الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
المرأة بين الجاهلية والاسلام
المؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
المصدر: المرأة بين مهام الحياة ومسؤوليات الرسالة
الجزء والصفحة: ص7ــ15
28-7-2022
2711
من انظمة الحياة الانسانية الكثيرة والمختلفة في الاجتماع؛ والسياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والصحة رغم ذلك نظام الاسرة. فالأسرة هي اللبنة الاولى، والركيزة الاساسية في هيكل البناء الاجتماعي الذي يشمخ رصينا ومتينا اذا ما كانت النواة او الخلية الاسرية تشدها أواصر المحبة، وتقوّم بناءها اسس التعاون والاخلاص والتنسيق والروح النشطة المثابرة.
لقد اراد الله تبارك وتعالى ان يكون البناء الاجتماعي الفاضل للحياة منطلقاً من البناء الاسري الذي صمّمته الرسالة الاسلامية. فمن مجموع الأسر المتماسكة يكون البناء الاجتماعي الرصين، وسع الحياة الطبيعي نحو تحقيق الكمال وعبادة الكامل المطلق.
ولعل أبرز وأعظم ما خطط وبرمج له الاسلام هو التنظيم الأسري القائم، والمنطلق من اعماق الفطرة الانسانية. ونقصد بالتنظيم الأسري تلك المجموعة من السنن والقوانين والانظمة الالهية، والغرائز المهذبة والموجهة بالاتجاه الايجابي السليم، والتي اودعها الله سبحانه في ذات الانسان ذكرا كان أم انثى.
ولو امعنا النظر وتدبرنا في مصدر الرقي والتقدم الحضاري، وتتبعنا امتدادات أشعة القيم والفضائل والمثل الخيرة، ومنابت الاخلاق والآداب في الوسط الاجتماعي، لرأينا ان ذلك كله ينطلق من التنظيم الاسري المتماسك. فلو كان الكيان الأسري في المجتمع قائما على ركائز الفضيلة والآداب الخلقية النبيلة، فان هذا المجتمع ستسرده روح التعاون والاخاء والمحبة، وسيكون مجتمعا منسجما متحداً وأهلاً لحمل الامانة الالهية في الحياة. اما اذا اصبح الكيان الأسري كياناً يقوم على الانحراف والرذيلة والتمزق، فان هذا يعني تحلل هذا المجتمع وانحطاطه وتخلفه. ولو اتسع نطاق هذه الانحرافات فانه سيتحول الى امة سوء وضلال وفساد، لا منحى لها في الحياة غير الهزيمة والراجع، ولا نهاية غم السقوط.
وعلى هذا الاساس فان الاسرة هي التي تحمل هوية المجتمع وسمات الامة، ولو مثلناها بشكل هرمي فان الاب يشكل قمة هذا الهرم، فهو مسؤول عن رعاية وحماية الزوجة التي هي الركيزة الثانية للأسرة باعتبارها مسؤولة عن تربية الاولاد، وتنظيم شؤون البيت.
فالزوجة محمية من قبل الرجل في النظام الاسري الفاضل، يوليها فائق الرعاية، ويوفر لها كافة مستلزمات الحياة بقدر طاقته وامكاناته، ويعاملها بلطف ورقة امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وآله: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة(١). فينفق عليها، ويفي لها بحقوقها.
وهكذا فان موقع الاب في الاسرة هو موقع القيادة والقيمومة، والذي اشار اليه تعالى في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]. وهذه القيمومة ليست مفروضة ودخيلة، بل هي فطرية غريزية منسجمة مع طبيعة البناء الأسري، وباعثة على الرضا والطمأنينة والسكينة بين أعضاء الخلية الاجتماعية الواحدة. ثم انها تمثل القيمومة الطبيعية التي تدفع الرجل لأن يضحي براحته طلبا للرزق ولقمة العيش انطلاقاً من شعوره بالمسؤولية، واحساسه بالقيمومة العائلية. فهو المسؤول عن توفير المستلزمات الضرورية للحياة، واسباب العيش الكريم لمن هم تحت مسؤوليته ورعايته. ثم انه مسؤول ايضاً عن توفير الحماية والامن لأسرته لان الرزق والامان يمثلان امرين اساسيين في حياة الانسان.
