x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

كيف نربّي الجيل الناشئ؟

المؤلف:  السيد محمد تقي المدرسي

المصدر:  المرأة بين مهام الحياة ومسؤوليات الرسالة

الجزء والصفحة:  ص78ــ86

22-7-2022

1324

لقد تراكمت كتل من المسؤوليات على عاتق الانسان؛ لو قصّر في أداء واحدة منها لحوسب حساباً عسيراً. ولولا ان الله سبحانه وتعالى قد سبقت رحمته غضبه، لكان ابن آدم يؤخذ على الصغيرة من الخطايا فور تلبسه بها، غير ان الخالق الرحيم قد أجل الحساب والعقاب الى يوم معلوم، وهو يوم البعث والنشور يوم القيامة، يوم من الحتم على الانسان أن يوليه كل تفكيره وجهده للوصول اليه بسلام وأمن...

فأين نحن من تلكم المسؤوليات الملقاة على عواتقنا، وكنا قد تحملناها برضاً وطيب خاطر كاملين في عالم سابق لعالمنا الذي نعيشه الآن، وهو عالم الذر، حيث أبت فيه السماوات والارض والجبال تحمل المسؤولية وأمانة قيادة الكون.

ومن المسؤوليات المهمة الملقاة على عاتقنا هي مسؤولية تنشئة الجيل الجديد والحفاظ عليه من الانحراف والضلال، مسؤولية الآباء والامهات عن اولادهم، مسؤولية كل جيل عن الجيل الذي يليه على مختلف الاتجاهات والاحتمالات.

مهام تربوية:

وهناك في واقع الأمر جملة اقتراحات وتوصيات، لعلها تقع موقع الفائدة في هذا الإطار، منها:

١- ان على كل أب أن يبذل في سبيل تربية وتهذيب اولاده من الطاقة والجهد ما يبذله في إطار توفير لقمة العيش لهم بمعنى أن الأب كما يصمم ويعمل منذ الصباح وحتى المساء ليصرف ما يكسبه من مال على صحة الاولاد، عليه ان يصمم ويعمل ويهتم بتنشئة روحهم وتزكية أنفسهم وزرع القيم المثلى في قلوبهم، وحملهم على حب الدين، والايمان به إيماناً صادقا، إيماناً مقروناً بالعلم والاستدلال، غير نابع من التقليد الاعمى الذي سرعان ما يتبخر ويتلاشى عند أبسط امتحان وصعوبة.

والمطلوب في هذا المجال أن يسعى الوالدان الى توزيع الاهتمام بالأطفال، توزيعاً يتصف بالاتزان. فإذا كان الاب – مثلاً - يعمل لمدة ثمان ساعات خارج البيت، فانه سيتبقى لديه ثمان ساعات اخرى من الضروري ان يقسمها على الاهتمام بشؤون الاولاد الروحية والمعنوية.

والمال المكتسب، هو الآخر ينبغي توزيعه على الاهتمام بأجسام وعواطف وروحيات الاولاد.

وليس الآباء لوحدهم مسؤولون عن أطفالهم، بل العلماء والمتخصصون وولاة الأمر في بلادنا الاسلامية هم أيضاً مسؤولون عن نشأة الجيل الجديد، من حيث بناء المدارس النموذجية، والحسينيات الفعالة، والمتنزهات البعيدة عن المفاسد والانحلال، وإقامة الدورات التثقيفية المستمرة والمتماشية مع اصول التربية الدينية والعلمية..

أما أن يحجم عقلاء القوم عن مثل هذه الامور، أو عن الابداع في إيجادها والترغيب في حضورها، أو ان يمتنع الآباء عن تقديم الرفد المادي لإقامة هذه المؤسسات، فانه من الطبيعي أن يحاسبوا أمام الله عز وجل حساباً عسيراً؛ فضلاً عن أن تحدث الهوة العميقة بين الجيل والجيل الآخر، أو أن يكون - الجيل القديم - مصباً للعنات الجيل الجديد.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ويل لأبناء آخر الزمان من آبائهم". فقيل: يا رسول الله؛ من آبائهم المسلمين أم الكفار؟ فقال: "لا؛ من آبائهم المسلمين."

فالآباء قد يكونون مسلمين ظاهراً، ولكن أعمالهم وموقفهم من أبنائهم قد يطابق عمل ورغبة الكفار حقيقة. بمعنى ان الاباء حينما يمتنعون بصورة أو بأخرى عن الاهتمام العقلي والنفسي والروحي بأبنائهم، يكونون قد سهلوا على الكافرين مهمة نشر الرذيلة والانحطاط في سلوكيات ومعتقدات الجيل الجديد. بل انهم حينما يقتصرون على الاهتمام المادي بأبنائهم، فهم لا ينشئون إلا أبداناً مستعدة للانحراف والتيه ومحاربة الصحيح ونصرة الخطأ..

الغاء الفواصل بين الوالدين والاولاد:

٢- على الآباء أن يردموا الهوّة ويزيحوا الفواصل بينهم وبين أطفالهم، وأن لا يتركوهم يشعرون بأنهم يجابهون الحياة بمفردهم، وذلك ضمن برنامج علمي وعملي متدرج التطبيق. ومن ذلك أن الاب مدعو الى النزول الى مستوى أطفاله في إطار اللعب، وقد جاء في الحديث الشريف: من كان له صبي فليتصابى. وتوكد الأحاديث الشريفة الاخرى، ونظريات التربية الحديثة؛ أن اللعب والهزل والتنزه إذا كان أمراً بسيطاً بالنسبة الى الكبار، فهو على درجة مهمة من الجدية بالنسبة للأطفال، من حيث شعروا بذلك أم لم يشعروا.

إن الطفل بحاجة الى الضحك واللعب وعدم الجدية في سلوكه، بنفس المقدار من حاجته الى الأكل والشرب.

قد يوجه البعض من الآباء والأمهات الاهانة والتوبيخ لطفل من أطفالهم إذا ما ضحك او تبسم في مجلس من مجالس الكبار، ويمنع الاطفال من دخول المساجد أو الحسينيات في بعض الأماكن والمناسبات بداعي الحفاظ على جدية هذه المجالس وهذه المناسبات.. ولكن الكبار يغفلون أو يتغافلون عن أن الطفل إذا لم يتضاحك في صغره ستتكرس في نفسيته عقد الكآبة والاعتزال والخوف، وأنه إذا منع من دخول اماكن الشعائر الدينية والثقافية، فإنه سيضطر - أو يجد نفسه مجبراً - على التيه وحضور مجالس اللهو والانحراف..

إن التصابي للطفل يعني البحث من قبل الآباء عن لغة مشركة بين الكبير والصغير، بين الجيلين القديم والجديد، وأن تجد النصائح الموجهة وعاء مستعداً لتقبلها.

استغلال فرصة العطلات:

٣- لَمّا كان فصل الصيف فصلاً للعطلات والسفرات، فإن من الجدير بالآباء والامهات أن يبرمجوا هذه العطلات والسفرات لأولادهم. فإذا كانوا يزمعون الاصطياف في المرابع الجميلة، فما عليهم إلا أن يقرنوها بزيارة المساجد أو أضرحة الاولياء في تلكم المناطق –مثلا - أو على الاقل القيام بزيارة المستشفيات وعيادة المرضى فيها، من اجل تنمية روح الشكر لله سبحانه وتعالى من قبل الأطفال على ما أنعم عليهم من نعم وفيرة.

ولعل من الأفضل للآباء اختيار قصد الأماكن والبقاع ذات البعد الديني والمذهبي لزيارتها، والتزود الروحي منها وتعميق رابطة وحب الأطفال لأهل البيت عليهم السلام، وهي الفرصة التي لا ينبغي الاقتصار فيها على العطلة السنوية فحسب، بل ان بالإمكان استغلال عطلة الاسبوع لذلك أيضاً .

الغذاء الروحي:

٤- الاهتمام بالغذاء الروحي والعقلي لدى الأطفال من خلال اختيار الكتب والأشرطة والافلام لهم، وتوجيههم نحو الاستئناس بها. فالأب كما يهتم بتثقيف نفسه، أو قصد المكتبات لاختيار كتبه، فعليه أيضاً اختيار الكتاب والثقافة المناسبة لأولاده، وعدم البخل بالمال في هذا الاطار ابداً...

الوالد والوالدة بإمكانهما تحويل البيت الى مستقر ومركز روحي وثقافي، وذلك عبر الالتزام بالسنن والارشادات الدينية، من قبيل اتخاذ مصلى خاص في البيت تقام فيه الصلاة وتتلى فيه آيات الله المباركة، أو إقامة مكتبة خاصة فيه، ليعيش الطفل المسلم منذ نعومة أظفاره اجواء العبادة والثقافة، ويحس إحساساً مباشراً بأهمية هذين العاملين وفائدتهما بالنسبة لمستقبله.

