الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
المرأة في مجتمع الرسالة
المؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
المصدر: المرأة بين مهام الحياة ومسؤوليات الرسالة
الجزء والصفحة: ص24ــ31
6-7-2022
2505
من ابرز ما يتميز به الدين الاسلامي؛ منه شمولية المبادئ لجميع الحقول، وعلى كافة الاصعدة والمستويات، وفي شتى المراحل المتواصلة للحياة البشرية.
وتتجلى لنا هذه الحقيقة في القرآن الكريم، حيث نجده يخاطب عقل النبي الاعظم صلى الله عليه وآله بصفته العقل الأوسع والأكبر، كما انه يخاطب في الوقت ذاته عقل الطفل الذي لا يكاد يميز بين الكثير من الامور. فالنبي صلى الله عليه وآله ينتفع من القرآن، ويستشف منه اعظم المعاني وابلغ العبر، وكذلك الطفل يستفيد من هذا الكتاب العظيم حسب قدراته الذهنية ومداركه.
وعلى هذا فان الآيات القرآنية هي كالسحب التي يسقي الله تعالى بها الارض؛ فهي مرتفعة سامية تهطل على الوديان والهضاب والسهول، كما تروي قمم الجبال وسفوحها. وكلام الخالق جل وعلا مرتفع ايضا، وعندما يفيض نوره، وينبعث هداه يشمل ويحيط بالجميع.
وهذه الحقيقة تمثل تجلي طبيعة الاسلام؛ فهي تعاليم وواجبات على الجميع؛ وتربية وقيم لكل الناس، ابتداء من الطفل الصغير الحديث الولادة، وانتهاء بالشيخ الكبير الواقف على اعتاب الموت، كما انها تشمل المرأة والرجل بلا استثناء.
فحينما يأمرنا الاسلام بطلب العلم، ويحثنا على السعي فيه، لم يحصر هذا الأمر بالرجل دون المرأة، بل هو طلب شمولي لكل جنس الانسان. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)(1).
وكذلك حينما يدعوا الاسلام الى فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يفرق بين الرجل والمرأة في تحمل مسؤولياتهم في هذا المجال. وقد قال ربنا عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71].
ان هذا الاسلوب الشمولي لا يؤدي الى تقوية العمل السياسي فحسب، وانما يعمل على تمتين أواصر الحياة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال فعندما يريد رجل سياسي - في ظل المذاهب الوضعية - ان يهاجر لأجل ان يتمتع بحرية سياسية اكبر، وتطرح امامه احتمالات الاعتقال
والسجن والاغتيال، فإننا نراه لا يستطيع اقناع زوجته وعائلته. لانهم سيقولون ان أمر العالم لا يعنينا، بل تعنينا انفسنا فحسب. وبهذا الاسلوب يخاطبه اهله، ولذلك فانه يلاقي صعوبة في تحركه من بيته، وانطلاقه للعمل لوجود الاغلال الاجتماعية التي تمنعه من ذلك.
هذا في حين ان الانسان المؤمن على العكس من ذلك تماما. فهو عندما ينطلق فان زوجته واهله واقاربه هم الذين يشجعونه، ويدفعونه الى العمل والتحرك والتضحية في سبيل الرسالة الاسلامية.
وهكذا فان لغة القرآن هي تلك اللغة التي تنسجم مع طبيعة جميع افراد البشرية، ولذلك نرى المسلمين حقا يشجعون ابناءهم على الانطلاق والتحرك؛ الأمر الذي يجعل الابن لا يشعر وهو في المعتقل بوخز الضمير، والندم لعلمه؛ ان اهله يقدرون موقفه، ويذكرونه بالدعاء له دوماً.
اما الرساليون الذين يعيشون في بلدان المهجر فان اهاليهم لا يشعرون بحرج – بدورهم - لعلمهم ان ابناءهم قد ذهبوا لأداء مهام رسالية. وانهم بذلك يدفعون ثمن الجنة، لأنهم يتحملون مسؤولياتهم الرسالية. اما الزوجة او الأم فإنها تتحمل مسؤولياتها عبر تربية الاولاد، والقيام بمهام البيت.