وعندما جعلت القيمومة للرجل على المرأة وكيان الأسرة ككل، ظهر الفهم السلي لهذه القيمومة، والذي يشكل خطراً على التنظيم الاسري، والحياة الاجتماعية. ويتمثل هذا الفهم السلبي بـ (الاستبداد)، وهو ان يفرض الرجل آرائه وأحكامه الصارمة على اعضاء اسرته، وخصوصا الزوجة التي تمثل مركز الامومة، والنصف الآخر من المجتمع الانساني.
وعلى سبيل المثال فان اليونانيين القدماء كانوا يعتبرون المرأة اداة وآلة بيد الرجل، وقد خلقت لتعمل في خدمته ليلاً ونهاراً. فتأمل مدى انحطاط هذه الرؤية الجاهلية التي نشأت منها عادات كثيرة تسيء الى المرأة ومكانتها، وتحط من قيمتها الانسانية؛ ومن هذه العادات المقيتة التي ربما ماتزال آثارها موجودة؛ قتل او حرق المرأة ودفنها حية مع زوجها في حالة موته، حيث تجري هذه العادة في بعض مناطق الهند.
ولاشك ان مصدر هذه الخرافات، والممارسات اللاانسانية؛ التصور المغلوط القائل ان المرأة هي مجرد خادمة خلقت لسدّ احتياجات الرجل، وتنفيذ مطالبه. فاذا به يصبح دكتاتوراً يأمر وينهى ويفعل ما يحلو له.
ان غالبية الرجال في ظل مثل هذه الاوهام يشكلون عصبة تعيش الاحساس العنصري والتمييز، وحالة الاستعلاء على المرأة التي تذهب بدورها ضحية هذا الشعور. فترى الرجل يفرض ارادته المجحفة، ويملي الاوامر التعسفية عليها. ومن خلال مطالعة التأريخ الانساني نكتشف ان العديد من الرجال الذين غرز في قلوبهم حب النساء، واوجد فيهم الحالة الشعورية التي ينطلقون منها في الدفاع عن المرأة، وحماية الأسرة ككل، إذا بهم يتحولون بسبب الخرافات والاساطير المسيطرة على مجتمعاتهم الى وحوش كاسرة تفرس المرأة، وتمزق الكيان الاسري لدواع تافهة يسندها الجهل وانعدام الوعي والثقافة.
والغريب في الامر ان هذه المعتقدات الخرافية كانت توضع وتصاغ في أطر فلسفية، ومن هذه الصياغات الفلسفية القديمة انطلقت تشريعات واهية تستهين بالمرأة؛ منها ما كان يعتبر المرأة جزء من التركة والميراث، شأنها شأن الاموال والممتلكات، تشرى وتباع، وتورث، فتصبح بعد موت الزوج أمة يرثها احد الابناء عند تقسيم الارث.
ولعل افضل تلك التشريعات لم يكن يصل الى مستوى مساواة المرأة مع الرجل بأي شكل من الاشكال. ومن ضمن هذه التشريعات الظالمة؛ ان المرأة كانت تعامل في أوربا الى فترة قريبة بما يشبه ذلك التعامل الروماني. فقد كانت تكد وتعمل وتكدح ليل نهار، ولكنها في نهاية المطاف لم يكن لها حق التملك، وليس لها حرية التصرف بما يقع تحت يدها من الاموال، لأنها قبل بضعة قرون لم تكن انسانة في نظرهم.
وهكذا فان النظرة الى المرأة لدى الجاهليتين الاولى والحديثة، انما هي نظرة واحدة، وهي التشاؤم والاستصغار، ولكنهما تختلفان في طريقة التعامل معها؛ ففي العصر الجاهلي الذي سبق ظهور الاسلام كانوا يرتكبون الجرائم ليتخلصوا ــ حسب زعمهم ــ من شر المرأة. فهي مصدر الشؤم عندهم كما يقول تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59]. ولذلك فقد كانت الانثى تواجه مصير الموت او الحرمان والاحتقار، كحرمانها من الارث ومعاملتها معاملة الأمة والخادمة.. وهذه هي النظرة الجاهلية القديمة.
