الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
المجتمع السليم في ضوء الأخلاق
المؤلف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
المصدر: الحياة في ظل الأخلاق
الجزء والصفحة: ص91ــ95
28-6-2022
2211
* بالتخلي عن الأخلاق ينهار أساس المجتمع السليم :
كما نعلم فإن الإنسان اجتماعي بالطبع، ولا ريب في كون المجتمع من أهم عوامل تطور وتقدم أو تخلف وانحطاط البشرية.
ويعتقد الباحثون الاجتماعيون بأن الإنسان بانسلاخه عن المجتمع سوف يخسر كل شيء (العلوم والتكامل الروحي، والعواطف وحتى طريقة التكلم وما شاكل ذلك).
والشاهد على هذا القول هو حالة الأطفال الذين ترعرعوا مع الحيوانات الوحشية، لأسباب معينة، في بيئة غير إنسانية كالغابات. وقد نقل التاريخ نماذج من حالات هؤلاء الأطفال...، فهم ليسوا عاجزين عن التكلم وفهم الأهداف السامية للحياة الإنسانية فقط، بل لم يلمس فيهم أثر للعواطف الإنسانية أيضاً، ويتصرفون كالحيوانات الوحشية بالضبط.
وملاحظة حالة البدو والقبائل المتنقلة الصغيرة والمحدودة القليلة الاحتكاك بالآخرين يمكن أن تعطي صورة واضحة عن مصير الإنسان فيما لو انعزل عن المجتمع يوماً ما؟!
هذه الأدلة، وأدلة كثيرة أخرى تؤيد العبارة التي نادى بها بعض الباحثين الاجتماعيين، «المجتمع قبل الفرد» بصورة جيدة.
ويمكن أن يكون الفرد قد خلق قبل المجتمع ككائن حي، لكنه لم يصر إنسانا إلا بعد ظهور المجتمع.
فكلما توسعت العلاقات الاجتماعية، ازدهرت الحضارة البشرية.
وإن سهولة المواصلات في عصرنا الحالي، بأدائها إلى التقريب بين الأفراد، هي إحدى أسباب نشوء الحضارة الحالية، ومقياس لمعرفة درجة تطور بلدان العالم المختلفة.
* خصائص الحياة الاجتماعية الإنسانية:
لم تنحصر الحياة الاجتماعية بالإنسان فقط، بل هناك صنف من الحشرات يُدعى «بالحشرات الاجتماعية» كالنحل والنمل يعيش حياة اجتماعية منتظمة ومحسوسة، وهناك صنف من الطيور يدعى بالطيور الاجتماعية كاللقالق والنسور، وقد عرفت من بين الحيوانات الوحشية مجموعة تدعى بالحيوانات الاجتماعية كالقردة.
ويمكن أن تكون الحياة الاجتماعية لمثل هذه الحيوانات أكثر تطوراً حتى من الحياة البشرية في بعض الجهات، فمثلاً لا يوجد في خلايا النحل حتى عاطل أو جائع واحد، في حين أن أكثر بلدان العالم تطوراً ليست كذلك.
ومع هذا فهناك فرقان أساسيان يميزان حياتها الاجتماعية عن الحياة الاجتماعية الإنسانية وهما:
أ - مهما بلغت الحياة الاجتماعية الحيوانية من السمو والتكامل فإنها تتحدد بأقسام معينة، وتنحصر وتتلخص بعدة ظواهر كبناء الخلية وجمع الغذاء ورعاية الصغار وما شاكل ذلك. في حين أن مظاهر الحياة الاجتماعية الإنسانية كثيرة جداً وغير محدودة تقريباً، ولا تنحصر بظواهر معدودة.
ب - إن الحياة الاجتماعية الحيوانية ذات طور واحد ومجردة من التحول والتطور، وبعبارة أخرى ثابتة على حالها، فعلى سبيل المثال نجد أن خلايا النحل في يومنا هذا تتشابه مع نظائرها منذ ملايين السنين، بصورة تامة، مما يدل بوضوح على ثبات أبعادها الهندسية وطريقة حياتها بصورة عامة.
في حين نجد أن الحياة الاجتماعية الإنسانية تتغير خلال هذه المدة بل في قرن واحد أو أقل منه، في جميع مراحلها أحياناً بحيث لا تقارن بالسابق أبداً.
وهذان الفرقان الأساسيان هما اللذان يميزان الحياة الاجتماعية الإنسانية عن الحيوانية.
