1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : المجتمع و قضاياه : آداب عامة :

الأخلاق وموقعها في المجتمع

المؤلف:  مجتبى اللّاري

المصدر:  المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر

الجزء والصفحة:  ص49 ـ 51

25-7-2022

1734

إن الأخلاق شرط أساسي في حياة المجتمع وتكامل كل أمة. فقد ولدت الأخلاق مع مولد الانسانية ويكون عمرها مع عمر الإنسانية سواء وليس هناك من له أدنى شك في أهميتها ولزومها لسلامة روح الإنسان وراحته وهنائه وسعادته، ولا ينكر أثرها النافع والقاطع في تقوية مباني الرشد الفكري للمجتمع أو في الإصلاحات العامة. فمن ذا يتألم من الصدق والأمانة ويبحث عن السعادة في ظل الخيانة والكذب؟ كفى في موقعية الأخلاق أن كل أمة حتى ولو لم تكن معتقدة بدين، تنظر إلى الأخلاق بنظرة ملؤها التقديس والاحترام، وترى أن من اللازم عليها في طي مراحل الحياة الملتوية أن تتبع سلسلة من أحكام الأخلاق. في طي الحياة الممتدة للبشرية، ومع كل الاختلاف في طرقها المختارة في الحياة، كان للأخلاق أسس ومبان تتشابه صورها في كل مكان وعند جميع الأمم.

يقول العالم الإنجليزي الشهير صموئيل اسمايلز: (إن الأخلاق إحدى القوى المحركة لهذا العالم، وهي في أفضل صورها تجسيد للطبيعة الإنسانية في اعلى اشكالها، فإن الأخلاق صورة عن الإنسانية الحقيقية. إن المتفوقين في أي جهة من جهات الحياة يعملون على ان يجذبوا انتباه الناس إلى أنفسهم مع كل تكريم واحترام، وسوف يثق بهم سائر الناس ويقلدونهم في كمالاتهم، إذ يرون أن كل جميل في هذه الحياة يتعلق بهم، وأنه لو لا وجود أولئك في هذه الحياة لما كانت الحياة لائقة للعيش فيها. إذا كانت الصفات الوراثية (الجينية) الخلقية والصورية تجذب انتباه الناس وتقديرهم لها، فإن الأخلاق توجب تعظيمهم واحترامهم لصاحبها، وتعتبر الخصائص الأولى نتائج (الجينات) الوراثية، والثانية آثار القوى الفكرية والعملية، والفكر- كما يعلم الجميع ـ هو الذي يحكمنا مدى الحياة ويدير شؤوننا. إن مثل الذين بلغوا في حياتهم ذروة الرقي والعظمة كمثل المصابيح العظيمة في دروب حياة البشرية، فإنهم يضيئون العالم بأنفسهم ويهدون الناس إلى مسالك الفضائل والتقى. إنه إذا كان الأفراد في أي مجتمع غير مهذبين في أخلاقهم، فإنهم لا يقدرون على الرقي إلى المعالي مهما توفرت لهم من الحقوق السياسية والحريات أنه ليس من الضروري لأمة تريد العيش مرفوعة الرأس عظيمة أن تكون رقعة أراضيها واسعة، فإنه قد تتسع أمة من حيث العدد ورقعة الأرض ولكنها مع ذلك تكون فاقدة لجميع شرائط التكامل والعظمة. فإنه إذا فسدت الأخلاق في أية أمة فإنهم سوف يعدمون).

إن ما يقوله هذا العالم الانجليزي يتفق على صحته جميع الناس، ولكن الناس يفرقون بين العلم والعمل فواصل كثيرة، فإنهم يجعلون ميولهم الحيوانية - في مقام العمل - بدلاً عن الأخلاق العالية، فهم يفتشون دائماً عن الشهوات المغرية التي تظهر على مسرح الحياة كما تتجلى الفقاعات على سطح المياه براقة لماعة وخلابة.

إن الإنسان خرج من مصنع الحياة مستصحباً معه غرائز في ذاته متضادة تماماً، فهو في ذاته معترك الصراع الدامي بين صفات الخير والشر وأن الخطوة الأولى في تصفية الوجود الإنساني وتنزهه من صفات الشر هي أن يأسر في ساحة هذه المعركة قوى الغضب والشهوة، فإنهما منبع لسائر القوى الحيوانية، أنه يجب على من يريد التكامل أن يحترز من الافراط فيهما، وأن يبدل ميوله الضارة الناشئة منهما إلى أحاسيس نافعة وجميلة. فإن الإنسان ينتفع كثيراً بعواطفه في حياته، ولكن إنما تظهر العواطف خيرة إذا كانت مطيعة لأوامر العقل في الإنسان. يقول أحد علماء النفس: (إن العواطف الإنسانية كمخزن ذي قسمين فقسم منها ضاغطة والآخر مقاومة، فلو استطاع الانسان أن ينصر المقاومة على العواطف الضاغطة، فإنه سوف يحكم وجوده كما يريد هو لا كما تريد هي).

إن الذين وازنوا بين قواهم الباطنية ووافقوا بين مشتهياتهم وما تحكم به أحلامهم وصالحوا بين قلوبهم وعقولهم، لا شك أنهم سلكوا سبيل السعادة بين مشاكل الحياة بإرادة بعيدة عن الضعف والوهن والفشل. صحيح أن الإمكانيات تحولت اليوم إلى حالة هي في الفعالية والنشاط والحيوية والحركة والسرعة كالطاقة الكهربائية، وأن البشر اليوم قد بلغ بقدرته - بفضل قواه الفكرية - إلى اعماق البحار والمحيطات، ولكن ما نراه مستمراً في قلب هذه الحضارة والمدنية من الشقاء والثورة - حتى جعل أهلها بين أمواج من المشاكل والمصائب وألعوبة بيد الضياع واللامبالاة - لا سبب له سوى الانحراف عن مسير الفضائل الأخلاقية والروحية. يقول الدكتور زول رومان: (لقد تقدمت العلوم في هذا العهد ولكن توقفت الأخلاق والإحساسات الغريزية فى مراحلها البدائية، فلو كانت هي أيضاً تتقدم بدورها مع العقل والفكر جنباً إلى جنب لأمكننا أن نقول بتقدم الإنسان في إنسانيته ايضاً).

نعم إن عاقبة المدنية التي لم تفسح المجال لأحكام مكارم الأخلاق بل شطبت عليها، لا تكون - بحكم قانون التوازن والتعادل - سوى الفناء والدمار. إن بقاء الشقاء والنقص في المجتمعات اليوم مظهر لإحساس الناس بالحاجة إلى القواعد الخلقية، وهي قادرة على أن تنفخ - إن أتيح لها - الروح والحياة في جسم هذه المدنية الميتة، وتهب لها القرى الحيوية. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي