الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
كسب العواطف الإيجابية
المؤلف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
المصدر: الحياة في ظل الأخلاق
الجزء والصفحة: ص148ــ152
13-7-2022
1949
ينبغي السعي دائماً لتجنب تضاد العقل والعواطف عند طرح المسائل، والسعي أيضاً إلى عدم إهمال العواطف بل توجيهها باتجاه العقل لكي تزيده قوة - كما تزداد جاذبية القمر في حالات المد والجزر عندما تصير بنفس اتجاه جاذبية الشمس - ولبلوغ هذا الهدف وكسب العواطف ينبغي مراعاة الأمور التالية..
1- اسم الفرد أحلى كلمة وألطف النغمات لديه، فينبغي الاستعانة بذكر كنيته لكسب عواطفه، مع تكنيته بأحب الكنى وأغلاها لديه، وقد حثت الروايات على تكنية الفرد في حضوره، وقد نقل عن أخلاق الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان ينادي كل فرد بكنيته ويختار كنية مناسبة لمن ليست له كنية.
2- يجب فسح المجال للآخرين لتكملة كلامهم، والإنصات إليهم، مما يدل قبل كل شيء على بحث الشخص عن الحقيقة، إضافة إلى إخلاصه واحترامه وتقديره لأفكار الطرف المقابل، ولكل من هذه النقاط حصة فعالة في كسب عواطفه الإيجابية.
وعلاوة على جميع ذلك فمن الطبيعي أن يحبذ الفرد جميع قواه لبيان عقيدته واستدلالاته الخاصة، ويفكر بجدية لتوضيح ما يختزنه عقله، ومن المؤكد في هذه الحالة أن يكون فاقد الاستعداد لتقبل كلام الآخرين، وذكر الاستدلالات قبل أن يفرغ تماماً من كلامه بمثابة نثر البذور في أرض مليئة بالأشواك والأدغال.
وقد يحدث أن تكون للبعض عقد نفسية تحل بذكرهم مسائلهم ليتحولوا إلى أفراد طبيعيين مستعدين لتقبل كلمة الحق، وقد جاء في سيرة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام أنهم كانوا يفسحون لخصومهم المجال الكامل للكلام.
3- إظهار الشوق لما يميل إليه الطرف المقابل - وللتحدث بذلك أثر بليغ في كسب عواطف الأفراد - وقد جاء في سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يختلي ببعض أصحابه ويسألهم عن أمورهم العائلية وعن زوجاتهم وأولادهم وما يحبونه.
4- يجب ذكر محاسن الطرف المقابل الكلامية وذكرها بما تستحقه من الأهمية لكي يستعد روحياً لتقبل نقاط ضعفه وأخطائه.
5- الشفقة العملية بمعناها الواقعي هي من أهم عوامل كسب عواطف الآخرين وإعداد أرضيتهم الفكرية لتقبل المسائل المبدئية، فلو لمسوا شفقة عملية من المتكلم لأمكن أن يتقبلوا كلامه حتى لو كانوا غير مقتنعين باستدلالاته بصورة كاملة، ويخطئوا فكرهم ويقنعوا أنفسهم بصحة آرائه وأن صلاحهم في ما يقترحه.
فالسر في تقبل الناس العجيب لكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو كونهم قد وجدوا فيه المشفق الحقيقي عليهم لدرجة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتألم لعدم إيمان البعض بما نزل من الحق، بحيث كانت علائمه تظهر على ملامحه الشريفة: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].
ونجد أيضاً أن من سيرته صلى الله عليه وآله وسلم: «ما كان يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته».
6- يجب أن يكون أسلوب التذكير بالأخطاء بشكل حتى لو لم يكسب عواطف الطرف المقابل لصالح المتكلم فإنه في الأقل لا يجرحها، ولهذا ينبغي تذكير الآخرين بأخطائهم بصورة غير مباشرة قدر المستطاع.
وتعتبر قصة تعليم الإمامين الحسن والحسين عليهم السلام الوضوء لشيخ كبير، كان لا يجيد الوضوء، من أشهر وألطف النماذج في الأسلوب غير المباشر.
ويمكن لعبارات مثل : «ألا تعتقدون أن الحالة الكذائية أفضل»؟ و«أليس الأفضل أن نعمل كذا...»؟ و«إنني أؤدي عملي بهذه الصورة أحياناً..» وما شاكلها، الأثر في تذكير الطرف المقابل بأخطائه بصورة غير مباشرة ، وتثمر نتائج ممتازة.