وخلاصة القول أن الإنسان مدين للمجتمع بجميع الكمالات التي وصل إليها، سواء في النواحي الفكرية والعلمية والأخلاقية، أم في النواحي المادية والتكنولوجية، أم في غيرها، ولولاه لفقدت الحضارة والإنسانية معناها.
* سبب ظهور المجتمع:
هناك نقاش طويل بين الباحثين الاجتماعيين بشأن السبب الذي دفع الإنسان إلى تشكيل الحياة الاجتماعية وقبول شروطها وقوانينها الصعبة نسبياً، ونذكر قسماً من الأقوال المختلفة في هذا الشأن كأمثلة:
1- القول بأن غريزة الانسجام والإلفة موجودة في فطرة الإنسان وهي تدفعه غريزيا نحو المجتمع.
2- القول بأن العامل الأساسي في رغبة الإنسان بالحياة الاجتماعية هو خوفه من الظواهر الطبيعية المخيفة والحيوانات الوحشية .
3- القول بأن غريزة الاستخدام الكامنة في وجود الإنسان هي التي تدفعه إلى الحياة الاجتماعية.
4- القول بأن الحياة الاجتماعية الحالية هي وليدة مجموعة من عادات وتقاليد تحولت بالتدريج إلى هذا الشكل.
5- القول بأن تعدد احتياجات الإنسان وعدم قدرته منفرداً على تأمينها، هو الذي دفعه إلى الحياة الاجتماعية.
6- القول بأن الحياة الاجتماعية الإنسانية وليدة الحياة الأسرية والتوسع التدريجي للأسر.
7- القول بأنه لا يمكن التكهن بالسبب الذي دفع بالإنسان إلى الحياة الاجتماعية قبل ملايين السنين، لأن مرور القرون والأعصار قد أرخى ستار الغموض على هذا الموضوع وموضوعات مشابهة أخرى، وليس لدينا أي سند معتبر للحكم في هذا الموضوع .
ومع أن الرأي الأخير هو أقرب إلى الواقع من سواه، وليس من السهل معرفة العامل الأساسي الذي دفع بالإنسان إلى الحياة الاجتماعية منذ القدم، لكنه لا ريب في أن استمرار الحياة الاجتماعية الحالية مدين للرغبة بالتكامل وتوسع الحاجات الاجتماعية وعدم قدرة الفرد على تأمينها.
ولتوضيح ذلك: فمن جهة يرى الإنسان أن احتياجاته الجسمية كالمأكل والملبس والمسكن والدواء، واحتياجاته الروحية كالتعلم وتنمية الرغبات والمواهب، والشعور بالطمأنينة الروحية، وكسب عواطف الآخرين، لدرجة من التنوع والاتساع بحيث لا يمكن لأحد أن يؤمنها بمفرده أبداً، بل أن تأمين كل واحدة من هذه الحاجات - وفقاً لطبع الإنسان المعقد - هو من شأن أفراد ومجاميع مختصة وموهوبة في الموضوع.
ومن جهة أخرى فإن هروب الإنسان من الحياة الرتيبة الثابتة ورغبته إلى التطور والتكامل في الحياة - التي تعتبر من مميزات حياته ويندر وجودها في الحيوانات - تجبره على الانضمام إلى الحياة الاجتماعية، لأن هذا الهدف لا يتحقق إلا بوحدة الأفكار والقوى والاستعدادات المختلفة. وهذان الموضوعان هما من أهم العوامل التي تدفع الإنسان إلى مواصلة الحياة الاجتماعية.
رغم أن الناس سواسية أمام جميع القوانين من ناحية الحقوق الاجتماعية، ومبدأ المساواة أمام القانون هو من أهم مبادئ القوانين الحقوقية الراقية، لكن مراعاة هذا المبدأ ليست بدافع تساوي المكانة الاجتماعية الواقعية لأفراد المجتمع، بل هي على الأغلب بهدف تنظيم الأمور ومنع استغلال الجبابرة والمتسلطين والمستعمرين. وإلا فإن من البديهي وجود الفرق الشاسع في مكانة الأفراد الاجتماعية. فمكانة عالم خبير مقدس محترم ومكانة فرد فوضوي فاسد أمي لا تستويان. ولكن لو وضعت فروق بين الأفراد من ناحية حقوقهم الاجتماعية لحصلت مفاسد أكبر بكثير من مفسدة مراعاة ميزة المكانة الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
وبصورة عامة فإن المكانة الاجتماعية للأفراد تتحدد بمقدار الفائدة التي يقدمونها للمجتمع والحديث النبوي الشريف يشير إلى هذه الحقيقة : «خير الناس أنفعهم للناس».