اما الجاهلية المعاصرة فقد اضحت المرأة فيها العوبة ووسيلة لهو وترفيه وتمتع، وكأنها ليست تلك الانسانة المكرمة المحترمة التي اطّرها الله سبحانه وتعالى بالعفاف والحرمة، ورسم لها طريق الرقي والكمال، كما هو الحال بالنسبة الى الرجال. فهي اليوم لا شغل لها إلا الاهتمام بمنظرها وزينتها، لكي تكون جاهزة لأن يقضي الرجل منها وطره، ويشبع نزوته، كما وأضحت سلعة عامة تجذب الرجال اليها بعرض مفاتنها في الشوارع.
صحيح ان للرجل قيمومة على الأسرة، والمرأة بشكل خاص في الاسلام إلا أن هذه القيمومة لها حدودها وشروطها التي تنتهي عند التجاوز والتعدي، وعندما تتحول الى عامل ضرر. وشأن هذه القيمومة هي كشأن قيمومة الحاكم الذي يحكم على الناس. فهي باقية ومستمرة مادامت في اطارها الصحيح.
ويحدد القرآن الكريم لنا حدود هذه القيمومة بقوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. فهي قيمومة مشروطة مقيدة، وابرز شروطها القدرة على تأمين الرزق، والعقل. فالتفضيل الالهي يراد به هنا - كما أرى - التفاوت في مستوى التفكير والتدبر والابداع الذي مصدره القدرة العقلية، والنشاط الذهني. فالرجل قيم على المرأة من حيث الانفاق والمسؤولية المعيشية، اللذان يلفعانه الى الحركة والعمل بجد ونشاط لكسب القوت، وتوفير مستلزمات الحياة. اما الرجل الكسول الاتكالي الاناني الذي لا يهمه إلا نفسه، ولا ينهض ليكسب ما ينفقه على زوجته وعياله، فان هذا وامثاله تسقط عنه القيمومة، واذا ما حاول فرضها فان هذا هو الاستبداد بعينه.
ان الأب الحقيقي يجب ان يكون مهتما بشؤون العائلة، فهو اول من يحمل آلامها وهمومها. فيجب ان يكون جديرا بهذه المسؤولية، قادرا على استخدام الحكمة والعقل، فيرشد ويوجه الزوجة والأولاد، ويكون مضحيا براحته وسعادته في سبيل توفيرهما لأهله واطفاله. وهذا هو المعنى الحقيقي للأبوة والقيمومة على الاسرة.
ولاشك في ان اعظم دور، وافضل نشاط يمكن ان تقوم بهما المرأة ما ينسجم مع طبيعتها التكوينية والنفسية، وهو ما تؤديه في اطار بيتها واسرتها. وهذا الرأي يؤيده كل انسان منصف لم يتأثر بالأبواق الدعائية الفاسدة، والتيارات المنحرفة التي تريد للمرأة الانجراف في عوالم الفساد والانحلال والضياع والمقولات الرخيصة الي تستهدف الحط من مكانة المرأة، ومنزلتها المقدسة في المجتمع، والهبوط بها الى الحضيض.
وفي نظري ان المرأة هي عمود خيمة الاسرة، وهي المحول الذي تلتف حوله الاسرة، وينجذب نحوه اعضاؤها، فبها تتآلف الأسرة وتنسجم. ولقد اثبت العلم الحديث ان الطفل يكتسب بعض الطبائع وهو ما يزال في بطن أمه، ويتأثر بالكثير من حالاتها النفسية سواء كانت ايجابية أم سلبية، وفي الحقيقة فان هذا الاكتشاف جاء ليؤيد الحديث الشريف القائل: "الشقي من شقى في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه"(2). كما واثبت العلم الحديث ان تأثير طبائع الأم يستمر على الطفل، ويستمر الى مدة خمسة عشر عاماً. كما ولوحظ –أيضاً - ان الطفل يتأثر، ويرضخ لكلام امه واسلوبها العاطفي اكثر من الأب.
وهنا تبرز اهمية ثقافة المرأة ووعيها، وتفتح مداركها. فهي المدرسة الأولى التي يتخرج منها الجيل الجديد الواعي والناضج، إن أحسن المجتمع تربيتها بحيث تكون اهلا للأمومة الصالحة، والتربية الطيبة.