7- يجب عدم إثارة غريزة اللجاجة في فرد معين دون مبرر، ولو كان مصراً على موضوع معين خارج عن أصل الحديث، أو منتقداً له، فبدلاً من أن نخالفه في نقده أو مدحه، ندافع عنه بصورة صحيحة ومتناغمة، مما يؤدي إلى تجريده الكامل من السلاح ودفعه إلى التفكر بصورة أعمق.
فمثلاً لو أردنا أن ندعو أحداً إلى الإسلام، ونجد أن له أفكاراً سلبية عن المسلمين ووضعهم. وأنه مصر على التمسك برأيه أيضاً ، فيجب أن لا ندافع عن المسلمين بإلحاح، بل نتناغم معه أيضاً في ذكر جزء من الانتقادات المبدئية البناءة (بلا إفراط طبعا)، ثم ندخل معه في صلب الموضوع، فمن المؤكد أن نصل إلى النتيجة المطلوبة بصورة أسرع.
* الإيمان بما نقول:
العبارة المعروفة «الكلام الذي يخرج من القلب يدخل في القلب» تبين - في الحقيقة - حالة نفسية دقيقة ولطيفة، يمكن الاستفادة منها للنفوذ في قلوب الآخرين؛ إذ كلنا نعلم بأن اللسان والكلام هما ترجمان الفكر والمعتقد، وأن تقييم المقالات يتم بمقياس إيمان المتكلم بها، لأن الإيمان العميق لفرد بمسألة معينة، ينبثق من تأصيل تلك المسألة في فكره وقوة استدلاله التي انتهت إلى ذلك.
وعليه فلا عجب في كون نسبة إيمان السامع بحديث معين ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمقدار إيمان المتكلم بها، فقد يمكن أن يطرح أحد مسألة منطقية ومقبولة ولكن يظهر من نبرة قوله أنه ليس له إيمان - يذكر - بما يقوله، فمن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى تشكيك السامع في هذه المسألة المقبولة ظاهرياً ، وبالعكس ما لو كان الموضوع غير معقول نسبياً في الظاهر، لكنه صدر عن واحد من ذوي الألباب، ودلت القرائن على إيمانه الراسخ والقاطع بما يقوله، فسوق يؤدي إلى تحريك غريزة التحسس والتدقيق لدى الأفراد ويجعلهم يتفاءلون بحديثه.
ومما يجدر الالتفات إليه أن عدم الإيمان بموضوع معين ليس ما يتمكن المتكلم أن يغطيه تماماً بعباراته الزائفة، خاصة وإن الكلام - خلاف الكثير من الممارسات - مليء بمسائل دقيقة تتجلى حقيقة مشاعر وأفكار المتكلم من خلالها، شاء أم أبى.
وإذا ما رأينا أن عمل المتكلم بكلامه يُعد واحداً من العوامل المهمة في الكلام المؤثر، فإن سبب ذلك خصوصية العمل في تجرمة الذات؛ لأن القول قد لا يدلل على الاعتقاد لكن عمل الفرد غالباً ما يدلل على عقيدته.
- أثر التقوى:
ومقولة «لا تنظر إلى من قال، بل أنظر إلى ما قال» لا يتمكن أحد أن يطبقها بصورة كاملة؛ لأن الكل يعتقدون بأن الحديث يفصح عن ذات المتكلم، والكلام من ناحية الأسباب المادية ينتج عن تغيير شكل الطاقات الكامنة في الإنسان، فتتحول الطاقة الكيميائية الموجودة في الأوتار الصوتية إلى طاقة ميكانيكية والأخيرة إلى طاقة صوتية.
وأما من ناحية محتواه وتركيبه المعنوي فإنه نابع عن الأفكار والتربية والمحيط والمعلومات والصفات والحالات المعنوية.
ولذلك فإن كل كلام يتلوّن بصبغة المتكلم وصفاته، الروحية والمعنوية، الحسنة أو الرديئة، ومن المؤكد أن جميع بوابات الروح الإنسانية تنفتح أمام كلام يصدر من تقي، يتقبل الإنسان أفكاره بجميع وجوده، وتنغلق أمام كلام يصدر من شرير فاسد، ويصطدم بردود فعل سلبية لاإرادية من السامع.