حفظ النصوص الدينية:

٥- وتوصية اخرى هامة جداً، وهي تشجيع الاولاد على الحفظ، ولا سيما حفظ آيات القرآن الكريم، والأدعية وأحاديث الائمة المعصومين عليهم السلام كنهج البلاغة مثلا فالأطفال حينما يحفظون سورة من السور أو قطعة من الأدعية او خطبة من خطب نهج البلاغة.. فهم يتفاعلون مع ما يحفظونه تفاعلاً فطرياً بريئا، وترتكز جميع الافكار التي تحويها النصوص الاسلامية في عقله الباطن، لتنطبع في سلوكه فيما بعد، ولتكون فيما تكون الملكة النفسية اللازمة التي تحول دون الوقوع في الذنوب والخطايا...

ويلزم القول هنا ان النصوص الدينية - كالقرآن الكريم - ليست حكراً على الكبار دون الصغار، فالقرآن كاب الله الذي أنزل الى جميع الناس بتفاوت طبائعهم ومواقعهم، ومن الممكن أن يستفيد منه الناس كافة. وهذه الطبيعة القرآنية ذاتها إنما هي وجه إعجازي واحد من وجوه الاعجاز القرآني بصورة عامة. كذلك الحال بالنسبة الى الادعية، حيث يدعو الطفل وقد يدعو بما يحفظه من نصوص وبقلب وسريرة طاهرتين، حتى إنك لتجد الواحد من أئمة اهل البيت عليهم السلام كثيراً ما كان يطلب حضور الاطفال بين يديه ليدعو هو ثم يؤمن الاطفال على دعائه، رغم ما نعلم من وجاهة ومنزلة أهل البيت عليهم السلام المتعالية عند الله جل وعلا، كأصل من أصول التربية الفذّة التي كان الائمة يعتمدونها في سرتهم الشريفة.

العبرة بقصص الانبياء:

وقد سلط القرآن الكريم الاضواء على كثير من اساليب التربية الرسالية ومناهجها القومية؛ ومنها ما ذكره في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:4، 5، 6].

النبي يوسف الصديق عليه السلام كان طفلاً صغيراً وكانت تقلبات الحياة تنتظره على فارغ الصبر، ليثبت من خلالها مصداقيته كنبي وملك عظيم؛ سيحكم فيما بعد حضارة من اكبر الحضارات.

وبعد أن قص الصديق يوسف على ابيه النبي يعقوب رؤياه، تعامل الاب مع ولده تعاملاً مزج فيه الايمان والمنطق والعاطفة بشكل قل نظيره.

لقد حذّره كيد إخوته، واحتمال تأثرهم بالشيطان؛ العدو الاكبر للانسان. ثم بين له تفسير حلمه، حيث أنار له الطريق، واكد له اصطفاء واجتباء ربه له من بين الناس كافة. وبكلمة اخرى؛ فقد حفز يعقوب عليه السلام ابنه اليافع على الاستعداد لتلقي النبوة والسلطة في آن واحد.

ثم نجد النبي يعقوب عليه السلام قد رجع بولده الى ربط الحاضر بالماضي، حيث وضح له أن النبوة تجربة عظيمة قد يخوضها بعض أبناء آدم ممن أنعم الله عليهم، كما أشار الى قضية اخرى في هذا الاطار الروحاني، وهي امتداد سلالة النبوة فيه كما بدأت بأبويه من قبل إبراهيم واسحاق عليهما السلام؛ بمعنى أن يعقوب النبي كان يحرض ابنه على الاعتقاد بانه ليس كسائر الابناء، إنما هو يمثل حلقة وصل بين الأنبياء العظام.

وثمة تجربة قرآنية اخرى، حيث نتعلم عبرها طريقة من طرق التربية السليمة، إذ تقول الآية الكريمة: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] أي ان الانسان المتصفح للتأريخ مدعو الى اخذ التجارب والعلامات التي تهديه الى سواء السبيل، واستيعاب هذه الدعوة من الضروري جداً نقلها الى ذهنية الاطفال لدى تربيتهم وتعليمهم

إذن، فالتخطيط والبرمجة الجديدة قضية هامة للغاية في إطار التربية والتعليم، لا سيما حينما يتسع الوقت وتسنح الفرص في أيام العطل – مثلاً - لتكريس هذه الحقيقة وتطبيقها تطبيقاً شمولياً، ليكون الجيل المسلم الجديد، جيلا جديراً بجمل رسالة الاسلام العملي، وليس النظري فقط.

وقبل هذا وذاك، يتوجب على الآباء والامهات أن يدعوا الله كثيراً ليوفقهم الى استلهام الروح الدينية الحقة ونقلها بالطرق الواعية الصحيحية الى أولادهم، إذ المهمة عسيرة للغاية.

وإذا ما استطاع أولياء الأمور أن يربوا جيلهم وفق أسس التربية الصالحة، فذلك ما يعود عليهم بالنفع المادي والمعنوي في الدنيا والآخرة.