8) من النظام الأساسي .

28-   د. عيسى حميد العنتري ، د. ندى يوسف الدعيج ، الحماية القانونية للبيئة في مواقع القواعد العسكرية الامريكية في منطقة الخليج العربي ، مجلة الحقوق ، كلية القانون جامعة الكويت ، ع(1)، 2003 ، ص22 .

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+