ان الروح الرسالية لبعض النساء كان لها الأثر الكبير، في الدور الذي أداه الائمة عليهم السلام على مدى التاريخ. فعلى سبيل المثال فان الامام موسى بن جعفر عليه السلام - شأنه في ذلك شأن سائر العترة الطاهرة - شب على اجواء التحرك في سبيل الله عز وجل، على الرغم من كونه اكثر الأئمة عيالا، وبالرغم من تكالب المشاكل السياسية عليه، وبالرغم -وهو الأهم - من ان كبريات المصائب والبلايا قد توالت عليه الا وهي مصيبة السجن؛ فلقد انصرم عمره الشريف متنقلاً بين معتقلات وسجون العباسيين غير شاك ولا متذمر. فلقد رضي بالسجن محراباً للعبادة، والتقرب الى الله تعالى.
وفي غمرة هذه المراحل الحرجة المتأزمة التي مر بها هذا الامام الصابر، لم نسمع يوما ان زوجة من زوجاته قد اعترضت مسيرته الجهادية هذه، بل ان كلا من زوجاته وبناته واولاده واقاربه كانوا ملتزمين بخطه، وسائرين على هداه. وهذا ما توكده لنا احاديثه عليه السلام وأدعيته التي لم يذكر فيها قط ولم يشر الى تململ من ضغط عائلي، أو تضجر مما قد يعانيه اهله من مرارات الفراق بعده.
والسبب في ذلك ان التربية الاسلامية علمت المرأة كيف تقوم وتنهض بأعباء المسؤولية كاملة، دون اظهار أية بوادر للجزع، وامارات للضعف.
وهكذا الحال بالنسبة الى الامام الحسين عليه السلام، فقد كان هو واهل بيته يمثلون قمة الفضائل والمكارم. وقد تجلت هذه الصفات الاخلاقية السامية بشكل جلي إبان ملحمة عاشوراء.
وموقف بطلة الطف السيدة زينب عليها السلام في ليلة الحادي عشر، وهي تشير الى جثمان اخيها الشهيد قائلة: ربنا تقبل هذا القربان من آل محمد صلى ا لله عليه وآله؛ هذا الموقف هو اوضح دليل على ذوبان اهل البيت في العقيدة الاسلامية. والادوار التي ملأت بها هذه المرأة الشجاعة اطار ملحمة كربلاء، هي اكثر من ان تحصى او توصف بكلام.
وهكذا الحال بالنسبة الى جميع نساء اهل البيت عليهم السلام في كربلاء، فقد كن القلعة المنيعة للثلة المؤمنة التي نزلت الساحة الدموية المحتدمة لا تلوي على شيء، لعلمها ان هناك وراءها زوجات وامهات واخوات، بل وحض اطفالا هم في مستوى التحدي، بل وارفع واسمى منه، لا يرتضون لهم العودة إلا بالشهادة. فكانوا يتواثبون بقلوب مؤمنة، ويهرعون الى القتال بشوق، وهم موقنون انهم قد خلفوا وراءهم اهلا لا يتململون من آلام الأسر، ولا تحرفهم مرارة الآلام عن جادة الحق والصواب.
نعم؛ فهذه هي حالة الشمولية في الاسلام، والتي تعني قيام كل انسان مسلم بدوره الاولي في الدفاع عن حريم الرسالة ونصرة المجاهدين. الأمر الذي يجعل كل فرد من افراد المجتمع الاسلامي بأنه يندفع وينطلق من نفس المبدأ، الذي ينطلق منه الرساليون، ويجعل ذات الفكر والقيم والتوجهات الاسلامية التي يحملونها والتي تحدو بأي شاب مسلم ان يتحرك من بلد الى آخر، حتى وان تعرض للصعوبات والمشاكل.. وهذه التوجهات والقيم والمبادئ والاوامر الالهية هي التي تنفخ روح النهضة في زوجته أو أمه أو أخته، وتحرضها على الصمود في وجه المشاكل، وتدفعها الى القيام بأدوار اساسية في العمل في سبيل الله تبارك وتعالى.
واليوم علينا ان نعرف ان العدو استطاع ان يكتشف هذه الميزة المهمة للرساليين. فالاستعمار يستخدم وبصورة مجزأة قوة الجماهير ومن مختلف القطاعات في سبيل دعم قوته الشيطانية، ومن ضمن هذه القطاعات القطاع النسوي.