وهناك بعض النساء يتسائلن عن دورهن الاجتماعي الذي من الممكن ان يقمن به؟
وللجواب على هذا السؤال نقول: ان بإمكان المرأة ان تردي أي نشاط ينسجم مع بنيتها الجسمية، وصفاتها الروحية والعاطفية، وفي حدود المحافظة على عفافها. فهي على الصعيد الاجتماعي يمكن ان تقوم بدور التأليف والتوجيه، والتعليم.. علماً ان بعض الوظائف لا يمكن ان تقوم بها إلا المرأة؛ كالتمريض والطبابة الخاصة بالنساء. اما على صعيد البيت الذي هو عالمها الحقيقي المفضل فهي المسؤولة عن ادارة شؤونه، وتربية وتوجيه الاطفال، وما الى ذلك من الأمور المنزلية.
فالأم الصالحة الواعية هي التي تنشئ جيل الرجال الابطال الذين وصفهم القرآن الكريم قائلاً: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]. فهم الرجال الذين ينشأون في احضان مباركة طاهرة لأمهات كريمات تقف على رأسهن فاطمة سلام الله عليها، والسائرات على نهجها.
المرأة في الواقع الإسلامي
نور الله سبحانه لابد ان يتجلى في مشكاة، والمشكاة وحدها لا تكفي فهي تحتاج الى مصباح، والمصباح لا يضيء إلا بوقود نقي، ولا يتسنى له بلوغ ذروة التجلي من دون زجاجة شفافة.
هذه الخصائص كلها متوفرة في الاسرة الفاضلة، التي يقول عنها عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]. فهذه البيوت سمت الى الاهداف العليا، وتخلت عن صغائر الامور وتوافهها بسبب شيوع ذكر لله في اطرافها. وسمو هذه البيوت لا يأتي من حيث هي بيوت، بل ينبعث من سمو الرجال الذين يعيشون فيها، وسمو هؤلاء الرجال يكون بذكر الله ليل نهار؛ هذا الذكر الذي يتعالى بدوره على الماديات كالبيع والتجارة.
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37].
والذي يدفع هؤلاء الرجال الى ذكر الله في كل وقت، والالتزام بالعبادات والفرائض دوما؛ هو وجل قلوبهم وخوفهم وخشيتهم من ذلك اليوم الرهيب، الذي عظم في السماوات والأرض. ومن خشيته تتحول الجبال الى كثبان مهيلة، وتتفجر البحار نيرانا هائلة، وترتعد فرائص ملائكة الله وحملة عرشه.
{يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37].
والتقلب يعني ان القلوب تتبدل وتتحول في يوم القيامة، رغم انها في الدنيا قد لا تتبدل بسبب القسوة التي لازمتها.
اذن فليوجه كل واحد منا قلبه في هذه الدنيا على هدى رسالات الله، قبل ان يقسو القلب فيرين عليه الذنب، ويحجبه الاثم، ويعيش في أكنة الخطايا. وجزاء هؤلاء الذين يربون قلوبهم على ضوء التعاليم الالهية عظيم، حيث ان الانبياء سيحتفون بهم كثيرا، ويدعونهم الى مجالسهم. وحتى الله سبحانه وتعالى يستضيفهم تحت ساق عرشه فيتحلى لقلوبهم، وهذا التجلي هو اعظم من كل نعم الجنة على عظمتها، فيقعون ساجدين للرب شكرا له، فيأمرهم تعالى برفع الرؤوس قائلا لهم: إلي قد اعطيتكم سبعين ضعفا اضافة لما سبق من الثواب" تطبيقا لقوله عز من قاتل: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38].
وفي مقابل بيوت هؤلاء المؤمنين تبدو بيوت الذين كفروا مهدمة جدرانها، خربة سقوفها. فهي لا تستطيع ان تحفظ شيئا من اعمالهم. فهي لا تحجز في مكان حفيظ، بل تتناثر وتذهب هنا وهناك، كما يشير الى ذلك عز وجل في قوله:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} [النور: 39، 40].