ومن هذا المنطلق فقد عمدت الانظمة والحكومات العميلة المعادية للصحوة الاسلامية الى تعبئة الطاقات النسوية، وصب هذه الطاقات في مجالات لا تخدم بأي حال من الاحوال الرسالة الاسلامية. فقاموا بتأسيس الاتحادات النسوية التي هي في الحقيقة بؤرة موبوءة بأنواع المفاسد الاجتماعية، وتضم بين طياتها مجموعة من النساء اللواتي ليس لهن أية علاقة بالقضايا الالهية.
وبعد تركيز العمل، وتعبئة الطاقات دخل قسم كبير من النساء المسلمات في هذه الاتحادات طوعا وكرها. وقد راحت بعضهن يدافعن عن الانظمة الجاهلية، ويسندن الباطل..
والسبب في ذلك ان الجاهليين المجردين من الافكار الالهية الاصيلة، اخذوا بزمام المبادرة وعملوا على تثبيت مواقفهم.. اما الاسلاميون فقد تراجعوا وتلكأوا وتقاعسوا، وحاولوا ان يقنعوا المرأة بأن البيت هو افضل مكان لها، ورضت هي بدورها بقرار لم يكن لها اي يد في اصداره.
ونتيجة لتلك الجهود التي بذلتها الحكومات والانظمة المعادية للإسلام، والمتمثلة في إلهاء المرأة، واقحامها في مجالات غير تلك التي عينها لها الله سبحانه وتعالى. فقد اشغلت عن ادارة شؤون البيت، والقيام بمسؤوليتها المتمثلة في دعم مسيرة الرجل الرسالية، لتنهمك في الأمور التافهة من قبيل الجري وراء الكماليات، والحياة المرفهة. وهي في هذا المجال لا يهمها من اين يحصل الزوج على الأموال التي تؤمن تلك الاحتياجات الكاذبة.
ومن المؤسف ان نرى هذه الظاهرة منتشرة عند بعض الاخوة الرساليين. فقد كان الواحد منهم يفكر في كيفية القيام بالمشاريع الجهادية، اما الآن فانه اصبح يفكر في كيفية الخروج مع زوجته للتنزه والترفيه، أو أن يفكر في كيفية تلبية رغبات زوجته وتهيئة وسائل الرفاه والرخاء لها!
ان على المرأة التي تمارس على زوجها شتى انواع الضغوط، ان تفكر بان له طاقة محدودة لا يمكن ان تدوم من اجل تحقيق طلباتها الخيالية؛ وعليها ان تدرك ايضاً انه لا يستطيع ان يوفق بين مهامه الرسالية، ومشاغل البيت بشكل كامل. فالحياة تكتنفها الصعوبات، وخصوصاً بالنسبة الى المجاهدين والمهاجرين الذين يريدون ان يطوروا المسيرة الجهادية، ويعطوا من انفسهم الكثير.
ومن هنا اذا ما أرادت المرأة ان تقدم العون لزوجها العامل في سبيل الله، فعليها ان تتبع اسلوب التقشف والاقتصاد في حياتها، لكي تسهم بذلك في تخفيف الضغط المعاشي على زوجها.
فالمرأة انما تعتبر زاهدة اذا عرفت كيف تدير البيت، وتدبر امور المعيشة، دون ان تجعل الرجل محتاجا الى القيام بأعباء هذه الامور لوحده اما اذا فعلت العكس، فلن تكون – عندئذ - تلك المرأة الزاهدة المتقية.
ولا يغيب عنا؛ ان وجود النساء الميّالات الى البذخ والترف لا يدعن رجال الأمة ان يساهموا في بناء كيانهم الرسالي، ويسلبن منهم تطلعاتهم في الاعمار..
وعلى هذا يجب تكثيف الجهود والتوجهات حيال القطاع النسوي من المجتمع؛ سواء كان متمثلاً بالأم أو الزوجة او الأخت او البنت.. وذلك من خلال تزويد هذا القطاع بالتربية الاسلامية، وتركيز الأفكار والرؤى الرسالية في.. كل ذلك لأجل أن يتمتع النصف الثاني من المجتمع بالوعي والنباهة، وبذلك لا يفقد دوره في مسيرة نهوض الأمة وتقدمها.
_____________________________
(١) بحار الانوار /ج١ /١٧٧/ رواية٥٤.