فالليل والسحاب وظلمات البحر والامواج المتراكمة فيه، كل ذلك لا يبقي بصيصا من النور في القلوب المظلمة التي تربت في بيوت اللهو والانشغال بالدنيا؛ البعيدة عن سنن الله واحكامه، والتي تشبه ظلمات قيعان البحر. فتكون قلوب الذين يعيشون فيها مظلمة، من جراء ظلمات الذنوب والفساد والطبيعة البشرية غير المهذبة.
والنور الكفيل بإزالة هذه الظلمات لا يستطيع احد تسليطه سوى الله حل وعلا، وقد قال ربنا عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]. ويأتي نور الهداية هذا عبر ذكر الله جل وعلا.
دور المرأة في بناء الاسرة الفاضلة:
والاسر الفاضلة التي يشكل قسما من افرادها رجال مهديون، بحاجة ماسة الى نساء. لان الله عز وجل يلقي بالمسؤولية على عاتق الاثنين؛ فالمرأة هي التي تحافظ على الاسرة، فهي مشكاتها ووقودها. ولذلك فان علينا ان ندرس مليا الحضارات السائدة، والتجمعات الموجودة، والمجموعات العاملة عبر طبيعة معاملتها للمرأة، ومدى الدور الذي تنهض به فيها، فاذا كانت المرأة ذات بصيرة منحرفة، فان هذه البصيرة ستنعكس على الرجل. وهكذا الحال بالنسبة الى الرجل. فالمجتمع لا يمكن ان يكون له موقفان، بل موقف واحد.
ان موقفنا من المرأة ينبغي ان ينبعث من ولائنا لفاطمة الزهراء عليها السلام، والمعرفة بدورها في تأسيس البيت الرسالي، والشجرة المحمدية التي ماتزال مستمرة، وستظل كذلك الى يوم القيامة. وموقفنا منها عليها السلام يعبر عن موقفنا من المرأة اليوم، كما ان اهتمامنا ومعرفتنا بفاطمة الزهراء عليها السلام ينعكسان على اهتمامنا بأية امرأة.
وعلى كل رجل ان ينظر الى المرأة نظرة ايجابية سليمة، لئلا يظلم حقها. كما ان على المرأة بدورها ان لا تنظر الى نفسها بمنظار الحقارة فتستاء، لان الله عز وجل بعث كل الانبياء من الرجال. فالله لم يغفل دور المرأة الرئيسي، حيث انه جعل من النساء قدوات حسنة امثال مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها، والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين، والسيدة زينب بنت امير المؤمنين والسيدة خديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم..
ومن مميزات الخط الرسالي عن الخطوط الاخرى، فهمه العميق لدور المرأة، واهتمامه الجاد بهذا الدور؛ حتى ان الحركات الرسالية في التأريخ الاسلامي كانت تستلهم من شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام الشيء الكثير، لأنها وقفت بصلابة في سبيل تكريس الخط الرسالي، وترسيخ القيم القرآنية، رغم انها امرأة. ومع ذلك نهضت فاطمة عليها السلام لتكون مثالا اعلى للقيم والمبادئ.
فاطمة الزهراء انموذج المرأة الرسالية:
وقد كانت عليها السلام منبعا للحنان الذي فقده رسول ١لله صلى الله عليه وآله في طفولته، فقد تجلى الحب الذي لم يره في حياته في تعلق فاطمة به.
وهكذا فان نور الله يتجلى في بيوت المؤمنين مثل بيت فاطمة عليها السلام، التي تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الارض عندما تقف في محراب عبادتها. وعندما كانت تربي اطفالها الحسن والحسين عليهما السلام وزينب وأم كلثوم على اسمى معاني الخير والفضيلة، فيغدون انواراً تضيء لأهل الارض. كما انها كانت تقوم بدور جهادي هائل في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته، وتودي دور الدعم لزوجها أمير المؤمنين عليه السلام وهو يمارس اعماله ومهامه في الساحة الاسلامية.
وبالطبع فان المسؤولية ليست مقتصرة على المرأة فحسب، لأن تربية الرجل لها وهي صغيرة، ومعاملته لها كأخت، وموقفه منها كزوجة أو أم، كل ذلك يوثر في التخطيط المستقبلي للمرأة. لان الرحل الذي يتطلع الى التقدم في الوقت الذي يأمر فيه زوجته بالإقامة في البيت للقيام بالأعمال المنزلية لا غير؛ لا يمكنه ان يساهم في اعطاء المرأة دورها الرسالي.
المرأة لا يقتصر دورها على البيت:
والمرأة التبريرية هي التي تشعر بالانهزام امام الحياة، عندما تحصر دورها بين جدران البيت. صحيح ان من مهمة المرأة ادارة بيتها، ولكن لا يعني هذا ان لا تتطلع الى ادوار اخرى في حياتها.
فالمرأة يجب ان تواصل مسيرة العمل الرسالي الخالد، ففاطمة الزهراء عليها السلام كانت تأخذ بيد حسنيها الى بيوت المهاجرين والانصار لتطالبهم بالاستقامة والثبات على طريق الرسالة باتباع امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ونصرته وامرأة اليوم عليها ان لا تتعلل بابنائها، بل عليها ان تذهب معهم الى سوح العمل الرسالي لتزدي رسالتها الخالدة.
وقد استطاعت فاطمة الزهراء عليها السلام ان تبرمج حياتها؛ الأمر الذي مكنها من ممارسة جميع نشاطاتها. فقد كانت تدير بيتها، وفي نفس الوقت كانت تقوم بدورها الجهادي نهارا، والعبادي ليلا.
وعندما انهزمت مجتمعاتنا انهزمت المرأة تبعا لها؛ فالرجل اصابه الانهزام بسبب تنصله من مسؤوليته، والقائها على عاتق العلماء والمثقفين. اما المرأة فإنها انهزمت متذرعة بانها ضعيفة لا تستطيع التحرك لتغيير مجتمعها. ولكن هذه الاعذار غير مقبولة عند الله، سواء كانت من الرجل أو المرأة.
وصايا الى المرأة المسلمة:
وفي هذا المجال اقدم بعض الوصايا للمرأة، علّها ترتفع الى مستوى المسؤولية الخطيرة الملقاة على عاتقها:
1- لابد ان يساهم الرجل في تنظيم حياة المرأة سواء بالتوجية، ام باتخاذ المواقف المناسبة من خلال معرفة دور الطرف الآخر. فالرجل عليه واجبات، وكذلك المرأة. ولكن طبيعة تقسيم الادوار ينبغي ان تكون عادلة، لان ذلك سوف يؤثر في مواقف المرأة ومدى تحركها في الساحة.
2- على المرأة ان تخطط لمستقبلها الستراتيجي للتكيف مع الظروف المختلفة التي تنتاب حياتها، وخصوصا من الناحية الجسدية. فاذا ارادت لنفسها الصحة والسلامة، فإنها تستطيع ذلك عبر برمجة اكلها وشربها وطريقة حياتها والالتزام بالبرامج السليمة لبناء قدرتها البدنية.
واذا اعطت المرأة ناحيتها الصحية حقها، فإنها ستستطيع حينئذ ان تدخل الى سائر المجالات، فتنظم برامجها بدقة للوصول الى اهدافها، وتتجنب المسائل التافهة التي تشغل فكر الانسان فتمنعه من التخطيط للمستقبل والبرمجة للحياة.
3- الجدية في تذليل العقبات، وبالإضافة الى الابتعاد عن الصغائر. فان المرأة بحاجة الى الجدية في تذليل المشاكل، لان البعض قد يخطط للتغلب على المشاكل، إلا انه سرعان ما يراجع فور مواجهته للفشل، فينهزم نفسيا، وييأس من روح الله. في حين ان اليأس ذنب عظيم يرتفع الى درجة الكفر كما يقول تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
وكذلك الحال بالنسبة الى المرأة فان عليها اذا دخلت ساحة العمل ان تبرمج لنفسها، وتكون جدية في تذليل العقبات امام مسيرتها المقدسة، حتى تسير مع الرجل جنبا الى جنب في خدمة الرسالة الالهية، والوقوف في وجه الجاهلية الحديثة حتى دحرها بإذن الله.
_____________________________________
(١) بحار الانوار / ج٧٤/ص٢١٦/ رواية١.
(2) بحار الانوار /ج٥/ص٩/ رواية١٣.